ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻷﻇﻦ ﺑﺄﻥ ﻭﺭﻗﺘﻴﻦ ﻋﻤﺮﻫﻤﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎً ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﻤﺎ ﺃﻥ تعيدا ﺇﻟﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻐﻀﺐ ﺍﻟﺨﺎﻧﻖ ﺗﺠﺎﻩ ﺃﻣﻲ ﻗﺒﻞ ﺃﻋﻮﺍﻡ ﻳﺘﺠﺪﺩ ﺍﻵﻥ، ﺻﻮﺗﻬﺎ ﺍﻟﺰﺍﺟﺮ ﻭﻫﻲ ﺗﻄﻠﻖ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﺭﺓ ﻛﺎﻟﺠﻤﺮ ﻣﺎﺯﺍﻝ ﻳﺮﻥ ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻲ، ﺍﻟﺤﺮﻗﺔ ﺃﻛﻠﺖ ﺃﺣﺸﺎﺋﻲ ﻭﻗﺘﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻋﺠﻮﺯﺍً ﺃﺷﻴﺒﺎً أنازع بعنادي اللاشيء، تذكرت.
ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺃﻡ ﻗﺴﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺑﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﻴﺘﻤﻲ بعد ﻭﻓﺎﺓ ﺍﺑﻨﻬﺎ ﻭﻫﺠﺮ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﻠﻬﺎ ﺑﻪ، ﺿﻤﺘﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﻛﻮﻣﺔ ﺃﺣﻔﺎﺩﻫﺎ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ كما يليق بالجدات ﻛﻨﺖ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﺩﻳﻬﺎ ﺃﻣﻲ ﻭﺑﻘﻴﺔ ﺃﺣﻔﺎﺩﻫﺎ ﻳﻨﺎﺩﻭﻧﻬﺎ "ﺣﺒﻮﺑﺔ" فتشع عيناها حناناً.
قبلتني أمي كثيراً في صباحات أيامي المهمة، وحمّلتني دعواتها كالتمائم كلما سافرت، إلا أنها في صباح تلك الرحلة بالذات اكتفت بتوديعي مع البقية على مضض.
ﺑﺪﺃ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ منذ ذلك اليوم، ﺑﻮﻛﺴﻲ عمي ﺻﺎﻟﺢ اﺨﺘﺮﻕ ﺍلإﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﻏﺮﺑﺎً ﻋﺎﺑﺮﺍً ﻗﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﺮﻣﻝ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺘﺮاكمة في الطريق إلى ﺍﻟﻨﻬﻮﺩ، ﺍﻟﺮﺣﻠﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﺒﻮﻛﺴﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺍﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ، ﻛنا ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻦ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ نرتدي العمائم والجلاليب البيضاء، وﻛﻨﺖ ﺃﺻﻐﺮﻫﻢ. "ﺍﻟﻌﺮﻳﺲ" ﻫﻜﺬﺍ ﻳﻀﺮﺑﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﺑﻘﻮﺓ ﺛﻢ ﻳﺒﺪﺃﻭﻥ ﺑﺎﻟﻤﺰﺍﺡ، أنا ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺫاﻫﺐ ﻟﻘﻄﻒ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻲ.
ﺳﻤﻴﺔ، ﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﺒﻪ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺒﺎﻥ ﺍﻟﻤﻠﺘﻮﻳﺔ، ﺫﺍﺕ العينين ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﻳﺘﺎﻥ ﻭﺍﻟﺴﻤﺮﺓ ﺍﻟﻨﻘﻴﺔ، ﺗﻠﻒ ﺍﻟﺘﻮﺏ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺑﺈﻫﻤﺎﻝ فيسقط عن ﺫﺭﺍعيها المليئتين ﺑﺎﻷﺳﺎﻭﺭ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻀﻊ ﻗﺮﻃﻬﺎ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﻱ ﻳﺬﻫﺐ ﻋﻘﻠﻲ ﺗﻤﺎﻣﺎً، ﻛﺎﻥ ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﺗﺒﺘﺴﻢ ﻟﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻬﺎ "ﻣﺮﺣﺐ ﻣﺮﺣﺐ" ﺣﺘﻰ ﻳُﻨﻌﺶ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ ﻳﻮﻣﻲ ﻭﺗﺨﻀَﺮّ ﺳﺎﻋﺎﺗﻪ، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻴﻊ ﺍﻟﺴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﺔ ﻣﻊ ﺟﺪﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ الأُبيّض ﺣﻴﺚ ﺃﻋﻤﻞ ﺑﺪﻛﺎﻥ عمي ﺻﺎﻟﺢ ﻣﻌﺎﻭﻨﺎً ﻟﻪ، كان عمي ﻳﺄﺧﺬ ﻗﻴﻠﻮﻟﺘﻪ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺪﻛﺎﻥ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ حين تمرُّ سمية لأخذ ﻗﻮﺍﺭﻳﺮ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩ ﺍﻟﻔﺎﺭﻏﺔ وﺘﻌﺒﺌﻬﺎ ﺑﺴﻤّﻨﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ، تلتقطها ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻙ واضحين ﻭﻫﻲ ﺗﺘﻤﺘﻢ: "ﺣﺒﻮﺑﺔ ﻭﺍﻗﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺶ".
وحين أحكي لأﻣﻲ ﺃﻡ ﻗﺴﻤﺔ ﻋﻦ ﺳﻤﻴﺔ ﺑﺤﺐ ﺗﻨﻬﺮﻧﻲ ﻭهي ﺗﻘﻮﻝ: "ﺃﺟﻤﺪ ﻳﺎ ﻭﻟﺪ.. بت شنو البتسو فيك كدي!"، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻈﻦ ﺃﻥ ﺳﻤﻴﺔ ﻭﺟﺪﺗﻬﺎ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﺳﺤﺮﺍﻧﻲ ﻟﻴﺴﺘﺤﻮﺫﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺎل ﺍﻟﺘﺎﺟﺮ الشاب ﺍﻟﻮﺟﻴﻪ الذي كانت تراه فيّ.
ﺍﻟﺰﻏﺎﺭﻳﺪ ﺃﺻﺎﺑﺖ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺑﺎﻟﻔﺮﺡ، ﻭﺍلإﺑﺘﺴﺎﻣﺎﺕ ﺷﻘﻘﺖ ﺗﻌﺐ ﺍﻟﺴﻔﺮ من ﺃﺟﺴﺎﺩﻧﺎ، ﻭﻛﺄﻥ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺤﺐ ﺗﻮﺳﻌﺖ ﻟﺘﺤﺘﻮﻱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺍﻟﻐﻔﻴﺮ ﻛﻠﻪ ﻟﻴﻔﺮﺡ ﺑﻨﺎ، ﺃﻧﺎ ﻭﺳﻤﻴﺔ، ﻓﺎﻟﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﺨﻄﺒﺔ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻋﻘﺪ قران ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻺﺣﺘﻔﺎﺀ ﺣﺘﻰ ﻏﺎﺻﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻏﻤﺪ ﺍﻷﻓﻖ.
نشوة الفرح الكثيفة التي حملتها في قلبي إلى الأُبيّض قتلتها صدمة أمي أم قسمة، فزواجي أنا بالذات دون إذنها أو حضورها أو موافقتها كان بالنسبة لها كارثة، تغيرت نبرة حديثها واحتدت معي، محاولات إقناعها بقبول الزواج المفاجئ تناوب الأجاويد عليها طوال ذلك العام، بعضهم أتى من الخرطوم خصيصاً، وآخرون من الأُبيّض، لكنها ظلت تردد: "أنا كلمتي واااحدة ما بتقع الواطة".
كنت قد بدأتُ أرى الوجه المخيف لأمي قسمة، الوجه الصارم القاسِ الذي يهابه الجميع، فهي التي تقبل أو ترفض، تجمع شمل العائلات أو تفرقها، وهي وحدها من تخلق المشاكل هنا وتخمدها هناك، الإصرار الذي لم أرها به يوماً هو نفسه العناد الذي كانت تصفني به، إذ لم يفلح أحدهم في تحريكها عن موقفها حتى انهار زواجي من سمية.
وﻛﺄﻥ ما حدث كان البارحة، وكأن ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺷﺘﻌﻞ ﻭﺍﻧﻄﻔﺄ بهاتين الورقتين ﻭﻗﺘﻬﺎ ﻣﺎﺯﺍﻝ ﻣﻮﻗﺪﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ، أو ربما رحيلها هو ما بدد تشنج هذه السنوات الطوال من العزلة، اليوم تسري في عروقي نشوة خدرٍ جديدة تقول لي أن الوقت لم ينفد، وأن سمية رغم هذه السنوات قد تكون بانتظاري، وأنه ربما حان الوقت لأتزوجها من جديد.
ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺃﻡ ﻗﺴﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺑﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﻴﺘﻤﻲ بعد ﻭﻓﺎﺓ ﺍﺑﻨﻬﺎ ﻭﻫﺠﺮ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﻠﻬﺎ ﺑﻪ، ﺿﻤﺘﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﻛﻮﻣﺔ ﺃﺣﻔﺎﺩﻫﺎ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ كما يليق بالجدات ﻛﻨﺖ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺎﺩﻳﻬﺎ ﺃﻣﻲ ﻭﺑﻘﻴﺔ ﺃﺣﻔﺎﺩﻫﺎ ﻳﻨﺎﺩﻭﻧﻬﺎ "ﺣﺒﻮﺑﺔ" فتشع عيناها حناناً.
قبلتني أمي كثيراً في صباحات أيامي المهمة، وحمّلتني دعواتها كالتمائم كلما سافرت، إلا أنها في صباح تلك الرحلة بالذات اكتفت بتوديعي مع البقية على مضض.
ﺑﺪﺃ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ منذ ذلك اليوم، ﺑﻮﻛﺴﻲ عمي ﺻﺎﻟﺢ اﺨﺘﺮﻕ ﺍلإﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﻏﺮﺑﺎً ﻋﺎﺑﺮﺍً ﻗﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﺮﻣﻝ ﺍﻟﻜﺜﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺘﺮاكمة في الطريق إلى ﺍﻟﻨﻬﻮﺩ، ﺍﻟﺮﺣﻠﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﺒﻮﻛﺴﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺍﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ، ﻛنا ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻦ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ نرتدي العمائم والجلاليب البيضاء، وﻛﻨﺖ ﺃﺻﻐﺮﻫﻢ. "ﺍﻟﻌﺮﻳﺲ" ﻫﻜﺬﺍ ﻳﻀﺮﺑﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻲ ﺑﻘﻮﺓ ﺛﻢ ﻳﺒﺪﺃﻭﻥ ﺑﺎﻟﻤﺰﺍﺡ، أنا ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺫاﻫﺐ ﻟﻘﻄﻒ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻲ.
ﺳﻤﻴﺔ، ﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﺒﻪ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺒﺎﻥ ﺍﻟﻤﻠﺘﻮﻳﺔ، ﺫﺍﺕ العينين ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﻳﺘﺎﻥ ﻭﺍﻟﺴﻤﺮﺓ ﺍﻟﻨﻘﻴﺔ، ﺗﻠﻒ ﺍﻟﺘﻮﺏ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺑﺈﻫﻤﺎﻝ فيسقط عن ﺫﺭﺍعيها المليئتين ﺑﺎﻷﺳﺎﻭﺭ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻀﻊ ﻗﺮﻃﻬﺎ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﻱ ﻳﺬﻫﺐ ﻋﻘﻠﻲ ﺗﻤﺎﻣﺎً، ﻛﺎﻥ ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﺗﺒﺘﺴﻢ ﻟﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻬﺎ "ﻣﺮﺣﺐ ﻣﺮﺣﺐ" ﺣﺘﻰ ﻳُﻨﻌﺶ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ ﻳﻮﻣﻲ ﻭﺗﺨﻀَﺮّ ﺳﺎﻋﺎﺗﻪ، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻴﻊ ﺍﻟﺴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﺔ ﻣﻊ ﺟﺪﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ الأُبيّض ﺣﻴﺚ ﺃﻋﻤﻞ ﺑﺪﻛﺎﻥ عمي ﺻﺎﻟﺢ ﻣﻌﺎﻭﻨﺎً ﻟﻪ، كان عمي ﻳﺄﺧﺬ ﻗﻴﻠﻮﻟﺘﻪ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺪﻛﺎﻥ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ حين تمرُّ سمية لأخذ ﻗﻮﺍﺭﻳﺮ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩ ﺍﻟﻔﺎﺭﻏﺔ وﺘﻌﺒﺌﻬﺎ ﺑﺴﻤّﻨﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ، تلتقطها ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻙ واضحين ﻭﻫﻲ ﺗﺘﻤﺘﻢ: "ﺣﺒﻮﺑﺔ ﻭﺍﻗﻔﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺶ".
وحين أحكي لأﻣﻲ ﺃﻡ ﻗﺴﻤﺔ ﻋﻦ ﺳﻤﻴﺔ ﺑﺤﺐ ﺗﻨﻬﺮﻧﻲ ﻭهي ﺗﻘﻮﻝ: "ﺃﺟﻤﺪ ﻳﺎ ﻭﻟﺪ.. بت شنو البتسو فيك كدي!"، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻈﻦ ﺃﻥ ﺳﻤﻴﺔ ﻭﺟﺪﺗﻬﺎ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﺳﺤﺮﺍﻧﻲ ﻟﻴﺴﺘﺤﻮﺫﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺎل ﺍﻟﺘﺎﺟﺮ الشاب ﺍﻟﻮﺟﻴﻪ الذي كانت تراه فيّ.
ﺍﻟﺰﻏﺎﺭﻳﺪ ﺃﺻﺎﺑﺖ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺑﺎﻟﻔﺮﺡ، ﻭﺍلإﺑﺘﺴﺎﻣﺎﺕ ﺷﻘﻘﺖ ﺗﻌﺐ ﺍﻟﺴﻔﺮ من ﺃﺟﺴﺎﺩﻧﺎ، ﻭﻛﺄﻥ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺤﺐ ﺗﻮﺳﻌﺖ ﻟﺘﺤﺘﻮﻱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺍﻟﻐﻔﻴﺮ ﻛﻠﻪ ﻟﻴﻔﺮﺡ ﺑﻨﺎ، ﺃﻧﺎ ﻭﺳﻤﻴﺔ، ﻓﺎﻟﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﺨﻄﺒﺔ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻋﻘﺪ قران ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻺﺣﺘﻔﺎﺀ ﺣﺘﻰ ﻏﺎﺻﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻏﻤﺪ ﺍﻷﻓﻖ.
نشوة الفرح الكثيفة التي حملتها في قلبي إلى الأُبيّض قتلتها صدمة أمي أم قسمة، فزواجي أنا بالذات دون إذنها أو حضورها أو موافقتها كان بالنسبة لها كارثة، تغيرت نبرة حديثها واحتدت معي، محاولات إقناعها بقبول الزواج المفاجئ تناوب الأجاويد عليها طوال ذلك العام، بعضهم أتى من الخرطوم خصيصاً، وآخرون من الأُبيّض، لكنها ظلت تردد: "أنا كلمتي واااحدة ما بتقع الواطة".
كنت قد بدأتُ أرى الوجه المخيف لأمي قسمة، الوجه الصارم القاسِ الذي يهابه الجميع، فهي التي تقبل أو ترفض، تجمع شمل العائلات أو تفرقها، وهي وحدها من تخلق المشاكل هنا وتخمدها هناك، الإصرار الذي لم أرها به يوماً هو نفسه العناد الذي كانت تصفني به، إذ لم يفلح أحدهم في تحريكها عن موقفها حتى انهار زواجي من سمية.
وﻛﺄﻥ ما حدث كان البارحة، وكأن ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺷﺘﻌﻞ ﻭﺍﻧﻄﻔﺄ بهاتين الورقتين ﻭﻗﺘﻬﺎ ﻣﺎﺯﺍﻝ ﻣﻮﻗﺪﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ، أو ربما رحيلها هو ما بدد تشنج هذه السنوات الطوال من العزلة، اليوم تسري في عروقي نشوة خدرٍ جديدة تقول لي أن الوقت لم ينفد، وأن سمية رغم هذه السنوات قد تكون بانتظاري، وأنه ربما حان الوقت لأتزوجها من جديد.