(1)
صَدَرَتْ عن الجِنرال صرخَةٌ مُدَوِيَةٌ شقت فضاء المدينة ،أفزعت سرب الحمام الذي حط في غَفْلَةٍ مِنْهُ على كتفهِ ، سلَّ سيفه من غِمْدِهِ ، أصْفَرَ السيفُ في الفضاء ، سقطت حمامة مضرجة بدمائها أمام الجزمة اليمنى لنصب الجنرال (رتبة عسكرية منحها لنفسه في حياته ) .
هل هو هَوَسُ الرئيس باقْتِنَاصِ الرؤوس ، الهوس الذي لازمه طيلة حياته ؟
أم هي لعبة يُسَلِّي بها الرجل نفسه في وَحْدَتهِ .
بَدَا برج الحمام خالياً ، حلق الحمام بعيداً عن نصب الرئيس الذي يُطِلُّ على بُؤْسِ
المدينة الآيِلَةِ للسُّقوط في أية لحظة ، كان البؤس بَادِياًعلى سطوح المدينة:
أحذية بَالِيةُ ، قطع خبز يابس ، بَصَلٌ متعفن نَتِنٌ كالأمْشَاج ،أكياس ابلاستيكية ، ثياب داخلية نسوية ، ثياب داخلية للرجال ، حفاظات الصغار ، أكياس قمامة ، صراصير مقلوبة على ظهورها كالشاحنات ،قناني للخمور وبعض السوائل (فارغات ) تنفخ فيها الريح ، وبعض الحشرات الصغيرة لاصقة على ثُمَالَاتِهَا ، يُمسِي نَصْبُ الرئيس ويُصبِح على هذه الاشياء التي يسميها قاذوراتْ .
كان الجنرال قَدْ أَوْصَى بِطَانَتهُ وهو على فراش الموت (فراش وثير طبعا ، ينزلق عليه بليونة ) أن يقيموا لَهُ نصْباً يليق بمقامه ، ويكون النصب مُطِلّاً على المدينة وعلى مصطبة عالية حتى لا تتبول عليه الكلاب والقطط . وهكذا وجد الجنرال نفسه بعد أن قضى نحبه على ربوةٍ من رَبَوَاتِ المدينة وعلى مصطبة عالية كما أراد ،وفضلا على ذلك فالنصب مواجه لشارع رئيسي .
كما أوصى الجنرال بطانته كذلك ، وهو قيد الحياة قائلاً :
- راكموا الأموال!!!
وهكذا أعطاهم الضوء الأخضر لتعرية الشعب من أخمص قدميه إلى قُنَّةِ رَأْسِهِ: إقتنوا الضيعات الجيدة ، والفيلات الفاخرة على الشواطيء ، ومقالع الأحجار والرمال ، وأقاموا المصانع.
وقبل أن يموت الرئيس ، إستوطنت جسمه أمراض كثيرة وَأصبح يهُزّهُ الرُّعَاشُ وأنتهى مُخَرِّفاً ، متنقلاً على عَرَبَةٍ غريبة صُنِعَتْ خِصّيصاً له ، ولم ينفعه الإفرط في أكل الثُّومِ نَيِئاً كما نصحه أحد أطبائه المُقَرَبِينَ .
(2)
تَفَاجأَ الجنرال لما هبَّ من غَفْوَتِهِ ، بِالسُّكونِ الذي حَلَّ فَجْأةً حَوْلَهُ ، سُكُونٌ نَزَلَ كالظلام ، تذَكَّرَ شَيْئاً ، ثم قهقه حتى إمتلأ الفضاء بقهقهته ، كان المَاتْشْ الذي تقرر أن ينقل على شاشة التلفزيون ( الذي كان يسميه الجنرال "صندوق العجب) بين "البارصا " و" الريال " ، هو ما أضحكه . رأى الناس يهرولون إلى بيوتهم أو إلى المقاهي ، والدكاكين تغلق أبوابها، بطُؤَتِ الحركة في الشارع ،جمع الفرَّاشُونَ بضائعهم التي يفرشونها ، عجَّت المقاهي بِرُوَادِهَا وضاقت بهم الأمكنة ، ضحك الجنرال لما رأى المتأخرين يتراكضون لإدراك مراسيم بداية المبارة ثم قال في نفسه "كرة القدم أفيون الشعوب" وأضاف "قد فات ماركس أن يقول هذا ", وخلال السكون شاهد الرئيس شخصاً يقفز على السطوح ، يجمع الثِّيَاب المغسولة والمعروضة لتَجِفَّ على الحبال ، ثم يضعها داخل كيس من القنب ويَخْتَفِى كما ظَهَرَ ، قافزاً على ظَهُورِ الحيطان . " لولا السرقات لما أكل المُعْوِزُونَ " قال، ثم أضاف " فَلْيَتَسَارَقْ أفراد الشعب ، حتى لا يُعَوِّلُوا على الحكومة في حياتهم اليومية " .
ـ تْرَاخْ ...تْرَاخ ْ .
سدَّدَ الطفل " المنغولي " بندقيته البلاستيكية في إتجاه تِمْثَالِ نصب الجنرال ، ضاعت الرصاصاتُ في الفضاء ولم تصل التِّمْثَال ، ،تَمَيَزَ الطفل غَيْطاً ، عضَّ على لسانهِ ، وظن أنه رأى الجنرال يغْمِزُ إليه وأنه سمع قهقهة أفزعت سرب الحمام ، حتى طار من على بُرْجِهِ .
صرخت الأم في إبنها من الأسفل .
ـ ماذا تفعل ؟
ـ ألعب !
خرجت أمُّهُ لتَوِّهَا من خصام مع زوجها . هي تريد أن تتفرج على التلفاز في حَلْقةٍ من حلقات مسلسل مكسيكي حتى تبكي على مأساة بطلاته ، وهو يريد أن يشاهد المبارة التي ستجمع بين " الريال "و"البارصا"
ـ َانْزِلْ ! قالت لابنها .
ـ سأفعل حالما أنتهي . قال
صعدت الأم الدرجات إلى الطابق الثاني ثم إلى السطح ، كان إبنها يسدد بندقيته إلى نصب الرئيس
ـ إذا رآك رجال الرئيس ، سيزهقون روحك . نظر الطفل إلى التمثال ، بصق إتجاهه في غفلة عن أمه ثم نزل مَجرُوراً بِيَدِها ، وفي المقهى المواجه لتمثال الجنرال سمع هذا الأخير جِدَالاً بين المتفرجين ثم بعد ذلك بقليل شجاراً بالكراسي بين مُنَاصِرِي " البارصا " ومناصري "الريال " ضحك الجنرال ضحكة ساخرةً و قال :
- لندع الشعب مشغولا بحروبه الصغيرة
ثم أغمض عينيه وَنَامَ
صَدَرَتْ عن الجِنرال صرخَةٌ مُدَوِيَةٌ شقت فضاء المدينة ،أفزعت سرب الحمام الذي حط في غَفْلَةٍ مِنْهُ على كتفهِ ، سلَّ سيفه من غِمْدِهِ ، أصْفَرَ السيفُ في الفضاء ، سقطت حمامة مضرجة بدمائها أمام الجزمة اليمنى لنصب الجنرال (رتبة عسكرية منحها لنفسه في حياته ) .
هل هو هَوَسُ الرئيس باقْتِنَاصِ الرؤوس ، الهوس الذي لازمه طيلة حياته ؟
أم هي لعبة يُسَلِّي بها الرجل نفسه في وَحْدَتهِ .
بَدَا برج الحمام خالياً ، حلق الحمام بعيداً عن نصب الرئيس الذي يُطِلُّ على بُؤْسِ
المدينة الآيِلَةِ للسُّقوط في أية لحظة ، كان البؤس بَادِياًعلى سطوح المدينة:
أحذية بَالِيةُ ، قطع خبز يابس ، بَصَلٌ متعفن نَتِنٌ كالأمْشَاج ،أكياس ابلاستيكية ، ثياب داخلية نسوية ، ثياب داخلية للرجال ، حفاظات الصغار ، أكياس قمامة ، صراصير مقلوبة على ظهورها كالشاحنات ،قناني للخمور وبعض السوائل (فارغات ) تنفخ فيها الريح ، وبعض الحشرات الصغيرة لاصقة على ثُمَالَاتِهَا ، يُمسِي نَصْبُ الرئيس ويُصبِح على هذه الاشياء التي يسميها قاذوراتْ .
كان الجنرال قَدْ أَوْصَى بِطَانَتهُ وهو على فراش الموت (فراش وثير طبعا ، ينزلق عليه بليونة ) أن يقيموا لَهُ نصْباً يليق بمقامه ، ويكون النصب مُطِلّاً على المدينة وعلى مصطبة عالية حتى لا تتبول عليه الكلاب والقطط . وهكذا وجد الجنرال نفسه بعد أن قضى نحبه على ربوةٍ من رَبَوَاتِ المدينة وعلى مصطبة عالية كما أراد ،وفضلا على ذلك فالنصب مواجه لشارع رئيسي .
كما أوصى الجنرال بطانته كذلك ، وهو قيد الحياة قائلاً :
- راكموا الأموال!!!
وهكذا أعطاهم الضوء الأخضر لتعرية الشعب من أخمص قدميه إلى قُنَّةِ رَأْسِهِ: إقتنوا الضيعات الجيدة ، والفيلات الفاخرة على الشواطيء ، ومقالع الأحجار والرمال ، وأقاموا المصانع.
وقبل أن يموت الرئيس ، إستوطنت جسمه أمراض كثيرة وَأصبح يهُزّهُ الرُّعَاشُ وأنتهى مُخَرِّفاً ، متنقلاً على عَرَبَةٍ غريبة صُنِعَتْ خِصّيصاً له ، ولم ينفعه الإفرط في أكل الثُّومِ نَيِئاً كما نصحه أحد أطبائه المُقَرَبِينَ .
(2)
تَفَاجأَ الجنرال لما هبَّ من غَفْوَتِهِ ، بِالسُّكونِ الذي حَلَّ فَجْأةً حَوْلَهُ ، سُكُونٌ نَزَلَ كالظلام ، تذَكَّرَ شَيْئاً ، ثم قهقه حتى إمتلأ الفضاء بقهقهته ، كان المَاتْشْ الذي تقرر أن ينقل على شاشة التلفزيون ( الذي كان يسميه الجنرال "صندوق العجب) بين "البارصا " و" الريال " ، هو ما أضحكه . رأى الناس يهرولون إلى بيوتهم أو إلى المقاهي ، والدكاكين تغلق أبوابها، بطُؤَتِ الحركة في الشارع ،جمع الفرَّاشُونَ بضائعهم التي يفرشونها ، عجَّت المقاهي بِرُوَادِهَا وضاقت بهم الأمكنة ، ضحك الجنرال لما رأى المتأخرين يتراكضون لإدراك مراسيم بداية المبارة ثم قال في نفسه "كرة القدم أفيون الشعوب" وأضاف "قد فات ماركس أن يقول هذا ", وخلال السكون شاهد الرئيس شخصاً يقفز على السطوح ، يجمع الثِّيَاب المغسولة والمعروضة لتَجِفَّ على الحبال ، ثم يضعها داخل كيس من القنب ويَخْتَفِى كما ظَهَرَ ، قافزاً على ظَهُورِ الحيطان . " لولا السرقات لما أكل المُعْوِزُونَ " قال، ثم أضاف " فَلْيَتَسَارَقْ أفراد الشعب ، حتى لا يُعَوِّلُوا على الحكومة في حياتهم اليومية " .
ـ تْرَاخْ ...تْرَاخ ْ .
سدَّدَ الطفل " المنغولي " بندقيته البلاستيكية في إتجاه تِمْثَالِ نصب الجنرال ، ضاعت الرصاصاتُ في الفضاء ولم تصل التِّمْثَال ، ،تَمَيَزَ الطفل غَيْطاً ، عضَّ على لسانهِ ، وظن أنه رأى الجنرال يغْمِزُ إليه وأنه سمع قهقهة أفزعت سرب الحمام ، حتى طار من على بُرْجِهِ .
صرخت الأم في إبنها من الأسفل .
ـ ماذا تفعل ؟
ـ ألعب !
خرجت أمُّهُ لتَوِّهَا من خصام مع زوجها . هي تريد أن تتفرج على التلفاز في حَلْقةٍ من حلقات مسلسل مكسيكي حتى تبكي على مأساة بطلاته ، وهو يريد أن يشاهد المبارة التي ستجمع بين " الريال "و"البارصا"
ـ َانْزِلْ ! قالت لابنها .
ـ سأفعل حالما أنتهي . قال
صعدت الأم الدرجات إلى الطابق الثاني ثم إلى السطح ، كان إبنها يسدد بندقيته إلى نصب الرئيس
ـ إذا رآك رجال الرئيس ، سيزهقون روحك . نظر الطفل إلى التمثال ، بصق إتجاهه في غفلة عن أمه ثم نزل مَجرُوراً بِيَدِها ، وفي المقهى المواجه لتمثال الجنرال سمع هذا الأخير جِدَالاً بين المتفرجين ثم بعد ذلك بقليل شجاراً بالكراسي بين مُنَاصِرِي " البارصا " ومناصري "الريال " ضحك الجنرال ضحكة ساخرةً و قال :
- لندع الشعب مشغولا بحروبه الصغيرة
ثم أغمض عينيه وَنَامَ