قد لا تفهمها مثلي: لكن سلوى مثل هذا الفتى التافه الذي ظل يوقع على باب سيارتي كل ليلة بطرف مسماره الصدئ. كنت استطيع أن أحدد شخصيته بكل سهولة، لكنني آثرت أن ألجم غضبي وأنتظر ليلة يقفشه أحدهم، فاتشفى فيه، أو تصيبه لعنة غيري من أصحاب السيارات، ودعوات هؤلاء المظاليم من البوابين أشقياء الحظ ممن يتلقون الشتائم بدلا عنه. كنت أوقن أن عقابه مقدور ولا مهرب منه.
هي كذلك؛ تظن أنها بفعلتها التافهة قد أفسدت علي ما بقى من العمر. سلوى عاشت معي طوال هذا العمر ولم تتخل عن سذاجتها. لا أفهمها، لكن بت أتوقع بسهولة ما ستفعله، وآثرت أن أتركها لقدرها. حين أيقنت أنها على وشك الموت، احتل رأسها هذا الهوس بالمستقبل! ليس المستقبل بالمعنى الشائع. مستقبلي ومستقبل الأولاد الذين هجروا أعشاشنا قبل عقد، وباتوا ينتظرون. أقصد أنها قد انشغلت بمسألة ارتداء الأبيض إلى الأبد. كان هذا يبكيها وتصرخ في حين أحاول أن أثنيها عن الحزن. الشقراء التي فقدت شعرها، كانت إلى جانب انشغالاتها الجنسية الفاضحة تعنى بانتقاء ألوان فساتينها. وتهتف حين تنتهي ككل مرة بأن تظهر بالأسود، أو الأسود المزركش بالنقوش الصفراء، أو الأسود المنقط، أو الأسود المقلم، أو الأسود الذي لا يميزه إلا أنه أسود: بحب اللون ده. وتغلق الدولاب المليء بألوان أخرى دون عناية.
وأنا، كنت مثلها تائه. أكره من يزعم أننا في الأخير أناس تائهون. قالت لي يوما أن من أسمانا بالإنسان ارتكب خطأ فاحشا، وهذا الخطأ بقي يتردد دون أن ينتبه له أحد من المصححين. أشاطرها الرأي في هذه العبارة الجوفاء، أعلم وأنا منهم أن المصححين قد أفقدونا الآدمية، إذ يفرضون هذا الوقع الآلى على ما يكتب الناس. قوالب الالتزام بها شيء مكرور ورتيب، شيء لا تشعر برتابته إلا عند وقفتك للتبول في الشتاء بعد طول انحباس بمثانة عامرة. سلوى كانت تحب أخطاء اللغة، وتكررها منذ أن عرفتها في المسافة الفاصلة بين قسم اللغة العربية وقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وصرفت عمرها في اختراع قواعد لغوية أكثر ثباتا وسهولة مما أدافع عنه أنا واعتبره مهمة حياتي وشرف مهنتي. أي هطل هذا يا سلوى؟
الموتى يبعثون عراة، وهم على أبواب الجحيم متراصون كرصة الرجال في طابور بيت الدعارة الوحيد بميناء على جزيرة صغيرة تتوسط ممرا تجاريا للسفن العابرة المحيط. تلفظ كلماتي وكأنها تتقيؤها. سلوى من وجهة نظري هي الرمز لهذا الدأب السلحفائي. أستاذة جامعية لها صبر صرصور محمل بأوهام ملحمية. تدرك أن كتاب التاريخ لن يذكرها، وأن محيطها سينساها بعد أيام قلائل من مغادرتها، يحتل فراغ عقلها أمل كأمل هذا الصرصور، الذي يشارك سوس كتب التاريخ أكلهم لصفحاته المصفرة. أقول لها مازحا يوما ما سيفترش هذا التاريخ قارعة الطريق وينهنه ويبكي حاله كالثكالى ولن ينتبه له أي من المارة، سيدورون حول جسده الملقى بلا اكتراث.تصرخ: بطل بقى سخافة.
الحلم المتوحش بأنيابه الضخمة حادة الأطراف لن أسميه ذئبا، والموت حين يطارده كفريسة عرجاء لن أسميه بغير اسمه. أعلم أنه سيلتقطنا واحداً واحداً، فلما الاستغراق في مقابلته بلون يليق به. ملابسنا يا سلوى مقدوره كموتك. تولدين يلبسونك الأبيض بلا حول ولا اختيار منك. وهكذا يفعلون حين تموتين. فيم المفاجأة ولم البكاء؟ماكينة الحياكة السنجر لم تزل تتكتك، رغم أن أمي قد وافتها المنية منذ 6 أكتوبر 1980، وسلوى كانت تكرهها؛ أمي، وربما الماكينة أيضا. تسال لمَّ؟ لكن الحاجة عنايات – أمي – إلى ما لا نهاية تود لو تخيط ملابس البشرية كلها، بإلحاح امرأة صعيدية جلبتها الظروف لحواف بحر تخشاه، ولم تطأ قدماها شطآنه طوال جيرتهما عبر نصف قرن ويزيد. حين تفرغ من قطعة ملابس، أو تغالبها أمواج الملل، تقوم لتعد كوبا من الشاي، وتتكئ به إلى سور شرفتها الحديدى المزخرف لا تنظر للبحر المفروش أمامها، بل تنظر بعينين زائغتين باتجاه الشارع وتنادي العابرين بغير صوت. لم أفهمها.. لم أفهم النساء بالعموم. لا وهن يبدين حبا لشيء أو كرها له.
المرأة التى خلبت لب أبي منذ كنت في الثالثة عشرة كانت غريمتها؛ أرمينية بيضاء ذات صدر وافر، وكومبليزوناتها ترفرف كعلم قوة عظمي فوق واحدة من هذه السفائن الحربية التي كان أبي يحكي عنها قبل أن يبتلعه البحر الذي تخشاه أمي. كرستين مختلفة: نحت ملامحها الأوربي وانتظام حاجبيها الرفيعين فوق العينين الواسعتين والفم المشدود كان يمنحني الإحساس بأنها على وشك البكاء، وجه حزين، لكنه رغم ذلك مثير، وشفتاها المقببتان شبههما أبي بشفتي هرة وليدة، على وشك أن تطلق مواءها. كانت سلوى تكره هذه المرأة هي الأخرى لأن أبي أحبها، وهي كانت تحب أمي، وتمقت أبي الذي تعتبره خائن، ليس لأنه أحب الأرمنية، لكن لأنه قرر أن يموت في سفينته وهو يعرف أن أمي تكره البحر، وأنها لن تستطيع أن تهرب بعيدا عنه. لفة معقدة. تليق بسلوى التي لم أفهمها.
قالت لي، وصدقتها بلا داع غير أنها كانت تقول ما تقوله بحماس بالغ: لا يوجد على الأرض كائن عاقل الا ويحمل فى داخله بعض الجنون. في هذه الليلة اسدلت ستارة القماش الداكنة على الشبابيك وظلت تسأل ما بقي من أنفاثي اللاهثة: الخيال هو الحقيقة، أم هو الأسطورة؟ هنا – وفي أول مرة يتلاقى جسدانا – أدركت أنني لن أعشق كل ما في سلوى. الفلسفة في لحظة العناق تؤلم كأنما كرباج سوداني منقوع في زيت الخروع منذ عشرين عاما يلسع ظهرك. قلت لها هذا فانزعجت. وقطعت علاقتنا لفترة.. في المرة التالية، حين تقابلنا مصادفة.. وبعد كأسين من هذا العرق اللبناني الذي لا أعرف من أين لفتاة ريفية تزعم التحرر جلبه. كأسان كانا كافيين لتحمل المزيد من تساؤلاتها الوجودية.
الأسئلة تهدم الجسور. لكن سلوى عنيدة؛ تظل ممسكة بالسؤال، وكأنه وصية المرحومة أمها ذات الصوت المسرسع. تسألني بحياد: من سيقع عليه الدور القادم ؟ عمق يتشكل ليحيط يوعيي ، افقده لكن ساعتي لا تتوقف عن الدق: رأسى يحوى دوامات تبتلع نفسها كالثريا البللورية وسخف العبارة المنقوشة على حافتها.. لا أحد يصل إلى اليقين : كلنا موتى ، حتى وإن لم يسقط الجسد.
لم سأخشاها. الخائنة.. قالت عن أبي انه خان لأنه غادر دون أن يحسب عواقب موته! هي إذن تستحق الوصف. يرن المنبه.. صوت طفل يبكى بلا انقطاع.. شيء موتر ومزعج لأقصى حد. حين أعرف أن تذاكر العودة تنتهي صلاحيتها في خلال ساعة أتجاهل الراهن وأدعي أن مغصا يضرب في معدتي كمعول جلجامش. لن أسافر. سأبقى ردحا من الزمن (لم يعد يتبقى في الحقيقة الكثير منه). لا أريد أن أحكى لسلوى عن الموت.. سلوى والموت صارا صديقين.. حكاية سلوى أسخف من قصيدة لرامبو. ماتت لكن أسئلتها لم تمت، ولزوم الإجابة لا زال ملحا وكأنها تقف فوق رأسي. أكلمها ولم أزل على هذا التوجس من أن تنزعج من رأيي.
من الهبل أن تحكي لشخص عما فعله هو نفسه قبل أسبوع واحد وكأنما تتصوره شخصا آخر. وشيء عبيط أن تعيد قصة مكرورة على سمع أول من حكاها لك وتنتظر منه الدهشة. ما كنت أراه فى كل يوم حين تمسك سلوى بسروالي وتلقيه بعيدا وهي تحدثني وكأنها تلومني على تأخري عن اشتهائها. شبح أبيض طويل ، يمسك بمنجل هائل مشرشر النصل ، قادر على حصد رقبتي بنعومة.. الموت كان يشاطرنا السرير . فوق حلمتي سلوى كان ينصب بلورة أرى بها العالم والزمن ، لم أرى بلادا بعيدة ، بل رأيت رحلة ممدودة على خارطة سلوى.. كان يحق لي بعد طول ترحال أن اتساءل وقد انتهي بي المطاف لمبنى مهيب مكتوب على أبوابه الجنة: لماذا الأبواب موصدة ، ونوافذها حديدية ، كقضبان الزنازين ؟
أصابعى مثلجة ، وقلبى رغم ذلك يلعن بؤونة . الثقوبُ السوداء تنهب مشاعري والصراخ يراقص الضوء الخفيف الآتى من وجهها المتبسم.
(تناص كريه مع قصيدة اسمها منجل الموت)
* عن موقع قل
هي كذلك؛ تظن أنها بفعلتها التافهة قد أفسدت علي ما بقى من العمر. سلوى عاشت معي طوال هذا العمر ولم تتخل عن سذاجتها. لا أفهمها، لكن بت أتوقع بسهولة ما ستفعله، وآثرت أن أتركها لقدرها. حين أيقنت أنها على وشك الموت، احتل رأسها هذا الهوس بالمستقبل! ليس المستقبل بالمعنى الشائع. مستقبلي ومستقبل الأولاد الذين هجروا أعشاشنا قبل عقد، وباتوا ينتظرون. أقصد أنها قد انشغلت بمسألة ارتداء الأبيض إلى الأبد. كان هذا يبكيها وتصرخ في حين أحاول أن أثنيها عن الحزن. الشقراء التي فقدت شعرها، كانت إلى جانب انشغالاتها الجنسية الفاضحة تعنى بانتقاء ألوان فساتينها. وتهتف حين تنتهي ككل مرة بأن تظهر بالأسود، أو الأسود المزركش بالنقوش الصفراء، أو الأسود المنقط، أو الأسود المقلم، أو الأسود الذي لا يميزه إلا أنه أسود: بحب اللون ده. وتغلق الدولاب المليء بألوان أخرى دون عناية.
وأنا، كنت مثلها تائه. أكره من يزعم أننا في الأخير أناس تائهون. قالت لي يوما أن من أسمانا بالإنسان ارتكب خطأ فاحشا، وهذا الخطأ بقي يتردد دون أن ينتبه له أحد من المصححين. أشاطرها الرأي في هذه العبارة الجوفاء، أعلم وأنا منهم أن المصححين قد أفقدونا الآدمية، إذ يفرضون هذا الوقع الآلى على ما يكتب الناس. قوالب الالتزام بها شيء مكرور ورتيب، شيء لا تشعر برتابته إلا عند وقفتك للتبول في الشتاء بعد طول انحباس بمثانة عامرة. سلوى كانت تحب أخطاء اللغة، وتكررها منذ أن عرفتها في المسافة الفاصلة بين قسم اللغة العربية وقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وصرفت عمرها في اختراع قواعد لغوية أكثر ثباتا وسهولة مما أدافع عنه أنا واعتبره مهمة حياتي وشرف مهنتي. أي هطل هذا يا سلوى؟
الموتى يبعثون عراة، وهم على أبواب الجحيم متراصون كرصة الرجال في طابور بيت الدعارة الوحيد بميناء على جزيرة صغيرة تتوسط ممرا تجاريا للسفن العابرة المحيط. تلفظ كلماتي وكأنها تتقيؤها. سلوى من وجهة نظري هي الرمز لهذا الدأب السلحفائي. أستاذة جامعية لها صبر صرصور محمل بأوهام ملحمية. تدرك أن كتاب التاريخ لن يذكرها، وأن محيطها سينساها بعد أيام قلائل من مغادرتها، يحتل فراغ عقلها أمل كأمل هذا الصرصور، الذي يشارك سوس كتب التاريخ أكلهم لصفحاته المصفرة. أقول لها مازحا يوما ما سيفترش هذا التاريخ قارعة الطريق وينهنه ويبكي حاله كالثكالى ولن ينتبه له أي من المارة، سيدورون حول جسده الملقى بلا اكتراث.تصرخ: بطل بقى سخافة.
الحلم المتوحش بأنيابه الضخمة حادة الأطراف لن أسميه ذئبا، والموت حين يطارده كفريسة عرجاء لن أسميه بغير اسمه. أعلم أنه سيلتقطنا واحداً واحداً، فلما الاستغراق في مقابلته بلون يليق به. ملابسنا يا سلوى مقدوره كموتك. تولدين يلبسونك الأبيض بلا حول ولا اختيار منك. وهكذا يفعلون حين تموتين. فيم المفاجأة ولم البكاء؟ماكينة الحياكة السنجر لم تزل تتكتك، رغم أن أمي قد وافتها المنية منذ 6 أكتوبر 1980، وسلوى كانت تكرهها؛ أمي، وربما الماكينة أيضا. تسال لمَّ؟ لكن الحاجة عنايات – أمي – إلى ما لا نهاية تود لو تخيط ملابس البشرية كلها، بإلحاح امرأة صعيدية جلبتها الظروف لحواف بحر تخشاه، ولم تطأ قدماها شطآنه طوال جيرتهما عبر نصف قرن ويزيد. حين تفرغ من قطعة ملابس، أو تغالبها أمواج الملل، تقوم لتعد كوبا من الشاي، وتتكئ به إلى سور شرفتها الحديدى المزخرف لا تنظر للبحر المفروش أمامها، بل تنظر بعينين زائغتين باتجاه الشارع وتنادي العابرين بغير صوت. لم أفهمها.. لم أفهم النساء بالعموم. لا وهن يبدين حبا لشيء أو كرها له.
المرأة التى خلبت لب أبي منذ كنت في الثالثة عشرة كانت غريمتها؛ أرمينية بيضاء ذات صدر وافر، وكومبليزوناتها ترفرف كعلم قوة عظمي فوق واحدة من هذه السفائن الحربية التي كان أبي يحكي عنها قبل أن يبتلعه البحر الذي تخشاه أمي. كرستين مختلفة: نحت ملامحها الأوربي وانتظام حاجبيها الرفيعين فوق العينين الواسعتين والفم المشدود كان يمنحني الإحساس بأنها على وشك البكاء، وجه حزين، لكنه رغم ذلك مثير، وشفتاها المقببتان شبههما أبي بشفتي هرة وليدة، على وشك أن تطلق مواءها. كانت سلوى تكره هذه المرأة هي الأخرى لأن أبي أحبها، وهي كانت تحب أمي، وتمقت أبي الذي تعتبره خائن، ليس لأنه أحب الأرمنية، لكن لأنه قرر أن يموت في سفينته وهو يعرف أن أمي تكره البحر، وأنها لن تستطيع أن تهرب بعيدا عنه. لفة معقدة. تليق بسلوى التي لم أفهمها.
قالت لي، وصدقتها بلا داع غير أنها كانت تقول ما تقوله بحماس بالغ: لا يوجد على الأرض كائن عاقل الا ويحمل فى داخله بعض الجنون. في هذه الليلة اسدلت ستارة القماش الداكنة على الشبابيك وظلت تسأل ما بقي من أنفاثي اللاهثة: الخيال هو الحقيقة، أم هو الأسطورة؟ هنا – وفي أول مرة يتلاقى جسدانا – أدركت أنني لن أعشق كل ما في سلوى. الفلسفة في لحظة العناق تؤلم كأنما كرباج سوداني منقوع في زيت الخروع منذ عشرين عاما يلسع ظهرك. قلت لها هذا فانزعجت. وقطعت علاقتنا لفترة.. في المرة التالية، حين تقابلنا مصادفة.. وبعد كأسين من هذا العرق اللبناني الذي لا أعرف من أين لفتاة ريفية تزعم التحرر جلبه. كأسان كانا كافيين لتحمل المزيد من تساؤلاتها الوجودية.
الأسئلة تهدم الجسور. لكن سلوى عنيدة؛ تظل ممسكة بالسؤال، وكأنه وصية المرحومة أمها ذات الصوت المسرسع. تسألني بحياد: من سيقع عليه الدور القادم ؟ عمق يتشكل ليحيط يوعيي ، افقده لكن ساعتي لا تتوقف عن الدق: رأسى يحوى دوامات تبتلع نفسها كالثريا البللورية وسخف العبارة المنقوشة على حافتها.. لا أحد يصل إلى اليقين : كلنا موتى ، حتى وإن لم يسقط الجسد.
لم سأخشاها. الخائنة.. قالت عن أبي انه خان لأنه غادر دون أن يحسب عواقب موته! هي إذن تستحق الوصف. يرن المنبه.. صوت طفل يبكى بلا انقطاع.. شيء موتر ومزعج لأقصى حد. حين أعرف أن تذاكر العودة تنتهي صلاحيتها في خلال ساعة أتجاهل الراهن وأدعي أن مغصا يضرب في معدتي كمعول جلجامش. لن أسافر. سأبقى ردحا من الزمن (لم يعد يتبقى في الحقيقة الكثير منه). لا أريد أن أحكى لسلوى عن الموت.. سلوى والموت صارا صديقين.. حكاية سلوى أسخف من قصيدة لرامبو. ماتت لكن أسئلتها لم تمت، ولزوم الإجابة لا زال ملحا وكأنها تقف فوق رأسي. أكلمها ولم أزل على هذا التوجس من أن تنزعج من رأيي.
من الهبل أن تحكي لشخص عما فعله هو نفسه قبل أسبوع واحد وكأنما تتصوره شخصا آخر. وشيء عبيط أن تعيد قصة مكرورة على سمع أول من حكاها لك وتنتظر منه الدهشة. ما كنت أراه فى كل يوم حين تمسك سلوى بسروالي وتلقيه بعيدا وهي تحدثني وكأنها تلومني على تأخري عن اشتهائها. شبح أبيض طويل ، يمسك بمنجل هائل مشرشر النصل ، قادر على حصد رقبتي بنعومة.. الموت كان يشاطرنا السرير . فوق حلمتي سلوى كان ينصب بلورة أرى بها العالم والزمن ، لم أرى بلادا بعيدة ، بل رأيت رحلة ممدودة على خارطة سلوى.. كان يحق لي بعد طول ترحال أن اتساءل وقد انتهي بي المطاف لمبنى مهيب مكتوب على أبوابه الجنة: لماذا الأبواب موصدة ، ونوافذها حديدية ، كقضبان الزنازين ؟
أصابعى مثلجة ، وقلبى رغم ذلك يلعن بؤونة . الثقوبُ السوداء تنهب مشاعري والصراخ يراقص الضوء الخفيف الآتى من وجهها المتبسم.
(تناص كريه مع قصيدة اسمها منجل الموت)
* عن موقع قل