كان يلذ لسعيد وهو في باريس أن يتنزه في كل عصر على الرصيف المحاذي لنهر السين بالقرب من نوتردام دي باري، وكانت رفوف الكتب القديمة المعروضة للبيع على حائط النهر الجنوبي تجذبه إليها، وتأخذه بروائعها التاريخية والأثرية والفنية.
ووقف مرة عند أحد تلك الرفوف يقرأ عناوين كتبها، وكان غواة الكتب القديمة، والرسوم التاريخية يقفون إلى جانبه أيضا، يتصفحون المجلدات وينعمون النظر في الصور الهزلية والفنية، فإن راق لهم شيء وإلا انتقلوا إلى رفوف أخرى يبحثون وينقبون.
وبينما كان سعيد مستغرقا فيما هو به، إذا بمجموعة من الكتب تنهار إلى جانبه وتتبعثر صوت نسوي يتمتم متأسفا، فالتفت إلى يسراه، فوجد فتاة فرنسية ترفع الكتب عن الأرض وتعيدها إلى مكانها، وكان الواجب يدعوه إلى مساعدتها، فراح يجمع ما بعثرته، وكانت هي تشكره مبتسمة، وكان هو يجيبها مبتسما بان لا شيء يستحق الذكر.
وبعد أن أعادا الكتب إلى مكانها، لمح الشاب أن الفتاة أبقت بيدها كتابا قرأ على غلافه (العقد الاجتماعي) لجان جاك روسو.
فقال لها بلهجة لا تخلو من الاستغراب: عفوا أيتها الآنسة أهذا هو الكتاب الذي كنت عنه تبحثين؟
قالت: أجل. . .
قال: أتهمك مثل هذه المواضيع؟
قالت: تهمني جدا. .
قال: ولكن الموضوع شائك. . . ويخيل إلى أن الفتيات لا جلد لهن على مطالعة الكتب المرهقة للدماغ.
قالت: هذا خطأ شائع. . نحن في فرنسا نطالع كل شيء، نطالع كل ما يطالعه الرجل. . ونفعل كل ما يفعله، ولا ينقصنا إلا حرية الانتخابات.
وإذ رأى سعيد أن الفتاة مثالية جريئة متوثبة انتظر حتى ابتاعت الكتاب وهمت بالذهاب فاقترب منها، وقال بصوت خافت:
- ألدى الآنسة أي مانع للتعرف إلى شاب شرقي؟
فأطرقت الفتاة قليلا، ثم رفعت رأسها وحملقت في وجهه وقالت:
- إذا كان هذا التعارف يرضيك، فليكن، اسمي كلوديت رانجون تلميذة في المدرسة الطبية.
قال: ولي الشرف بأن أقدم لك نفسي: أنا سعيد اللبان. من الشرق. وأقطعن باريس مؤقتا.
وسارا معا بمحاذاة نهر السين إلى أن عبرا الجسر المؤدي إلى اللوفر ومنه إلى حديقة التويللري، فتجولا في دروبها بين الزهور والرياحين وكانا يتنقلان في حديثهما من موضوع إلى آخر، إلى أن قالت الفتاة في معرض كلامها عن جان جاك روسو ونظرياته إلى أودعها في (العقد الاجتماعي).
- أجل. . . يجب أن نعود إلى أمنا الطبيعة. . . ألا تكفى خيرات الأرض لإعاشة الناس؟. . . وما الأفضل للمرء: أأن يعيش في جو خانق من دخان المصانع والمعامل، أم أن ينشئ بيته في الغابات الواسعة، ويستنشق الهواء الطلق، ويشرب المياه العذبة، وينام وينهض على تغريد الطيور؟
قال: أتعنين بذلك إقامة مخيمات؟
قالت: كلا إنني أعني إعادة تنظيم معيشة الناس طبقا لحياتهم الفطرية الأولى، ولكن على مستوى عال من العلم والثقافة.
ثم أخذت تقنعه بأن الإنسان جبل من طينة طيبة، غير أنه في مراحل تطوره خرج عن اتجاهه الطبيعي وأساء التصرف بما محته إياه الطبيعة من خيرات وغدا مخلوقا شاذا أنانيا جائرا، وخلصت إلى القول بأن البشرية لن تجد الراحة والطمأنينة إلا بوضع عقد اجتماعي يكفل للناس حقوقهم.
أخذ المساء يسدل ستاره على باريس وبدأت العاصمة الفرنسية تبدو رويدا رويدا بلباس السهرة المحلى بالألوان الزاهية، وكانت الأرض تلفظ جماعات من الناس عائدين إلى بيوتهم، وتبتلع غيرهم ممن يسكنون الضواحي. . ولما بلغا في مسيرهما خطة مترو (الأوبرا) قالت له كلوديت: إلى هنا ينتهي بنا المطاف. . استودعك الله.
قال: عفوا. . لقد شوقتني بحديثك عن حياة الغابات، أفلا تعرفين غابة بالقرب من باريس تكون بمثابة نموذج صغير للمكان الطبيعي الذي تودين المعيشة فيه؟. . . .
قهقهت كلوديت وقالت:
- بلى. . . أعرف غابة (كلامار). . .
قال: هل لنا أن نتنزه فيها يوم الأحد؟
فهبطت الفتاة درج المترو وقالت (انتظرني يوم الأحد الساعة العاشرة صباحا عند مدخل محطة (مونبارناس) ومنها سنذهب إلى (كلامار) فإلى اللقاء. . .
أي شعور غريب يستولي على المرء إذا ما ولج الغابة؟. . . طرق سعيد وكلوديت غابة (كلامار) فكانت الأشجار الباسقة تحجب عنهما نور الشمس، ما خلا خيوط لها ألوان قوس قزح تسربت من خلال الأغصان، وأنارت الدغال التي سقطت عليهما وساعدتهما على اجتياز دروب الغابة المعوجة وشعاب مسالكها الضيقة. . وكانت الغربان تنعق هنا وهناك وهدير المياه يصل إلى مسامعهما، فيحمل لهما الهواء في طياته رذاذها المنعش، وكان حفيف الشجر يبدو لهما كما لو أن رتلا من السيدات يسرن بالقرب منهما وهن يجررن أذيال أثوابهن. . . ما هذا الجو الساحر الذي يكتنف سعيداً؟ وما هو هذا الدغل الرائع الذي سلبه عقله؟
وبعد أن استراحا قليلا على الحشائش الأبدية الاخضرار، بادرت كلوديت سعيدا قائلة: (كيف تشعر الآن؟ إلا تفضل المقام في هذا المكان على أي نزل في الحي الثامن من أحياء باريس؟
لم يحر الفتى جوابا وإنما استغرق في تأملاته، وكان يحس بوجل لا يدري سببه، فالأشجار المحيطة به، واحتجاب النور عنه إلا ثلاثة خيوط ملونة اخترقت الدغل الذي هو فيه، ونعيق الغربان فوق رأسه، ورطوبة المكان الذي يحف به، وحفيف الأغصان الذي يهدهد مسمعيه، كان لهذه العوامل كلها أثرها في نفسه، فتذكر الجنة، وتذكر آدم وحواء، فالتفت إلى كلوديت فوجدها قد أسندت رأسها إلى الشجرة وعلى ثغرها ابتسامة الرضى.
انقضى النهار، وحل المساء، فأقفرت الغابة من المتنزهين وركنت الطيور إلى أوكارها، وأرخى الليل سدوله، فلم ير الفتى والفتاة من النور إلا ما كان يشع من أعينهما، ولم يسمعا من الأصوات إلا ما كانا يصدرانه من نفثات، ولم يجدا شيئا يدرأان به عن نفسيهما برد الليل إلا ما كان يجري في عروقهما من دم متدفق مشبع بحرارة الشباب.
ثم عادا إلى باريس، وقد تأبط سعيد ذراع كلوديت، وأسندت هي رأسها إلى رأسه، وكانت تحدثه عن الحب الخالد، وارتباط القلوب الأزلي، وكان هو يؤكد لها ذلك أيضا، ويشكر المصادفات التي أدت إلى تعارفهما والجمع بينهما.
ولما أخذا مكانيهما في القطار، قال لها الفتى على حين غرة: لقد نسيت منهجك في الغابة. .
قالت: وأي منهج تعني؟
قال: كتاب (العقد الاجتماعي).
قالت: شيء تافه. . وإني لأرى يا حبيبي الآن أن أقر لك بحقيقة الأمر. . . إنني لست من أتباع روسو ولا غيره. . رأيتك تقف عند بائع الكتب القديمة فرأيت في ملامح وجهك بأنك من أهل الشرق الذين تكتنف نفوسهم الغموض والأسرار. فهذا الشعر الأسود وهاتان العينان البراقتان، وهذان الحاجبان المقطبان، وهذا الأنف القوقاسي، وهذه الذقن المعوجة، وهاتان الشفتان المنفرجتان. . . وهاتان الوجنتان البارزتان. . . كل هاذ ما حدا بي لكي أتحرش بك. . . أما كتاب روسو فقد وقع في يدي مصادفة وكان من حسن حظي أنني عرفت عنه شيئا. . . والآن دعنا من هذه القصة فانك لي أفضل من كل العقائد. . أنت لي إلى الأبد. انس هذا الحادث. . . لقد نسيت أنا أهلي من أجل الحب!. . .
وبلغا باريس وافترقا على أن تزور كلوديت سعيدا في فندقه في مساء اليوم التالي.
لم يدر سعيد ما الذي حدث له في تلك الليلة، فقد كان قلقا وكانت نفسه مضطربة، وكان في حيرة من عبث هذه الفتاة الباريسية بالمبادئ والعقائد وما إن طلع النهار حتى رحل من الفندق إلى غيره. . وقال لصحابه (قل لمن يسأل عني بأنني عدت إلى الشرق). .
وبعد مرور شهر على هذا الحادث، مر سعيد برفوف الكتب القائمة على ضفة السين بالقرب من جسر سان ميشيل فشاهد منظرا مروعا.
شاهد شابا شرقيا يساعد كلوديت في جمع كتب تناثرت على الأرض. . .
نجاتي صدقي
مجلة الرسالة - العدد 678
بتاريخ: 01 - 07 - 1946
ووقف مرة عند أحد تلك الرفوف يقرأ عناوين كتبها، وكان غواة الكتب القديمة، والرسوم التاريخية يقفون إلى جانبه أيضا، يتصفحون المجلدات وينعمون النظر في الصور الهزلية والفنية، فإن راق لهم شيء وإلا انتقلوا إلى رفوف أخرى يبحثون وينقبون.
وبينما كان سعيد مستغرقا فيما هو به، إذا بمجموعة من الكتب تنهار إلى جانبه وتتبعثر صوت نسوي يتمتم متأسفا، فالتفت إلى يسراه، فوجد فتاة فرنسية ترفع الكتب عن الأرض وتعيدها إلى مكانها، وكان الواجب يدعوه إلى مساعدتها، فراح يجمع ما بعثرته، وكانت هي تشكره مبتسمة، وكان هو يجيبها مبتسما بان لا شيء يستحق الذكر.
وبعد أن أعادا الكتب إلى مكانها، لمح الشاب أن الفتاة أبقت بيدها كتابا قرأ على غلافه (العقد الاجتماعي) لجان جاك روسو.
فقال لها بلهجة لا تخلو من الاستغراب: عفوا أيتها الآنسة أهذا هو الكتاب الذي كنت عنه تبحثين؟
قالت: أجل. . .
قال: أتهمك مثل هذه المواضيع؟
قالت: تهمني جدا. .
قال: ولكن الموضوع شائك. . . ويخيل إلى أن الفتيات لا جلد لهن على مطالعة الكتب المرهقة للدماغ.
قالت: هذا خطأ شائع. . نحن في فرنسا نطالع كل شيء، نطالع كل ما يطالعه الرجل. . ونفعل كل ما يفعله، ولا ينقصنا إلا حرية الانتخابات.
وإذ رأى سعيد أن الفتاة مثالية جريئة متوثبة انتظر حتى ابتاعت الكتاب وهمت بالذهاب فاقترب منها، وقال بصوت خافت:
- ألدى الآنسة أي مانع للتعرف إلى شاب شرقي؟
فأطرقت الفتاة قليلا، ثم رفعت رأسها وحملقت في وجهه وقالت:
- إذا كان هذا التعارف يرضيك، فليكن، اسمي كلوديت رانجون تلميذة في المدرسة الطبية.
قال: ولي الشرف بأن أقدم لك نفسي: أنا سعيد اللبان. من الشرق. وأقطعن باريس مؤقتا.
وسارا معا بمحاذاة نهر السين إلى أن عبرا الجسر المؤدي إلى اللوفر ومنه إلى حديقة التويللري، فتجولا في دروبها بين الزهور والرياحين وكانا يتنقلان في حديثهما من موضوع إلى آخر، إلى أن قالت الفتاة في معرض كلامها عن جان جاك روسو ونظرياته إلى أودعها في (العقد الاجتماعي).
- أجل. . . يجب أن نعود إلى أمنا الطبيعة. . . ألا تكفى خيرات الأرض لإعاشة الناس؟. . . وما الأفضل للمرء: أأن يعيش في جو خانق من دخان المصانع والمعامل، أم أن ينشئ بيته في الغابات الواسعة، ويستنشق الهواء الطلق، ويشرب المياه العذبة، وينام وينهض على تغريد الطيور؟
قال: أتعنين بذلك إقامة مخيمات؟
قالت: كلا إنني أعني إعادة تنظيم معيشة الناس طبقا لحياتهم الفطرية الأولى، ولكن على مستوى عال من العلم والثقافة.
ثم أخذت تقنعه بأن الإنسان جبل من طينة طيبة، غير أنه في مراحل تطوره خرج عن اتجاهه الطبيعي وأساء التصرف بما محته إياه الطبيعة من خيرات وغدا مخلوقا شاذا أنانيا جائرا، وخلصت إلى القول بأن البشرية لن تجد الراحة والطمأنينة إلا بوضع عقد اجتماعي يكفل للناس حقوقهم.
أخذ المساء يسدل ستاره على باريس وبدأت العاصمة الفرنسية تبدو رويدا رويدا بلباس السهرة المحلى بالألوان الزاهية، وكانت الأرض تلفظ جماعات من الناس عائدين إلى بيوتهم، وتبتلع غيرهم ممن يسكنون الضواحي. . ولما بلغا في مسيرهما خطة مترو (الأوبرا) قالت له كلوديت: إلى هنا ينتهي بنا المطاف. . استودعك الله.
قال: عفوا. . لقد شوقتني بحديثك عن حياة الغابات، أفلا تعرفين غابة بالقرب من باريس تكون بمثابة نموذج صغير للمكان الطبيعي الذي تودين المعيشة فيه؟. . . .
قهقهت كلوديت وقالت:
- بلى. . . أعرف غابة (كلامار). . .
قال: هل لنا أن نتنزه فيها يوم الأحد؟
فهبطت الفتاة درج المترو وقالت (انتظرني يوم الأحد الساعة العاشرة صباحا عند مدخل محطة (مونبارناس) ومنها سنذهب إلى (كلامار) فإلى اللقاء. . .
أي شعور غريب يستولي على المرء إذا ما ولج الغابة؟. . . طرق سعيد وكلوديت غابة (كلامار) فكانت الأشجار الباسقة تحجب عنهما نور الشمس، ما خلا خيوط لها ألوان قوس قزح تسربت من خلال الأغصان، وأنارت الدغال التي سقطت عليهما وساعدتهما على اجتياز دروب الغابة المعوجة وشعاب مسالكها الضيقة. . وكانت الغربان تنعق هنا وهناك وهدير المياه يصل إلى مسامعهما، فيحمل لهما الهواء في طياته رذاذها المنعش، وكان حفيف الشجر يبدو لهما كما لو أن رتلا من السيدات يسرن بالقرب منهما وهن يجررن أذيال أثوابهن. . . ما هذا الجو الساحر الذي يكتنف سعيداً؟ وما هو هذا الدغل الرائع الذي سلبه عقله؟
وبعد أن استراحا قليلا على الحشائش الأبدية الاخضرار، بادرت كلوديت سعيدا قائلة: (كيف تشعر الآن؟ إلا تفضل المقام في هذا المكان على أي نزل في الحي الثامن من أحياء باريس؟
لم يحر الفتى جوابا وإنما استغرق في تأملاته، وكان يحس بوجل لا يدري سببه، فالأشجار المحيطة به، واحتجاب النور عنه إلا ثلاثة خيوط ملونة اخترقت الدغل الذي هو فيه، ونعيق الغربان فوق رأسه، ورطوبة المكان الذي يحف به، وحفيف الأغصان الذي يهدهد مسمعيه، كان لهذه العوامل كلها أثرها في نفسه، فتذكر الجنة، وتذكر آدم وحواء، فالتفت إلى كلوديت فوجدها قد أسندت رأسها إلى الشجرة وعلى ثغرها ابتسامة الرضى.
انقضى النهار، وحل المساء، فأقفرت الغابة من المتنزهين وركنت الطيور إلى أوكارها، وأرخى الليل سدوله، فلم ير الفتى والفتاة من النور إلا ما كان يشع من أعينهما، ولم يسمعا من الأصوات إلا ما كانا يصدرانه من نفثات، ولم يجدا شيئا يدرأان به عن نفسيهما برد الليل إلا ما كان يجري في عروقهما من دم متدفق مشبع بحرارة الشباب.
ثم عادا إلى باريس، وقد تأبط سعيد ذراع كلوديت، وأسندت هي رأسها إلى رأسه، وكانت تحدثه عن الحب الخالد، وارتباط القلوب الأزلي، وكان هو يؤكد لها ذلك أيضا، ويشكر المصادفات التي أدت إلى تعارفهما والجمع بينهما.
ولما أخذا مكانيهما في القطار، قال لها الفتى على حين غرة: لقد نسيت منهجك في الغابة. .
قالت: وأي منهج تعني؟
قال: كتاب (العقد الاجتماعي).
قالت: شيء تافه. . وإني لأرى يا حبيبي الآن أن أقر لك بحقيقة الأمر. . . إنني لست من أتباع روسو ولا غيره. . رأيتك تقف عند بائع الكتب القديمة فرأيت في ملامح وجهك بأنك من أهل الشرق الذين تكتنف نفوسهم الغموض والأسرار. فهذا الشعر الأسود وهاتان العينان البراقتان، وهذان الحاجبان المقطبان، وهذا الأنف القوقاسي، وهذه الذقن المعوجة، وهاتان الشفتان المنفرجتان. . . وهاتان الوجنتان البارزتان. . . كل هاذ ما حدا بي لكي أتحرش بك. . . أما كتاب روسو فقد وقع في يدي مصادفة وكان من حسن حظي أنني عرفت عنه شيئا. . . والآن دعنا من هذه القصة فانك لي أفضل من كل العقائد. . أنت لي إلى الأبد. انس هذا الحادث. . . لقد نسيت أنا أهلي من أجل الحب!. . .
وبلغا باريس وافترقا على أن تزور كلوديت سعيدا في فندقه في مساء اليوم التالي.
لم يدر سعيد ما الذي حدث له في تلك الليلة، فقد كان قلقا وكانت نفسه مضطربة، وكان في حيرة من عبث هذه الفتاة الباريسية بالمبادئ والعقائد وما إن طلع النهار حتى رحل من الفندق إلى غيره. . وقال لصحابه (قل لمن يسأل عني بأنني عدت إلى الشرق). .
وبعد مرور شهر على هذا الحادث، مر سعيد برفوف الكتب القائمة على ضفة السين بالقرب من جسر سان ميشيل فشاهد منظرا مروعا.
شاهد شابا شرقيا يساعد كلوديت في جمع كتب تناثرت على الأرض. . .
نجاتي صدقي
مجلة الرسالة - العدد 678
بتاريخ: 01 - 07 - 1946