نقوس المهدي
كاتب
آخر ما كنت أتوقعه أن أزور في يوم من الأيام مكاناً حصرياً بالنساء، وخصوصا المسبح. فأنا لم أتعلّم العوم. ولا أحبّذ الإختلاط. الذهاب إلى المسابح، عموماً، مرتبط لديَّ باكتساب السمرة ليس إلا. بيد أن ما دفعني إلى “التورط” في الذهاب إلى أحد المسابح المخصصة للنساء في العاصمة، هي الكدمات التي تملأ فخذيّ وبطني بسبب الإبر التي أغرسها فيها علاجاً لمرضي المزمن. لذا كان عليَّ أن أخفيها بسمرة أكتسبها من شمسنا الحنون. ولأنني استحي بندوبي أمام الرجال، ظننت أن الظهور بها أمام عيون النساء سيجعلها غير مرئية، لكن النساء لا يسكتن في النساء. عيونهن تلتقط كلّ شاردة وواردة في أجساد غريماتهن. هكذا وجدتني أهرب من الرجال وعيونهم إلى ما هو أقصى وأصعب وأشدّ مضاضة: ظلم ذوات القربى.
المرآة التي في الممر الضيق تعكس صور الداخلات والخارجات. لا نقول “الداخلين والخارجين” لأن هذا الممر لا تعبره إلا النساء. هنا، في مدخل أحد مسابح النساء في العاصمة، تتزاحم مجموعة من “الجنس اللطيف” للدخول إلى عالمهن الخاص. برفقة أبنائهن الصغار، تقطع النساء التذاكر قبل عبور الستارة الزرقاء التي تحجب المسبح عن عيون المتطفلين والمتطفلات في الخارج. الأطفال الصبيان يخضعون لسؤال العمر. العمر شرط لدخولهم عالم النساء. مجرد سؤال، وأحياناً يُطلب إبراز بطاقات الهوية للتأكد من عمر الصبيان، إذا ما أثارت أجسادهم ريبة المراقبات المواظبات عند باب الدخول. عمر الأطفال الذين يسمح لهم بدخول المسبح لا تحدده المعايير الدولية بل هو يتبع المعايير الإسلامية، أي عمر التكليف. فالصبي عندما يبلغ عمر التكليف لا يسمح له بدخول المسبح. نساء وأطفال ومعهم أيضاً الخادمات اللواتي يتبعن ظلال سيداتهن كيفما تحركن. قلة من النساء لا تصطحب معها الأطفال أو الخادمات، وقلة أيضاً تزور هذه الأمكنة “كل سنة مرة”، إلا اللواتي يقصدنها لتصحيح عيب اللون الأبيض المتوسط، أو ليغطي الإسمرار شوائبهن قبل أن يختلطن في مسابح الناس جميعاً.
الإعلانات تلعب دور السور الحاجب للمسبح عن خارجه. هذه الإعلانات تستر المستور بما هو أعظم. فمعظمها يحمل صوراً فاضحة لنساء شبه عاريات في إعلانات المايوهات وملابس السباحة والملابس الداخلية. طبعاً لا نقيم حكم قيمة هنا في حق هذه الإعلانات، بل إن وجودها في مكان محجوب عن العيون ومخصص لجنس دون آخر، يجعلها بلا ريب مطرح انتقاد. هي إلى اضطلاعها بدور ساتر، تجذب العيون إليها لما تحتويه من صور لنساء جميلات، في إعلانات زيوت التسمير والماكياج وأدوية الأعشاب وغيرها من السلع التي تسوّق لها أجساد النسوة، حيث تتحول هذه الأجساد بدورها إلى سلع.
فيلم سينمائي بامتياز
بعد الممر وشبّاك التذاكر، تنفتح الستارة الزرقاء، ويبدأ العرض. فيلم سينمائي باميتاز. ما تراه العين في الداخل لا يشبه شيئاً مما قد رأته في أمكنة أخرى. طبعاً تلتقط العين أول ما تلتقط، اللحم الأبيض، أو الأحمر، أو الأسمر، أو الأسود حتى. هنا تتنوع الألوان، وتتلألأ الأجساد في عين الشمس الحارقة. تتلألأ شبه عارية، في خضمّ القيظ، وأحياناً عارية بالكامل... تقريباً. هكذا تدخل السيدات إلى الحفلة. فالمرأة على حقيقتها نراها هناك، وحقيقة المرأة لا تظهر إلا في غياب الرجل. هكذا لا تكتشف هذه الحقيقة إلا النساء الأخريات اللواتي يزرن هذه الأمكنة وسواها من الأمكنة الحصرية بالمرأة. طبعاً الأطفال أيضاً يتسنى لهم رؤية المرأة على حقيقتها، وكم كان ليكون أفضل ألا يروا هذه المشاهد. لا نتحدث ها هنا عن العري فحسب، بل ثمة من العهر ما لا تستره ستائر ولا الشباك “الناموسية” التي وضعت على اسوار المسبح لمنع “ذباب” العيون من أن يحوم فوق اللحم المتناثر على ضفاف بركة الماء التي لا ينزلها إلا الأطفال للعب فيها، فيما النساء يغرين الشمس لتلامس بشراتهن وتلونها بألوان الصيف الدارجة حسب الموضة.
بعد الأجساد ولحمها وأعضائها النافرة، يلفت أن معظم المستلقيات تحت الشمس يدخنّ، معظمهن في أفواههن سجائر على أنواعها، وخصوصاً الرفيعة منها، والباقيات يستخدمن خراطيم النراجيل ليسحبن الدخان إلى صدورهن. الملاحظ أن النسبة الكبرى من المدخنات هنا، لا يفعلن ذلك خارج هذا السجن الإختياري، حيث يجدن الحرية التي لم تتذوق طعمها في الخارج، فتسحب الحرية مع دخان السجائر إلى عمق الصدور وتخرجها كأنما تطرد معها ضيقاً ما بعده ضيق. الدخان يخرج من كل الأفواه، وتدمغ الشفاه أعقاب السجائر المرمي بعضها على الأرض بالأحمر القاني، فيما ملابس السباحة على أنواعها تستعرضها النسوة اللواتي في الغالب يتخلصن من القطعة العليا، لكي تلامس الشمس حلماتهن وتكتسب السمرة أسوةً بباقي مناطق الجسد. لا خجل من إبراز المفاتن، بل الخجل يحضر من العيوب التي لا يخلو جسد منها، فترى النساء كأنما تنظر كل واحدة منهن إلى مفاتن غيرها، محاولة إخفاء عيوبها بإظهار الأثداء الكبيرة التي تعتبرها بعض النسوة تعويضاً عن نقص في مواضع أخرى من الجسد. الأثداء الكبيرة غالباً ما تكون واجهة أجساد بدينة “ملظلظة” كما يقال في اللهجة المصرية. تجلس صاحبات هذه الأجساد، البدينات في الغالب، بعيداً من بركة المياه ويحرصن على عدم المرور أمام المرآة الكبيرة التي تشغل نصف الحائط المواجه لبركة السباحة. ينظرن بحسد وغيرة إلى صاحبات الأجساد المرسومة والمنحوتة ويأكلن ما في أيديهنّ من وجبات سريعة بشراهة. كأنهن ينتقمن من البدانة بأكل أطايب لا تجرؤ النحيلات على أكلها. ربما يزيد الأمر سوءاً أن نسبة الجميلات ذوات القدود الممشوقة كبيرة في هذا المسبح. وقد يطرح ذلك تساؤلات عن سبب ارتياد من تتمتع بقوام كهذا، مسبحا مخصصا للجنس اللطيف. يخطر في البال السبب الديني وبخاصة عند الفئة التي ترتدي الحجاب، مع أن العين لا تستطيع أن تميّز بين محجبة وأخرى سافرة إلا عند باب الخروج حين ترتدي كل واحدة ثيابها وتهمّ بمغادرة المسبح. أو طبعاً عند الدخول. لا يمكن إهمال السبب العائلي والمنع الذي يمارسه الأب أو الزوج، وغالباً ما يولّد هذا الأمر كبتاً يظهر في التزيّن الزائد داخل المسبح، من الكعب العالي والخلخال وحلقة البطن وسلسلة الخصر ووشم أسفل الظهر ووشم الكتف، وصولاً الى حلقة الفم وأحياناً الحاجب.
إلى جانب البركة التي يكاد لا يسبح فيها إلا الأطفال، تجلس الخادمات بكامل ثيابهنّ. ربما لشعورهن بالتمييز العنصري يخبّئن أجسادهن السوداء داخل ملابسهنّ، متمنّيات أن تكتفي الشمس بملامسة الثياب من دون المساس ببشراتهنّ السمراء أصلاً. أما الأمهات فمستلقيات تحت عين الشمس لا يحرّكهن بكاء طفل أو صراخ آخر. يسلّمن أمور الأطفال للخادمات.
تتجوّل بين المستلقيات فتاة تحمل في يدها عدة صغيرة مؤلفة من ألبوم صور وريشة وأنبوب من الحنّاء. تقترب من كل واحدة على حدة وتسألها إن كانت تريد أن ترسم لها وشماً على ظهرها أو كتفها أو أسفل بطنها، وإذا وجدتها موضوعاً قابلاً تجلس إلى جانبها وتريها بعض الرسوم الموجودة في الألبوم لانتقاء واحد منها.
تشكّل النساء اللواتي تخطّين سن الأربعين نسبة كبيرة من رواد المسبح. يستلقين بعيداً عن الحوض الكبير ببطونهن المنتفخة التي تفضح انقطاع الطمث لديهن. معظمهن لا يرتدن المسابح المختلطة وإن يكن السبب يختلف بين الرادع الديني والرادع الجمالي (الشكلي) والرادع النفسي. فهذه المرحلة العمرية الصعبة تمنع المرأة من السيطرة على مشاعرها وعلى تقلّبات مزاجها إلى حد أن إحداهنّ ظلّت تبكي قرب البركة لأكثر من ساعة متواصلة، لسبب مجهول، إلى أن جفّفت الشمس دموعها وبخّرتها.
عيون ورغبات
نزولاً إلى شاطئ البحر، ينكشف المكان على عيون الرجال وتتأجج رغبات النساء. الصبايا هن أكثر من يقصد تلك المنطقة. يراقبن الرجال الذين يركبون البحر ويحاولن إغراءهم من بعيد. منهن من ترفس الماء بحركة مدروسة ثم تركض صوب الزبد وتنحني وتغرف البحر بيديها وتلقيه فوق صدرها. ثم تمسح عريها بيديها المبلولتين وتمشي قدماً حتى يبتلعها البحر. لا يبقى منها سوى بقعة سوداء تنفلش فوق سطح الماء. دقيقتان فقط لتعود بعدهما إلى الرمل حيث كانت. ترفع شعرها الأسود المبلول عن نهديها وتلفّه كقطعة قماش وتعصره ثم تربطه. تخرج من حقيبتها قارورة زيت وتفرغها فوق جسدها. تدهن بالزيت أطرافها وتستلقي فوق رمل الشاطئ. تلمع رغبتها تحت أشعة الشمس الحارقة. مثلها تفعل كثيرات إلى أن تعلو الموسيقى فيرتفع مدّ النساء وتنتصب أجسادهن ويبدأن بالتمايل. تلفّ المناديل الخصور وتبدأ حفلة الرقص التي تتنافس فيها النساء بهز الوسط والصدر. يستمر الرقص ساعات وساعات، على أنغام أغنيات هيفا ونانسي واليسا وغيرهن من فنانات هذا الزمن، حتى تتصبّب النساء عرقاً ويعلو لهاثهن. في رقصهن الكثير من الإنتقام والتحدّي. الحركات تتشابه والأجساد تختلط ويتلوّى بعضها على بعضها، في تلامس صارخ أحياناً يصل إلى حدّ الجنس. وتبقى الموسيقى تصدح إلى أن تغرق الشمس ويقفل البحر أبوابه ويسقط العري وتصمت الأجساد وتعود إلى كبتها
عن ملحق النهار الثقافي
المرآة التي في الممر الضيق تعكس صور الداخلات والخارجات. لا نقول “الداخلين والخارجين” لأن هذا الممر لا تعبره إلا النساء. هنا، في مدخل أحد مسابح النساء في العاصمة، تتزاحم مجموعة من “الجنس اللطيف” للدخول إلى عالمهن الخاص. برفقة أبنائهن الصغار، تقطع النساء التذاكر قبل عبور الستارة الزرقاء التي تحجب المسبح عن عيون المتطفلين والمتطفلات في الخارج. الأطفال الصبيان يخضعون لسؤال العمر. العمر شرط لدخولهم عالم النساء. مجرد سؤال، وأحياناً يُطلب إبراز بطاقات الهوية للتأكد من عمر الصبيان، إذا ما أثارت أجسادهم ريبة المراقبات المواظبات عند باب الدخول. عمر الأطفال الذين يسمح لهم بدخول المسبح لا تحدده المعايير الدولية بل هو يتبع المعايير الإسلامية، أي عمر التكليف. فالصبي عندما يبلغ عمر التكليف لا يسمح له بدخول المسبح. نساء وأطفال ومعهم أيضاً الخادمات اللواتي يتبعن ظلال سيداتهن كيفما تحركن. قلة من النساء لا تصطحب معها الأطفال أو الخادمات، وقلة أيضاً تزور هذه الأمكنة “كل سنة مرة”، إلا اللواتي يقصدنها لتصحيح عيب اللون الأبيض المتوسط، أو ليغطي الإسمرار شوائبهن قبل أن يختلطن في مسابح الناس جميعاً.
الإعلانات تلعب دور السور الحاجب للمسبح عن خارجه. هذه الإعلانات تستر المستور بما هو أعظم. فمعظمها يحمل صوراً فاضحة لنساء شبه عاريات في إعلانات المايوهات وملابس السباحة والملابس الداخلية. طبعاً لا نقيم حكم قيمة هنا في حق هذه الإعلانات، بل إن وجودها في مكان محجوب عن العيون ومخصص لجنس دون آخر، يجعلها بلا ريب مطرح انتقاد. هي إلى اضطلاعها بدور ساتر، تجذب العيون إليها لما تحتويه من صور لنساء جميلات، في إعلانات زيوت التسمير والماكياج وأدوية الأعشاب وغيرها من السلع التي تسوّق لها أجساد النسوة، حيث تتحول هذه الأجساد بدورها إلى سلع.
فيلم سينمائي بامتياز
بعد الممر وشبّاك التذاكر، تنفتح الستارة الزرقاء، ويبدأ العرض. فيلم سينمائي باميتاز. ما تراه العين في الداخل لا يشبه شيئاً مما قد رأته في أمكنة أخرى. طبعاً تلتقط العين أول ما تلتقط، اللحم الأبيض، أو الأحمر، أو الأسمر، أو الأسود حتى. هنا تتنوع الألوان، وتتلألأ الأجساد في عين الشمس الحارقة. تتلألأ شبه عارية، في خضمّ القيظ، وأحياناً عارية بالكامل... تقريباً. هكذا تدخل السيدات إلى الحفلة. فالمرأة على حقيقتها نراها هناك، وحقيقة المرأة لا تظهر إلا في غياب الرجل. هكذا لا تكتشف هذه الحقيقة إلا النساء الأخريات اللواتي يزرن هذه الأمكنة وسواها من الأمكنة الحصرية بالمرأة. طبعاً الأطفال أيضاً يتسنى لهم رؤية المرأة على حقيقتها، وكم كان ليكون أفضل ألا يروا هذه المشاهد. لا نتحدث ها هنا عن العري فحسب، بل ثمة من العهر ما لا تستره ستائر ولا الشباك “الناموسية” التي وضعت على اسوار المسبح لمنع “ذباب” العيون من أن يحوم فوق اللحم المتناثر على ضفاف بركة الماء التي لا ينزلها إلا الأطفال للعب فيها، فيما النساء يغرين الشمس لتلامس بشراتهن وتلونها بألوان الصيف الدارجة حسب الموضة.
بعد الأجساد ولحمها وأعضائها النافرة، يلفت أن معظم المستلقيات تحت الشمس يدخنّ، معظمهن في أفواههن سجائر على أنواعها، وخصوصاً الرفيعة منها، والباقيات يستخدمن خراطيم النراجيل ليسحبن الدخان إلى صدورهن. الملاحظ أن النسبة الكبرى من المدخنات هنا، لا يفعلن ذلك خارج هذا السجن الإختياري، حيث يجدن الحرية التي لم تتذوق طعمها في الخارج، فتسحب الحرية مع دخان السجائر إلى عمق الصدور وتخرجها كأنما تطرد معها ضيقاً ما بعده ضيق. الدخان يخرج من كل الأفواه، وتدمغ الشفاه أعقاب السجائر المرمي بعضها على الأرض بالأحمر القاني، فيما ملابس السباحة على أنواعها تستعرضها النسوة اللواتي في الغالب يتخلصن من القطعة العليا، لكي تلامس الشمس حلماتهن وتكتسب السمرة أسوةً بباقي مناطق الجسد. لا خجل من إبراز المفاتن، بل الخجل يحضر من العيوب التي لا يخلو جسد منها، فترى النساء كأنما تنظر كل واحدة منهن إلى مفاتن غيرها، محاولة إخفاء عيوبها بإظهار الأثداء الكبيرة التي تعتبرها بعض النسوة تعويضاً عن نقص في مواضع أخرى من الجسد. الأثداء الكبيرة غالباً ما تكون واجهة أجساد بدينة “ملظلظة” كما يقال في اللهجة المصرية. تجلس صاحبات هذه الأجساد، البدينات في الغالب، بعيداً من بركة المياه ويحرصن على عدم المرور أمام المرآة الكبيرة التي تشغل نصف الحائط المواجه لبركة السباحة. ينظرن بحسد وغيرة إلى صاحبات الأجساد المرسومة والمنحوتة ويأكلن ما في أيديهنّ من وجبات سريعة بشراهة. كأنهن ينتقمن من البدانة بأكل أطايب لا تجرؤ النحيلات على أكلها. ربما يزيد الأمر سوءاً أن نسبة الجميلات ذوات القدود الممشوقة كبيرة في هذا المسبح. وقد يطرح ذلك تساؤلات عن سبب ارتياد من تتمتع بقوام كهذا، مسبحا مخصصا للجنس اللطيف. يخطر في البال السبب الديني وبخاصة عند الفئة التي ترتدي الحجاب، مع أن العين لا تستطيع أن تميّز بين محجبة وأخرى سافرة إلا عند باب الخروج حين ترتدي كل واحدة ثيابها وتهمّ بمغادرة المسبح. أو طبعاً عند الدخول. لا يمكن إهمال السبب العائلي والمنع الذي يمارسه الأب أو الزوج، وغالباً ما يولّد هذا الأمر كبتاً يظهر في التزيّن الزائد داخل المسبح، من الكعب العالي والخلخال وحلقة البطن وسلسلة الخصر ووشم أسفل الظهر ووشم الكتف، وصولاً الى حلقة الفم وأحياناً الحاجب.
إلى جانب البركة التي يكاد لا يسبح فيها إلا الأطفال، تجلس الخادمات بكامل ثيابهنّ. ربما لشعورهن بالتمييز العنصري يخبّئن أجسادهن السوداء داخل ملابسهنّ، متمنّيات أن تكتفي الشمس بملامسة الثياب من دون المساس ببشراتهنّ السمراء أصلاً. أما الأمهات فمستلقيات تحت عين الشمس لا يحرّكهن بكاء طفل أو صراخ آخر. يسلّمن أمور الأطفال للخادمات.
تتجوّل بين المستلقيات فتاة تحمل في يدها عدة صغيرة مؤلفة من ألبوم صور وريشة وأنبوب من الحنّاء. تقترب من كل واحدة على حدة وتسألها إن كانت تريد أن ترسم لها وشماً على ظهرها أو كتفها أو أسفل بطنها، وإذا وجدتها موضوعاً قابلاً تجلس إلى جانبها وتريها بعض الرسوم الموجودة في الألبوم لانتقاء واحد منها.
تشكّل النساء اللواتي تخطّين سن الأربعين نسبة كبيرة من رواد المسبح. يستلقين بعيداً عن الحوض الكبير ببطونهن المنتفخة التي تفضح انقطاع الطمث لديهن. معظمهن لا يرتدن المسابح المختلطة وإن يكن السبب يختلف بين الرادع الديني والرادع الجمالي (الشكلي) والرادع النفسي. فهذه المرحلة العمرية الصعبة تمنع المرأة من السيطرة على مشاعرها وعلى تقلّبات مزاجها إلى حد أن إحداهنّ ظلّت تبكي قرب البركة لأكثر من ساعة متواصلة، لسبب مجهول، إلى أن جفّفت الشمس دموعها وبخّرتها.
عيون ورغبات
نزولاً إلى شاطئ البحر، ينكشف المكان على عيون الرجال وتتأجج رغبات النساء. الصبايا هن أكثر من يقصد تلك المنطقة. يراقبن الرجال الذين يركبون البحر ويحاولن إغراءهم من بعيد. منهن من ترفس الماء بحركة مدروسة ثم تركض صوب الزبد وتنحني وتغرف البحر بيديها وتلقيه فوق صدرها. ثم تمسح عريها بيديها المبلولتين وتمشي قدماً حتى يبتلعها البحر. لا يبقى منها سوى بقعة سوداء تنفلش فوق سطح الماء. دقيقتان فقط لتعود بعدهما إلى الرمل حيث كانت. ترفع شعرها الأسود المبلول عن نهديها وتلفّه كقطعة قماش وتعصره ثم تربطه. تخرج من حقيبتها قارورة زيت وتفرغها فوق جسدها. تدهن بالزيت أطرافها وتستلقي فوق رمل الشاطئ. تلمع رغبتها تحت أشعة الشمس الحارقة. مثلها تفعل كثيرات إلى أن تعلو الموسيقى فيرتفع مدّ النساء وتنتصب أجسادهن ويبدأن بالتمايل. تلفّ المناديل الخصور وتبدأ حفلة الرقص التي تتنافس فيها النساء بهز الوسط والصدر. يستمر الرقص ساعات وساعات، على أنغام أغنيات هيفا ونانسي واليسا وغيرهن من فنانات هذا الزمن، حتى تتصبّب النساء عرقاً ويعلو لهاثهن. في رقصهن الكثير من الإنتقام والتحدّي. الحركات تتشابه والأجساد تختلط ويتلوّى بعضها على بعضها، في تلامس صارخ أحياناً يصل إلى حدّ الجنس. وتبقى الموسيقى تصدح إلى أن تغرق الشمس ويقفل البحر أبوابه ويسقط العري وتصمت الأجساد وتعود إلى كبتها
عن ملحق النهار الثقافي