ميااااو!!
طااق (صوت غلق الباب)
لقد طردني هذا الأحمق ! لقد قام بتسريبي وأغلق الباب في وجهي !!
وكل هذا بسبب زوجته الحمقاء التي تخاف القطط !!
ويقولون القطط غدارة !!
أنتم الغدارون معشر البشر !
بهذه السهولة تركني عرضة لقطط الشوارع المتوحشة المسعورة التي تأكل من القمامة !!
أنا !! أنا، القطة المرفهة الجميلة المنحدرة من سلالة الماو الفرعونية النادرة سلالة الأصل والحسب والنسب، ينتهي بي الحال أن أكون قطة عادية من قطط الشوارع !!
آكل مثل ما يأكلون، أتصرف بوحشية وهمجية مثل ما يتصرفون وأنسي أكلي المجفف اللذيذ والحليب الدافيء أنا ؟!
ألا يعلم هذا المنساق وراء زوجته أن كل من يراني يقع في حبي ويُفتن بلوني الرمادي الجميل الذي يدعو إلي الهيبة والوقار!
والآن .. مطلوب مني أن أتحول إلي قطة تزحف البراغيث في شعرها !!
لا ! مستحيل !
لن استسلم، لن يتمكنوا من تحويلي إلي قطةٍ عاديةٍ أبداً .
سأستمر في اتباع قواعد سلالتي العريقة ولن أنجرف لأكون واحدة منهن أبداً .
أراهن أن جمعيات الرفق بالحيوان ستلمس ندرتي وتقوم بتبنيني في أقرب وقت.. أنا واثقة ..
ولكني جائعة !!
يا إلهي ماذا سأفعل ؟! وأين سأبيت ؟!
ــ في الشااارع يا حلوة !!
قاطعني صوت قطة برتقالية مرقطة من قطط الشوارع والتي يطلق عليها (قطة بلدي)، كان صوتها مزعجا ومرتفعا أشبه ما يكون بالعويل !
يبدو وكأنها لا تعلم بأصول اتيكيت القطط بالمرة !
حدثت نفسي وقلت: أهلاً، لقد بدأنا !!
قوست ظهري استعداداً للهجوم وقلت لها بصلابة مصطنعة :
ــ من أنت؟! ماذا تريدين مني ؟!
ردت القطة البرتقالية بتهكم :
ــ أنا مين ؟! أنا (سوسكا) يا ادلعدي !! انتي اللي مين ؟! وإيه اللي جابك هنا في حتتنا ؟! هوقطع عيش والسلام !!
اتسعت عيناي في ذهول، وكأنني نزلت علي كوكبٍ آخر !!
وقلت :
ــ أنا (سرابي) فرعونية الأصل، اُقارن بكِ انتي من الأساس !! كما انني لا آكل العيش أصلاً !!
اغربي عن وجهي ايتها الهمجية !!
ــ اغرب عن وجهك ؟! طيب تعالي هنا بقي !!
وهَمّتْ (سوسكا) بمهاجمتي !!
ــ (سوسكا) !! اتركيها !!
ساد الصوت الرخيم أرجاء المكان، وارتعشت (سوسكا) وتسمّرت مكانها، ألتفت لأري صاحب الصوت .. وإذا به قط أسود، وسيم، عريض الرأس، ذو أذن طويلة وذيل سميك ..
ابتعدت (سوسكا) عني وقالت في تزمّر:
ــ أوامرك يا (ايميت)، عشان خاطرك انت بس، إنما انتي هتروحي مني فين مسير الحي يتلاقي !!
وقفزت مبتعدة ..
هممت بالرحيل، ولكن القط الاسود قفز أمامي ليمنعني من التقدم قائلاً :
ــ انتظري !!
ماذا تريد انت الآخر ؟!
ــ من أنت؟! وماذا جاء بك إلي هنا ؟! لا يبدو عليك آثار الطريق فأنت مختلفة و...
قاطعته قائلة:
ــ طبعاً انا مختلفة، انا قطة بيت محترم لولا صاحب البيت المغفل الذي قام بطردي في الشارع لأسباب واهية!!
ــ اهدئي اهدئي، نحن القطط معرضون دوماً لمثل هذه الظروف، ولقد اصبح هذا واقعكي الآن وعليك ان تتقبليه ..
امممممم !! يبدو انني في حضرة قط مثقف !! اذهب ليس هذا ما ينقصني !!
ــ اطمأني، انا هنا لمساعدتك، اعلم انني قط شارع مثلهم ولكنني مختلف ..
وعليك ان تعلمي انني إذا ذهبت ستكونين عرضة للخطر !!
أظن انكِ قد تعرفت بـ (سوسكا) !! ..
ــ أنا (ايميت)..
قالها وقد ارتسمت علي وجهه ابتسامة فخر ..
نظرت إليه في صمت، لقد اقنعني حديثه قليلاً، ويبدو أنه مخرجي الوحيد ..
قطعت صمتي وقلت له :
ــ حسناً (ايميت) لنري، أنا (سرابي) .
ــ أهلاً بكِ في عالمك الجديد (سرابي).
تدخل صوت بطني التي أعطت إشارة لقطط الأرض أنني أتضور جوعاً !!
ابتسم (ايميت) وقال :
ــ تبدين جائعة، تعالي معي، سأطعمك .
ــ اسمع !! لن آكل من القمامة !! علي جثتي.
ــ ومن قال ذلك، فقط سيري معي .
سرنا معاً قاصدين مكان الطعام الذي يعرفه (ايميت)، نظرت إليه بفضول قططي معهود قائلة :
وانت (ايميت) ما قصتك ؟ لا تبدو لي وكأنك قط شارع.
اومأ (ايميت) برأسه قائلاً :
ــ هذا صحيح، فأنا ولدت في بيت كبير وجميل تحت رعاية أسرة طيبة وثرية، ولحسن حظي أنني كنت في كنف أبي وأمي ولم ننفصل .. وفي يوم لن أنساه، شب حريق ضحم في المنزل !! نجيت أنا وأصحاب المنزل بالكاد، أما أبي وأمي فقد ماتا أثر الحريق، هِمت علي وجهي ولم أكن أعلم أين سوف أذهب بعدها .. كنت صغيراً، فتعرفت علي مجموعة من قطط الشوارع وتربيت في كنفهم إلي أن كبرت.
قلت بأسي : آسفة (ايميت).
ــ لا عليك، لقد أصبح ذلك من الماضي، أنا الآن معتمد علي نفسي، ولي شأن كبير وسط القطط كما رأيتِ.
نظرت إليه بإعجاب وترددت بداخلي جملة :
(نعم رأيت وأظنني سأري)..
توقفنا كثيراً وبحثنا اكثر حتي وجدنا الطعام، أوشك صبري علي النفاد مراراً ولكن (ايميت) حثني علي التحلي بالصبر وتعلم سياسة النفس الطويل .
وجدنا الطعام أخيراً، وامتلأت بطوننا .
مرت الأيام علي هذه الحال، وتدبرنا أنا و(ايميت) أمورنا في العيش والطعام أوبالأصح تدبر (ايميت) أمري .
كان يعتني بي ولا يتركني أبداً، علمني الكثير وظل بجانبي وكأنه ملاكي الحارس علمني كيف أتصدي لـ (سوسكا) تلك القطة التي تفتعل العراك مع ذباب وجهها، وأكشر عن أنيابي أمام القطط الأخري المتنمرة .
علمني كيف أقفز من الأماكن العالية، وبين أسطح المباني، حتي أنه علمني كيف أتوازن عند تسلق الجدران وكيف أكون سريعة البديهة .
قضينا أياماً ممتعة حقاً، حتي أنني قد نسيت مالكي القديم وما مررت به، وتمنيت لو أنني قابلت (ايميت) منذ وقت بعيد ..
كان هذا إحساسي دائماً .. أنني أعرفه منذ وقت بعيد .
حتي جاء هذا اليوم !! ..
ذهبت أنا و(ايميت) إلي حديقة مجاورة بحثاً عن الطعام
وجدنا طفلاً صغيراً وأمه يلعبان، وما إن رآنا الطفل الصغير حتي أعجب بنا كثيراً، وظل يلقي لنا بالطعام .
إلي أن سمعته يُلِحُ علي أمه قائلاً :
ــ أمي، سآخد هذه القطة الرمادية معي إلي المنزل !!
ردت الأم بحزم قائلة :
ــ مستحيل !!، إنها قطة شوارع يا بني أخشي أن تصيبك بالأمراض، انظر إلي لونها الباهت !! كم هي قبيحة، لنذهب وسوف اشتري لك قطة أخري مُلقّحة .
وكعادة الأطفال في هذه السن:
ــ عااااااا لاااااا، أريد هذه القطة !! لن أذهب إلي المنزل من دون هذه القطة !! عاااااا .
نظرت إلي (ايميت) الذي شاهد ما حدث بترقب وكأنه يعلم ما سوف يحدث بعد ذلك، وقلت له :
ــ أتظن أن هذه فرصتي كي أترك حياة الشوارع وأعود قطة منزل من جديد ؟!
أشاح (ايميت) بنظره بعيداً وقال باستسلام :
ــ أظن ذلك (سرابي)، فهذا ما كنت تتمنينه وتحدثينني طويلاً عنه.
ــ ولكن هل سأتركك (ايميت) ؟!
ــ ولم لا ؟! كل ما أتمناه أن تكوني آمنة .
ــ ولكنني لا أريد أن أتركك !!
ــ (سرابي) !! اذهبي !! لن تتكرر هذه الفرصة مجدداً ..ولكنني أود أن أخبرك .. بأنكِ حقاً مميزة (سرابي)، وليس ذلك لأنك سليلة الماو الفرعونية ولا للونك النادر .. وإنما لأنك تملكين قلباً يحب أن يكسر كل القيود والقوانين، وعينان لامعتين ينضحان بالمغامرة .. كما أنك سريعة التعلم وذكية (قالها بابتسامة واهنة).. أنا احبك سرابي..
وقع كلام (ايميت) عليَّ كالصاعقة !! لكم تمنيت أن أجد القط الذي يري جانبي اللامع الذي لم يره باقي القطط الحمقي المرفهة في بيوت البشر .
ولكنني تأخرت في الرد عليه وإعلامه بقراري !!
إذ أنني وجدت نفسي ارتفع من علي الأرض بين يدي الطفل الصغير الذي هَمَّ باصطحابي إلي منزله، إلي سجنه المنمق !!
يا إلهي !! هل سأذهب معه بهذه السهولة وأنسي (ايميت) إلي الأبد ؟!!
لا !! لابد ان افعل شيئاً !!
تذكرت مهاراتي الجديدة في الدفاع عن النفس التي علمني (ايميت) إياها .
ووجدت نفسي أموء في وجه الطفل الصغير بجنون، وأخرج مخالبي وأصيبه بخدش في يديه !!
وهنا قام الطفل الصغير بإلقائي علي الأرض في ذعر !!
فانتفضت أمه ووبخته قائلة :
ــ أرأيت !! قلت لك أنها قطة شوارع متوحشة !!
هيا لنذهب إلي الطبيب علي الفور !! تحرك أمامي !!
جريت لألحق بـ (ايميت) الذي سار مبتعداً مستسلماً لوحدته من جديد .
ها قد وجدته .. ناديته :
ــ (ايميت)!
ــ (سرابي) !! ما الذي أتي بك مجدداً، اذهبي والحقي بالطفل ..هيا !!
ــ لا .. لن أذهب يا (ايميت) سأظل معك ولن أتركك ابداً.. وهذا قراري .
لقد أزلت الوشاح عن (سرابي) الحقيقية .. أنت الوحيد الذي رآها كما يجب أن تكون ..أنا أيضاً أحبك ..أحبك أيها القط الأسود.
* عن جريدة اخبار الادب
طااق (صوت غلق الباب)
لقد طردني هذا الأحمق ! لقد قام بتسريبي وأغلق الباب في وجهي !!
وكل هذا بسبب زوجته الحمقاء التي تخاف القطط !!
ويقولون القطط غدارة !!
أنتم الغدارون معشر البشر !
بهذه السهولة تركني عرضة لقطط الشوارع المتوحشة المسعورة التي تأكل من القمامة !!
أنا !! أنا، القطة المرفهة الجميلة المنحدرة من سلالة الماو الفرعونية النادرة سلالة الأصل والحسب والنسب، ينتهي بي الحال أن أكون قطة عادية من قطط الشوارع !!
آكل مثل ما يأكلون، أتصرف بوحشية وهمجية مثل ما يتصرفون وأنسي أكلي المجفف اللذيذ والحليب الدافيء أنا ؟!
ألا يعلم هذا المنساق وراء زوجته أن كل من يراني يقع في حبي ويُفتن بلوني الرمادي الجميل الذي يدعو إلي الهيبة والوقار!
والآن .. مطلوب مني أن أتحول إلي قطة تزحف البراغيث في شعرها !!
لا ! مستحيل !
لن استسلم، لن يتمكنوا من تحويلي إلي قطةٍ عاديةٍ أبداً .
سأستمر في اتباع قواعد سلالتي العريقة ولن أنجرف لأكون واحدة منهن أبداً .
أراهن أن جمعيات الرفق بالحيوان ستلمس ندرتي وتقوم بتبنيني في أقرب وقت.. أنا واثقة ..
ولكني جائعة !!
يا إلهي ماذا سأفعل ؟! وأين سأبيت ؟!
ــ في الشااارع يا حلوة !!
قاطعني صوت قطة برتقالية مرقطة من قطط الشوارع والتي يطلق عليها (قطة بلدي)، كان صوتها مزعجا ومرتفعا أشبه ما يكون بالعويل !
يبدو وكأنها لا تعلم بأصول اتيكيت القطط بالمرة !
حدثت نفسي وقلت: أهلاً، لقد بدأنا !!
قوست ظهري استعداداً للهجوم وقلت لها بصلابة مصطنعة :
ــ من أنت؟! ماذا تريدين مني ؟!
ردت القطة البرتقالية بتهكم :
ــ أنا مين ؟! أنا (سوسكا) يا ادلعدي !! انتي اللي مين ؟! وإيه اللي جابك هنا في حتتنا ؟! هوقطع عيش والسلام !!
اتسعت عيناي في ذهول، وكأنني نزلت علي كوكبٍ آخر !!
وقلت :
ــ أنا (سرابي) فرعونية الأصل، اُقارن بكِ انتي من الأساس !! كما انني لا آكل العيش أصلاً !!
اغربي عن وجهي ايتها الهمجية !!
ــ اغرب عن وجهك ؟! طيب تعالي هنا بقي !!
وهَمّتْ (سوسكا) بمهاجمتي !!
ــ (سوسكا) !! اتركيها !!
ساد الصوت الرخيم أرجاء المكان، وارتعشت (سوسكا) وتسمّرت مكانها، ألتفت لأري صاحب الصوت .. وإذا به قط أسود، وسيم، عريض الرأس، ذو أذن طويلة وذيل سميك ..
ابتعدت (سوسكا) عني وقالت في تزمّر:
ــ أوامرك يا (ايميت)، عشان خاطرك انت بس، إنما انتي هتروحي مني فين مسير الحي يتلاقي !!
وقفزت مبتعدة ..
هممت بالرحيل، ولكن القط الاسود قفز أمامي ليمنعني من التقدم قائلاً :
ــ انتظري !!
ماذا تريد انت الآخر ؟!
ــ من أنت؟! وماذا جاء بك إلي هنا ؟! لا يبدو عليك آثار الطريق فأنت مختلفة و...
قاطعته قائلة:
ــ طبعاً انا مختلفة، انا قطة بيت محترم لولا صاحب البيت المغفل الذي قام بطردي في الشارع لأسباب واهية!!
ــ اهدئي اهدئي، نحن القطط معرضون دوماً لمثل هذه الظروف، ولقد اصبح هذا واقعكي الآن وعليك ان تتقبليه ..
امممممم !! يبدو انني في حضرة قط مثقف !! اذهب ليس هذا ما ينقصني !!
ــ اطمأني، انا هنا لمساعدتك، اعلم انني قط شارع مثلهم ولكنني مختلف ..
وعليك ان تعلمي انني إذا ذهبت ستكونين عرضة للخطر !!
أظن انكِ قد تعرفت بـ (سوسكا) !! ..
ــ أنا (ايميت)..
قالها وقد ارتسمت علي وجهه ابتسامة فخر ..
نظرت إليه في صمت، لقد اقنعني حديثه قليلاً، ويبدو أنه مخرجي الوحيد ..
قطعت صمتي وقلت له :
ــ حسناً (ايميت) لنري، أنا (سرابي) .
ــ أهلاً بكِ في عالمك الجديد (سرابي).
تدخل صوت بطني التي أعطت إشارة لقطط الأرض أنني أتضور جوعاً !!
ابتسم (ايميت) وقال :
ــ تبدين جائعة، تعالي معي، سأطعمك .
ــ اسمع !! لن آكل من القمامة !! علي جثتي.
ــ ومن قال ذلك، فقط سيري معي .
سرنا معاً قاصدين مكان الطعام الذي يعرفه (ايميت)، نظرت إليه بفضول قططي معهود قائلة :
وانت (ايميت) ما قصتك ؟ لا تبدو لي وكأنك قط شارع.
اومأ (ايميت) برأسه قائلاً :
ــ هذا صحيح، فأنا ولدت في بيت كبير وجميل تحت رعاية أسرة طيبة وثرية، ولحسن حظي أنني كنت في كنف أبي وأمي ولم ننفصل .. وفي يوم لن أنساه، شب حريق ضحم في المنزل !! نجيت أنا وأصحاب المنزل بالكاد، أما أبي وأمي فقد ماتا أثر الحريق، هِمت علي وجهي ولم أكن أعلم أين سوف أذهب بعدها .. كنت صغيراً، فتعرفت علي مجموعة من قطط الشوارع وتربيت في كنفهم إلي أن كبرت.
قلت بأسي : آسفة (ايميت).
ــ لا عليك، لقد أصبح ذلك من الماضي، أنا الآن معتمد علي نفسي، ولي شأن كبير وسط القطط كما رأيتِ.
نظرت إليه بإعجاب وترددت بداخلي جملة :
(نعم رأيت وأظنني سأري)..
توقفنا كثيراً وبحثنا اكثر حتي وجدنا الطعام، أوشك صبري علي النفاد مراراً ولكن (ايميت) حثني علي التحلي بالصبر وتعلم سياسة النفس الطويل .
وجدنا الطعام أخيراً، وامتلأت بطوننا .
مرت الأيام علي هذه الحال، وتدبرنا أنا و(ايميت) أمورنا في العيش والطعام أوبالأصح تدبر (ايميت) أمري .
كان يعتني بي ولا يتركني أبداً، علمني الكثير وظل بجانبي وكأنه ملاكي الحارس علمني كيف أتصدي لـ (سوسكا) تلك القطة التي تفتعل العراك مع ذباب وجهها، وأكشر عن أنيابي أمام القطط الأخري المتنمرة .
علمني كيف أقفز من الأماكن العالية، وبين أسطح المباني، حتي أنه علمني كيف أتوازن عند تسلق الجدران وكيف أكون سريعة البديهة .
قضينا أياماً ممتعة حقاً، حتي أنني قد نسيت مالكي القديم وما مررت به، وتمنيت لو أنني قابلت (ايميت) منذ وقت بعيد ..
كان هذا إحساسي دائماً .. أنني أعرفه منذ وقت بعيد .
حتي جاء هذا اليوم !! ..
ذهبت أنا و(ايميت) إلي حديقة مجاورة بحثاً عن الطعام
وجدنا طفلاً صغيراً وأمه يلعبان، وما إن رآنا الطفل الصغير حتي أعجب بنا كثيراً، وظل يلقي لنا بالطعام .
إلي أن سمعته يُلِحُ علي أمه قائلاً :
ــ أمي، سآخد هذه القطة الرمادية معي إلي المنزل !!
ردت الأم بحزم قائلة :
ــ مستحيل !!، إنها قطة شوارع يا بني أخشي أن تصيبك بالأمراض، انظر إلي لونها الباهت !! كم هي قبيحة، لنذهب وسوف اشتري لك قطة أخري مُلقّحة .
وكعادة الأطفال في هذه السن:
ــ عااااااا لاااااا، أريد هذه القطة !! لن أذهب إلي المنزل من دون هذه القطة !! عاااااا .
نظرت إلي (ايميت) الذي شاهد ما حدث بترقب وكأنه يعلم ما سوف يحدث بعد ذلك، وقلت له :
ــ أتظن أن هذه فرصتي كي أترك حياة الشوارع وأعود قطة منزل من جديد ؟!
أشاح (ايميت) بنظره بعيداً وقال باستسلام :
ــ أظن ذلك (سرابي)، فهذا ما كنت تتمنينه وتحدثينني طويلاً عنه.
ــ ولكن هل سأتركك (ايميت) ؟!
ــ ولم لا ؟! كل ما أتمناه أن تكوني آمنة .
ــ ولكنني لا أريد أن أتركك !!
ــ (سرابي) !! اذهبي !! لن تتكرر هذه الفرصة مجدداً ..ولكنني أود أن أخبرك .. بأنكِ حقاً مميزة (سرابي)، وليس ذلك لأنك سليلة الماو الفرعونية ولا للونك النادر .. وإنما لأنك تملكين قلباً يحب أن يكسر كل القيود والقوانين، وعينان لامعتين ينضحان بالمغامرة .. كما أنك سريعة التعلم وذكية (قالها بابتسامة واهنة).. أنا احبك سرابي..
وقع كلام (ايميت) عليَّ كالصاعقة !! لكم تمنيت أن أجد القط الذي يري جانبي اللامع الذي لم يره باقي القطط الحمقي المرفهة في بيوت البشر .
ولكنني تأخرت في الرد عليه وإعلامه بقراري !!
إذ أنني وجدت نفسي ارتفع من علي الأرض بين يدي الطفل الصغير الذي هَمَّ باصطحابي إلي منزله، إلي سجنه المنمق !!
يا إلهي !! هل سأذهب معه بهذه السهولة وأنسي (ايميت) إلي الأبد ؟!!
لا !! لابد ان افعل شيئاً !!
تذكرت مهاراتي الجديدة في الدفاع عن النفس التي علمني (ايميت) إياها .
ووجدت نفسي أموء في وجه الطفل الصغير بجنون، وأخرج مخالبي وأصيبه بخدش في يديه !!
وهنا قام الطفل الصغير بإلقائي علي الأرض في ذعر !!
فانتفضت أمه ووبخته قائلة :
ــ أرأيت !! قلت لك أنها قطة شوارع متوحشة !!
هيا لنذهب إلي الطبيب علي الفور !! تحرك أمامي !!
جريت لألحق بـ (ايميت) الذي سار مبتعداً مستسلماً لوحدته من جديد .
ها قد وجدته .. ناديته :
ــ (ايميت)!
ــ (سرابي) !! ما الذي أتي بك مجدداً، اذهبي والحقي بالطفل ..هيا !!
ــ لا .. لن أذهب يا (ايميت) سأظل معك ولن أتركك ابداً.. وهذا قراري .
لقد أزلت الوشاح عن (سرابي) الحقيقية .. أنت الوحيد الذي رآها كما يجب أن تكون ..أنا أيضاً أحبك ..أحبك أيها القط الأسود.
* عن جريدة اخبار الادب