ها أنا في منتصف العمر في وسط الدنيا. من عمق الشكوى اطل وكأني احملها على كتفي، ومعها احمل جثتي وجدتي، ساعياً بين فجاجها، باحثاً عمن يبيع لي صمت لحظتين اثنين وليأخذ مني ما تبقى، ليأخذ مني كل شيء. تجيش اعماقنا، كل اعماقنا واعماق البحر هما وغما، فقد ذهب لب البحر من بعدك. ذهب حتى البحر ولاذ يسابق مده، وخنع مثلما قنعنا، ومثله لذنا من بعد حذره باصدافنا، تقرفصنا في جلودنا، وتشبثنا بجسارة فرشاتنا والواننا. ذهب القمر بلب البحر، ولب القمح، ولب الليل، مضوا وأنا ايضاً مضيت في صمت ملتهب وكئيب، وتهنا مثلهم، ويا ما غنينا لهم غناء رقيقاً وآسرا فابتسموا لنا، وتستروا ثم اشعلوا فينا الحنين، كل الحنين بقمرهم المزهر الباهر المطل علينا من عليائه ليرانا كيف صرنا وذبلنا. وكيف اغرقتنا سنين العجالة بضحالتها الفجة، وسحقتنا بين اسنانها الناصعة كالسنابك نلوكها احلاما وتمضغنا، نترنم احياناً ونرتج احيانا. يصوح ما بقى وما ابقينا من رضاء وتضيع مناصي مناديلها، وردات مناديلها، وتجهد ان تغلقنا على ارواحنا، توصدنا ثم تختمنا وراءها كالمراثي، وتمضي في عجالتها لاحقاً بنا، ولا تأبه حتى بنا او بالحاحنا وتباكينا عليها. وبعدها كم اشقانا بعادها اوهننا، او مضى الحلم فينا وكنت فيها.
كنت اتدلى نهارا أو ليلا في جب قرتها. اعود لروحي بشرية منها تقيني لهيب نأيها وظمأ هذا البعاد لتقربني فاتعطر بذكراها، والنأي سارح بيننا وجارح. اتبصر وحدي مسارها فارتد، لا مذعوراً ابدو، ولا مسرورا بمقدوري انضو عني عباءات تلثمي فارتج، واغوص في ثراها، واسوح حتى موتها الداكن. اتوارى عن عيني لا محظورا كي اتبلم، ولا مشطورا كلي كي التم، اوارى الشوق حياً منه واعياءً مني، اطمره في عشب البحر وبين رحاب القلب فينداح جمرات وانداح زفرات، فلا قمحاً مطمورا يدفع عنا غل اليوم الاسود، ولا قلبا مهجورا لليأس انساق وللنسيان والسلوى، اتبصر كالطيف في شرود الصيف وتشريد البحر وابحاري. واهاب لحظيات الضعف تثنيني من بعدك واهاب سهادي يكويني فيرديني يا سلمى بمنأى او هنا. وتباً لها تلك المدينة الجاحدة المرة المذاق من بعدها. فلا هي نامت كل هذا العمر ولو للحظة، ولا هي اباحت لنا النوم او هي تركتنا نمرح في احلامنا بعض اعمارنا وطوال وجودنا وتواجدنا الخاوي مثلها، الخاسر مثلنا، واصرارها المحرق، ووهجها الجائر يدفع الدم المداجي في رؤوسنا، وفي كل اطرافنا، فنتمنى خنقها، ونتمنى سحقنا، وها هي ايادينا ملوثة واصابعنا مجذوذة وهم كالبهم يركنون فينا، وينصبون علينا. جافية اضحت ايامنا وقاحلة ارواحهم وامتصنا كل ما فيها حتى العظم منا ورمى بنا بعيداً. رمى بنا في تيه جاحد. بالكاد استطيع لملمته او جمعه في اطار مذهب اذا شاءوا تشنيفي، او تقديمه بلا اطر هكذا اذا هام القلب من جديد. كأن زماننا وهاجا ذاخر ومشرقا بها، زاهياً مثلها، ومن ينكر دلاله سحواته؟ احببناه زماننا وهو بدوره احبنا وباركناه بكل طيع الصدق فينا. تعلقنا باستاره، واخلصنا له.
«آه سليمى»! اما تقف ايها الزمن ملسوعاً ملتاعاً مثلي لذكراها؟! شكراً يا زمن لكن اي سلمى هي كانت؟! كدفق العافية هي كانت.
ليتك تمعنت في حقل الورد ينمو ويفرهد خضاره في وجنتيها وهي غافلة ساهية تشدو لافوافه ونواره، للفراشات تغني، للزرقاء اجنحتها، ويزهر فيها كل شيء. يا لحضارة الوردة او هي ترنو للغمائم كالجمائم! يا لوهجها، ومدينتنا بدورها تعلقت بسلمى واطلقت عليها عشرات الاسماء الصغيرة الحبيبة، المنغومة، المنضومة، الملفوفة بورق العشق والحناء، ووقع مثلنا في هواها، فشتلنا تاجا على مفرقه يباهي بها ليلات البحر والاقمار الساجعة، واسراب النجوم الجذلات يرددن اهازيج اعراسهن الصافية البهجة، ويتماوجن وبساطتهن يا لسلمى النجوم، وسلماى ممشوقة رؤية ورؤاها على جبينها يندي حياة، وهي ترى حضارتنا ماذا اقول وقد مضى زمانها، وزمان كل شيء؟ وسلمى في اثره قد مضت لما حققت كل شيء فتحقق، زهدها في كل شيء، وتحقق زهوي بها على كي شيء. مضينا وتركاني هائما هكذا في وجه المدن الغبية احلم بهما مجاهرا بكل خوائي وسلبي. مدينتنا الصغيرة كصبية ملهمة كانت في زمانها وفي زمان سلمى وفي الزمان الذي سيأتي مرة اخرى بسلمى وسيظلان ابدا احلى الصبايا. ففي ذات صباح غائم بالبشرى ومغري بالامل اخذوني للمدرسة، وبعد سنوات خصيبة رموا لي بمزمور الرسم، واعطوني سلمى بكل نيرانها، ورضيت مسعودا بقسمتي. فرحت بسلمى نصيبي ولكم كنت موهوباً بمقايضتي. وسلمى لم تكن وحدها يوم حدقت فيّ وفي منابتي الرهيبة والواني المشرقة ومجاري افلاكي، اخضلت عيناها وسلمى ابدا لم تكن بمفردها ضحى ذلك اليوم حينما رنوت اليها في سهوم ورسمت كل حضارتها التي اطلت وردة على جبينها، سألتني سلمى: ويحك اما بالك ترنو الىّ هكذا؟ قد تصالبت في روحك حتى انسيتني روحي! هون عليك ولا تخيفني ثم سألتني: وانت الا تهاب شيئاً؟ قلت لها سلماى: انا لا اهاب شيئاً وانت معي. سألتني: والزمن؟ آه الزمن قالت لي هذا زمان مذهل الروعة. وهي قالت لي ايضاً: هذا زماننا الوضاح جاء وسيجئ، فاح ما بيننا وتجلى، زماننا الباهر زهداً قد تدلى وثماراً وجواهر قلت لها: لا ادري يا سلمى. ثم انسابت انهر كلماتي اشرعة نحوها، تدفقت سلمى انا لا ادري ما تقولين كثيراً. لكني حين اراك يخضر وجداني. تخضر الدنيا يا سلمى. وتصبحين انت مبتدأ كل شيء ومنتهاه. قولي لي همساً. قولي من اين اتوا بك لتفتيتي ومزجي وسكبي ورشفي هكذا وفي ضوء النهارات الشجية؟ من دلني عليك ومن دل دلالك يضرم نيرانك القدسية فيّ وفي اضلاعي وايامي ومن كل جهاتك ومن كل جهاتي؟ لم تقل شيئا ولم ازد حرفاً. انبهرت مواسمنا معها بالمدرسة. وسرها مواسمنا ان ترانا وقد تواءمنا والرسم سكنني. ملكني التكوين، زهت بهما ايامي فزهوت.
ازدهيت ترفا برسم ضفائر الوردة وحدائقها، وجبينها والمليح وجهها بكل اشراقه وشروقه المذهل، ولا ادري لم كنت دائما اظللها بلون البحر والسحاب وهي سابحة كالبلابل هزها الشوق على فروعها الندية؟ لكم كنت محدوداً اذا استوطنت بحنينها فؤادي كله، فالتصقت بها بالحلم النضير، وضج كل ما حولي بالفرح، لكنما الحلم انشرخ بمساء فوقع كل شيء، وقع بنا الزمن بكل حضارة الوردة، وبقسوة مهنية وقبل الاوان، ويوما قلت لها بانني لا اهاب شيئاً سوى الفجاءة لكنها لم تأخذ بشيء.
في تلك الايام كثيراً ما اكون رديف ابي على جناح احلامه، يأخذني نجوب الطرقات على هوانا. ومدينتنا كانت حبيبة فحين نمر بمبنى مدرستنا يمازحني ابي مزهوا واضعا على رأسي كفه: اهذا حقلك؟ ترى متى الحصاد؟ لتجهد نفسك يا بني ارد عليه سافرحك يوما يا ابي وسافرح سلمى. اتذكر فاقول له: ابي سألني والدها مدير مدرستنا لكأنه يستعجل رؤيتك. اما نذهب لترى ماذا في الامر يا أبي؟ وابي يسألني اترى ذلك؟ نعم. ونذهب لبيت والد سلمى طرقنا ليت سلمى تفتح لنا. طرقنا مرة اخرى استقبلتنا امها وابي سألها عن والد سلمى. تدمع عيناها وهي تقول منذ ان عادت سلمى ظهراً من مدرستها وهي في حالة اخرى، انحبس صوتها، وطاشت نبرتها، وكل ما فيها تصالب فيها حتى عيناها ما عادتا تبرقان، فما ان جاء والدها حتى اخذها للطبيب ولم يرجعا. اما تجلسان؟ كيف نجلس يا ام سلمى؟ ولحقنا بسلمى وابيها. وليتني لم اذهب فهي لحظة شحبت المسكينة وامتصها ما امتصها، ذبلت حضارتها، وبدأت تهذى. تضحك وتبكي في آن تغني وتموء وتغمز بعينيها تتنمر فتدمع اعيننا، تسكت احيانا حتى حدود الموت. وتعود فجأة لتغني. جف الدمع في اعيننا. واذهب للطبيب اسأله: يا طبيب ماذا في الامر؟ ويهز الطبيب رأسه الصغير، ويبحث في ذاكرته عن اي شيء ليساعد به سلمى، ليساعدنا. لكنه في صمت يعلن عن عجزه ويهز رأسه، وسلمى ايضاً تهز رأسها. آه ماذا يمكن للطبيب ان يفعل والامور باجمعها ها هي قد اختلطت وقبل البداية؟ مضت حضارة الوردة. مضت تعيسة المشاعر. وانا ايضا مضيت. فجبت مع الفصول اروي الفصول كي املك فما ملكت غير ذكراها وورائي تهادت نسائم ومواسم لتملكني فما بحت لها بشيء وما ملكني غير الورد. فانطلقت لا الوي على شيء وانت يا سلمى في دمي تركضين بي كل هذا العصر ومهاوي ذكراك. ابداً جامحة، تتمايل زهوا كلما جاء المساء. وشعا ليلك وضيئة وأمضت نجومك تتناثر حولي وحول كل شيء وتجيش اعماقي واعماق البحر ويذهب لبي ولب البحر. ولا يبقى غيرك لا في يابسة او في بحر.
كنت اتدلى نهارا أو ليلا في جب قرتها. اعود لروحي بشرية منها تقيني لهيب نأيها وظمأ هذا البعاد لتقربني فاتعطر بذكراها، والنأي سارح بيننا وجارح. اتبصر وحدي مسارها فارتد، لا مذعوراً ابدو، ولا مسرورا بمقدوري انضو عني عباءات تلثمي فارتج، واغوص في ثراها، واسوح حتى موتها الداكن. اتوارى عن عيني لا محظورا كي اتبلم، ولا مشطورا كلي كي التم، اوارى الشوق حياً منه واعياءً مني، اطمره في عشب البحر وبين رحاب القلب فينداح جمرات وانداح زفرات، فلا قمحاً مطمورا يدفع عنا غل اليوم الاسود، ولا قلبا مهجورا لليأس انساق وللنسيان والسلوى، اتبصر كالطيف في شرود الصيف وتشريد البحر وابحاري. واهاب لحظيات الضعف تثنيني من بعدك واهاب سهادي يكويني فيرديني يا سلمى بمنأى او هنا. وتباً لها تلك المدينة الجاحدة المرة المذاق من بعدها. فلا هي نامت كل هذا العمر ولو للحظة، ولا هي اباحت لنا النوم او هي تركتنا نمرح في احلامنا بعض اعمارنا وطوال وجودنا وتواجدنا الخاوي مثلها، الخاسر مثلنا، واصرارها المحرق، ووهجها الجائر يدفع الدم المداجي في رؤوسنا، وفي كل اطرافنا، فنتمنى خنقها، ونتمنى سحقنا، وها هي ايادينا ملوثة واصابعنا مجذوذة وهم كالبهم يركنون فينا، وينصبون علينا. جافية اضحت ايامنا وقاحلة ارواحهم وامتصنا كل ما فيها حتى العظم منا ورمى بنا بعيداً. رمى بنا في تيه جاحد. بالكاد استطيع لملمته او جمعه في اطار مذهب اذا شاءوا تشنيفي، او تقديمه بلا اطر هكذا اذا هام القلب من جديد. كأن زماننا وهاجا ذاخر ومشرقا بها، زاهياً مثلها، ومن ينكر دلاله سحواته؟ احببناه زماننا وهو بدوره احبنا وباركناه بكل طيع الصدق فينا. تعلقنا باستاره، واخلصنا له.
«آه سليمى»! اما تقف ايها الزمن ملسوعاً ملتاعاً مثلي لذكراها؟! شكراً يا زمن لكن اي سلمى هي كانت؟! كدفق العافية هي كانت.
ليتك تمعنت في حقل الورد ينمو ويفرهد خضاره في وجنتيها وهي غافلة ساهية تشدو لافوافه ونواره، للفراشات تغني، للزرقاء اجنحتها، ويزهر فيها كل شيء. يا لحضارة الوردة او هي ترنو للغمائم كالجمائم! يا لوهجها، ومدينتنا بدورها تعلقت بسلمى واطلقت عليها عشرات الاسماء الصغيرة الحبيبة، المنغومة، المنضومة، الملفوفة بورق العشق والحناء، ووقع مثلنا في هواها، فشتلنا تاجا على مفرقه يباهي بها ليلات البحر والاقمار الساجعة، واسراب النجوم الجذلات يرددن اهازيج اعراسهن الصافية البهجة، ويتماوجن وبساطتهن يا لسلمى النجوم، وسلماى ممشوقة رؤية ورؤاها على جبينها يندي حياة، وهي ترى حضارتنا ماذا اقول وقد مضى زمانها، وزمان كل شيء؟ وسلمى في اثره قد مضت لما حققت كل شيء فتحقق، زهدها في كل شيء، وتحقق زهوي بها على كي شيء. مضينا وتركاني هائما هكذا في وجه المدن الغبية احلم بهما مجاهرا بكل خوائي وسلبي. مدينتنا الصغيرة كصبية ملهمة كانت في زمانها وفي زمان سلمى وفي الزمان الذي سيأتي مرة اخرى بسلمى وسيظلان ابدا احلى الصبايا. ففي ذات صباح غائم بالبشرى ومغري بالامل اخذوني للمدرسة، وبعد سنوات خصيبة رموا لي بمزمور الرسم، واعطوني سلمى بكل نيرانها، ورضيت مسعودا بقسمتي. فرحت بسلمى نصيبي ولكم كنت موهوباً بمقايضتي. وسلمى لم تكن وحدها يوم حدقت فيّ وفي منابتي الرهيبة والواني المشرقة ومجاري افلاكي، اخضلت عيناها وسلمى ابدا لم تكن بمفردها ضحى ذلك اليوم حينما رنوت اليها في سهوم ورسمت كل حضارتها التي اطلت وردة على جبينها، سألتني سلمى: ويحك اما بالك ترنو الىّ هكذا؟ قد تصالبت في روحك حتى انسيتني روحي! هون عليك ولا تخيفني ثم سألتني: وانت الا تهاب شيئاً؟ قلت لها سلماى: انا لا اهاب شيئاً وانت معي. سألتني: والزمن؟ آه الزمن قالت لي هذا زمان مذهل الروعة. وهي قالت لي ايضاً: هذا زماننا الوضاح جاء وسيجئ، فاح ما بيننا وتجلى، زماننا الباهر زهداً قد تدلى وثماراً وجواهر قلت لها: لا ادري يا سلمى. ثم انسابت انهر كلماتي اشرعة نحوها، تدفقت سلمى انا لا ادري ما تقولين كثيراً. لكني حين اراك يخضر وجداني. تخضر الدنيا يا سلمى. وتصبحين انت مبتدأ كل شيء ومنتهاه. قولي لي همساً. قولي من اين اتوا بك لتفتيتي ومزجي وسكبي ورشفي هكذا وفي ضوء النهارات الشجية؟ من دلني عليك ومن دل دلالك يضرم نيرانك القدسية فيّ وفي اضلاعي وايامي ومن كل جهاتك ومن كل جهاتي؟ لم تقل شيئا ولم ازد حرفاً. انبهرت مواسمنا معها بالمدرسة. وسرها مواسمنا ان ترانا وقد تواءمنا والرسم سكنني. ملكني التكوين، زهت بهما ايامي فزهوت.
ازدهيت ترفا برسم ضفائر الوردة وحدائقها، وجبينها والمليح وجهها بكل اشراقه وشروقه المذهل، ولا ادري لم كنت دائما اظللها بلون البحر والسحاب وهي سابحة كالبلابل هزها الشوق على فروعها الندية؟ لكم كنت محدوداً اذا استوطنت بحنينها فؤادي كله، فالتصقت بها بالحلم النضير، وضج كل ما حولي بالفرح، لكنما الحلم انشرخ بمساء فوقع كل شيء، وقع بنا الزمن بكل حضارة الوردة، وبقسوة مهنية وقبل الاوان، ويوما قلت لها بانني لا اهاب شيئاً سوى الفجاءة لكنها لم تأخذ بشيء.
في تلك الايام كثيراً ما اكون رديف ابي على جناح احلامه، يأخذني نجوب الطرقات على هوانا. ومدينتنا كانت حبيبة فحين نمر بمبنى مدرستنا يمازحني ابي مزهوا واضعا على رأسي كفه: اهذا حقلك؟ ترى متى الحصاد؟ لتجهد نفسك يا بني ارد عليه سافرحك يوما يا ابي وسافرح سلمى. اتذكر فاقول له: ابي سألني والدها مدير مدرستنا لكأنه يستعجل رؤيتك. اما نذهب لترى ماذا في الامر يا أبي؟ وابي يسألني اترى ذلك؟ نعم. ونذهب لبيت والد سلمى طرقنا ليت سلمى تفتح لنا. طرقنا مرة اخرى استقبلتنا امها وابي سألها عن والد سلمى. تدمع عيناها وهي تقول منذ ان عادت سلمى ظهراً من مدرستها وهي في حالة اخرى، انحبس صوتها، وطاشت نبرتها، وكل ما فيها تصالب فيها حتى عيناها ما عادتا تبرقان، فما ان جاء والدها حتى اخذها للطبيب ولم يرجعا. اما تجلسان؟ كيف نجلس يا ام سلمى؟ ولحقنا بسلمى وابيها. وليتني لم اذهب فهي لحظة شحبت المسكينة وامتصها ما امتصها، ذبلت حضارتها، وبدأت تهذى. تضحك وتبكي في آن تغني وتموء وتغمز بعينيها تتنمر فتدمع اعيننا، تسكت احيانا حتى حدود الموت. وتعود فجأة لتغني. جف الدمع في اعيننا. واذهب للطبيب اسأله: يا طبيب ماذا في الامر؟ ويهز الطبيب رأسه الصغير، ويبحث في ذاكرته عن اي شيء ليساعد به سلمى، ليساعدنا. لكنه في صمت يعلن عن عجزه ويهز رأسه، وسلمى ايضاً تهز رأسها. آه ماذا يمكن للطبيب ان يفعل والامور باجمعها ها هي قد اختلطت وقبل البداية؟ مضت حضارة الوردة. مضت تعيسة المشاعر. وانا ايضا مضيت. فجبت مع الفصول اروي الفصول كي املك فما ملكت غير ذكراها وورائي تهادت نسائم ومواسم لتملكني فما بحت لها بشيء وما ملكني غير الورد. فانطلقت لا الوي على شيء وانت يا سلمى في دمي تركضين بي كل هذا العصر ومهاوي ذكراك. ابداً جامحة، تتمايل زهوا كلما جاء المساء. وشعا ليلك وضيئة وأمضت نجومك تتناثر حولي وحول كل شيء وتجيش اعماقي واعماق البحر ويذهب لبي ولب البحر. ولا يبقى غيرك لا في يابسة او في بحر.