نقوس المهدي
كاتب
ما هي علاقة الجنس بالدين؟ من أي باب يمكننا أن ندخل في لب هذا الموضوع المعقد والشامل؟ كيف نصل إلى الاستنتاجات الوافية حول موضوع، يعتبر إلى جانب الأكل، أهم الأمور في الحياة؟ بل كيف نفسر صورة الجنس الضائعة بين المقدس والمدنس؟ تلك هي المعضلة.
لنبدأ من حيث طُرد آدم وحواء من الجنة، وسكنا الأرض، هل سقطا بسبب المعصية؟؟ أم لسبب آخر؟ يقال إن الله طردهما بعدما كساهما، لكن المفسرين التقليديين، لم ينظروا إلى الطرد في وصفه برهانا على الاغواءات، أو الفاحشة الجنسية، بل إن السرد، ينص صراحة، على أن الاتحاد الجنسي بين آدم وحواء حصل في وقت لاحق.
لم تحدَّد نوع الثمرة التي أكلتها حواء، على نحو مؤكد، باعتبارها تفاحة، بل قد تكون تينة أو خوخة، ذات رمزية جنسية، وقد أدرك آدم وحواء بعد أكلها، أنهما عاريان، فأعدا لنفسيهما أغطية من أوراق التين، لستر عورتيهما، هكذا في البدء، كان الجنس.
أسطورة الصعود والنزول:
ثمة أسطورة في إفريقيا، يجري تداولها في أوساط ألاشانتي الغانيين (من غانا)، تفسر اصل الجنس والعائلة، ربما لا تختلف عن الأسطورة التوحيدية.
قيل انه منذ زمن، هبط رجل وامرأة من السماء، وصعد أيضا رجل وامرأة من الأرض، وفي وقت لاحق، أرسل الإله الاسمي ثعبان، وبنى بيته في النهر، في البدء كان الرجال والنساء يتعايشون معا من دون اتصال جنسي، ولم تكن لديهم فكرة عن الحمل والولادة، وذات يوم سألهم الثعبان ما إذا كان لديهم أطفال، وبعدما أجابوه بالنفي، ابلغهم أنه سيعلمهم كيف يتم الحمل، جعلهم يصطفون أزواجا، وجها لوجه، ثم رش الماء على بطونهم، بالترافق مع تلاوة طقسية، ثم طلب إليهم أن يعودوا إلى بيوتهم ويتضاجعوا، من هذا المثال، تعلم هؤلاء الجماع، وأنجبوا الأطفال الأوائل في الكون.
بين التوراة والحكايات الإفريقية، نجد رمزا التفاحة والثعبان، والبلاغة المشتركة، تكمن في الأسطورة التي قيلت عن الجنس، سواء في التوراة أو في القصص.
اقترن الجنس بالأسطورة، والأسطورة بالدين، والدين بالجنس، هكذا دواليك في عالم لا ندري كيف جرى بناؤه، أسقطت التفاحة (أو الثمرة) آدم وحواء، وقيل إن حواء هي التي أكلتها، وصارت رمز الرغبة في العالم، مثلما كان الدراق، رمزا أساسيا للأنثى، كذلك المشمش في الهند، والرمان في اليونان القديمة، واعتبر الأرز، رمزا أنثويا، كما كان يستخدم سابقا في طقوس الطهارة.
قصة سقوط آدم وحواء من الجنة، تبين أن الجنس والدينـ هما من أكثر الاهتمامات شيوعا بين البشر، وهما متعارضان في اغلب الأحيان، فالأول جسدي زائل، والثاني روحي سرمدي، وكلاهما يشغل حيزا مختلفا، وهذا ما يبينه الكاتب (جيفري بارندر) في دراسته عن الجنس في أديان العالم.
يقول: انه رغم توافر عدد لا يحصى من الكتب التي تناولت الأديان في العالم، يبدو أن جل هذه الأعمال تقريبا، يستخف بالعناصر المرتبطة بالجنس، على وجه التحديد، رغم الاعتراف بأهمية الجنس فيما يخص الدين، كما أن العديد من الدراسات المقارنة، التي تناولت أسفار الاوبانيشادية في صدد الطقوس الخاصة بالاتصال الجنسي، غالبا ما تحذف من النصوص المترجمة، وهناك نصوص حول اليوغا، تنزع إلى إهمال التمرينات الجنسية، التي يمكن استخدامها، وكذلك النظريات الفيزيولوجية المتصلة بالسلوك الجنسي، والتي تشكل العنصر الأساسي المكوّن لطرائق اليوغا الهندية والصينية.
البغاء المقدس:
التقارب بين الدين والجنس، يبدو أشد وضوحا في الهند، حسبما ورد في الملاحم والنصوص الهندية الكلاسيكية، إذ اعتبرت، أن العلاقات الجنسية، خارج نطاق الرباط الزوجي، في ما يخص الرجال طبعا، أمرا مقبولا، في وصفه جزءا لا يتجزأ من الحياة، فقد كان ثمة محظيات من منزلة رفيعة، مكرسات لإشباع الحاجات الشهوانية لدى الرجل الذكر، وكانت الفتيات بمنزلة (الهيتيري) عند اليونان، و فتيات (الجيشا) لدى اليابانيين، كن على ثقافة عالية، وينبغي أن تدفع الدولة لمعلميهم. ومن المهام التي كن يضطلعن بها، الرقص، والغناء، والتمثيل، والخياطة، وتنسيق الأزهار، وسواها من الفنون المنزلية، و للتوضيح، فإن تاريخ البغاء، قد أولته الديانات القديمة، احتراما، قبل أن ينقلب تحقيراً وإنكارا، فقد كان هناك البغاء المقدس، حيث كان يقام، عند فض بكارة العذراء، احتفالا مقدسا، تمنح الفتاة فيه نفسها لمن منحه الإله، قوة الإخصاب، وقدسية الجنس، ولم تكن الفتاة لتحصل على اكتمال أنوثتها، إلا بمنحها نفسها لهذا الشخص، ويحق لها بعد ذلك الزواج.
البغاء المقدس، هو تلك العلاقة الانفصالية ذات الطبيعة المختلفة عن الحب العذري، وهي تقابل بالتفعيل، والجانب الجسمي، في مقابل كبت الجانب النفسي، أي التعلق الوجداني بالآخر.
لم يبق البغاء المقدس على سمة واحدة، فقد تبدل بتبدل أنماط الحياة، تدل الدراسات على انه كان يتم احتجاز العذارى في المعابد الدينية في الهند، إذ كانت وظيفتهن الترفيه عن الكهنة من جانب، ومضاجعة الحجاج القادمين من جانب آخر، لقاء اجر، وقد تطور البغاء المقدس، فأصبح من حق البغي المقدسة أن تحتفظ بجزء من مال بغائها ليعينها عند الزواج.
في ملحمة (المهابهارتا) كان الملك (يوديشترا) يحظى، ليس فقط بعدد من الزوجات، بل كان يبعث تحياته إلى النساء المتأنقات، ومن جهة أخرى، تبرز التوترات في الحياة، وفي التعاليم الهندية، من خلال ما ذكر في الملاحم أيضا، من حملات مضادة للبغاء العادي، فقد كانت تفرض رقابة صارمة على المباغي، وصالات الشراب، لأنها تتسبب بالأذى للملكة، أما (الديفا -داسيز) (أي خادمات الله) فكن محظيات من منزلة رفيعة، مكرسات لخدمة الآلهة في المعابد الهندوسية، هذه الممارسات ترقى إلى عهود غابرة، حين كانت الفتيات، يتلقين دروسا في فنون الإثارة الشهوانية، حتى يصبحن مؤهلات لخدمة زوار المعبد لقاء اجر، لأن واجباتهن كانت تشتمل على الرقص والغناء، وغالبا ما كان يُنظر إلى الرقص، في وصفه عملا لا أخلاقيا، إلى أن ساهمت الإصلاحات الحديثة، في نزع هذه الصفة عنه.
لقد ساءت سمعة البغاء المقدس في المعابد الهندية، وبات الحجاج يتشكون أحيانا، بسبب اغواءات فتيات المعبد، التي كانت تلهيهم عن العبادة.
أما إلغاء البغاء في المعابد، فقد تقرر على يد الاستعمار البريطاني، وبدعم من الإصلاحيين الهندوس، وترافق ذلك مع حظر حرق النساء الأرامل.
الكتاب الأشهر في الثقافة الهندية، والذي صوّر الجنس والقضايا الشهوانية بحذافيرها، هو كتاب (الكاماسوترا)، أي مذهب الشهوة أو الحب، واقتبس عنه الكثير من الكتاب وأهل الفن.
يؤكد هذا الكتاب، انه ينبغي للنساء، أن يتعلمن فنون الغرام، كما الرجال تماما، ويسرد فنون ألباه التي يتعلق معظمها بالتدبير المنزلي، بما في ذلك طبعا القراءة والشعر، وإتقان اللغة الرمزية والملغزة. أما في ما يخص الرجال، فيقر ويعترف بضرورة أن يكونوا مهرة في أنواع الرياضة واستخدام السلاح والمراهنة، ويمكن أن يكن المحظيات، بارعات في هذه الفنون، كما يمكن أن يزدن النساء المتزوجات من جاذبيتهن، عبر الإلمام بهذه الطرق، حتى إذا انفصلن عن أزواجهن، وجدن وسيلة يعتمدن عليها.
يهتم الجزء الرئيسي من (الكاماسوترا)، بتقديم أمثلة حول عملية الاتصال الجنسي، مميزا بين الشريك المناسب وغير المناسب، ويتطرق أيضا إلى أنواع العناق، والتقبيل في مختلف إشكاله، والهصر والخمش والعض، ويورد أيضا تفاصيل عن وضعيات متعددة الأنماط،، بعضها يتميز بمهارة بهلوانية، ويتطلب الكثير من التدريب، وتتجلى هيمنة الذكر، حين ينعم الرجل بمضاجعة امرأتين في وقت واحد، أو نساء عديدات معا، ويمكن للمرأة، أن تتخذ دور الرجل، حين يكون متعبا من قبيل التغيير، غير أن الممارسة الفموية، أو ما يعرف بالجنس الفموي، كان مقتصرا على الخصيان، المتنكرين بهيئة ذكور أو إناث.
هنالك أجزاء أخرى من (الكاماسوترا) تبحث في موضوع المغازلة، من خلال زرع الثقة، في الفتاة الساعية إلى الظفر بقلب رجل، وعلى يد فتاة أخرى، وكذلك موضوع الخطبة وأنماط الزواج.
لقد تركت (الكاماسوترا) أثرها في الفنون والرسم وصنوف الأدب، واستمرت حوالي ألف عام نموذجا أدبيا معياريا حول الجنس، كان ملموسا في الأنواع الأدبية، بما في ذلك الشعر التعبدي.
أما (التانترا) فقيل إنها إعادة اكتشاف، لأغوار المرأة، وبحسب الشعائر اليوغية، فإن المرأة اليوغية تمارس التمرينات، وهي عارية، وتمثل الأعضاء الجنسية، من وجهة نظرها، القوى الكونية التي يرمز إليها بعضو (شيفا) ألذكوري، وسعى بعض (التانتريين) على المضي ابعد من حدود الطقوس الجنسية العادية، التي كان الهندوس يؤدونها، معتبرين أن المحرمات، كانت صائبة في ما يخص آخرين، وينبغي تحطيمها بغية إحراز قدرات استثنائية.
إن السمة العامة للجماع (التانتري) هي احتجاز المني، الذي كان يعتقد أن له قوة سحرية. فإذا ما بقي محتبسا في الجسد، لن يكون هناك خوف من الموت.
ما نجده عن الجنس في الهند، يختلف عنه لدى البوذيين، إذ كان الجنس مثار خوف عند هؤلاء، لأنه قد يغدو ندا للسكينة، التي ينشدها الراهب، بطريقته التي اختارها لنفسه، في إنكار ألذات، وكم من قصص رويت عن قمع الرغبات الجنسية، وعن فتنتها لدى الرهبان البوذيين، وتأثرت مجتمعات الصين واليابان بالطقوس البوذية، والتغيرات التي طرأت عليها، ومن بين هذه الطقوس، التي كان لها تأثيرها في الجنس، ولو بشكل هامشي، طقس عبادة الشاي، الذي ادخل في القرن الثالث عشر، ليصبح بمنزلة طريقة ذات فاعلية، لتدريب النساء الشابات على قواعد اصطلاء الموقد.
العالم العائم
استخدم تعبير العالم العائم في اليابان، في أواخر القرن السابع عشر، للدلالة على المجتمع السعيد، ولكن غير المستقر، وثمة أمثلة بارزة عن (الاوكيو) أو الفن القصصي لعالم المومسات، ظهرت في مؤلفات (ايهارا ساياكاكو) الذي رصد القضيتين الأكثر حضورا في العالم، وهما المال والجنس، فروايته الأولى، الرجل الذي انفق عمره في ممارسة الحب، تحكي عن بطل كان يطوف البلاد، ممارسا العشق مع آلاف النساء ومئات الغلمان، وفي روايته الأكثر واقعية، خمس نساء عاشقات لمحبوب واحد، كان (سايكاكو) شاعريا وشعبيا في آن واحد، وبدلا من البلاط، ثمة البيوت وغرف الاستحمام والمسارح والمباغي وبيوت العامة، وفي روايته (مرآة الحب) ألذكوري، عالج (سايكاكو) قضية اللواط، فقد كان لتنامي الحياة الرهبانية البوذية، دور في شيوع الجنسية المثلية بين المعلم والمريد، وقد اعتبر صاحب الرواية، أن المعابد البوذية بمنزلة ملاذ مفضل لممارسة الجنسية المثلية.
اشتملت كتب (الاوكيو) على كتابات مبهجة، وأحيانا داعرة، مع ذلك، هناك على ما يبدو، أعمال مشابهة، تعارض تلك التي تنطوي على نية صريحة لتشجيع الفضيلة، ومعاقبة الرذيلة، وسادت الكثير من الرسوم الجنسية في اليابان، وقد رسم (اوتامارو) مغنيات و مومسات وسابحات عاريا، وكانت هذه الأعمال تصور فتيات بيوت الشاي، وهن عاريات الصدور، أو هنّ يدخن بشراهة، أو ينغمسن في المتع الجنسية، وثمة لوحات لمتعبات ذاهبات إلى السرير. كان هذا العالم العائم، بمنزلة رد على إشكالية الحياة المنزلية، التي يتخللها المنع والقمع، رجال الطبقات العليا كانوا وحدهم في وسعهم تحمل نفقات الخليلات والمحظيات، بينما يجد رجال الطبقة الوسطى متنفسهم عند فتيات (الجيشا)، أو لدى المومسات. كانت فتاة الجيشا بارعة، راقصة، وعلى نحو أدق، كانت راقصة ومغنية ومحترفة، وكان ارتياد بيت الجيشا، يوفر التسلية، لكنه لا يمنح الحق في الجماع. ولهذا كان يترتب على الرجل، أن يوقع عقدا تغدو فيه فتاة الغيشا بموجبه خليلته.
الجنس لدى اليهود:
كانت مواقف قدماء العبرانيين من الحياة بوجه عام، ومن الجنس بشكل خاص، طبيعية وعلى الفطرة، وكانت دينية، من ناحية قبول الجنس في وصفه من عند الله. واعتبرت أن الله دائما فوق البشرية بطريقة غير تقليدية، فبدلا من أن تنظر إلى الإنسان في وصفه مقياسا لكل الأشياء، صورته هو نفسه في حضرة الإله.
كانت الغاية من الاتصال الجنسي عند اليهود، وسيلة للحفاظ على النوع، ونجد في الدين اليهودي ميتولوجيات جنسية غريبة، من الختان إلى قصة زليخة ويوسف، وصولا إلى العبادة القضيبية، وبيّن فيلم (قادش)، ما يكتنف الأصولية اليهودية حيال الجنس من أمور. تبدو الأمور فيها معقدة ولا تحتمل، فأنبياء اليهود، على ما تقول الحكايات، لهم عالمهم وفحشهم في النوازع الجنسية، فقد قيل عن سليمان بأنه تزوج من أكثر من ألف امرأة، وقيل عن داود والده انه تزوج من امرأة احد ضباطه وتدعى (بات شيبع) حيث خلف منها ولده سليمان. ربما لا يصدق القارئ أن يكون ثمة نبي من الفاحشين في الجنس، على نحو يتجاوز الأعراف. لكن ما ينبغي التنبه إليه، هو أن الجنس من المقدسات في غالبية الأديان. خير دليل على ذلك نشيد (الأناشيد)، الذي كانت مكانته في شرعة الكتاب المقدس اليهودي، موضع نزاع، حتى أتى رجال اللقاء الكبير، وفسروه تفسيرا روحانيا. ودار النقاش حول الكتاب، هل هو قصيدة حب، أو انه حكاية مجازية عن العلاقة بين الله واسرئيل، تقدم الإنساني- المقدس بلغة رمزية، وقد سادت وجهة النظر الأخيرة، وقيل أن (السفر) كتبه النبي سليمان، ولكن بإلهام من الروح الإلهي.
كانت توجد عند قدماء العبرانيين طوائف من النسوة، يزاولن البغاء في المعابد، وكن يعتقدن إنهن يجلبن الخير والبركة، لمن يتصل بهن، وظل هذا التقليد الديني سائدا، إلى أن حرّمه سفر التثنية.
كانت توجد عند قدماء الكنعانيين طائفة من النسوة، وهبن أجسامهن للبغاء المقدس، ومن اشهر أنواع البغاء المقدس عند الشعوب، ما كان يجري عليه العمل في معابد (بابل) زمن البابليون، وقد أفاض المؤرخ اليوناني (هيرودوتس) في وصف هذا النظام، فذكر أن كل بنت تولد في تلك البلاد، كان يجب أن تذهب إلى معبد الآلهة (ميليتا)، حيث تقدم نفسها لرجل أجنبي عن البلاد. فكانت تجلس في ساحة المعبد، حتى يمر بها أجنبي، ويضع على ركبتيها قطعة فضية من النقد. وكان يعتقد، أن هذا الضرب من العبادة، نوع من القربان، وانه مصدر خير وبركة للفتاة نفسها.
.
لنبدأ من حيث طُرد آدم وحواء من الجنة، وسكنا الأرض، هل سقطا بسبب المعصية؟؟ أم لسبب آخر؟ يقال إن الله طردهما بعدما كساهما، لكن المفسرين التقليديين، لم ينظروا إلى الطرد في وصفه برهانا على الاغواءات، أو الفاحشة الجنسية، بل إن السرد، ينص صراحة، على أن الاتحاد الجنسي بين آدم وحواء حصل في وقت لاحق.
لم تحدَّد نوع الثمرة التي أكلتها حواء، على نحو مؤكد، باعتبارها تفاحة، بل قد تكون تينة أو خوخة، ذات رمزية جنسية، وقد أدرك آدم وحواء بعد أكلها، أنهما عاريان، فأعدا لنفسيهما أغطية من أوراق التين، لستر عورتيهما، هكذا في البدء، كان الجنس.
أسطورة الصعود والنزول:
ثمة أسطورة في إفريقيا، يجري تداولها في أوساط ألاشانتي الغانيين (من غانا)، تفسر اصل الجنس والعائلة، ربما لا تختلف عن الأسطورة التوحيدية.
قيل انه منذ زمن، هبط رجل وامرأة من السماء، وصعد أيضا رجل وامرأة من الأرض، وفي وقت لاحق، أرسل الإله الاسمي ثعبان، وبنى بيته في النهر، في البدء كان الرجال والنساء يتعايشون معا من دون اتصال جنسي، ولم تكن لديهم فكرة عن الحمل والولادة، وذات يوم سألهم الثعبان ما إذا كان لديهم أطفال، وبعدما أجابوه بالنفي، ابلغهم أنه سيعلمهم كيف يتم الحمل، جعلهم يصطفون أزواجا، وجها لوجه، ثم رش الماء على بطونهم، بالترافق مع تلاوة طقسية، ثم طلب إليهم أن يعودوا إلى بيوتهم ويتضاجعوا، من هذا المثال، تعلم هؤلاء الجماع، وأنجبوا الأطفال الأوائل في الكون.
بين التوراة والحكايات الإفريقية، نجد رمزا التفاحة والثعبان، والبلاغة المشتركة، تكمن في الأسطورة التي قيلت عن الجنس، سواء في التوراة أو في القصص.
اقترن الجنس بالأسطورة، والأسطورة بالدين، والدين بالجنس، هكذا دواليك في عالم لا ندري كيف جرى بناؤه، أسقطت التفاحة (أو الثمرة) آدم وحواء، وقيل إن حواء هي التي أكلتها، وصارت رمز الرغبة في العالم، مثلما كان الدراق، رمزا أساسيا للأنثى، كذلك المشمش في الهند، والرمان في اليونان القديمة، واعتبر الأرز، رمزا أنثويا، كما كان يستخدم سابقا في طقوس الطهارة.
قصة سقوط آدم وحواء من الجنة، تبين أن الجنس والدينـ هما من أكثر الاهتمامات شيوعا بين البشر، وهما متعارضان في اغلب الأحيان، فالأول جسدي زائل، والثاني روحي سرمدي، وكلاهما يشغل حيزا مختلفا، وهذا ما يبينه الكاتب (جيفري بارندر) في دراسته عن الجنس في أديان العالم.
يقول: انه رغم توافر عدد لا يحصى من الكتب التي تناولت الأديان في العالم، يبدو أن جل هذه الأعمال تقريبا، يستخف بالعناصر المرتبطة بالجنس، على وجه التحديد، رغم الاعتراف بأهمية الجنس فيما يخص الدين، كما أن العديد من الدراسات المقارنة، التي تناولت أسفار الاوبانيشادية في صدد الطقوس الخاصة بالاتصال الجنسي، غالبا ما تحذف من النصوص المترجمة، وهناك نصوص حول اليوغا، تنزع إلى إهمال التمرينات الجنسية، التي يمكن استخدامها، وكذلك النظريات الفيزيولوجية المتصلة بالسلوك الجنسي، والتي تشكل العنصر الأساسي المكوّن لطرائق اليوغا الهندية والصينية.
البغاء المقدس:
التقارب بين الدين والجنس، يبدو أشد وضوحا في الهند، حسبما ورد في الملاحم والنصوص الهندية الكلاسيكية، إذ اعتبرت، أن العلاقات الجنسية، خارج نطاق الرباط الزوجي، في ما يخص الرجال طبعا، أمرا مقبولا، في وصفه جزءا لا يتجزأ من الحياة، فقد كان ثمة محظيات من منزلة رفيعة، مكرسات لإشباع الحاجات الشهوانية لدى الرجل الذكر، وكانت الفتيات بمنزلة (الهيتيري) عند اليونان، و فتيات (الجيشا) لدى اليابانيين، كن على ثقافة عالية، وينبغي أن تدفع الدولة لمعلميهم. ومن المهام التي كن يضطلعن بها، الرقص، والغناء، والتمثيل، والخياطة، وتنسيق الأزهار، وسواها من الفنون المنزلية، و للتوضيح، فإن تاريخ البغاء، قد أولته الديانات القديمة، احتراما، قبل أن ينقلب تحقيراً وإنكارا، فقد كان هناك البغاء المقدس، حيث كان يقام، عند فض بكارة العذراء، احتفالا مقدسا، تمنح الفتاة فيه نفسها لمن منحه الإله، قوة الإخصاب، وقدسية الجنس، ولم تكن الفتاة لتحصل على اكتمال أنوثتها، إلا بمنحها نفسها لهذا الشخص، ويحق لها بعد ذلك الزواج.
البغاء المقدس، هو تلك العلاقة الانفصالية ذات الطبيعة المختلفة عن الحب العذري، وهي تقابل بالتفعيل، والجانب الجسمي، في مقابل كبت الجانب النفسي، أي التعلق الوجداني بالآخر.
لم يبق البغاء المقدس على سمة واحدة، فقد تبدل بتبدل أنماط الحياة، تدل الدراسات على انه كان يتم احتجاز العذارى في المعابد الدينية في الهند، إذ كانت وظيفتهن الترفيه عن الكهنة من جانب، ومضاجعة الحجاج القادمين من جانب آخر، لقاء اجر، وقد تطور البغاء المقدس، فأصبح من حق البغي المقدسة أن تحتفظ بجزء من مال بغائها ليعينها عند الزواج.
في ملحمة (المهابهارتا) كان الملك (يوديشترا) يحظى، ليس فقط بعدد من الزوجات، بل كان يبعث تحياته إلى النساء المتأنقات، ومن جهة أخرى، تبرز التوترات في الحياة، وفي التعاليم الهندية، من خلال ما ذكر في الملاحم أيضا، من حملات مضادة للبغاء العادي، فقد كانت تفرض رقابة صارمة على المباغي، وصالات الشراب، لأنها تتسبب بالأذى للملكة، أما (الديفا -داسيز) (أي خادمات الله) فكن محظيات من منزلة رفيعة، مكرسات لخدمة الآلهة في المعابد الهندوسية، هذه الممارسات ترقى إلى عهود غابرة، حين كانت الفتيات، يتلقين دروسا في فنون الإثارة الشهوانية، حتى يصبحن مؤهلات لخدمة زوار المعبد لقاء اجر، لأن واجباتهن كانت تشتمل على الرقص والغناء، وغالبا ما كان يُنظر إلى الرقص، في وصفه عملا لا أخلاقيا، إلى أن ساهمت الإصلاحات الحديثة، في نزع هذه الصفة عنه.
لقد ساءت سمعة البغاء المقدس في المعابد الهندية، وبات الحجاج يتشكون أحيانا، بسبب اغواءات فتيات المعبد، التي كانت تلهيهم عن العبادة.
أما إلغاء البغاء في المعابد، فقد تقرر على يد الاستعمار البريطاني، وبدعم من الإصلاحيين الهندوس، وترافق ذلك مع حظر حرق النساء الأرامل.
الكتاب الأشهر في الثقافة الهندية، والذي صوّر الجنس والقضايا الشهوانية بحذافيرها، هو كتاب (الكاماسوترا)، أي مذهب الشهوة أو الحب، واقتبس عنه الكثير من الكتاب وأهل الفن.
يؤكد هذا الكتاب، انه ينبغي للنساء، أن يتعلمن فنون الغرام، كما الرجال تماما، ويسرد فنون ألباه التي يتعلق معظمها بالتدبير المنزلي، بما في ذلك طبعا القراءة والشعر، وإتقان اللغة الرمزية والملغزة. أما في ما يخص الرجال، فيقر ويعترف بضرورة أن يكونوا مهرة في أنواع الرياضة واستخدام السلاح والمراهنة، ويمكن أن يكن المحظيات، بارعات في هذه الفنون، كما يمكن أن يزدن النساء المتزوجات من جاذبيتهن، عبر الإلمام بهذه الطرق، حتى إذا انفصلن عن أزواجهن، وجدن وسيلة يعتمدن عليها.
يهتم الجزء الرئيسي من (الكاماسوترا)، بتقديم أمثلة حول عملية الاتصال الجنسي، مميزا بين الشريك المناسب وغير المناسب، ويتطرق أيضا إلى أنواع العناق، والتقبيل في مختلف إشكاله، والهصر والخمش والعض، ويورد أيضا تفاصيل عن وضعيات متعددة الأنماط،، بعضها يتميز بمهارة بهلوانية، ويتطلب الكثير من التدريب، وتتجلى هيمنة الذكر، حين ينعم الرجل بمضاجعة امرأتين في وقت واحد، أو نساء عديدات معا، ويمكن للمرأة، أن تتخذ دور الرجل، حين يكون متعبا من قبيل التغيير، غير أن الممارسة الفموية، أو ما يعرف بالجنس الفموي، كان مقتصرا على الخصيان، المتنكرين بهيئة ذكور أو إناث.
هنالك أجزاء أخرى من (الكاماسوترا) تبحث في موضوع المغازلة، من خلال زرع الثقة، في الفتاة الساعية إلى الظفر بقلب رجل، وعلى يد فتاة أخرى، وكذلك موضوع الخطبة وأنماط الزواج.
لقد تركت (الكاماسوترا) أثرها في الفنون والرسم وصنوف الأدب، واستمرت حوالي ألف عام نموذجا أدبيا معياريا حول الجنس، كان ملموسا في الأنواع الأدبية، بما في ذلك الشعر التعبدي.
أما (التانترا) فقيل إنها إعادة اكتشاف، لأغوار المرأة، وبحسب الشعائر اليوغية، فإن المرأة اليوغية تمارس التمرينات، وهي عارية، وتمثل الأعضاء الجنسية، من وجهة نظرها، القوى الكونية التي يرمز إليها بعضو (شيفا) ألذكوري، وسعى بعض (التانتريين) على المضي ابعد من حدود الطقوس الجنسية العادية، التي كان الهندوس يؤدونها، معتبرين أن المحرمات، كانت صائبة في ما يخص آخرين، وينبغي تحطيمها بغية إحراز قدرات استثنائية.
إن السمة العامة للجماع (التانتري) هي احتجاز المني، الذي كان يعتقد أن له قوة سحرية. فإذا ما بقي محتبسا في الجسد، لن يكون هناك خوف من الموت.
ما نجده عن الجنس في الهند، يختلف عنه لدى البوذيين، إذ كان الجنس مثار خوف عند هؤلاء، لأنه قد يغدو ندا للسكينة، التي ينشدها الراهب، بطريقته التي اختارها لنفسه، في إنكار ألذات، وكم من قصص رويت عن قمع الرغبات الجنسية، وعن فتنتها لدى الرهبان البوذيين، وتأثرت مجتمعات الصين واليابان بالطقوس البوذية، والتغيرات التي طرأت عليها، ومن بين هذه الطقوس، التي كان لها تأثيرها في الجنس، ولو بشكل هامشي، طقس عبادة الشاي، الذي ادخل في القرن الثالث عشر، ليصبح بمنزلة طريقة ذات فاعلية، لتدريب النساء الشابات على قواعد اصطلاء الموقد.
العالم العائم
استخدم تعبير العالم العائم في اليابان، في أواخر القرن السابع عشر، للدلالة على المجتمع السعيد، ولكن غير المستقر، وثمة أمثلة بارزة عن (الاوكيو) أو الفن القصصي لعالم المومسات، ظهرت في مؤلفات (ايهارا ساياكاكو) الذي رصد القضيتين الأكثر حضورا في العالم، وهما المال والجنس، فروايته الأولى، الرجل الذي انفق عمره في ممارسة الحب، تحكي عن بطل كان يطوف البلاد، ممارسا العشق مع آلاف النساء ومئات الغلمان، وفي روايته الأكثر واقعية، خمس نساء عاشقات لمحبوب واحد، كان (سايكاكو) شاعريا وشعبيا في آن واحد، وبدلا من البلاط، ثمة البيوت وغرف الاستحمام والمسارح والمباغي وبيوت العامة، وفي روايته (مرآة الحب) ألذكوري، عالج (سايكاكو) قضية اللواط، فقد كان لتنامي الحياة الرهبانية البوذية، دور في شيوع الجنسية المثلية بين المعلم والمريد، وقد اعتبر صاحب الرواية، أن المعابد البوذية بمنزلة ملاذ مفضل لممارسة الجنسية المثلية.
اشتملت كتب (الاوكيو) على كتابات مبهجة، وأحيانا داعرة، مع ذلك، هناك على ما يبدو، أعمال مشابهة، تعارض تلك التي تنطوي على نية صريحة لتشجيع الفضيلة، ومعاقبة الرذيلة، وسادت الكثير من الرسوم الجنسية في اليابان، وقد رسم (اوتامارو) مغنيات و مومسات وسابحات عاريا، وكانت هذه الأعمال تصور فتيات بيوت الشاي، وهن عاريات الصدور، أو هنّ يدخن بشراهة، أو ينغمسن في المتع الجنسية، وثمة لوحات لمتعبات ذاهبات إلى السرير. كان هذا العالم العائم، بمنزلة رد على إشكالية الحياة المنزلية، التي يتخللها المنع والقمع، رجال الطبقات العليا كانوا وحدهم في وسعهم تحمل نفقات الخليلات والمحظيات، بينما يجد رجال الطبقة الوسطى متنفسهم عند فتيات (الجيشا)، أو لدى المومسات. كانت فتاة الجيشا بارعة، راقصة، وعلى نحو أدق، كانت راقصة ومغنية ومحترفة، وكان ارتياد بيت الجيشا، يوفر التسلية، لكنه لا يمنح الحق في الجماع. ولهذا كان يترتب على الرجل، أن يوقع عقدا تغدو فيه فتاة الغيشا بموجبه خليلته.
الجنس لدى اليهود:
كانت مواقف قدماء العبرانيين من الحياة بوجه عام، ومن الجنس بشكل خاص، طبيعية وعلى الفطرة، وكانت دينية، من ناحية قبول الجنس في وصفه من عند الله. واعتبرت أن الله دائما فوق البشرية بطريقة غير تقليدية، فبدلا من أن تنظر إلى الإنسان في وصفه مقياسا لكل الأشياء، صورته هو نفسه في حضرة الإله.
كانت الغاية من الاتصال الجنسي عند اليهود، وسيلة للحفاظ على النوع، ونجد في الدين اليهودي ميتولوجيات جنسية غريبة، من الختان إلى قصة زليخة ويوسف، وصولا إلى العبادة القضيبية، وبيّن فيلم (قادش)، ما يكتنف الأصولية اليهودية حيال الجنس من أمور. تبدو الأمور فيها معقدة ولا تحتمل، فأنبياء اليهود، على ما تقول الحكايات، لهم عالمهم وفحشهم في النوازع الجنسية، فقد قيل عن سليمان بأنه تزوج من أكثر من ألف امرأة، وقيل عن داود والده انه تزوج من امرأة احد ضباطه وتدعى (بات شيبع) حيث خلف منها ولده سليمان. ربما لا يصدق القارئ أن يكون ثمة نبي من الفاحشين في الجنس، على نحو يتجاوز الأعراف. لكن ما ينبغي التنبه إليه، هو أن الجنس من المقدسات في غالبية الأديان. خير دليل على ذلك نشيد (الأناشيد)، الذي كانت مكانته في شرعة الكتاب المقدس اليهودي، موضع نزاع، حتى أتى رجال اللقاء الكبير، وفسروه تفسيرا روحانيا. ودار النقاش حول الكتاب، هل هو قصيدة حب، أو انه حكاية مجازية عن العلاقة بين الله واسرئيل، تقدم الإنساني- المقدس بلغة رمزية، وقد سادت وجهة النظر الأخيرة، وقيل أن (السفر) كتبه النبي سليمان، ولكن بإلهام من الروح الإلهي.
كانت توجد عند قدماء العبرانيين طوائف من النسوة، يزاولن البغاء في المعابد، وكن يعتقدن إنهن يجلبن الخير والبركة، لمن يتصل بهن، وظل هذا التقليد الديني سائدا، إلى أن حرّمه سفر التثنية.
كانت توجد عند قدماء الكنعانيين طائفة من النسوة، وهبن أجسامهن للبغاء المقدس، ومن اشهر أنواع البغاء المقدس عند الشعوب، ما كان يجري عليه العمل في معابد (بابل) زمن البابليون، وقد أفاض المؤرخ اليوناني (هيرودوتس) في وصف هذا النظام، فذكر أن كل بنت تولد في تلك البلاد، كان يجب أن تذهب إلى معبد الآلهة (ميليتا)، حيث تقدم نفسها لرجل أجنبي عن البلاد. فكانت تجلس في ساحة المعبد، حتى يمر بها أجنبي، ويضع على ركبتيها قطعة فضية من النقد. وكان يعتقد، أن هذا الضرب من العبادة، نوع من القربان، وانه مصدر خير وبركة للفتاة نفسها.
.