ناصر الجاسم - العطرا.. قصة قصيرة

ولما ألف جلوسها وقيامها في حضنه بعباءتها التي ترصع عجيزتها التمر بها، وكثر عضّهُ لعنقها الممرد بعطر السدر، ومل ساعداه رفعها وإنزالها على حصيره الخوصي الممزق في القيلولات، زهد فيها، وعاف جمالها القروي النادر فسرّحها، ونسي عُريها المشمس إذا استحمت بعد الفجر فوق سطح بيته الطيني..

آوتْ بعد انقضاء عدّتها إلى فراش غيره القطني، كي لا تموت وتموت معها دجاجاتها وعنزاتها، تذكّر وهو فوق نخلته الوحيدة يمسك بعذوقها ويجني رطبها، ثدييها، وحلمتيها، وعريها الحار، واستحضر أنفه عطرها، فاستحلّت في قلبه من جديد، وشبّت في صدره نيران حبها، وعصفت بعقله الغيرة وتأوَّه، فنزل من نخلته، وتنكر بعباءة امرأة، واستعار صوتاً ناعماً، وصار يجوب طرقات القرية كامرأة مخبولة، ويدلل عليها: من عين فيكم عنز عطرا وله دجاجة صفرا؟ من عين فيكم عنز عطرا وله دجاجة صفرا؟

وكان يطيل التجواب في الطريق التي سكنتها، وبمحاذاة الباب الجديد الذي أمسى بابها، ويرفع صوته المستعار بدلالته التي أثارت شفقة القرويين، وهيجتْ حسراتهم على ضالته، وطمّعتهم في دجاجته، فسمعت صوته، وعرفته، وحنت إلى رائحة المرّة المعقودة بخيط في أنفه، واستعذبت عرق إبطه المسفوح على جسدها في القيلولات، ففتحت له الباب، وأطلّتْ عليه، ولم تُرهِ وجهها، وكان غطاءَ وجهها شعرُها، وألقت عليه كيدَها لتطمئنه: رح والله لأقطع قلبه! فما كان منه بعد سريان الكيد إلا أن قصد العمدة، وأغراه بعشاء على دجاجة صفراء إن سرحها له! فدعا العمدةُ زوجَها على الدجاجة المبهرة بالبزار، ولما شبعا طلب العمدة من الزوج أن تغير زوجته عتبتها، وتعود لعتبتها الأولى قبل أن تفرخ عنده، فرضخ الزوج للطلب وهو آنف الإمساك بها، ومنذ أن عادت إليه وكل ذكر ينجبانه يسميه الناس ولد العطرا، وكل بنت ينجبانها يسميها الناس بنت العطرا!


* المصدر
العطرا- قصة قصيرة جدا- ناصر الجاسم ~ القاص والروائي السعودي ناصر الجاسم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...