نقوس المهدي
كاتب
عرف العرب ممارسة “اللواط” منذ القدم. لم تكن صورته كما صورته في ذهننا اليوم عندما نتحدث عن المثلية الجنسية. لم يكن ممارسةً ينتج عنها تصنيف ممارسيها إلى فئات ذات رغبة متمحورة حول الذكر، بل كانت ممارسة غالباً ما تجتمع مع ممارسات أخرى مع الجنس الآخر.
تعود معظم الأخبار والأشعار التي تتحدث عن المثلية إلى العصرين العبّاسي والأندلسي. هذا لا يعني أنها ممارسة نشأت في هاتين الحضارتين، فقد عرفت قبل ظهور الإسلام واشتهر به بعض الخلفاء الأمويين.
لم يضع القرآن حداً واضحاً على من يمارس المثلية واكتفى بالتطرّق إليها بشكل سلبي وبالذمّ بقوم لوط الذين مارسوها. هذا الغياب سبّب أزمة بين الفقهاء حول الحدّ المفروض على من يمارسه. تذكر كتب الحديث حديثاً ضعيفاً عن ابن عبّاس عن النبي يقول: “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به”. تشير الروايات المنقولة عن الصحابة إلى تعاملهم الشديد مع ممارسها. منهم من دعا إلى رجمه بالحجارة حتى الموت، ومنهم من قال: “يُحرق”، ومنهم من قال: “يرمى به من أعلى شاهق”.
الأمرد المستحبّ
كان المثليون يفضلون، بشكل عام، الغلام الأمرد (الذي لم تنبت لحيته بعد) لإقامة علاقة جنسية معه. يقول إبن أبي البغل: “وإلا فالصغار ألذ طعماً، وأحلى إن أردت بهم فعالاً”. في التراث العربي أخبار كثيرة تدلّ على استثارة الغلمان للرجال. يقول أحد الأحاديث: “قدم وفد عبد القيس على النبي وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي وراء ظهره وقال: كانت خطيئة من مضى النظر”. وعن أبي هريرة: “نهى رسول الله أن يحدّ الرجل النظر إلى الغلام الأمرد”. كذلك، نهى بعض الفقهاء عن مجالسة المردان. قال ابراهيم النخعي: “مجالستهم فتنة وإنما هم بمنزلة النساء”.
بعض الشعراء العرب ذهب في التغزّل بالنساء إلى تشبيههن بالغلمان. يقول الجاحظ في تعليق له على الشعر المنتشر في عصره “إن من فضل الغلام على الجارية أن الجارية إذا وُصفت بكمال الحسن قيل: كأنَّها غلام ووصيفةٌ غلامية”. في شعر منسوب إلى والبة بن الحُباب يصف فيه جارية، يقول: “لها زيُّ الغلام ولم أقسْها/ إليه ولم أُقصّر بالغلام”. ويقول شاعر:
“لها قدّ الغلام وعارضاه/ وتفتير المبتَّلة اللعوب”
ويقول آخر:
“وصيفة كالغلام تصلح للأمرين كالغصن في تثنّيها
أكملها الله ثم قال لها لما استتمَّت في حسنها: إيها”.
برغم الميل العام إلى تفضيل المرد (جمع أمرد)، لم يمانع بعض آخر بوطء الملتحين منهم. دافع أبو نواس عن وطء الملتحي قائلاً:
“قال الوشاة: بدت في الخد لحيته/ فقلت: لا تكثروا ما ذاك عائبه
الحسن منه على ما كنت اعهده/ والشعر حرز له ممن يطالبه”.
في الوقت عينه، ذمّ بعض العرب هذه الممارسة. يقول الشاعر إبن الوردي:
“مَن قال بالمرد فاحذر أن تصاحبه / فإنْ فعلت فثق بالعار والنار
بضاعة ما اشتراها غير بائعها/ بئس البضاعة والمبتاع والشاري
يا قوم صار اللواط اليوم مشتهراً/ وشائعاً ذائعاً من غير إنكار”.
ويظهر في البيتين الأخيرين أن “اللواط” كان شائعاً في العصر المملوكي.
بغض النظر عن مسائل الحلال والحرام، اعتبر كثيرون أن المرأه تحقق المتعة للرجل أكثر مما يحققها له رجل مثله. يقول الجاحظ: “لو لم يكن حلال ولا حرام ولا ثواب ولا عقاب لكان الذي يُحصّله المعقول ويدركه الحسّ والوجدان دالاً على أن الاستمتاع بالجارية أكثر وأطول مدة لأنه أقل ما يكون التمتّع بها أربعون عاماً وليس تجد في الغلام معنىً إلا وجدته في الجارية وأضعافه. فإن أردت التفخيذ فأرداف وثيرة وأعجاز بارزة لا تجدها عند الغلام. وإن أردت العناق فالثدي النواهد وذلك معدوم في الغلام… وفي الجارية من نعمة البشرة ولدونة المفاصل ولطافة الكفين والقدمين ولين الأعطاف والتثنّي… وطيب العرق ما ليس للغلام مع خصال لا تحصى”.
الخلفاء المثليون
عرف كثير من الخلفاء، أمراء المؤمنين، بممارسة “اللواط”. تتحدث بعض الروايات عن أن يزيد بن معاوية مارسه. ولكن أشهر من اشتهر بذلك في العصر الأموي كان الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك. وصفه السيوطي في كتابه “تاريخ الخلفاء” بأنه “الخليفة الفاسق أبو العباس” وقال عنه شمس الدين الذهبي في كتابه “تاريخ الإسلام”: “اشتهر بالخمر والتلوّط”. بعد قتله، قال أخوه سليمان بن يزيد: “لقد راودني عن نفسي”.
وفي العصر العبّاسي، صارت ظاهرة ممارسة الخلفاء “للواط” ظاهرة شبه عامة. يروي الطبري في تاريخه أن الخليفة الأمين “طلب الخصيان وابتاعهم وغالى بهم وصيّرهم لخلوته في ليله ونهاره… ورفض النساء الحرائر والإماء”. ويُروى أن والدته حاولت ثنيه عن عادته هذه فأتت له بفتيات يتشبّهن الغلمان دون أن تنجح في مسعاها. ويحكى أن الأمين كان متيّماً بأحد الغلمان ويدعى كوثر وأنشد فيه شعراً يقول: “كـوثـر ديني ودنياي وسقمي وطبيبي/ أعجز الناس الذي يلحي محباً في حبيب”.
على عكس الأمين، عُرف أخوه المأمون بعلاقاته الكثيرة مع النساء. رغم ذلك تتحدث بعض المرويات عن تعلّق الخليفة بغلام اسمه “مهج” كان الوزراء يتوسّطون به لدى المأمون لقضاء حاجاتهم. كما تروى رواية عنه فيها أنه نظر إلى غلام فقال له ما اسمك؟ فأجابه: لا أدري فقال: “لم أر مثل هذا” وأنشد:
“تسمّيت لا أدري لأنك لا تدري/ بما فعل الحبّ المبرّح في صدري”.
وفي ولاية المأمون، اشتهر القاضي يحي بن أكثم، قاضي القضاة، وصاحب التأثير في تدبير الملك. إلى جانب علمه الديني الواسع ينسب إليه شعر يتغزّل فيه بشابين، ويقال إنه تمّ عزله عن منصبه بسبب هذه الأبيات. وقد أنشد فيه أبو نواس:
“أنا الماجن اللوطي ديني واحد/ وإني في كسب المعاصي لراغب
أدين بدين الشيخ يحي بن اكثم/ وإني لمن يهوى الزنى لمجانب”.
كذلك، امتلك الخليفة المتوكل عشيقاً اسمه شاهك. يروي المسعودي في كتابه “مروج الذهب” أن الخليفة المعتصم كان يحب جمع الأتراك وشراءهم من أيدي مواليهم “فاجتمع له منهم أربعة آلاف فألبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهبة والحلية المذهبة”.
الشعر المثلي
في شعره، وكثير منه ماجن ويسمّي الأعضاء الجنسية بمسمياتها، امتدح أبو نوّاس “اللواط” إلى حد أنه أنشد لأبي عبيدة النحوي وهو محب آخر للغلمان:
“صلى الله على لوط وشيعته/ أبا عبيدة قل بالله: آمينا
لأنت عندي بلا شك زعيمهم/ منذ احتلمت ومذ جاوزت ستينا”.
وقال أبو هشام الخرَّاز:
“ويا غزالاً يسبي بلحظته/ مكتحلاً راح أو على مرهه
يجعل قتل النّفوس نزهته/ يوشك يُفني النّفوس في نزهه”.
وفي شعر لمحمد بن هانئ المغربي يقول:
“لا تلحني يا عاذلي إنني/ لم تصبني هند ولا زينب
لكنني أصبو إلى شادن، فيه خصال ثلاثة ترغب
لا يرهب الطمث ولا يشتكي الـ/ حمل ولا عن ناظري يحجب”.
ويقول أبو الفتح البستي:
“خذوا بدمي هذا الغلام فإنَّه/ رماني بسهمَيْ مقلتيه على عمد”.
ويقول أبو فراس الحمداني:
“غلام فوق ما أصف/ كأن قوامه ألف”.
ويقول إبن الرومي:
“أفسدتْ توبتي عليَّ غلام/ غصن ناعم وبدر تمام”.
ويقول شاعر مجهول:
“إنما الدنيا طعام/ ومدام وغلام
فإذا فاتك هذا/ فعلى الدنيا السلام”
ويقول آخر:
“وعلى اللّواط فلا تلمن كاتباً/ إن اللواط سجيَّة في الكاتب
ولقد يتوب من المحارم كلها/ وعن الخصى ما عاش ليس بتائب”.
من ناحية ثانية، عرف العرب ممارسات أخرى تجمع ذكرين وأنثى وذلك بتوسط رجل بين إمرأة من تحت ورجل من فوق. وفي ذلك أنشد اليعقوبي:
“وأعير من يدنو إلي صبابة/ وأبيت بين غلامة وغلام”.
وفيه أنشد الخبزارزي:
“اتنشط للوصل يا سيدي/ فإن الحبيب له قد نشط
أحب اجتماعكم في الهوى/ عسى الله يصنع لي في الوسط”.
من طرائف المثلية
اشتهر أبو نواس بحبه للغلمان، وعندما قيل له “زوّجك الله الحور العين” أجاب بأنه ليس بصاحب نساء بل الولدان المخلدين في إشارة إلى الآيات القرآنية التي تتحدث عن ولدان مخلدين يخدمون المؤمنين في الجنّة. وقد استعار البعض من الدين أوصافاً للغلمان فقيل: الغلام استطاعة المعتزلة لأنه يصلح للضدين، يفعل ويفعل به، والمرأة استطاعة المجبرة لا تصلح إلا لأحد الضدين.
في إحدى الروايات، “راود رجل من أهل الحديث غلاماً عن نفسه، فقال: ما تعطيني؟ فقال: استغفر لك الله ما دمت حياً وأقرأ على قبرك القرآن إذا مت. فقال الغلام فاقرأ بالعاجل على (عضوك الجنسي): “ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً”.
وفي رواية أخرى، كان قاضٍ يعظ فأقبلت عليه جماعة من المرد. فلما رآهم مقبلين قال للمؤمنين المتحلقين حوله، إن العدو قد كثر وطلب منهم ترديد الدعاء التالي معه: “اللهم امنحنا أكتافهم اللهم أقلبهم على وجوههم وولّنا أدبارهم وأرنا عوراتهم وسلط رماحنا عليهم”. فردّد المؤمنون دعاءه دون أن يعرفوا قصده.
في العصر العبّاسي كان “للّواط” أسواق. روي أن غلاماً من حمص فرّ إلى بغداد، وفيها رأى كثرة الإجارة فمارس البغاء. وعندما راسلته أمه لكي يعود بهدف إنشاء طاحونة له بحمص، كتب إليها: يا أماه إن استاً بالعراق خير من طاحونة بحمص.
المثلية الجنسية متأصلة في كتب التراث وكان الخلفاء يمارسونها
حسام الحداد
ليس دفاعا عن المثلية الجنسية ولا ما يطلق عليه الشذوذ الجنسي في مجتمعاتنا الشرقية التي تحفل بارتفاع معدلات الشذوذ في نفس الوقت نقدم للسيد مستشار وزارة الأوقاف كيف كانت هذه الممارسات موجودة في المجتمع العربي في فترة ازدهرت فيها الحضارة العربية والاسلامية وبدأت تتبلور فيها ملامح العلوم الدينية وغيرها من العلوم.
قال الشيخ صبري عبادة، مستشار وزارة الأوقاف، إن المثلية الجنسية غزو فكري، والله سبحانه وتعالى رسم لكل إنسان كيفية استخدام أعضائه، واستخدام الغريزية الجنسية بهذا الشكل المقزز يؤكد أن هناك مفاهيم مغلوطة مستوردة من الخارج.
وتابع “عبادة”، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “العاشرة مساءً”، المذاع على فضائية “دريم”، مساء الأحد، أن القرآن الكريم والتوراة والإنجيل حاربوا المثلية الجنسية، لأنها تؤدي إلى نشر الأمراض، خلاف أنها تخالف ما أمر الله به، ورفع علم للمثليين جنسيًا في حفل بالتجمع الخامس هو جريمة كبرى.
واوضح أن من قاموا برفع العلم هم قوم لوط، وأستغرب الحديث على أن المثلية حرية شخصية، لافتَا إلى أن رفع المثليين جنسيًا العلم هو نوع من الجهر بالمعصية وهذا من أكبر الكبائر، وعلى الأجهزة المعنية اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد هؤلاء.
وردا على هذه المغالطات وليس دفاعا عن المثلية الجنسية ولا ما يطلق عليه الشذوذ الجنسي في مجتمعاتنا الشرقية التي تحفل بارتفاع معدلات الشذوذ في نفس الوقت نقدم للسيد مستشار وزارة الأوقاف كيف كانت هذه الممارسات موجودة في المجتمع العربي في فترة ازدهرت فيها الحضارة العربية والاسلامية وبدأت تتبلور فيها ملامح العلوم الدينية وغيرها من العلوم، وكانت العراق ولاسيما بغداد والبصرة والكوفة وسامراء، أشهر حواضر الإمبراطورية العباسية قاطبة، تعيش في سعة من الحياة المادية، والبذخ والرفاهية المفرطة، وتتفنّن في صنوفها . يُضاف إلى ذلك كله ، فقد تلاقحت الثقافات وتلاقت الأعراق والأجناس من عربية وفارسية ويونانية وتركية ، وغيرها كثير، إذ كان من الطبيعي أن تؤدي تلك البيئة المحيطة والمتحررة وما أفرزته ، إلى أنماط حياة مادية فاضحة من المجون والخلاعة والعبث واللواط . وقد تكون من المفارقات العجيبة الغريبة ، أن بعض الخلفاء كانوا على رأس الممارسين لمثل تلك الأنماط الحياتية ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر : الأمين ومن قبله أبوه هارون الرشيد
الذي كان يتساهل في هذا الأمر. ولا غرو فالناس على دين ملوكهم ، كما يُقال
وقد يكون ، في حكم المؤكد ، أن الحضارة العربية الإسلامية ، ورثت تلك العادة عن الحضارات التي سبقتها . سيما أنها بدأت على عهد الدولة العباسية . ومنهم من يعزو سبب الانتشار الواسع لظاهرة اللواط ، وتسرب الفاحشة بين الذكران في المجتمع العربي ، منذ منتصف القرن الثاني الهجري ، على عهد الدولة العباسية ذات الطابع الفارسي البارز ، إلى أنه كان عن طريق الفرس أنفسهم. وقد نُسب إلى أبي مسلم الخراساني ، في ألذ العيش ، قوله ” (طعام أحبر ومدام أصفر وغلام أحور) . ولما سُئل عن تقديم الغلام على الجارية قال (لأنه في الطريق رفيق ، وفي الإخوان نديم ، وفي الخلوة أهل) ” (أبو القاسم حسين بن محمد الراغب الأصفهاني، محاضرات الأدباء، ج2،ص144،مطبعة المويلحي)، كذلك أطلق الخلفاء الحبل على الغارب للحريات وللعواطف ، دون رقيب من دين أو سلطان ، فانغمس كثير من الشعراء والكتاب في الترف واللهو والمجون !
انتشر اللواط في المجتمع العباسي كانتشار الداء ، إلى أن أصبح ظاهرة فاشية ومستشرية بشكل مقلق ، فجاهر به الشعراء الماجنون ، أمثال : بشار بن برد وأبو نواس ومطيع بن إياس ويحيي بن زياد وحماد عجرد وسلم الخاسر ووالبة بن الحباب وإبان اللاحقي وآخرون . ولم يقتصر التهتك واللواط على الشعراء وحدهم ، إنما تجاوزه إلى غيرهم من العلماء والأدباء والكتّاب ، وقد عُرف منهم أبو عبيدة النحوي البصري المعروف ، والكسائي النحوي المشهور (يوسف بكار : اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري ، ص189-190) . كذلك ، هو واقع الأمر لدى بعض القضاة ، ومنهم يحيي بن أكثم قاضي البصرة إذ كان معروفاً بكثرة لواطه ، حتى ضجّ الناس به ، ورفعوا أمره إلى الخليفة المأمون ” قال أهل الأخبار إن القاضي يحيي بن أكثم كان مشتهراً بحب الغلمان ، وأن أهل البصرة رفعوا بأمره إلى المأمون قبل اتصاله به وقالوا فيه : إنه قد أفسد أولادهم وظهرت منه الفواحش فاستعظمها المأمون وعزله عنهم ” (الشريشي : شرح مقامات الحريري البصري ، ج1 ، ص185 ، مكتبة الثقافة ، بيروت ، 1952) . وقد قيل في ذلك شعر ، يصف ما آل إليه هذا الواقع (الشريشي : شرح مقامات الحريري البصري ، ج1 ، ص185-186)
أميرنا يرتشي وحاكمنا يلوطُ والشر بيننا راس
قاض يرى الحدّ في الزناة ولا يرى على من يلوط باس
وكذلك :
متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها إذا كان قاضي المسلمين يلوط
ومنهم أيضاً القاضي الجرجاني ، مصنّف كتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) . فقد اشتهر بحبه للغلمان ومزاولته لتلك العادة السيئة ، وفي ذلك ، يقول أحد الباحثين ” وكان القضاة والفقهاء والمحدثون ، يشاركون عصرهم استساغة لهذه العادة “(محمود السمرة : القاضي الجرجاني ، الأديب الناقد ، ص92)! وكان الجرجاني صديقاً للوزير الأديب الصاحب بن عباد ومقرّباً منه ، الذي اشتهر هو الآخر بتلك العادة ” والصاحب بن عباد يفتنه أحد غلمانه الكثيرين بغنجه ولثغته فيقول فيه :
وشادن قلت له : ما اسمك ؟ فقال لي بالغنج عباث
فصرت من لثغته ألثغا فقلت : أين الكاث والطاث ”
ولكثرة ما شاع خبر اللواط واشتهر ، وكثُر الميل نحو تفضيل الغلمان على الجواري ، في مختلف طبقات المجتمع العباسي ، جعل حتى الجواري يتشبّهن بالغلمان في الملبس والمظهر ، فأطلق عليهن لقب (غُلاميات) تشبهاً بالغلمان ، هذا بدل أن يكون العكس ، هو الصحيح ! يقول الجاحظ في ذلك ” إن من فضل الغلام على الجارية ، أن الجارية إذا وُصفت بكمال الحسن قيل : كأنها غلام ، ووصيفة غُلامية ” (الجاحظ : الرسائل ، ج2 ، ص195)
ولعل في الفقرة الآتية ، ما يقوم بتوصيف دقيق ، لظاهرة اللواط في واقع المجتمع آنذاك ” ومن مظاهر طغيان الجنس ، انتشار الشذوذ الجنسي حتى أصبح اللواط (أو كاد يصبح) ظاهرة طبيعية لا غرابة فيها ، ولا تختص بفئة من الفئات الاجتماعية . قد اشترك فيها العوام والخواص من الخلفاء ، إلى الأمراء والوزراء ، إلى القضاة …إلى السوقة والرعاع…ظاهرة لم تعد تُنكر أو تُستفظع ، وإنما أصبح يتجاهر بها أصحابها ، وينوّهون بها في أشعارهم ، معتزّين بها ، يرون فيها عنوان امتياز في الذوق ، ودليلاً على البصر بفن الحياة ، وعلى مستوى رفيع في الحضارة ” (البشير المجدوب : الظرف بالعراق في العصر العباسي فيما بين القرنين الثاني والرابع للهجرة ، ص93)
وقد عرف العرب ممارسة “اللواط” منذ القدم. لم تكن صورته كما صورته في ذهننا اليوم عندما نتحدث عن المثلية الجنسية. لم يكن ممارسةً ينتج عنها تصنيف ممارسيها إلى فئات ذات رغبة متمحورة حول الذكر، بل كانت ممارسة غالباً ما تجتمع مع ممارسات أخرى مع الجنس الآخر.
تعود معظم الأخبار والأشعار التي تتحدث عن المثلية إلى العصرين العبّاسي والأندلسي. هذا لا يعني أنها ممارسة نشأت في هاتين الحضارتين، فقد عرفت قبل ظهور الإسلام واشتهر به بعض الخلفاء الأمويين.
ولم يضع القرآن حداً واضحاً على من يمارس المثلية واكتفى بالتطرّق إليها بشكل سلبي وبالذمّ بقوم لوط الذين مارسوها. هذا الغياب سبّب أزمة بين الفقهاء حول الحدّ المفروض على من يمارسه. تذكر كتب الحديث حديثاً ضعيفاً عن ابن عبّاس عن النبي يقول: “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به”. تشير الروايات المنقولة عن الصحابة إلى تعاملهم الشديد مع ممارسها. منهم من دعا إلى رجمه بالحجارة حتى الموت، ومنهم من قال: “يُحرق”، ومنهم من قال: “يرمى به من أعلى شاهق”.
عرف كثير من الخلفاء، أمراء المؤمنين، بممارسة “اللواط”. تتحدث بعض الروايات عن أن يزيد بن معاوية مارسه. ولكن أشهر من اشتهر بذلك في العصر الأموي كان الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك. وصفه السيوطي في كتابه “تاريخ الخلفاء” بأنه “الخليفة الفاسق أبو العباس” وقال عنه شمس الدين الذهبي في كتابه “تاريخ الإسلام”: “اشتهر بالخمر والتلوّط”. بعد قتله، قال أخوه سليمان بن يزيد: “لقد راودني عن نفسي”.
وفي العصر العبّاسي، صارت ظاهرة ممارسة الخلفاء “للواط” ظاهرة شبه عامة. يروي الطبري في تاريخه أن الخليفة الأمين “طلب الخصيان وابتاعهم وغالى بهم وصيّرهم لخلوته في ليله ونهاره… ورفض النساء الحرائر والإماء”. ويُروى أن والدته حاولت ثنيه عن عادته هذه فأتت له بفتيات يتشبّهن الغلمان دون أن تنجح في مسعاها. ويحكى أن الأمين كان متيّماً بأحد الغلمان ويدعى كوثر وأنشد فيه شعراً يقول: “كـوثـر ديني ودنياي وسقمي وطبيبي/ أعجز الناس الذي يلحي محباً في حبيب”.
على عكس الأمين، عُرف أخوه المأمون بعلاقاته الكثيرة مع النساء. رغم ذلك تتحدث بعض المرويات عن تعلّق الخليفة بغلام اسمه “مهج” كان الوزراء يتوسّطون به لدى المأمون لقضاء حاجاتهم. كما تروى رواية عنه فيها أنه نظر إلى غلام فقال له ما اسمك؟ فأجابه: لا أدري فقال: “لم أر مثل هذا” وأنشد: “تسمّيت لا أدري لأنك لا تدري بما فعل الحبّ المبرّح في صدري”.
وفي ولاية المأمون، اشتهر القاضي يحي بن أكثم، قاضي القضاة، وصاحب التأثير في تدبير الملك. إلى جانب علمه الديني الواسع ينسب إليه شعر يتغزّل فيه بشابين، ويقال إنه تمّ عزله عن منصبه بسبب هذه الأبيات. وقد أنشد فيه أبو نواس: “أنا الماجن اللوطي ديني واحد/ وإني في كسب المعاصي لراغب/ أدين بدين الشيخ يحي بن اكثم/ وإني لمن يهوى الزنى لمجانب”.
كذلك، امتلك الخليفة المتوكل عشيقاً اسمه شاهك. يروي المسعودي في كتابه “مروج الذهب” أن الخليفة المعتصم كان يحب جمع الأتراك وشراءهم من أيدي مواليهم “فاجتمع له منهم أربعة آلاف فألبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهبة والحلية المذهبة”.
تعود معظم الأخبار والأشعار التي تتحدث عن المثلية إلى العصرين العبّاسي والأندلسي. هذا لا يعني أنها ممارسة نشأت في هاتين الحضارتين، فقد عرفت قبل ظهور الإسلام واشتهر به بعض الخلفاء الأمويين.
لم يضع القرآن حداً واضحاً على من يمارس المثلية واكتفى بالتطرّق إليها بشكل سلبي وبالذمّ بقوم لوط الذين مارسوها. هذا الغياب سبّب أزمة بين الفقهاء حول الحدّ المفروض على من يمارسه. تذكر كتب الحديث حديثاً ضعيفاً عن ابن عبّاس عن النبي يقول: “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به”. تشير الروايات المنقولة عن الصحابة إلى تعاملهم الشديد مع ممارسها. منهم من دعا إلى رجمه بالحجارة حتى الموت، ومنهم من قال: “يُحرق”، ومنهم من قال: “يرمى به من أعلى شاهق”.
الأمرد المستحبّ
كان المثليون يفضلون، بشكل عام، الغلام الأمرد (الذي لم تنبت لحيته بعد) لإقامة علاقة جنسية معه. يقول إبن أبي البغل: “وإلا فالصغار ألذ طعماً، وأحلى إن أردت بهم فعالاً”. في التراث العربي أخبار كثيرة تدلّ على استثارة الغلمان للرجال. يقول أحد الأحاديث: “قدم وفد عبد القيس على النبي وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي وراء ظهره وقال: كانت خطيئة من مضى النظر”. وعن أبي هريرة: “نهى رسول الله أن يحدّ الرجل النظر إلى الغلام الأمرد”. كذلك، نهى بعض الفقهاء عن مجالسة المردان. قال ابراهيم النخعي: “مجالستهم فتنة وإنما هم بمنزلة النساء”.
بعض الشعراء العرب ذهب في التغزّل بالنساء إلى تشبيههن بالغلمان. يقول الجاحظ في تعليق له على الشعر المنتشر في عصره “إن من فضل الغلام على الجارية أن الجارية إذا وُصفت بكمال الحسن قيل: كأنَّها غلام ووصيفةٌ غلامية”. في شعر منسوب إلى والبة بن الحُباب يصف فيه جارية، يقول: “لها زيُّ الغلام ولم أقسْها/ إليه ولم أُقصّر بالغلام”. ويقول شاعر:
“لها قدّ الغلام وعارضاه/ وتفتير المبتَّلة اللعوب”
ويقول آخر:
“وصيفة كالغلام تصلح للأمرين كالغصن في تثنّيها
أكملها الله ثم قال لها لما استتمَّت في حسنها: إيها”.
برغم الميل العام إلى تفضيل المرد (جمع أمرد)، لم يمانع بعض آخر بوطء الملتحين منهم. دافع أبو نواس عن وطء الملتحي قائلاً:
“قال الوشاة: بدت في الخد لحيته/ فقلت: لا تكثروا ما ذاك عائبه
الحسن منه على ما كنت اعهده/ والشعر حرز له ممن يطالبه”.
في الوقت عينه، ذمّ بعض العرب هذه الممارسة. يقول الشاعر إبن الوردي:
“مَن قال بالمرد فاحذر أن تصاحبه / فإنْ فعلت فثق بالعار والنار
بضاعة ما اشتراها غير بائعها/ بئس البضاعة والمبتاع والشاري
يا قوم صار اللواط اليوم مشتهراً/ وشائعاً ذائعاً من غير إنكار”.
ويظهر في البيتين الأخيرين أن “اللواط” كان شائعاً في العصر المملوكي.
بغض النظر عن مسائل الحلال والحرام، اعتبر كثيرون أن المرأه تحقق المتعة للرجل أكثر مما يحققها له رجل مثله. يقول الجاحظ: “لو لم يكن حلال ولا حرام ولا ثواب ولا عقاب لكان الذي يُحصّله المعقول ويدركه الحسّ والوجدان دالاً على أن الاستمتاع بالجارية أكثر وأطول مدة لأنه أقل ما يكون التمتّع بها أربعون عاماً وليس تجد في الغلام معنىً إلا وجدته في الجارية وأضعافه. فإن أردت التفخيذ فأرداف وثيرة وأعجاز بارزة لا تجدها عند الغلام. وإن أردت العناق فالثدي النواهد وذلك معدوم في الغلام… وفي الجارية من نعمة البشرة ولدونة المفاصل ولطافة الكفين والقدمين ولين الأعطاف والتثنّي… وطيب العرق ما ليس للغلام مع خصال لا تحصى”.
الخلفاء المثليون
عرف كثير من الخلفاء، أمراء المؤمنين، بممارسة “اللواط”. تتحدث بعض الروايات عن أن يزيد بن معاوية مارسه. ولكن أشهر من اشتهر بذلك في العصر الأموي كان الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك. وصفه السيوطي في كتابه “تاريخ الخلفاء” بأنه “الخليفة الفاسق أبو العباس” وقال عنه شمس الدين الذهبي في كتابه “تاريخ الإسلام”: “اشتهر بالخمر والتلوّط”. بعد قتله، قال أخوه سليمان بن يزيد: “لقد راودني عن نفسي”.
وفي العصر العبّاسي، صارت ظاهرة ممارسة الخلفاء “للواط” ظاهرة شبه عامة. يروي الطبري في تاريخه أن الخليفة الأمين “طلب الخصيان وابتاعهم وغالى بهم وصيّرهم لخلوته في ليله ونهاره… ورفض النساء الحرائر والإماء”. ويُروى أن والدته حاولت ثنيه عن عادته هذه فأتت له بفتيات يتشبّهن الغلمان دون أن تنجح في مسعاها. ويحكى أن الأمين كان متيّماً بأحد الغلمان ويدعى كوثر وأنشد فيه شعراً يقول: “كـوثـر ديني ودنياي وسقمي وطبيبي/ أعجز الناس الذي يلحي محباً في حبيب”.
على عكس الأمين، عُرف أخوه المأمون بعلاقاته الكثيرة مع النساء. رغم ذلك تتحدث بعض المرويات عن تعلّق الخليفة بغلام اسمه “مهج” كان الوزراء يتوسّطون به لدى المأمون لقضاء حاجاتهم. كما تروى رواية عنه فيها أنه نظر إلى غلام فقال له ما اسمك؟ فأجابه: لا أدري فقال: “لم أر مثل هذا” وأنشد:
“تسمّيت لا أدري لأنك لا تدري/ بما فعل الحبّ المبرّح في صدري”.
وفي ولاية المأمون، اشتهر القاضي يحي بن أكثم، قاضي القضاة، وصاحب التأثير في تدبير الملك. إلى جانب علمه الديني الواسع ينسب إليه شعر يتغزّل فيه بشابين، ويقال إنه تمّ عزله عن منصبه بسبب هذه الأبيات. وقد أنشد فيه أبو نواس:
“أنا الماجن اللوطي ديني واحد/ وإني في كسب المعاصي لراغب
أدين بدين الشيخ يحي بن اكثم/ وإني لمن يهوى الزنى لمجانب”.
كذلك، امتلك الخليفة المتوكل عشيقاً اسمه شاهك. يروي المسعودي في كتابه “مروج الذهب” أن الخليفة المعتصم كان يحب جمع الأتراك وشراءهم من أيدي مواليهم “فاجتمع له منهم أربعة آلاف فألبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهبة والحلية المذهبة”.
الشعر المثلي
في شعره، وكثير منه ماجن ويسمّي الأعضاء الجنسية بمسمياتها، امتدح أبو نوّاس “اللواط” إلى حد أنه أنشد لأبي عبيدة النحوي وهو محب آخر للغلمان:
“صلى الله على لوط وشيعته/ أبا عبيدة قل بالله: آمينا
لأنت عندي بلا شك زعيمهم/ منذ احتلمت ومذ جاوزت ستينا”.
وقال أبو هشام الخرَّاز:
“ويا غزالاً يسبي بلحظته/ مكتحلاً راح أو على مرهه
يجعل قتل النّفوس نزهته/ يوشك يُفني النّفوس في نزهه”.
وفي شعر لمحمد بن هانئ المغربي يقول:
“لا تلحني يا عاذلي إنني/ لم تصبني هند ولا زينب
لكنني أصبو إلى شادن، فيه خصال ثلاثة ترغب
لا يرهب الطمث ولا يشتكي الـ/ حمل ولا عن ناظري يحجب”.
ويقول أبو الفتح البستي:
“خذوا بدمي هذا الغلام فإنَّه/ رماني بسهمَيْ مقلتيه على عمد”.
ويقول أبو فراس الحمداني:
“غلام فوق ما أصف/ كأن قوامه ألف”.
ويقول إبن الرومي:
“أفسدتْ توبتي عليَّ غلام/ غصن ناعم وبدر تمام”.
ويقول شاعر مجهول:
“إنما الدنيا طعام/ ومدام وغلام
فإذا فاتك هذا/ فعلى الدنيا السلام”
ويقول آخر:
“وعلى اللّواط فلا تلمن كاتباً/ إن اللواط سجيَّة في الكاتب
ولقد يتوب من المحارم كلها/ وعن الخصى ما عاش ليس بتائب”.
من ناحية ثانية، عرف العرب ممارسات أخرى تجمع ذكرين وأنثى وذلك بتوسط رجل بين إمرأة من تحت ورجل من فوق. وفي ذلك أنشد اليعقوبي:
“وأعير من يدنو إلي صبابة/ وأبيت بين غلامة وغلام”.
وفيه أنشد الخبزارزي:
“اتنشط للوصل يا سيدي/ فإن الحبيب له قد نشط
أحب اجتماعكم في الهوى/ عسى الله يصنع لي في الوسط”.
من طرائف المثلية
اشتهر أبو نواس بحبه للغلمان، وعندما قيل له “زوّجك الله الحور العين” أجاب بأنه ليس بصاحب نساء بل الولدان المخلدين في إشارة إلى الآيات القرآنية التي تتحدث عن ولدان مخلدين يخدمون المؤمنين في الجنّة. وقد استعار البعض من الدين أوصافاً للغلمان فقيل: الغلام استطاعة المعتزلة لأنه يصلح للضدين، يفعل ويفعل به، والمرأة استطاعة المجبرة لا تصلح إلا لأحد الضدين.
في إحدى الروايات، “راود رجل من أهل الحديث غلاماً عن نفسه، فقال: ما تعطيني؟ فقال: استغفر لك الله ما دمت حياً وأقرأ على قبرك القرآن إذا مت. فقال الغلام فاقرأ بالعاجل على (عضوك الجنسي): “ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً”.
وفي رواية أخرى، كان قاضٍ يعظ فأقبلت عليه جماعة من المرد. فلما رآهم مقبلين قال للمؤمنين المتحلقين حوله، إن العدو قد كثر وطلب منهم ترديد الدعاء التالي معه: “اللهم امنحنا أكتافهم اللهم أقلبهم على وجوههم وولّنا أدبارهم وأرنا عوراتهم وسلط رماحنا عليهم”. فردّد المؤمنون دعاءه دون أن يعرفوا قصده.
في العصر العبّاسي كان “للّواط” أسواق. روي أن غلاماً من حمص فرّ إلى بغداد، وفيها رأى كثرة الإجارة فمارس البغاء. وعندما راسلته أمه لكي يعود بهدف إنشاء طاحونة له بحمص، كتب إليها: يا أماه إن استاً بالعراق خير من طاحونة بحمص.
المثلية الجنسية متأصلة في كتب التراث وكان الخلفاء يمارسونها
حسام الحداد
ليس دفاعا عن المثلية الجنسية ولا ما يطلق عليه الشذوذ الجنسي في مجتمعاتنا الشرقية التي تحفل بارتفاع معدلات الشذوذ في نفس الوقت نقدم للسيد مستشار وزارة الأوقاف كيف كانت هذه الممارسات موجودة في المجتمع العربي في فترة ازدهرت فيها الحضارة العربية والاسلامية وبدأت تتبلور فيها ملامح العلوم الدينية وغيرها من العلوم.
قال الشيخ صبري عبادة، مستشار وزارة الأوقاف، إن المثلية الجنسية غزو فكري، والله سبحانه وتعالى رسم لكل إنسان كيفية استخدام أعضائه، واستخدام الغريزية الجنسية بهذا الشكل المقزز يؤكد أن هناك مفاهيم مغلوطة مستوردة من الخارج.
وتابع “عبادة”، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “العاشرة مساءً”، المذاع على فضائية “دريم”، مساء الأحد، أن القرآن الكريم والتوراة والإنجيل حاربوا المثلية الجنسية، لأنها تؤدي إلى نشر الأمراض، خلاف أنها تخالف ما أمر الله به، ورفع علم للمثليين جنسيًا في حفل بالتجمع الخامس هو جريمة كبرى.
واوضح أن من قاموا برفع العلم هم قوم لوط، وأستغرب الحديث على أن المثلية حرية شخصية، لافتَا إلى أن رفع المثليين جنسيًا العلم هو نوع من الجهر بالمعصية وهذا من أكبر الكبائر، وعلى الأجهزة المعنية اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد هؤلاء.
وردا على هذه المغالطات وليس دفاعا عن المثلية الجنسية ولا ما يطلق عليه الشذوذ الجنسي في مجتمعاتنا الشرقية التي تحفل بارتفاع معدلات الشذوذ في نفس الوقت نقدم للسيد مستشار وزارة الأوقاف كيف كانت هذه الممارسات موجودة في المجتمع العربي في فترة ازدهرت فيها الحضارة العربية والاسلامية وبدأت تتبلور فيها ملامح العلوم الدينية وغيرها من العلوم، وكانت العراق ولاسيما بغداد والبصرة والكوفة وسامراء، أشهر حواضر الإمبراطورية العباسية قاطبة، تعيش في سعة من الحياة المادية، والبذخ والرفاهية المفرطة، وتتفنّن في صنوفها . يُضاف إلى ذلك كله ، فقد تلاقحت الثقافات وتلاقت الأعراق والأجناس من عربية وفارسية ويونانية وتركية ، وغيرها كثير، إذ كان من الطبيعي أن تؤدي تلك البيئة المحيطة والمتحررة وما أفرزته ، إلى أنماط حياة مادية فاضحة من المجون والخلاعة والعبث واللواط . وقد تكون من المفارقات العجيبة الغريبة ، أن بعض الخلفاء كانوا على رأس الممارسين لمثل تلك الأنماط الحياتية ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر : الأمين ومن قبله أبوه هارون الرشيد
الذي كان يتساهل في هذا الأمر. ولا غرو فالناس على دين ملوكهم ، كما يُقال
وقد يكون ، في حكم المؤكد ، أن الحضارة العربية الإسلامية ، ورثت تلك العادة عن الحضارات التي سبقتها . سيما أنها بدأت على عهد الدولة العباسية . ومنهم من يعزو سبب الانتشار الواسع لظاهرة اللواط ، وتسرب الفاحشة بين الذكران في المجتمع العربي ، منذ منتصف القرن الثاني الهجري ، على عهد الدولة العباسية ذات الطابع الفارسي البارز ، إلى أنه كان عن طريق الفرس أنفسهم. وقد نُسب إلى أبي مسلم الخراساني ، في ألذ العيش ، قوله ” (طعام أحبر ومدام أصفر وغلام أحور) . ولما سُئل عن تقديم الغلام على الجارية قال (لأنه في الطريق رفيق ، وفي الإخوان نديم ، وفي الخلوة أهل) ” (أبو القاسم حسين بن محمد الراغب الأصفهاني، محاضرات الأدباء، ج2،ص144،مطبعة المويلحي)، كذلك أطلق الخلفاء الحبل على الغارب للحريات وللعواطف ، دون رقيب من دين أو سلطان ، فانغمس كثير من الشعراء والكتاب في الترف واللهو والمجون !
انتشر اللواط في المجتمع العباسي كانتشار الداء ، إلى أن أصبح ظاهرة فاشية ومستشرية بشكل مقلق ، فجاهر به الشعراء الماجنون ، أمثال : بشار بن برد وأبو نواس ومطيع بن إياس ويحيي بن زياد وحماد عجرد وسلم الخاسر ووالبة بن الحباب وإبان اللاحقي وآخرون . ولم يقتصر التهتك واللواط على الشعراء وحدهم ، إنما تجاوزه إلى غيرهم من العلماء والأدباء والكتّاب ، وقد عُرف منهم أبو عبيدة النحوي البصري المعروف ، والكسائي النحوي المشهور (يوسف بكار : اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري ، ص189-190) . كذلك ، هو واقع الأمر لدى بعض القضاة ، ومنهم يحيي بن أكثم قاضي البصرة إذ كان معروفاً بكثرة لواطه ، حتى ضجّ الناس به ، ورفعوا أمره إلى الخليفة المأمون ” قال أهل الأخبار إن القاضي يحيي بن أكثم كان مشتهراً بحب الغلمان ، وأن أهل البصرة رفعوا بأمره إلى المأمون قبل اتصاله به وقالوا فيه : إنه قد أفسد أولادهم وظهرت منه الفواحش فاستعظمها المأمون وعزله عنهم ” (الشريشي : شرح مقامات الحريري البصري ، ج1 ، ص185 ، مكتبة الثقافة ، بيروت ، 1952) . وقد قيل في ذلك شعر ، يصف ما آل إليه هذا الواقع (الشريشي : شرح مقامات الحريري البصري ، ج1 ، ص185-186)
أميرنا يرتشي وحاكمنا يلوطُ والشر بيننا راس
قاض يرى الحدّ في الزناة ولا يرى على من يلوط باس
وكذلك :
متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها إذا كان قاضي المسلمين يلوط
ومنهم أيضاً القاضي الجرجاني ، مصنّف كتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) . فقد اشتهر بحبه للغلمان ومزاولته لتلك العادة السيئة ، وفي ذلك ، يقول أحد الباحثين ” وكان القضاة والفقهاء والمحدثون ، يشاركون عصرهم استساغة لهذه العادة “(محمود السمرة : القاضي الجرجاني ، الأديب الناقد ، ص92)! وكان الجرجاني صديقاً للوزير الأديب الصاحب بن عباد ومقرّباً منه ، الذي اشتهر هو الآخر بتلك العادة ” والصاحب بن عباد يفتنه أحد غلمانه الكثيرين بغنجه ولثغته فيقول فيه :
وشادن قلت له : ما اسمك ؟ فقال لي بالغنج عباث
فصرت من لثغته ألثغا فقلت : أين الكاث والطاث ”
ولكثرة ما شاع خبر اللواط واشتهر ، وكثُر الميل نحو تفضيل الغلمان على الجواري ، في مختلف طبقات المجتمع العباسي ، جعل حتى الجواري يتشبّهن بالغلمان في الملبس والمظهر ، فأطلق عليهن لقب (غُلاميات) تشبهاً بالغلمان ، هذا بدل أن يكون العكس ، هو الصحيح ! يقول الجاحظ في ذلك ” إن من فضل الغلام على الجارية ، أن الجارية إذا وُصفت بكمال الحسن قيل : كأنها غلام ، ووصيفة غُلامية ” (الجاحظ : الرسائل ، ج2 ، ص195)
ولعل في الفقرة الآتية ، ما يقوم بتوصيف دقيق ، لظاهرة اللواط في واقع المجتمع آنذاك ” ومن مظاهر طغيان الجنس ، انتشار الشذوذ الجنسي حتى أصبح اللواط (أو كاد يصبح) ظاهرة طبيعية لا غرابة فيها ، ولا تختص بفئة من الفئات الاجتماعية . قد اشترك فيها العوام والخواص من الخلفاء ، إلى الأمراء والوزراء ، إلى القضاة …إلى السوقة والرعاع…ظاهرة لم تعد تُنكر أو تُستفظع ، وإنما أصبح يتجاهر بها أصحابها ، وينوّهون بها في أشعارهم ، معتزّين بها ، يرون فيها عنوان امتياز في الذوق ، ودليلاً على البصر بفن الحياة ، وعلى مستوى رفيع في الحضارة ” (البشير المجدوب : الظرف بالعراق في العصر العباسي فيما بين القرنين الثاني والرابع للهجرة ، ص93)
وقد عرف العرب ممارسة “اللواط” منذ القدم. لم تكن صورته كما صورته في ذهننا اليوم عندما نتحدث عن المثلية الجنسية. لم يكن ممارسةً ينتج عنها تصنيف ممارسيها إلى فئات ذات رغبة متمحورة حول الذكر، بل كانت ممارسة غالباً ما تجتمع مع ممارسات أخرى مع الجنس الآخر.
تعود معظم الأخبار والأشعار التي تتحدث عن المثلية إلى العصرين العبّاسي والأندلسي. هذا لا يعني أنها ممارسة نشأت في هاتين الحضارتين، فقد عرفت قبل ظهور الإسلام واشتهر به بعض الخلفاء الأمويين.
ولم يضع القرآن حداً واضحاً على من يمارس المثلية واكتفى بالتطرّق إليها بشكل سلبي وبالذمّ بقوم لوط الذين مارسوها. هذا الغياب سبّب أزمة بين الفقهاء حول الحدّ المفروض على من يمارسه. تذكر كتب الحديث حديثاً ضعيفاً عن ابن عبّاس عن النبي يقول: “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به”. تشير الروايات المنقولة عن الصحابة إلى تعاملهم الشديد مع ممارسها. منهم من دعا إلى رجمه بالحجارة حتى الموت، ومنهم من قال: “يُحرق”، ومنهم من قال: “يرمى به من أعلى شاهق”.
عرف كثير من الخلفاء، أمراء المؤمنين، بممارسة “اللواط”. تتحدث بعض الروايات عن أن يزيد بن معاوية مارسه. ولكن أشهر من اشتهر بذلك في العصر الأموي كان الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك. وصفه السيوطي في كتابه “تاريخ الخلفاء” بأنه “الخليفة الفاسق أبو العباس” وقال عنه شمس الدين الذهبي في كتابه “تاريخ الإسلام”: “اشتهر بالخمر والتلوّط”. بعد قتله، قال أخوه سليمان بن يزيد: “لقد راودني عن نفسي”.
وفي العصر العبّاسي، صارت ظاهرة ممارسة الخلفاء “للواط” ظاهرة شبه عامة. يروي الطبري في تاريخه أن الخليفة الأمين “طلب الخصيان وابتاعهم وغالى بهم وصيّرهم لخلوته في ليله ونهاره… ورفض النساء الحرائر والإماء”. ويُروى أن والدته حاولت ثنيه عن عادته هذه فأتت له بفتيات يتشبّهن الغلمان دون أن تنجح في مسعاها. ويحكى أن الأمين كان متيّماً بأحد الغلمان ويدعى كوثر وأنشد فيه شعراً يقول: “كـوثـر ديني ودنياي وسقمي وطبيبي/ أعجز الناس الذي يلحي محباً في حبيب”.
على عكس الأمين، عُرف أخوه المأمون بعلاقاته الكثيرة مع النساء. رغم ذلك تتحدث بعض المرويات عن تعلّق الخليفة بغلام اسمه “مهج” كان الوزراء يتوسّطون به لدى المأمون لقضاء حاجاتهم. كما تروى رواية عنه فيها أنه نظر إلى غلام فقال له ما اسمك؟ فأجابه: لا أدري فقال: “لم أر مثل هذا” وأنشد: “تسمّيت لا أدري لأنك لا تدري بما فعل الحبّ المبرّح في صدري”.
وفي ولاية المأمون، اشتهر القاضي يحي بن أكثم، قاضي القضاة، وصاحب التأثير في تدبير الملك. إلى جانب علمه الديني الواسع ينسب إليه شعر يتغزّل فيه بشابين، ويقال إنه تمّ عزله عن منصبه بسبب هذه الأبيات. وقد أنشد فيه أبو نواس: “أنا الماجن اللوطي ديني واحد/ وإني في كسب المعاصي لراغب/ أدين بدين الشيخ يحي بن اكثم/ وإني لمن يهوى الزنى لمجانب”.
كذلك، امتلك الخليفة المتوكل عشيقاً اسمه شاهك. يروي المسعودي في كتابه “مروج الذهب” أن الخليفة المعتصم كان يحب جمع الأتراك وشراءهم من أيدي مواليهم “فاجتمع له منهم أربعة آلاف فألبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهبة والحلية المذهبة”.