هشام ناجح - سيادة السماء.. قصة قصيرة

القطار الذي يغادر طوكيو مستعد لقضاء ليلة كاملة حتى يبلغ الحدود .. وجوه مغبونة مكسوة بوحشة الخوف ليتوسع الوطن .. تملأها حرقة السؤال حول أحقية هذا التوسع .
الشاب يكوتي ملم بالنكبات .. يدرك أن الرغبة هي المسؤولة عن الألم .. يقدم على تمارين اليوغا قبل صعوده القطار.
الازواج والعشاق يتوادعون ..الصفير المبحوح كان حدا فاصلا بين القبل ..ماتزال المناديل وحدها ترفرف.
ظل يكوتي هادئا كعادته لايبالي بهذه الأشياء فهي في زعمه تقلص من رجولته .. وتلبسه قناع الضعف .. كانت أمه هي الوحيدة التي تعلم طباع ابنها .. يفعم كل حبه لعنكبوته الساموراي "هوشي" .. يقضي إلى جانبه ساعات طوال في تدريبه .. فيبدي حماسا بالغا في القضاء على كل العناكب .. حتى أضحى مشهورا.. لكن نداء الوطن يتلف الفرحة والتداريب .. بعد وداعه لأمه أوصاها أن تبذل قصارى جهدها للاعتناء ب'هوشي" .. تومئ له برأسها مؤكدة حرصها على تلبية طلبه .
رذاذ خفيف يسكن الليل البلوري المثقل بالندف الثلجية .. فيخيم السكون على الجنود .. يتبادلون نظرات باردة .. لاأحد يرغب في الحرب .. كل شيء يهون تجاه الوطن .. هكذا يصرخ الكاهن الأكبر :
" أحبة النور يجب أن يتوسع الوطن لندرك نعمة القداسة .. لاشيء يزكي النعم .. سوى التراب والصخور .. تمعنوا مليا في روح التراب .. إنه الحب المفقود على هذه البسيطة .. فاسلكوا الطريق القويم التي تضمن سيادة السماء ".
يحس يكوتي بغرابة مبهمة تجتاحه فينبس لنفسه :
" حتى العقائد والديانات لم تسلم هي الاخرى من غرائز القوة والتملك .. تبا لكل شيء في هذه البسيطة الملعونة .. لاأحب سوى عنكبوتي "هوشي".
يتزعزع صوت خفي في أعماقه مدغدغا كيانه :
"لاتبال يايكوتي إن "هوشي " سعيد جدا .. لقد ألف الحياة الجديدة .. أنت تعلم أن أيادي الامهات لذيذة الملمس وندية بالرأفة ..إن "هوشي " أملنا الوحيد لاستمرار الحب بيننا ".
يطرق طابعا على شفتيه ابتسامة باردة كمن يعثر على كلمات مناسبة .. يتهيأ من خلالها لمقابلة شخص عظيم :
" لاتنس ياأمي أن تحتفظي بجميع بيوت "هوشي" ..إنها الاثار التي تلهمني نشوة البقاء ".
بدأت خيوط الفجر تنسل من الأفق البعيد ملقية بيوم مبهم غير واضح المعالم :
" لاتفصلنا عن الحدود سوى ساعة واحدة ".
هكذا أردف جاره بعد أن تثاءب ضجرا .
كان في استقبالهم الجنرال يوسي نادا .. يهمهم بكلماته المعتادة بشيء من الصرامة والحذر ..إنها كلمات توحيد الصفوف ..يغدو ويروح بينها .. يطلب من الجندي أو هايو أن يقوس البيريه جانبا على الوجه الأكمل ..يخبط بحذائه الثقيل مؤكدا السمع والطاعة :
" اننا هنا نردف المواعيد مع الحق والدم الذي يسري في عروقنا .. إنه الوطن .. ان التوسع نعمة ونقمة في نفس الوقت .. قد يجعل من البعض أسيادا ومن البعض الاخر عبيدا ..اننا نلبي النداء الكامن في دواخلنا منذ الأزل ..يجب أن يتوسع الوطن لترضى سيادة السماء ".
ماكاد الجنرال يكمل كلامه .. حتى تناثرت القذائف كسيول لاتملك الرحمة .. دارت الحرب بضرواة لم يشهد لها مثيل .. كانت البداية متكافئة لكن قوة العدو تكمن في اختراقهم للممرات الوعرة التي لاتقطعها عادة سوى البغال ..قد يتمكنوا من حصارهم في أقرب وقت .
طال الامد واشتد الحصار الفاقد لنوبات الفرحة التي ستحركها رسالة والدته :
"حبيبي يكوتي كيف حالك هذه الايام أمام اللغة الجديدة التي تدنس صفحاتك البيضاء بالدماء .. لولا سيادة السماء لكنت إلى جانب "هوشي" ..إنه يسأل عنك باستمرار من خلال حركاته .. لم أتمكن من اقناعه بالجواب الكافي .. لاأعلم كيف أصوغ لك الخبر .. قد يفرحك أو يغيظك .. لقد شارك "هوشي" في مسابقة الضاحية .. وتمكن من الفوز في المباراة النهائية على العنكبوت "يوها " الشهير .. أرجو أن تسامحني يابني .. انها سطوة الحب ل"هوشي" .
واخير اعتن بنفسك يا يكوتي هاهو "هوشي " يقبلك ..مع السلامة ".
صفارات الانذار تعلن دويها من جديد .. لقد تقدم العدو مليا .. لاتفصله سوى ساعات عن محاصرتهم .. الجنرال يوسي نادا يزعق بأوامره لمباغثة العدو من الجهة الخلفية .. لم تكن المفاجأة سارة .. قتل الجميع في كمين على الجسر .
كان كل هذا لارضاء سيادة السماء التي لم تنصف الجميع سوى العنكبوت "هوشي ".
هشام ناجح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...