وفاء جعبور - زفرة العربي الأخيرة

( إلى أبي عبدالله الصغير)

سقيمًا
معَ الريح يهذي
أيا ريحُ كُفّي عن الثرثرةْ
تمرُّ البلادُ كغيم الطريقِ
أحدّقُ فيها
فيسقطُ حُلمٌ
وتغرقُ في حُزنها القبّرةْ
هنا .. أرقبُ الروحَ في مأمنٍ
لا غريبَ يعكّر صفو المزاجِ
ولا ردهة القصر تكتظ بالثائرينَ
فكفّي عن اللومِ
لستُ الذي باعها للغريبِ
ولستُ الذي من دماها
اشترى

تمرُّ الحبيبة من شاطئ النهرِ
تعبرُ جسرًا
وتوقظُ من وقع أقدامها الياسمينُ
فتصرخُ عيناهُ
ما شكلُ عينيكِ
حين يَلوح الضبابُ على قمر الوقتِ
يصهلُ خيلٌ
وتبقى الحبيبةُ في أسرها
تزرع الملحَ بين الكلامْ
تجيءُ ..
فتبكي على كفهِ
صادروا الوردَ من وجنتيّ
استباحوا صباحاتِ روحي
وصوتي الذي غرّدَ العربيةَ
لم يبق منه سوى لكنةٍ للأعاجمِ
هل هنتُ يومًا عليكَ
وهانت أصابعُ أجدادكَ الفاتحينَ
على مشهدٍ من رخامْ

سقيمًا
هَوَى في فراغِ القصيدةِ
ينفضُ عن روحهِ الخوفَ
وقعَ الخطى
هاتِ مفتاحكَ اليومَ واخرجْ
فأرضُكَ كالحلمِ تسقطُ
عن مُهرةِ العاشقينَ
وغادرْ هواءكَ
والبحرَ
خُذ زفرة العربيّ الأخيرةَ
واندسَّ كالسيفِ في صدر أمّكَ
أكمل ضياعك فيها
(فعائشةُ) اليومَ تطفئ مصباحَ شرفتها
للغيابِ
وتسرقُ من كل زاويةٍ صورةً
تستظلُّ بها في المنافي البعيدةِ
تسألُ :
هل كنتُ أدري إذا ما أتتني البشارةُ
يومَ المخاضِ العسيرِ
بأنّي على موعدٍ مُنتظَرْ ؟

فياليتني كنتُ أرجوحةً
في سماءِ (صقليةَ)
تهوي بها الريحُ كيف تشاءُ
وما كنتُ أنثى
لأسمعَ هذا الخبرْ

****

يمرُّ الصغارُ بأجسادهم
يقطفونَ الكلامَ المخبّأ في شَفةِ الحزنِ
عن حالهم كيفَ آلَ
يقولونَ إنّا سنأكلُ لحمَ الكلابِ
إذا ما تَنَصَّرَ فينا الشقيُّ
سنأكلُ لحمَ الخيولِ التي
لم تجدْ عاشقًا
يوغلُ الوصفَ فيها
سنأكلُ أجسادنا ..
ينظرونَ لأجسادهم
لحظةً
يهرعونْ

و(غرناطةُ ) اليومَ تبكي
تقولُ كلامًا عن اللوزِ والسّرو فيها
وينعتها الحالمونَ بكلّ جميلٍ
تميلُ
فيرشحُ من شَعرها العطرُ
والموجُ
تهمسُ في أذنِ البحرِ:
ما عدتُ أعرفُ نفسي
تغيبُ ,,
ويزدادُ فينا التعلّق للبحرِ
للنسمة العربيةِ
للخيلِ
للسّروِ
للشِّعرِ
للنظرةِ العسليةِ
للقمحِ في وجنتين تفيقان من غفوةٍ
في الظهيرةِ
للعطرِ
للمسكِ
للزعفرانِ

فليتَكَ يوم أضعتَ هواها
التفتّ لنا
نحن عُشّاقها العاثرونَ
بَكينا على بابها مرّةً في العراءِ
وفي وحشة الليل ضِعنا
كتَبنا القصائدَ في بَهوها
حين مرَّتْ ملامِحُها العربيةُ من بابنا
فأفقنا
وقلنا سلامًا لأرواحنا
حين نشتاقها يوم تأتي
ويوم تغيبُ
ويوم نعودُ لأبوابها سالمينْ !

وفاء جعبور

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...