حمور زيادة
ولاء لم تعد تضحك
حين تضحك ولاء يأتي العيد قبل موعده .
تسرى السحائب محملة بالخريف الشجي ..
تؤذن المساجد ..
تتفتح الزهور ..
ترقص الفراشات.. و يفرح الأطفال .
ضحكتها يأنس لها الحمام .
لأسراب الحمام موعد يومي لا تخلفه مع ضحكة ولاء .
عصر كل يوم تأتي الحمامات ليقفن على سور المنزل و يرقبن ولاء تلعب . يمتعن نفسهن بمشاهدتها و يحرسنها من طيش طفولتها .
إذا تعثرت ولاء هدلت الحمائم في حزن .و حين تضحك ترفرف الحمامات ..
تطير حمامة بيضاء لها ريشات زائدات على صدرها فتنزل على الأرض أمامها . تحمل ولاء الكرة و تجري مترنحة بأعوامها الخمسة و تضحك صارخة فرحاً بصديقتها الحمامة .
و قبيل الغروب يحيينها الحمامات بهديل واحد منغم .. و يطرن .
ولاء صديقة الحمامات.
و صديقة الجميع .
ولاء وحيدة والديها.
لكنهما لم يشعرا يوماً بحاجتهما إلى غيرها من أبناء .
تدخل ولاء المطبخ و تجلس قريباً من أمها.
تعينها وسع طفولتها ، وتحكي لها عن حلمها أن تصبح طبيبة لتعالج مجدي ابن عمها المريض.
تضحك أمها و تخبرها أن مرض مجدي عابر عارض.
لكن ولاء لا تهتم.
تريد أن تصبح طبيبة تعالج مجدي و الأطفال و الحمام و القطط الصغيرة.فالقطة الرمادية صديقة ولاء كانت مريضة أيضاً.
حين أخبرتهم ماما سناء في الروضة أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها دمعت عيني ولاء.
تحب ماما سناء أن تسمع ترتيل ولاء للقرآن.
ولاء تحب سورة العصر.
تقرأها و هي مغمضة العينين.
حين ترجع إلى البيت يستوقفها والدها لتقرأ عليه. بعد أن تنتهي تحتضنه و تطبع على وجنته قبلة و تمضي.
الأضياف يقصدون ولاء.
ما أن يستقر بهم المجلس حتى يسألوا عنها.
تدخل الصالون خجلة ..
تجلس و هي تؤرجح ساقيها.
حين تسود الإلفة تغني ولاء.
تنظر إلى جواربها الصفراء المطرزة بخيوط بيضاء ترسم أرنباً ضاحكاً يحمل جزرة و تحرك رأسها يمنة و يسرة.
ولاء تحب أغاني نانسي عجرم و جواربها الصفراء المطرزة برسم الأرنب.
حين تخرج ولاء بضحكتها إلى الشارع تُسعِد الجيران و تُبهِج الحيطان و تُفرٍح البيبان المتكئة على بعضها مللاً وتُطرٍب أعمدة النور .
صابر صاحب الدكان يوزع الحلوى فرحاً بضحكة ولاء .
و يكف الصبية في الميدان عن الشجار و يبتسمون .
لضحكة ولاء نكهة العيد .
لها إلفة التكبير و بهجة الأطفال بالهدايا و رائحة الخبيز و فوح الثياب الجديدة .
ضحكة ولاء هي العيد .
ذات نهار خرجت ولاء .
خرجت تعلن الفرح في كل الحي .
وقفت أمام الباب بفستانها الأخضر و ضفيرتها ترتاح على ظهرها .
تحمل عروسة بلاستيكية لها عينان واسعتان زرقاوان و شعر أشقر ، تضحك إذا قلبتها على ظهرها . لكن أحدا لا يسمع هذه الضحكة . الجميع يتسمع ضحكة ولاء .
حيّت المارة و الشمس و الحمام بضحكتها .
كانت الخالة سمية على باب منزلها تساوم بائعاً .
الخالة سمية بدينة قصيرة تحب النميمة و تهوى الشجار.
حين سمعت ضحكة ولاء سخت نفسها و ابتسمت .كفت عن المساومة .
حين سمع الضحكة رفع صابر صاحب الدكان رأسه عن قدر الفول .
رأى ولاء تتقدم إلى الطريق.
تذكر زوجته التي تركها في البلد و أولاده فدمعت عيناه محنّة .
أم ولاء لا تخشى عليها الطريق .
كل الحي يحب ولاء .
كل الحي يحب ضحكة ولاء .
تدخل ولاء أي بيت و إذنها ضحكتها . تلعب وتضحك . ثم تذهب مخلفة السعادة .
لا باب يغلق في وجه ولاء .
كل البيوت بيتها .
تقدمت ولاء و هي تتهادي .
ضفيرتها تترنح على ظهرها ذات اليمين و ذات اليسار و شرائط بلون الفستان تنسال منها .
دخلت بيت الخالة فوزية التي تحب ولاء سنها الفضية التي تلمع حين تبتسم.
هشت لها المرأة و ملأت جيب فستانها بالحلوى .
خرجت ولاء و هي تضحك بنكهة النعناع و البرتقال الحامض .
و في بيت عم إسماعيل الموظف المتقاعد اللطيف اكتسبت ضحكتها نكهة عصير المانجو الذي تحبه .
وزعت ولاء الفرح على كل البيوت التي دخلتها .
ثم قصدت بيت الخالة عواطف .
ولاء لم تكن تعلم أن عائلة الخالة عواطف سافرت قبل أيام لعزاء في مدينة بعيدة.
حامد ابن أخت الخالة عواطف جاء ليقيم في البيت ريثما يعود أصحابه .
لم تكن تعرف هذا .
لكنها حتى لو عرفت لدخلت .
ولاء لا تفرق بين بيوت الحي و لا تفاضل بين الكبار .
كل البيوت تنتظر ضحكة ولاء و كل الكبار يحبون ولاء .
دفعت ولاء الباب الأزرق .
حيتها قطع الطلاء المتساقطة و تلمّع الصدأ تزيناً لها .
قرقع الباب بمسها فحيته ولاء بابتسامة وضاءة .
دخلت البيت .
وقفت في الفناء .
ضحكت فهشت لها الحيطان و رحب بها حبل الغسيل الممتد بعرض الرحبة .
جلست على الأرض الترابية و أجلست عروستها جوارها باعتناء .
كأم رؤوم أخذت ولاء تصلح ثوب عروستها .
فستان ولاء استقر على ركبتيها فلعبت أشعة الشمس على ساقيها الطفلتين و لمعت على الحذاء الأسود .
خرج حامد من إحدى الحجرات .
ضجراً نعساً أشعث الشعر .
رأى ولاء جالسة على الأرض .
نظرت ولاء إليه و ضحكت .
لم تعرف ولاء عمره .
هو فقط شخص كبير أخر من الكبار الذين يحبون ضحكتها .
لم تفهم تلك النظرة في عينيه لكنها ضحكت .
ابتسم لها حامد .
ولاء لا تعرف ألوان الابتسامات فلم ترها صفراء .قال لها شيئاً ما .
نطق و صدره يعلو و يهبط .
لم تفهم ولاء ما قال .
امسك يدها .
قادها إلى إحدى الحجرات .
جرّت ولاء عروستها و مشت تحجل وراءه و هي تنظر إلى ظليهما يهربان بعيداً جداً.
امتد الظلان من أسفل أقدامهما حتى حائط البيت .
رأت ولاء ظلها يتطاول حتى قمة الحائط كأنه يحاول التسلق فالفرار.
ضحكت ولاء لأن ظلها بدا مضحكاً بطول ساقية من تحت قدميها حتى الحائط.
لكن حامد لم يضحك.شدّ قبضته على يدها .
دخلا الغرفة .كانت مظلمة رائحتها خانقة من طول إغلاقها .سريران حديديان على جنبي الغرفة و دولاب إحدى مصراعيه مرايا غائمة و طاولة صغيرة في وسط الحجرة .
أجلسها على سرير و جلس جوارها .
ولاء انشغلت بتمشيط شعر عروستها الأشقر .
احتضنها حامد و هو يضحك .. ضحكته كقرع على خشب أخوف.
لم تحس ولاء بنكهة الفرح في ضحكته.. لكنها لم تعرف أبداً أنه يضحك في توتر.
اكتفت بالابتسام و مررت يدها على شعر عروستها و هي تنغم مغنية " شخبط شخابيط " .
احتضنها حامد بإحدى يديه.
وضعها على كتفها و أحاطها بها .يدها لا تستطيع أن تمشط عروستها و حامد يحتضنها هكذا. تململت قليلاً.
حملها حامد فأجلسها على ساقيه .صارت يدها طليقة . احتضنها من نصفها مدخلاً ساعده تحت ذراعيها .
انكبت ولاء على عروستها باهتمام.
أنفاس حامد جوار أذنها تتردد.
تلمح بطرف عينها انعكاس صورتيهما على طرف المرآة الغائمة.
لكنها تشاغلت بعروستها.
قبلها حامد من الخلف بخفة.
تحرك بشفتيه على عنقها .
أحست شيئاً دافئاً مقبضاً يتحرك في أمعائها صعوداً إلى حلقها .
تململت في جلستها و رفعت رأسها .
جسد حامد أسفلها تحرك .
اشتد و ارتفع بدفء جلستها .
شعرت بانتفاخه أسفلها.
خافت ولاء..تشتت انتباهها عن العروسة .
لمع القلق المجهول في عينيها الواسعتين.
احتضنها حامد أكثر.عصر جسدها الصغير على جسده .
تألمت ولاء .
حاولت أن تدير رأسها لتنظر إليه.
لكن حامد دفن وجهه في شعرها .
اضطرب جسدها فاصطدمت عروستها بركبة حامد.
دفعها بيده بغلظة فأفلتت من يد ولاء ووقعت على الأرض.
صعدت العبرة إلى حلق ولاء.ذهب استئناسها و خافت.
كانت وحيدة في الحجرة.
كانت وحيدة..
فأمها ليست هنا ..
كل الذين يحبونها ليسوا هنا ..
و ضحكتها ليست هنا .
أما حامد فهو كبير و معه الخوف يعينه عليها .
رفع فستانها فكشف فخذيها .
فخذا ولاء طفلين كحالها.
لامعان مشدودان في براءة .
لكن حامد لمسهما.
أحست ولاء بثقل حار و بارد في صدرها.
برودة تفح سخونة .
حرارة تشع برداً .
ولاء لا تعرف هذه الأحاسيس.
حاولت التملص لكن حامد دفن يده بين ساقيها.
استكانت ولاء برهة دهشة.
ثم دهمها الإحساس فانتفضت.
دفعت جسدها إلى أسفل لتنزلق عن ساقي حامد .
لكن يده احتجزتها و آلمها انتفاخه في التصاق ردفها النحيل.
دفعها إلى الخلف و قد أبعد جزعه فألقاها على السرير.
نظرت ولاء فرأت الخوف يكشر لها أنيابه و يجحظ عينيه في أرجاء الغرفة.
بكت ..
في صمت الدهشة ..
مد حامد يديه فنزع سروالها الداخلي .أبيض اللون عليه فراشات ملونات دقيقات. ألقاه أرضا فاستقر على صدر دميتها.
الهواء يمس جسد ولاء فترتعش.
حامد يثبت جسدها بجسده و أصابعه تجوس على فخذيها.
صرخت ولاء.
مد يده إلى فمها فحجبه بكفه.
يده الأخرى تعيث في جسدها.
من شحمة أذنها إلى عنقها ثم تندس بين فخذيها .
حاولت – عبثاً – أن تبعد فخذها حين لمسه فثبت جسدها على جنبه الأيسر و زحف بيده إلى مؤخرتها.
احتواها الألم ..
الخوف ..
و الوحدة .
كانت بلا معين.
تعصف بها أحاسيس لا تفهمها.
تطيح بها.
توجعها.
نهض عنها و نضى عنه ثيابه.
نظرت إليه و هي منكفئة على الفراش تنشج في خوف بلا صوت و دموعها تسيل من أنفها على الفراش.
وقف أمامها عارياً.
توسلته ولاء
." عمو نا خايفه !!! "
لكنه لم يهتم.
" عليك الله يا عمو ".
ولاء لا تعرف ما يحدث..
لكنها فهمت أنه العيب..
أنه الخوف.
صرخت ولاء.
نادت أمها .
لكن أمها لم تأت.
ما جاء كان الوجع.
هجم حامد عليها
.ثبت صدرها بساعده و بيده الأخرى فرج ساقيها كاشفاً ما بينهما.
قطة وردية متكومة على نفسها.
صرخت ولاء.
أحست الألم بين ساقيها.امتد إلى بطنها حتى صدرها و إبطيها.
امتلأت به.
حاولت أن ترفع نصفها الأعلى ناهضة لكن حامد جثم عليها فشلها.
سالت الدموع حارة على خدها. انحدرت إلى عنقها و صنعت دوائر بلل على الملاءة .
امتد بصر ولاء إلى السقف.رأت وزغاً يفر من طرف بصرها و هو يصّيح .صوته كحصاتين تقرعان.
ولاء كانت تخشى الوزغ.
لكنها لم تحس الخوف منه الآن.
شعرت بالخجل.
انه يطّلع عليها.
و هي تستحي مرتبكة مما تجهل.. و تبكي من الألم الذي تحس .
تحرك بشدة.
تحرك بما في داخله و بقدر خياله و حاجته
.و تألمت ولاء.جأر حامد و هو يضع كفيه على كتفيها الصغيرين.
انحدر الفستان عن كتفها الأيمن فبان قميصها الداخلي و جزء من كتفها المرمري.
أصابع حامد الغليظة ارتسمت عليه.
عبئها الوجع إلى حد الانفجار.
نزع حامد نفسه منها.
أحكم أصابعه على عنقها و أسند كفه الأخرى تحت مؤخرتها و حولها على وجهها.
غاص وجهها في الفراش.
جوار أنفها كان مزق في الفراش برز منه قطن الحشية و قد حال لونه الأبيض.ارتمى حامد فوقها.
أحسته يلج مرة أخرى و سمعت صوت طقطقة جسدها يتفتح قبل أوانه.
سال بولها بارداً ثلجياً.أحست به.
لكنها لم تحس الدم الذي تسرب.
حامد يهتاج.
تتململ ولاء .
تنتفض.
يثور جسدها.
ينقبض و يرتخي.
حامد يحكم تثبيتها على الفراش.
يمتد الوجع.
يتطاول.
لا ينتهي.
تحس أنها ولجت الأبدية.
حامد يعذبها منذ الأزل و يتواصل الألم حتى الأبد.
مات الزمن.
طفولتها لم تعد تحسن حسابه.
منذ كم هو يفعل هذا.
متى يتوقف عن فعل هذا.
منذ الأزل و إلى الأبد.
تنشج ولاء.تنخر بكاءً . تشرق بدموعها. تنتظر الرحمة فلا تأتي.تتوسل الفهم فلا تجده.
يضغط حامد على عنقها من الخلف.
يعتصرها أكثر على الفراش.
يجأر عالياً.
رائحة دهنية تتسلل إلى أنف ولاء من الحاشية.
ينثني عنقها تحت ضغط الجاثم فوقها.
الدم يسيل من أسفل لكن حامد لا يكف.
يتحرك.
جسدها ينقبض.
كلما ازداد لذة زاد ضغطه على عنقها.
غامت الدنيا أمامها.
غشاوة سوداء كسحابة مثقلة بالخريف تلاعبت أمامها.
الخور جاب جسدها.
تنتفض فلا ينتفض.
انه يخذلها.
ما عاد لها.
تملكه الدنس.
دموعها تسيل.
أنفاسها يحبسها الفراش.
تشرق ..
تنخر ..
تئن ..
انه الرحيل.
ترى الحمامات تحّوم حولها.
تدعوها.
تنسى وجعها ..
تشرع إدراكها خلف سرب الحمام الأبيض.
تحلق للحظة.
ترى نوراً يلفها و تسمع ضحكات أطفال كموسيقى منعشة.
ثم تعود.
حامد فوقها.. يخنقها من الخلف .. ما زال يجأر.
الرحيل..
لا فرار إلا خلف الحمامات.
تذوب ولاء.
تنطفئ.
نشيجها يخف.
عيناها تخمدان في إعياء.
يغزو السواد رؤاها.
تنزلق من الوجود إلى دهليز أخر.
تسيل.
تتمتم في إعياء:" عمو لأ " .
نخرت مرة أخيرة.
ثم همدت.
رفع صابر صاحب الدكان رأسه في الخارج.
كأنه سمع صوتاً.
كلا.
لم يسمع صوتاً .
انه صوت سكت.
صمت له رجع و طنين دوى في الشارع.
زفر في توجس و خرج من دكانه ينظر ما تغير في الدنيا حوله.رأي في الشارع حمامات تطير فجأة مرفرفة.
حلقت..
هدلت ..
كأنها تنوح.
انطفأ العيد.
السحب ترحل الآن..صمتت المساجد المكبرة..اتكأت الزهور على سوقهن ..والفراشات تغادر فزعة..
حمامة وقفت على حائط بيت عواطف و ناحت.
حمامة بيضاء لها ريشات زائدات على صدرها.
خيل لصابر أنها تقول " لا .. لا .. ".
استغفر ربه عجباً و دخل دكانه.لم يعرف حينها ما حدث ..
ضحكة ولاء سكتت إلى الأبد.
في البيت انقبض قلب أمها ..
كانت تقف في المطبخ حين مسها جزع.
وضعت يدها على صدرها و تمتمت :
" اللهم اجعله خيراً " .
.
ولاء لم تعد تضحك
حين تضحك ولاء يأتي العيد قبل موعده .
تسرى السحائب محملة بالخريف الشجي ..
تؤذن المساجد ..
تتفتح الزهور ..
ترقص الفراشات.. و يفرح الأطفال .
ضحكتها يأنس لها الحمام .
لأسراب الحمام موعد يومي لا تخلفه مع ضحكة ولاء .
عصر كل يوم تأتي الحمامات ليقفن على سور المنزل و يرقبن ولاء تلعب . يمتعن نفسهن بمشاهدتها و يحرسنها من طيش طفولتها .
إذا تعثرت ولاء هدلت الحمائم في حزن .و حين تضحك ترفرف الحمامات ..
تطير حمامة بيضاء لها ريشات زائدات على صدرها فتنزل على الأرض أمامها . تحمل ولاء الكرة و تجري مترنحة بأعوامها الخمسة و تضحك صارخة فرحاً بصديقتها الحمامة .
و قبيل الغروب يحيينها الحمامات بهديل واحد منغم .. و يطرن .
ولاء صديقة الحمامات.
و صديقة الجميع .
ولاء وحيدة والديها.
لكنهما لم يشعرا يوماً بحاجتهما إلى غيرها من أبناء .
تدخل ولاء المطبخ و تجلس قريباً من أمها.
تعينها وسع طفولتها ، وتحكي لها عن حلمها أن تصبح طبيبة لتعالج مجدي ابن عمها المريض.
تضحك أمها و تخبرها أن مرض مجدي عابر عارض.
لكن ولاء لا تهتم.
تريد أن تصبح طبيبة تعالج مجدي و الأطفال و الحمام و القطط الصغيرة.فالقطة الرمادية صديقة ولاء كانت مريضة أيضاً.
حين أخبرتهم ماما سناء في الروضة أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها دمعت عيني ولاء.
تحب ماما سناء أن تسمع ترتيل ولاء للقرآن.
ولاء تحب سورة العصر.
تقرأها و هي مغمضة العينين.
حين ترجع إلى البيت يستوقفها والدها لتقرأ عليه. بعد أن تنتهي تحتضنه و تطبع على وجنته قبلة و تمضي.
الأضياف يقصدون ولاء.
ما أن يستقر بهم المجلس حتى يسألوا عنها.
تدخل الصالون خجلة ..
تجلس و هي تؤرجح ساقيها.
حين تسود الإلفة تغني ولاء.
تنظر إلى جواربها الصفراء المطرزة بخيوط بيضاء ترسم أرنباً ضاحكاً يحمل جزرة و تحرك رأسها يمنة و يسرة.
ولاء تحب أغاني نانسي عجرم و جواربها الصفراء المطرزة برسم الأرنب.
حين تخرج ولاء بضحكتها إلى الشارع تُسعِد الجيران و تُبهِج الحيطان و تُفرٍح البيبان المتكئة على بعضها مللاً وتُطرٍب أعمدة النور .
صابر صاحب الدكان يوزع الحلوى فرحاً بضحكة ولاء .
و يكف الصبية في الميدان عن الشجار و يبتسمون .
لضحكة ولاء نكهة العيد .
لها إلفة التكبير و بهجة الأطفال بالهدايا و رائحة الخبيز و فوح الثياب الجديدة .
ضحكة ولاء هي العيد .
ذات نهار خرجت ولاء .
خرجت تعلن الفرح في كل الحي .
وقفت أمام الباب بفستانها الأخضر و ضفيرتها ترتاح على ظهرها .
تحمل عروسة بلاستيكية لها عينان واسعتان زرقاوان و شعر أشقر ، تضحك إذا قلبتها على ظهرها . لكن أحدا لا يسمع هذه الضحكة . الجميع يتسمع ضحكة ولاء .
حيّت المارة و الشمس و الحمام بضحكتها .
كانت الخالة سمية على باب منزلها تساوم بائعاً .
الخالة سمية بدينة قصيرة تحب النميمة و تهوى الشجار.
حين سمعت ضحكة ولاء سخت نفسها و ابتسمت .كفت عن المساومة .
حين سمع الضحكة رفع صابر صاحب الدكان رأسه عن قدر الفول .
رأى ولاء تتقدم إلى الطريق.
تذكر زوجته التي تركها في البلد و أولاده فدمعت عيناه محنّة .
أم ولاء لا تخشى عليها الطريق .
كل الحي يحب ولاء .
كل الحي يحب ضحكة ولاء .
تدخل ولاء أي بيت و إذنها ضحكتها . تلعب وتضحك . ثم تذهب مخلفة السعادة .
لا باب يغلق في وجه ولاء .
كل البيوت بيتها .
تقدمت ولاء و هي تتهادي .
ضفيرتها تترنح على ظهرها ذات اليمين و ذات اليسار و شرائط بلون الفستان تنسال منها .
دخلت بيت الخالة فوزية التي تحب ولاء سنها الفضية التي تلمع حين تبتسم.
هشت لها المرأة و ملأت جيب فستانها بالحلوى .
خرجت ولاء و هي تضحك بنكهة النعناع و البرتقال الحامض .
و في بيت عم إسماعيل الموظف المتقاعد اللطيف اكتسبت ضحكتها نكهة عصير المانجو الذي تحبه .
وزعت ولاء الفرح على كل البيوت التي دخلتها .
ثم قصدت بيت الخالة عواطف .
ولاء لم تكن تعلم أن عائلة الخالة عواطف سافرت قبل أيام لعزاء في مدينة بعيدة.
حامد ابن أخت الخالة عواطف جاء ليقيم في البيت ريثما يعود أصحابه .
لم تكن تعرف هذا .
لكنها حتى لو عرفت لدخلت .
ولاء لا تفرق بين بيوت الحي و لا تفاضل بين الكبار .
كل البيوت تنتظر ضحكة ولاء و كل الكبار يحبون ولاء .
دفعت ولاء الباب الأزرق .
حيتها قطع الطلاء المتساقطة و تلمّع الصدأ تزيناً لها .
قرقع الباب بمسها فحيته ولاء بابتسامة وضاءة .
دخلت البيت .
وقفت في الفناء .
ضحكت فهشت لها الحيطان و رحب بها حبل الغسيل الممتد بعرض الرحبة .
جلست على الأرض الترابية و أجلست عروستها جوارها باعتناء .
كأم رؤوم أخذت ولاء تصلح ثوب عروستها .
فستان ولاء استقر على ركبتيها فلعبت أشعة الشمس على ساقيها الطفلتين و لمعت على الحذاء الأسود .
خرج حامد من إحدى الحجرات .
ضجراً نعساً أشعث الشعر .
رأى ولاء جالسة على الأرض .
نظرت ولاء إليه و ضحكت .
لم تعرف ولاء عمره .
هو فقط شخص كبير أخر من الكبار الذين يحبون ضحكتها .
لم تفهم تلك النظرة في عينيه لكنها ضحكت .
ابتسم لها حامد .
ولاء لا تعرف ألوان الابتسامات فلم ترها صفراء .قال لها شيئاً ما .
نطق و صدره يعلو و يهبط .
لم تفهم ولاء ما قال .
امسك يدها .
قادها إلى إحدى الحجرات .
جرّت ولاء عروستها و مشت تحجل وراءه و هي تنظر إلى ظليهما يهربان بعيداً جداً.
امتد الظلان من أسفل أقدامهما حتى حائط البيت .
رأت ولاء ظلها يتطاول حتى قمة الحائط كأنه يحاول التسلق فالفرار.
ضحكت ولاء لأن ظلها بدا مضحكاً بطول ساقية من تحت قدميها حتى الحائط.
لكن حامد لم يضحك.شدّ قبضته على يدها .
دخلا الغرفة .كانت مظلمة رائحتها خانقة من طول إغلاقها .سريران حديديان على جنبي الغرفة و دولاب إحدى مصراعيه مرايا غائمة و طاولة صغيرة في وسط الحجرة .
أجلسها على سرير و جلس جوارها .
ولاء انشغلت بتمشيط شعر عروستها الأشقر .
احتضنها حامد و هو يضحك .. ضحكته كقرع على خشب أخوف.
لم تحس ولاء بنكهة الفرح في ضحكته.. لكنها لم تعرف أبداً أنه يضحك في توتر.
اكتفت بالابتسام و مررت يدها على شعر عروستها و هي تنغم مغنية " شخبط شخابيط " .
احتضنها حامد بإحدى يديه.
وضعها على كتفها و أحاطها بها .يدها لا تستطيع أن تمشط عروستها و حامد يحتضنها هكذا. تململت قليلاً.
حملها حامد فأجلسها على ساقيه .صارت يدها طليقة . احتضنها من نصفها مدخلاً ساعده تحت ذراعيها .
انكبت ولاء على عروستها باهتمام.
أنفاس حامد جوار أذنها تتردد.
تلمح بطرف عينها انعكاس صورتيهما على طرف المرآة الغائمة.
لكنها تشاغلت بعروستها.
قبلها حامد من الخلف بخفة.
تحرك بشفتيه على عنقها .
أحست شيئاً دافئاً مقبضاً يتحرك في أمعائها صعوداً إلى حلقها .
تململت في جلستها و رفعت رأسها .
جسد حامد أسفلها تحرك .
اشتد و ارتفع بدفء جلستها .
شعرت بانتفاخه أسفلها.
خافت ولاء..تشتت انتباهها عن العروسة .
لمع القلق المجهول في عينيها الواسعتين.
احتضنها حامد أكثر.عصر جسدها الصغير على جسده .
تألمت ولاء .
حاولت أن تدير رأسها لتنظر إليه.
لكن حامد دفن وجهه في شعرها .
اضطرب جسدها فاصطدمت عروستها بركبة حامد.
دفعها بيده بغلظة فأفلتت من يد ولاء ووقعت على الأرض.
صعدت العبرة إلى حلق ولاء.ذهب استئناسها و خافت.
كانت وحيدة في الحجرة.
كانت وحيدة..
فأمها ليست هنا ..
كل الذين يحبونها ليسوا هنا ..
و ضحكتها ليست هنا .
أما حامد فهو كبير و معه الخوف يعينه عليها .
رفع فستانها فكشف فخذيها .
فخذا ولاء طفلين كحالها.
لامعان مشدودان في براءة .
لكن حامد لمسهما.
أحست ولاء بثقل حار و بارد في صدرها.
برودة تفح سخونة .
حرارة تشع برداً .
ولاء لا تعرف هذه الأحاسيس.
حاولت التملص لكن حامد دفن يده بين ساقيها.
استكانت ولاء برهة دهشة.
ثم دهمها الإحساس فانتفضت.
دفعت جسدها إلى أسفل لتنزلق عن ساقي حامد .
لكن يده احتجزتها و آلمها انتفاخه في التصاق ردفها النحيل.
دفعها إلى الخلف و قد أبعد جزعه فألقاها على السرير.
نظرت ولاء فرأت الخوف يكشر لها أنيابه و يجحظ عينيه في أرجاء الغرفة.
بكت ..
في صمت الدهشة ..
مد حامد يديه فنزع سروالها الداخلي .أبيض اللون عليه فراشات ملونات دقيقات. ألقاه أرضا فاستقر على صدر دميتها.
الهواء يمس جسد ولاء فترتعش.
حامد يثبت جسدها بجسده و أصابعه تجوس على فخذيها.
صرخت ولاء.
مد يده إلى فمها فحجبه بكفه.
يده الأخرى تعيث في جسدها.
من شحمة أذنها إلى عنقها ثم تندس بين فخذيها .
حاولت – عبثاً – أن تبعد فخذها حين لمسه فثبت جسدها على جنبه الأيسر و زحف بيده إلى مؤخرتها.
احتواها الألم ..
الخوف ..
و الوحدة .
كانت بلا معين.
تعصف بها أحاسيس لا تفهمها.
تطيح بها.
توجعها.
نهض عنها و نضى عنه ثيابه.
نظرت إليه و هي منكفئة على الفراش تنشج في خوف بلا صوت و دموعها تسيل من أنفها على الفراش.
وقف أمامها عارياً.
توسلته ولاء
." عمو نا خايفه !!! "
لكنه لم يهتم.
" عليك الله يا عمو ".
ولاء لا تعرف ما يحدث..
لكنها فهمت أنه العيب..
أنه الخوف.
صرخت ولاء.
نادت أمها .
لكن أمها لم تأت.
ما جاء كان الوجع.
هجم حامد عليها
.ثبت صدرها بساعده و بيده الأخرى فرج ساقيها كاشفاً ما بينهما.
قطة وردية متكومة على نفسها.
صرخت ولاء.
أحست الألم بين ساقيها.امتد إلى بطنها حتى صدرها و إبطيها.
امتلأت به.
حاولت أن ترفع نصفها الأعلى ناهضة لكن حامد جثم عليها فشلها.
سالت الدموع حارة على خدها. انحدرت إلى عنقها و صنعت دوائر بلل على الملاءة .
امتد بصر ولاء إلى السقف.رأت وزغاً يفر من طرف بصرها و هو يصّيح .صوته كحصاتين تقرعان.
ولاء كانت تخشى الوزغ.
لكنها لم تحس الخوف منه الآن.
شعرت بالخجل.
انه يطّلع عليها.
و هي تستحي مرتبكة مما تجهل.. و تبكي من الألم الذي تحس .
تحرك بشدة.
تحرك بما في داخله و بقدر خياله و حاجته
.و تألمت ولاء.جأر حامد و هو يضع كفيه على كتفيها الصغيرين.
انحدر الفستان عن كتفها الأيمن فبان قميصها الداخلي و جزء من كتفها المرمري.
أصابع حامد الغليظة ارتسمت عليه.
عبئها الوجع إلى حد الانفجار.
نزع حامد نفسه منها.
أحكم أصابعه على عنقها و أسند كفه الأخرى تحت مؤخرتها و حولها على وجهها.
غاص وجهها في الفراش.
جوار أنفها كان مزق في الفراش برز منه قطن الحشية و قد حال لونه الأبيض.ارتمى حامد فوقها.
أحسته يلج مرة أخرى و سمعت صوت طقطقة جسدها يتفتح قبل أوانه.
سال بولها بارداً ثلجياً.أحست به.
لكنها لم تحس الدم الذي تسرب.
حامد يهتاج.
تتململ ولاء .
تنتفض.
يثور جسدها.
ينقبض و يرتخي.
حامد يحكم تثبيتها على الفراش.
يمتد الوجع.
يتطاول.
لا ينتهي.
تحس أنها ولجت الأبدية.
حامد يعذبها منذ الأزل و يتواصل الألم حتى الأبد.
مات الزمن.
طفولتها لم تعد تحسن حسابه.
منذ كم هو يفعل هذا.
متى يتوقف عن فعل هذا.
منذ الأزل و إلى الأبد.
تنشج ولاء.تنخر بكاءً . تشرق بدموعها. تنتظر الرحمة فلا تأتي.تتوسل الفهم فلا تجده.
يضغط حامد على عنقها من الخلف.
يعتصرها أكثر على الفراش.
يجأر عالياً.
رائحة دهنية تتسلل إلى أنف ولاء من الحاشية.
ينثني عنقها تحت ضغط الجاثم فوقها.
الدم يسيل من أسفل لكن حامد لا يكف.
يتحرك.
جسدها ينقبض.
كلما ازداد لذة زاد ضغطه على عنقها.
غامت الدنيا أمامها.
غشاوة سوداء كسحابة مثقلة بالخريف تلاعبت أمامها.
الخور جاب جسدها.
تنتفض فلا ينتفض.
انه يخذلها.
ما عاد لها.
تملكه الدنس.
دموعها تسيل.
أنفاسها يحبسها الفراش.
تشرق ..
تنخر ..
تئن ..
انه الرحيل.
ترى الحمامات تحّوم حولها.
تدعوها.
تنسى وجعها ..
تشرع إدراكها خلف سرب الحمام الأبيض.
تحلق للحظة.
ترى نوراً يلفها و تسمع ضحكات أطفال كموسيقى منعشة.
ثم تعود.
حامد فوقها.. يخنقها من الخلف .. ما زال يجأر.
الرحيل..
لا فرار إلا خلف الحمامات.
تذوب ولاء.
تنطفئ.
نشيجها يخف.
عيناها تخمدان في إعياء.
يغزو السواد رؤاها.
تنزلق من الوجود إلى دهليز أخر.
تسيل.
تتمتم في إعياء:" عمو لأ " .
نخرت مرة أخيرة.
ثم همدت.
رفع صابر صاحب الدكان رأسه في الخارج.
كأنه سمع صوتاً.
كلا.
لم يسمع صوتاً .
انه صوت سكت.
صمت له رجع و طنين دوى في الشارع.
زفر في توجس و خرج من دكانه ينظر ما تغير في الدنيا حوله.رأي في الشارع حمامات تطير فجأة مرفرفة.
حلقت..
هدلت ..
كأنها تنوح.
انطفأ العيد.
السحب ترحل الآن..صمتت المساجد المكبرة..اتكأت الزهور على سوقهن ..والفراشات تغادر فزعة..
حمامة وقفت على حائط بيت عواطف و ناحت.
حمامة بيضاء لها ريشات زائدات على صدرها.
خيل لصابر أنها تقول " لا .. لا .. ".
استغفر ربه عجباً و دخل دكانه.لم يعرف حينها ما حدث ..
ضحكة ولاء سكتت إلى الأبد.
في البيت انقبض قلب أمها ..
كانت تقف في المطبخ حين مسها جزع.
وضعت يدها على صدرها و تمتمت :
" اللهم اجعله خيراً " .
.