الجـزء الأول
هذه الحكاية إياكم والظن بأنها مجرد كضبة، فلم يكن معروفا عني أني كضّاب فيما سبق. هذا التبرير القوي لأن الحكاية بها شئ من سعة الخيال كما سترون. وسعة الخيال تلك أخذتها من صديقي حسن عثمان فهو رجل جدّ مهذب، فلا يصف أي شخص بأنه كذّاب ولو عن طريق المزاح؛ فلم يحدث أن قال فلان ده كضّاب ؛ بل كان يقول بدلا عنها فلان ده خياله واسع شوية أو خياله واسع كتير وذلك حسب درجة الكضبة. المهم نبدا حكاية الرّادي مع بابكر. الحكاية قديمة شوية عندما جاء محمد المهدي من السعودية وأهدى للأسرة راديو سانيو إنقليزي.
ـ يا أخي سانيو ده ما إنقليزى سانيو ده ياباني، يعني مصنوع في اليابان.
ـ قال ياباني قال. أهي دي قدامك قدر الضربة مكتوب بالإنقليزي ما بتعرف تقرا إنقليزي ولا شنو. حالتك دي قريت الجامعة.
يبدو أن محمد المهدي عندما قدّم لهم هديته أشار بأصبعة كعادته إلى كلمة سانيو الملصقة على واجهة المذياع أو خلفه.
ـ ده راديو سانيو ممتاز ما تبوظوه.
ولم يشر من بعيد أو قريب لبلد المنشأ. وبلد المنشأ هذه تعلمتها من صديقي ود العبيد فعرفت أنها تعني بلد الإنتاج. المهم ظل بابكر يحمل جهازه الخطير النافذة التي أطل منها على العالم فعرف إندونيسيا والملايو وغابات كينيا. فتوسعت مداركه بصورة كبيرة وسريعة، فتراجع بدرجة أقل حدة من أن سانيو صنع إنقليزي وكان يقول ياباني مجمّع في بلاد الإنقليز. وتحول الّرادي غلي مصدر قوي لمعلوماته، ولكن الشيء الأخطر هو تحول بابكر من فنانه المفضل علي حسن صالح الذي كان يفضله على أولاد جاره وعوض السنوي وعبد الصادق القدواب تحّول إلى ود البادية بل أخذ يؤكد أن علي حسن صالح لا يعرف الفن مطلقا. الفنان ود البادية ولّلا بلاش. وذلك لأن حكاية الجؤذر الممراح شوية قاسية عليه فهو مغرم ب ياشمش أصله يومك ما بمش.
إلى أن جاء ذات يوم وفي الصباح يا فتّاح يا عليم بالله الّرادي تقول درابة. وكلمة درابة عندنا في بربر لا يوصف بها أي شئ سوى الرادي عندما يصمت أو الزول المافيه فايدة. ولأن رادي بابكر بقى درابة ظن بابكر أن هذا من البطارية فاستبدلها بأخرى من الدكان. غير أن الأمر لم يتغيّر وأدرك بابكر إن عطلا أصاب الرادي ا يجب إصلاحه، فأخذ يراوح بين أتبرة المدينة الكبيرة المجاورة لبربر لعدة أيام عارضا الرادي على المصلحاتية، وكانت لدى بابكر فكرة مفادها أن المصلحاتية غير مضموني الجانب، فإذا ما تركت الرادي عندهم فسوف يعفشوه ليأخذوا منه الصالح لبيعه واستبداله بآخر قديم، وكان يصر على المصلحاتية أن ينتظر الرادي ولما لم يكن هذا ممكنا فهو يعود أدراجه في المساء في الباظ الأخير. وأخيرا اقتنع ولم يعد يذهب لأتبرة.
بقي عدة ليال يتقلب في فراشه، فقد كان الرادي سميره في تلك الليالي الكالحات، وبغتة عنت له فكرة كومض كطيف كخيال لماذا لا يجرب أن يقوم بإصلاح الرادي بنفسه.
ـ يا ولد ده رادي سانيو ما تبوظ راديك السمح ده.
ـ يا ولد منو القالك حيخرب هو ما أصله خربان.
ـ يا ولد يقوموا الناس يضحكوا عليك بالخصوص حيضر الأغبش المدرس ده عينوه مدرس كيفن ما بعرف. والمقصوف ده محجوب سيد الدكان.
ـ يا ولد هن دايرين يعرفوا كيف ما هو أصله الرادي بايظ.
ـ يا ولد خليهم الدايرين يقولوه اليقولوه رادي وانا مخير فيه.
وبات ليلته يقلب أفكاره واستقر أخيرا على رأي قاطع.
ـ يا زول أول من العين شافت فرشت تقروقة الصلاة ختيت الرادي فوقها جبت سكين المطبخ وايد الفندك والمعلقة. ويازول أقول لك أول من فتحت الرادي القا لك سليكة ناطة بس ربك رب الخير أول مكان ختيته ليك فيه الرادي كركر قمت ثبتها ليك بي أصبعي شديد طوالي الرادي غنى وحكمة الله ما يجيب إلا ود البادية (الحب ذهور) يا زول جربت ختيت لها صابونه ما نفع ومرة تانية عجين ومرة معجون سيقنال كولجيت. المصيبة ما دايرها ليها لحام ششفته عند اسماعين السمكري زي حق المصلحاتية بالظبط. يا زول طوالي بسرعة مشيت لي اسماعين لقيته قاعد يشتغل ومعا هو جماعة ومن ضمنن أمونه كان عندها شرقرق. انتظرته لامن خلص شغله، ولامن جابو الفطور قمت قلت ليه، أنا ياسماعين داير أسألك الخرابة دي بي تجيبوها من وين وأشرت ليه على اللحام والكاوية. قام قال لي يالخرابة داير تبقى سمكري وللا شنو. قام قال عاد النكلمك يالخرابة ديل بي نسويهن برانا اللحام من بطاريات العربيات القديمة. والكاوية معلقة نحاس قديمة. وتبقى المشكلة في كيفية الحصول على معلقة النحاس والبطارية القديمة فتذكر أن حبوبة عاشة لديها كم هائل من الأواني النحاسية ولكنها صعبة المراس، فكيف يمكن إقناعها. وكم كانت دهشته عظيمة عندما ناولته إياها حتى دون أن تسأله داير بها شنو. ثم جاء دور البطارية القديمة فأخبره عمر طلب الملقب بعمر سفنجة بأنه يمكنه الحصول على البطارية من موقف العربات إذا ما سأل فايز أو محمد الجميل. بيد أن فايز ظن أنها هبة من السماء هبطت عليه فطلب مبلغا كبيرا أما محمد الجميل فقد طلب الساهله، حق العدل بس. وبالفعل تمت العملية فحول البطارية إلي إصبع لحام والملعقة إلي كاوية، كما شرح له السمكري قمت لحت ليك السليكة ديك والرادي قام فتح وقال بق نان تاني خرب.
فتفشى الخبر وعم القرى وكاد أن يبلغ الحضر، وقد أذاعه بابكر بنفسه، إما بإخبار الناس مباشرة بأنه قام بإصلاح الرادي ،هذا إذا لم يكن يحمل الرادي معه، وهو أمر نادر الحدوث، أما إن كان يحمله كعادته فإنه يقوم برفع صوت الرادي ليعلو كل صوت.
وذات عصرية وهي الفترة التي يقوم بابكر فيها بالطواف بالرادي من الحلة إلى موقف الباظات حيث يقابل بابكر الباظات الجايات من الخرطوم بعد الساعة اربعة، وفجأة لمح بابكر أحد أبناء النوبة وهو يحمل رادي عليه غطاء آيه في الجمال، فصمم على أن يعمل للرادي قميص مثل ذلك وتوجه من فوره إلى ود اب عامر الترزي الذي لا يرفض له طلبا. عليك الله ياود ابو عامر خيت لي قميص لي رادي ده.
ـ حاضر بعمله ليك لكن ما الليله بكرة، الليله عندي شغل كتير تعال بكرة تلقاه جاهز إن شاء الله.
ـ لا لا لا بكرة ولا إن شا الله أسع تيه تخيتو لي ماني زاحي من بكاني ده.
وكان ود اب عامر يقول بابكر ده راجل مبروك لكنه لايوق ملاح سبروق. وكم كانت لباكر فرحة عارمة وهو ينصرف مزهوا يحمل راديهو مع قميصه الجديد.
لعل بشرية كانت ترى ألا سبيل لدفع مبالغ للمصلحاتية لإصلاح راديها القديم فآثرت أن تعطية لبابكر فإن قام بإصلاحه فهو المطلوب وإن لم يكن فلا عتب ولا ملامة لأن راديها أصلا بايظ. وبالفعل أخبرت بابكر بهذا الطلب وتردد في قبول طلبها فبشرية لها موقع خاص في حياته فإذا ما رفض كان يخشى من غضبها عليه وإن قبل ولم يتمكن من إصلاح الرادي فسوف يغدو حسب توقعة سيغدو في نظرها زول ساكت ما بيعرف حاجة. وقد أقنعته بأن الرادي أصلا بايظ ولا ضير في أن يبوظ زيادة وقالت له بالحرف الواحد
ـ إنت يا بابكر ما سمعت بالمقاله الأعور طقوه عينه قال اصلها بايظة. وأخذ منها الرادي وكله أمل أن يتم إصلاحه على يديه ليرضي بشرية.
حدثني بابكر بنفسه قائلا:
ـ تعرف يا ود شيخنا شلتلك الرادي وقمت يا زول فتحته ليك ، نضفته كويس، القالك حاجة صغيره بلحيل، زي الشاكوش حاولتها جاي جاي أصله رادي بشرية ده درابة، أخد فيّ النهار كله، يازول الساعة اربعة قربت قوم حصل باظ الخرتوم.
نهض بابكر ولبس العراقي وهو يهم بالخروج قابله الطاهر لدى الباب.
ـ يا ولد جنيت وللا شنو مالك مارق وعراقيك بالقلبة.
وكأنما كانت تلك الكلمة هي مفتاح الحل. لماذا لا يكون لهذه النصيبة عدله وقلبة. ورجع ولم يغير العراقي ولم يخلعه كعادته عندما يكون في غرفته. رجع إلى الرادي الذي تركه مفتوحا على الأرض، وقد كان يظن أن رادي بشرية لا فائدة فيه ولا يمكن إصلاحه. المهم يا ود شيخنا وقع لي إلهام من السما يا زول حولت أخت النصيبة دي جاي وللا جاي بالعدلة وبالقلبة، ربك كريم الرادي كركر قمت لحمتها ليك والرادي غنى زي الترتيب. لم ينتظر حتى يطفئ النار التي أوقد للحام ولم يبدل العراقي الذي مازال بالقلبه بل اضاف عليه أن لبس السفنجة بالقلبة. حمل الرادي وطاف به الحلة، فعلمت البلدة أن نصرا جديدا أصاب بابكر؛ انقسمت البلدة تجاه تلك الظاهرة إلى فريقين؛ فريق يرى أن المسألة لا تعدو كونها خبطة حظ فأصابت، وفريق يرى أن بابكر مخه نضيف ويفهم في شغل الروادي. أما الفريق الذي كان يعتقد أنها مجرد خبطة حظ فقد قاموا بإعطاء بابكر رادي عبد الرحمن المدير القديم ليقوم بإصلاحه باعتبار أنها صدفة ولن تتكرر.
دهش الجمع وهم في انتظار باظ الخرتوم في الضل عندما جاء بابكر وقد تغير شكل مشيته تماماً، جاء ولم يحيي بل وضع الرادي وسطهم وقال لحيدر:
ـ يا ود الأغبش ده مو راديكم الأديتوني ياهو عليك الله إن ما فتحته. رفض حيدر وقال له
ـ يللا أها ورينا شغلك.
وتكرم ود الشيخ وأدار مفتاح الرادي فإذا بالرادي يلعلع دكان ود البصير الذي لا يحبه حيدر مطلقا. وبدأ بعض الجمع يتراجع عن ضربة الحظ، وأضيف إبداع جديد لبابكر الذي انصرف مزهوا بنصر أصاب. وعرضت عليه عروض كثيرة غير أنه اعتذر بحجة ألا وقت لديه وإنه مشغول.
وفي ذات مساء جاءت بشرية ومعها جارتها أم سلمة تحمل راديها الخربان، بيد أن بابكر ورغم إعزازه لبشرية إلا أنه رفض وبإصرار، وخصته بشرية بالرسول وبي الأوليا جملة وقالت له فيما قالت بتديك نص جنيه. لماذا لا يقبل العرض ونص الجنيه ما حاجة ساهله. لكن ربما لا ينجح خذه المرة فكيفيه نصره السابق مع بشرية. وخرج من بيته والزهو يملأ جنبيه. وفي الطريق صادف حيضر الذي لا يقر له بالموهبة الجديدة التي هبطت علية من السماء فبادر حيدر قائلا:
ـ أسمع يا ود الأغبش والله انتو أهلكم ناس تمام وإنت ذاتك كنت زول تمام لكن الأيام دي قمت لك في مسخرة جديدة أنا والله بعرف أصلح الروادي وأي رادي خربان بصلحه؛ اسع تيه بشرية جابت لي ردي أم سلمه وابيت أمسكه منها وكمان قالت لي بديك نص جنيه أكان ماك عارف أعرف.
رد حيدر محاولا شرح وجهة نظرة بطريقة لم ولن يفهمها بابكر أبدا فقال.
ـ يا أخي أنا ما قلت إنت ما بتعرف تصلح الروادي أنا قلت إنه المسألة بتاعة اللإكترونات دي مسألة ما ساهله الناس بي تقرا ليها كليات سنين. ثم تانيا الرادي لمان يبوظ عايز اسبير إنت بي تعرف تجيبها بي تعرف اساميها وأرقامها ومقاساتها كله اسبير عنده اسم علمي واسم تجاري انت بي تعرفها وعنده رقم يحدد نوعة ومقدرته، انت الحاجات دي بي تعرفها؟
صمت بابكر كعادته في المواقف الحرجة فقد أدخله حيدر في علم لا يعرف هو حتى اسمه، فقرر في دواخله أن يتصالح مع حيضر ود الأغبش، فقد رأى فيه شخصا خطيرا يعرف أشياء لا يعرفها هو، ولكن حيدر قد يسخر منه أمام الناس بأنه زول ساكت ما بيعرف حاجة، لكن هذه ليست من صفات حيضر، وإذا بحيدر يتابع حديثه.
ـ أنا عندي واحد صاحبي يتاع إلكترونات في أتبرة بوديك ليه يوريك الإسبيرات وعدة الشغل ويكتب ليك أساميها، بس إنت جهز الفلوس وأنا مستعد في أي لحظة أمشي معاك. وما تكلم زول تقوله حيدر قال لي وللا قلت ليه خليها سر، بعدين أسع تيـّـه ما تمسك أي رادي لغاية ما تجيب عدة الشغل، وبعدين أمسك مقدم ما في حاجة اسمها لا من الرادي يتصلح لو ما اتصلح تكون ضيعت وكتك في الفاضي.
ـ أيوه ياود الأغبش أنا ماقلت لك إنت زول تمام ما فيش حاجة اسمها لا من يتصلح الرادي والله يقدرني علي جزاك.
وتمت العملية بسرية تامة، ولم يعلم بها أحد، وأصبح بابكر يستلم الروادي ويزيدها أعطالا على تلك التي بها والعذر معروف وهو الرادي داير اسبير لامن أمشي وأجيبه من أتبرة، ومع هذا تبدلت حياة بابكر كلية، ومن ضمن تبدلاته أنه أخد يرتدي البنطلون، وتزوج بشرية، وأيضا من ضمن تبدلاته أن اصبح اسمه الباشمهندس وتلك قصة سيرد ذكرها لا حقا، وأصبح محله مكان ترتاده الطبقة المثقفة على حد زعمه.
ـ يا زول أقول لك اليوم داك اربحا اصلي ما بنساهو جات بشرية دي الساعة ديك أنا ما عرستها ، يجي معاها خواجة عيونه خدر شايله جهاز يشبه الروادي وقال لي لو تكرمت يا ....
قمت قلت ليه باشمهندس بابكر:
ومن ساعتها اصبح اسمه الباشمهندس.
قام قال لي:
يا باشمهندس بابكر انا عايزك تصلح لي الجهاز ده أسع تيــّـه.
والقصة التي لم يروها بابكر هو أن ذاك الخواجة اعتاد أن يحضر كل عام وفي ذات الوقت لا نعرف لماذا يجئ وما يفعل في الصحراء وربما ناس الحكومة بي يعرفوا.
رفض بابكر أن يستلم الجهاز بحجة أنه الشغل بالدور ويا خواجة إذا بي تجي بكرة أهلا والله شيل جهازك واتوكل.
أخيرا رضخ الخواجة وترك جهازه وانصرف وبمجرد انصرافه قام بابكر وبحذر شديد فتح الجهاز ووجده يشبه الأجهزة المكدسة عنده بالعشرات فنظفه ووضعه في مكان بارز ليوهم الناس أنه اصبح يصلح أجهزة الخواجات.
في صباح الغد جاء الخواجة ودخل إلي محل بابكر ولم يسلم وذهب مباشرة إلى جهازه أدار مفتاحة وأخذ يصفق وقال:
ـ هايل باشمهندس بابكر أخيرا الجهاز اتصلح كم حسابك يا باشمهندس بابكر؟
رد بابكر ولم يكن يعلم أنه مبالغ جدا:
ـ انا والله حقي مية جنيه لأني جهازك ده عمات ليه اسبير غالي شوية.
دهش الخواجة ونظر إلي بابكر نظرة ملؤها الشك والريبة. غير أن بابكر استدرك قائلا:
ـ لكن اقول لك ياخواجه البي تجيبه جيبه انتو ما ناس ضيوفنا واكرامكم واجب علينا.
ناول الخواجة بابكر عشرون جنيها وهو مبلغ ضخم.
وفي لحظة لا يعرف فيها لم قال بابكر للخواجة.
ـ يا خواجة ما تبيع لي الجهاز ده.
رد الخواجة بقوله:
ـ لا يا باشمهندس أنا ما بسافر بدون الجهاز ده لأنو جهاز اتصال. لكن بوعدك عندي جهاز جديد طلبته ولمان يصل بديك الجهاز ده مجانا ده وعد.
منح بابكر بشرية جنيه أخدر، عرفانا لها لأنها هي التي دلت الخواجة لمحل بابكر، وتقربا منها إذ لها موقع خاص في نفسه وساهمت بشرية في نشر الخبر الذي سمعه كل سكان البلدة.
وبعد أيام قليلة وقفت عربة الخواجة أمام محل بابكر ونزل منها الخواجة حاملا الجهاز معه، فظن بابكر بادئ الأمر إن الجهاز تعطل ثانية وذهبت به الظنون شتى. ولكن الخواجة بادر بالتحية وقائلاً:
:ـ يا....
رد بابكر
ـ بابكر
فقال الخواجة يا باشمهندس بابكر ده الجهاز حسب وعدي ليك هدية مني ليك مجانا.
وشرح لبابكر كيفية استعمال الجهاز وتحويله إلى جهاز إرسال واستقبال. وانصرف الخواجة دون أن يقول له بابكر شكرا فلم يسعفه الحظ لقولها لأنه لا يعرف ماذا سيفعل بجهاز كهذا. ولما جاء ود الشيخ كعادته كل صباح لمحل بابكر وجدها بابكر فأسهب بابكر في شرح الجهاز لود الشيخ ولقد دهش بابكر قبل ود الشيخ عندما قال بابكر في الجهاز الو... الو واحد اتنين تلاتة فسمعها بوضوح في جهاز الرادي الذي كان مفتوحا بالقرب منه. انطلق ود الشيخ للسوق ليقول للناس بابكر داير يخلي الهندسة ويبقى مذيع. وهكذا انطلقت تلك الإشاعة ولكن بابكر اعتبرها حقيقة واقعة وتلك هي بداية قصة الإذاعة التي ربما سعدت بحكايتها لكم في مقبل زمان آت.
* يليه الجزء الثاني، "الإذاعة".
هذه الحكاية إياكم والظن بأنها مجرد كضبة، فلم يكن معروفا عني أني كضّاب فيما سبق. هذا التبرير القوي لأن الحكاية بها شئ من سعة الخيال كما سترون. وسعة الخيال تلك أخذتها من صديقي حسن عثمان فهو رجل جدّ مهذب، فلا يصف أي شخص بأنه كذّاب ولو عن طريق المزاح؛ فلم يحدث أن قال فلان ده كضّاب ؛ بل كان يقول بدلا عنها فلان ده خياله واسع شوية أو خياله واسع كتير وذلك حسب درجة الكضبة. المهم نبدا حكاية الرّادي مع بابكر. الحكاية قديمة شوية عندما جاء محمد المهدي من السعودية وأهدى للأسرة راديو سانيو إنقليزي.
ـ يا أخي سانيو ده ما إنقليزى سانيو ده ياباني، يعني مصنوع في اليابان.
ـ قال ياباني قال. أهي دي قدامك قدر الضربة مكتوب بالإنقليزي ما بتعرف تقرا إنقليزي ولا شنو. حالتك دي قريت الجامعة.
يبدو أن محمد المهدي عندما قدّم لهم هديته أشار بأصبعة كعادته إلى كلمة سانيو الملصقة على واجهة المذياع أو خلفه.
ـ ده راديو سانيو ممتاز ما تبوظوه.
ولم يشر من بعيد أو قريب لبلد المنشأ. وبلد المنشأ هذه تعلمتها من صديقي ود العبيد فعرفت أنها تعني بلد الإنتاج. المهم ظل بابكر يحمل جهازه الخطير النافذة التي أطل منها على العالم فعرف إندونيسيا والملايو وغابات كينيا. فتوسعت مداركه بصورة كبيرة وسريعة، فتراجع بدرجة أقل حدة من أن سانيو صنع إنقليزي وكان يقول ياباني مجمّع في بلاد الإنقليز. وتحول الّرادي غلي مصدر قوي لمعلوماته، ولكن الشيء الأخطر هو تحول بابكر من فنانه المفضل علي حسن صالح الذي كان يفضله على أولاد جاره وعوض السنوي وعبد الصادق القدواب تحّول إلى ود البادية بل أخذ يؤكد أن علي حسن صالح لا يعرف الفن مطلقا. الفنان ود البادية ولّلا بلاش. وذلك لأن حكاية الجؤذر الممراح شوية قاسية عليه فهو مغرم ب ياشمش أصله يومك ما بمش.
إلى أن جاء ذات يوم وفي الصباح يا فتّاح يا عليم بالله الّرادي تقول درابة. وكلمة درابة عندنا في بربر لا يوصف بها أي شئ سوى الرادي عندما يصمت أو الزول المافيه فايدة. ولأن رادي بابكر بقى درابة ظن بابكر أن هذا من البطارية فاستبدلها بأخرى من الدكان. غير أن الأمر لم يتغيّر وأدرك بابكر إن عطلا أصاب الرادي ا يجب إصلاحه، فأخذ يراوح بين أتبرة المدينة الكبيرة المجاورة لبربر لعدة أيام عارضا الرادي على المصلحاتية، وكانت لدى بابكر فكرة مفادها أن المصلحاتية غير مضموني الجانب، فإذا ما تركت الرادي عندهم فسوف يعفشوه ليأخذوا منه الصالح لبيعه واستبداله بآخر قديم، وكان يصر على المصلحاتية أن ينتظر الرادي ولما لم يكن هذا ممكنا فهو يعود أدراجه في المساء في الباظ الأخير. وأخيرا اقتنع ولم يعد يذهب لأتبرة.
بقي عدة ليال يتقلب في فراشه، فقد كان الرادي سميره في تلك الليالي الكالحات، وبغتة عنت له فكرة كومض كطيف كخيال لماذا لا يجرب أن يقوم بإصلاح الرادي بنفسه.
ـ يا ولد ده رادي سانيو ما تبوظ راديك السمح ده.
ـ يا ولد منو القالك حيخرب هو ما أصله خربان.
ـ يا ولد يقوموا الناس يضحكوا عليك بالخصوص حيضر الأغبش المدرس ده عينوه مدرس كيفن ما بعرف. والمقصوف ده محجوب سيد الدكان.
ـ يا ولد هن دايرين يعرفوا كيف ما هو أصله الرادي بايظ.
ـ يا ولد خليهم الدايرين يقولوه اليقولوه رادي وانا مخير فيه.
وبات ليلته يقلب أفكاره واستقر أخيرا على رأي قاطع.
ـ يا زول أول من العين شافت فرشت تقروقة الصلاة ختيت الرادي فوقها جبت سكين المطبخ وايد الفندك والمعلقة. ويازول أقول لك أول من فتحت الرادي القا لك سليكة ناطة بس ربك رب الخير أول مكان ختيته ليك فيه الرادي كركر قمت ثبتها ليك بي أصبعي شديد طوالي الرادي غنى وحكمة الله ما يجيب إلا ود البادية (الحب ذهور) يا زول جربت ختيت لها صابونه ما نفع ومرة تانية عجين ومرة معجون سيقنال كولجيت. المصيبة ما دايرها ليها لحام ششفته عند اسماعين السمكري زي حق المصلحاتية بالظبط. يا زول طوالي بسرعة مشيت لي اسماعين لقيته قاعد يشتغل ومعا هو جماعة ومن ضمنن أمونه كان عندها شرقرق. انتظرته لامن خلص شغله، ولامن جابو الفطور قمت قلت ليه، أنا ياسماعين داير أسألك الخرابة دي بي تجيبوها من وين وأشرت ليه على اللحام والكاوية. قام قال لي يالخرابة داير تبقى سمكري وللا شنو. قام قال عاد النكلمك يالخرابة ديل بي نسويهن برانا اللحام من بطاريات العربيات القديمة. والكاوية معلقة نحاس قديمة. وتبقى المشكلة في كيفية الحصول على معلقة النحاس والبطارية القديمة فتذكر أن حبوبة عاشة لديها كم هائل من الأواني النحاسية ولكنها صعبة المراس، فكيف يمكن إقناعها. وكم كانت دهشته عظيمة عندما ناولته إياها حتى دون أن تسأله داير بها شنو. ثم جاء دور البطارية القديمة فأخبره عمر طلب الملقب بعمر سفنجة بأنه يمكنه الحصول على البطارية من موقف العربات إذا ما سأل فايز أو محمد الجميل. بيد أن فايز ظن أنها هبة من السماء هبطت عليه فطلب مبلغا كبيرا أما محمد الجميل فقد طلب الساهله، حق العدل بس. وبالفعل تمت العملية فحول البطارية إلي إصبع لحام والملعقة إلي كاوية، كما شرح له السمكري قمت لحت ليك السليكة ديك والرادي قام فتح وقال بق نان تاني خرب.
فتفشى الخبر وعم القرى وكاد أن يبلغ الحضر، وقد أذاعه بابكر بنفسه، إما بإخبار الناس مباشرة بأنه قام بإصلاح الرادي ،هذا إذا لم يكن يحمل الرادي معه، وهو أمر نادر الحدوث، أما إن كان يحمله كعادته فإنه يقوم برفع صوت الرادي ليعلو كل صوت.
وذات عصرية وهي الفترة التي يقوم بابكر فيها بالطواف بالرادي من الحلة إلى موقف الباظات حيث يقابل بابكر الباظات الجايات من الخرطوم بعد الساعة اربعة، وفجأة لمح بابكر أحد أبناء النوبة وهو يحمل رادي عليه غطاء آيه في الجمال، فصمم على أن يعمل للرادي قميص مثل ذلك وتوجه من فوره إلى ود اب عامر الترزي الذي لا يرفض له طلبا. عليك الله ياود ابو عامر خيت لي قميص لي رادي ده.
ـ حاضر بعمله ليك لكن ما الليله بكرة، الليله عندي شغل كتير تعال بكرة تلقاه جاهز إن شاء الله.
ـ لا لا لا بكرة ولا إن شا الله أسع تيه تخيتو لي ماني زاحي من بكاني ده.
وكان ود اب عامر يقول بابكر ده راجل مبروك لكنه لايوق ملاح سبروق. وكم كانت لباكر فرحة عارمة وهو ينصرف مزهوا يحمل راديهو مع قميصه الجديد.
لعل بشرية كانت ترى ألا سبيل لدفع مبالغ للمصلحاتية لإصلاح راديها القديم فآثرت أن تعطية لبابكر فإن قام بإصلاحه فهو المطلوب وإن لم يكن فلا عتب ولا ملامة لأن راديها أصلا بايظ. وبالفعل أخبرت بابكر بهذا الطلب وتردد في قبول طلبها فبشرية لها موقع خاص في حياته فإذا ما رفض كان يخشى من غضبها عليه وإن قبل ولم يتمكن من إصلاح الرادي فسوف يغدو حسب توقعة سيغدو في نظرها زول ساكت ما بيعرف حاجة. وقد أقنعته بأن الرادي أصلا بايظ ولا ضير في أن يبوظ زيادة وقالت له بالحرف الواحد
ـ إنت يا بابكر ما سمعت بالمقاله الأعور طقوه عينه قال اصلها بايظة. وأخذ منها الرادي وكله أمل أن يتم إصلاحه على يديه ليرضي بشرية.
حدثني بابكر بنفسه قائلا:
ـ تعرف يا ود شيخنا شلتلك الرادي وقمت يا زول فتحته ليك ، نضفته كويس، القالك حاجة صغيره بلحيل، زي الشاكوش حاولتها جاي جاي أصله رادي بشرية ده درابة، أخد فيّ النهار كله، يازول الساعة اربعة قربت قوم حصل باظ الخرتوم.
نهض بابكر ولبس العراقي وهو يهم بالخروج قابله الطاهر لدى الباب.
ـ يا ولد جنيت وللا شنو مالك مارق وعراقيك بالقلبة.
وكأنما كانت تلك الكلمة هي مفتاح الحل. لماذا لا يكون لهذه النصيبة عدله وقلبة. ورجع ولم يغير العراقي ولم يخلعه كعادته عندما يكون في غرفته. رجع إلى الرادي الذي تركه مفتوحا على الأرض، وقد كان يظن أن رادي بشرية لا فائدة فيه ولا يمكن إصلاحه. المهم يا ود شيخنا وقع لي إلهام من السما يا زول حولت أخت النصيبة دي جاي وللا جاي بالعدلة وبالقلبة، ربك كريم الرادي كركر قمت لحمتها ليك والرادي غنى زي الترتيب. لم ينتظر حتى يطفئ النار التي أوقد للحام ولم يبدل العراقي الذي مازال بالقلبه بل اضاف عليه أن لبس السفنجة بالقلبة. حمل الرادي وطاف به الحلة، فعلمت البلدة أن نصرا جديدا أصاب بابكر؛ انقسمت البلدة تجاه تلك الظاهرة إلى فريقين؛ فريق يرى أن المسألة لا تعدو كونها خبطة حظ فأصابت، وفريق يرى أن بابكر مخه نضيف ويفهم في شغل الروادي. أما الفريق الذي كان يعتقد أنها مجرد خبطة حظ فقد قاموا بإعطاء بابكر رادي عبد الرحمن المدير القديم ليقوم بإصلاحه باعتبار أنها صدفة ولن تتكرر.
دهش الجمع وهم في انتظار باظ الخرتوم في الضل عندما جاء بابكر وقد تغير شكل مشيته تماماً، جاء ولم يحيي بل وضع الرادي وسطهم وقال لحيدر:
ـ يا ود الأغبش ده مو راديكم الأديتوني ياهو عليك الله إن ما فتحته. رفض حيدر وقال له
ـ يللا أها ورينا شغلك.
وتكرم ود الشيخ وأدار مفتاح الرادي فإذا بالرادي يلعلع دكان ود البصير الذي لا يحبه حيدر مطلقا. وبدأ بعض الجمع يتراجع عن ضربة الحظ، وأضيف إبداع جديد لبابكر الذي انصرف مزهوا بنصر أصاب. وعرضت عليه عروض كثيرة غير أنه اعتذر بحجة ألا وقت لديه وإنه مشغول.
وفي ذات مساء جاءت بشرية ومعها جارتها أم سلمة تحمل راديها الخربان، بيد أن بابكر ورغم إعزازه لبشرية إلا أنه رفض وبإصرار، وخصته بشرية بالرسول وبي الأوليا جملة وقالت له فيما قالت بتديك نص جنيه. لماذا لا يقبل العرض ونص الجنيه ما حاجة ساهله. لكن ربما لا ينجح خذه المرة فكيفيه نصره السابق مع بشرية. وخرج من بيته والزهو يملأ جنبيه. وفي الطريق صادف حيضر الذي لا يقر له بالموهبة الجديدة التي هبطت علية من السماء فبادر حيدر قائلا:
ـ أسمع يا ود الأغبش والله انتو أهلكم ناس تمام وإنت ذاتك كنت زول تمام لكن الأيام دي قمت لك في مسخرة جديدة أنا والله بعرف أصلح الروادي وأي رادي خربان بصلحه؛ اسع تيه بشرية جابت لي ردي أم سلمه وابيت أمسكه منها وكمان قالت لي بديك نص جنيه أكان ماك عارف أعرف.
رد حيدر محاولا شرح وجهة نظرة بطريقة لم ولن يفهمها بابكر أبدا فقال.
ـ يا أخي أنا ما قلت إنت ما بتعرف تصلح الروادي أنا قلت إنه المسألة بتاعة اللإكترونات دي مسألة ما ساهله الناس بي تقرا ليها كليات سنين. ثم تانيا الرادي لمان يبوظ عايز اسبير إنت بي تعرف تجيبها بي تعرف اساميها وأرقامها ومقاساتها كله اسبير عنده اسم علمي واسم تجاري انت بي تعرفها وعنده رقم يحدد نوعة ومقدرته، انت الحاجات دي بي تعرفها؟
صمت بابكر كعادته في المواقف الحرجة فقد أدخله حيدر في علم لا يعرف هو حتى اسمه، فقرر في دواخله أن يتصالح مع حيضر ود الأغبش، فقد رأى فيه شخصا خطيرا يعرف أشياء لا يعرفها هو، ولكن حيدر قد يسخر منه أمام الناس بأنه زول ساكت ما بيعرف حاجة، لكن هذه ليست من صفات حيضر، وإذا بحيدر يتابع حديثه.
ـ أنا عندي واحد صاحبي يتاع إلكترونات في أتبرة بوديك ليه يوريك الإسبيرات وعدة الشغل ويكتب ليك أساميها، بس إنت جهز الفلوس وأنا مستعد في أي لحظة أمشي معاك. وما تكلم زول تقوله حيدر قال لي وللا قلت ليه خليها سر، بعدين أسع تيـّـه ما تمسك أي رادي لغاية ما تجيب عدة الشغل، وبعدين أمسك مقدم ما في حاجة اسمها لا من الرادي يتصلح لو ما اتصلح تكون ضيعت وكتك في الفاضي.
ـ أيوه ياود الأغبش أنا ماقلت لك إنت زول تمام ما فيش حاجة اسمها لا من يتصلح الرادي والله يقدرني علي جزاك.
وتمت العملية بسرية تامة، ولم يعلم بها أحد، وأصبح بابكر يستلم الروادي ويزيدها أعطالا على تلك التي بها والعذر معروف وهو الرادي داير اسبير لامن أمشي وأجيبه من أتبرة، ومع هذا تبدلت حياة بابكر كلية، ومن ضمن تبدلاته أنه أخد يرتدي البنطلون، وتزوج بشرية، وأيضا من ضمن تبدلاته أن اصبح اسمه الباشمهندس وتلك قصة سيرد ذكرها لا حقا، وأصبح محله مكان ترتاده الطبقة المثقفة على حد زعمه.
ـ يا زول أقول لك اليوم داك اربحا اصلي ما بنساهو جات بشرية دي الساعة ديك أنا ما عرستها ، يجي معاها خواجة عيونه خدر شايله جهاز يشبه الروادي وقال لي لو تكرمت يا ....
قمت قلت ليه باشمهندس بابكر:
ومن ساعتها اصبح اسمه الباشمهندس.
قام قال لي:
يا باشمهندس بابكر انا عايزك تصلح لي الجهاز ده أسع تيــّـه.
والقصة التي لم يروها بابكر هو أن ذاك الخواجة اعتاد أن يحضر كل عام وفي ذات الوقت لا نعرف لماذا يجئ وما يفعل في الصحراء وربما ناس الحكومة بي يعرفوا.
رفض بابكر أن يستلم الجهاز بحجة أنه الشغل بالدور ويا خواجة إذا بي تجي بكرة أهلا والله شيل جهازك واتوكل.
أخيرا رضخ الخواجة وترك جهازه وانصرف وبمجرد انصرافه قام بابكر وبحذر شديد فتح الجهاز ووجده يشبه الأجهزة المكدسة عنده بالعشرات فنظفه ووضعه في مكان بارز ليوهم الناس أنه اصبح يصلح أجهزة الخواجات.
في صباح الغد جاء الخواجة ودخل إلي محل بابكر ولم يسلم وذهب مباشرة إلى جهازه أدار مفتاحة وأخذ يصفق وقال:
ـ هايل باشمهندس بابكر أخيرا الجهاز اتصلح كم حسابك يا باشمهندس بابكر؟
رد بابكر ولم يكن يعلم أنه مبالغ جدا:
ـ انا والله حقي مية جنيه لأني جهازك ده عمات ليه اسبير غالي شوية.
دهش الخواجة ونظر إلي بابكر نظرة ملؤها الشك والريبة. غير أن بابكر استدرك قائلا:
ـ لكن اقول لك ياخواجه البي تجيبه جيبه انتو ما ناس ضيوفنا واكرامكم واجب علينا.
ناول الخواجة بابكر عشرون جنيها وهو مبلغ ضخم.
وفي لحظة لا يعرف فيها لم قال بابكر للخواجة.
ـ يا خواجة ما تبيع لي الجهاز ده.
رد الخواجة بقوله:
ـ لا يا باشمهندس أنا ما بسافر بدون الجهاز ده لأنو جهاز اتصال. لكن بوعدك عندي جهاز جديد طلبته ولمان يصل بديك الجهاز ده مجانا ده وعد.
منح بابكر بشرية جنيه أخدر، عرفانا لها لأنها هي التي دلت الخواجة لمحل بابكر، وتقربا منها إذ لها موقع خاص في نفسه وساهمت بشرية في نشر الخبر الذي سمعه كل سكان البلدة.
وبعد أيام قليلة وقفت عربة الخواجة أمام محل بابكر ونزل منها الخواجة حاملا الجهاز معه، فظن بابكر بادئ الأمر إن الجهاز تعطل ثانية وذهبت به الظنون شتى. ولكن الخواجة بادر بالتحية وقائلاً:
:ـ يا....
رد بابكر
ـ بابكر
فقال الخواجة يا باشمهندس بابكر ده الجهاز حسب وعدي ليك هدية مني ليك مجانا.
وشرح لبابكر كيفية استعمال الجهاز وتحويله إلى جهاز إرسال واستقبال. وانصرف الخواجة دون أن يقول له بابكر شكرا فلم يسعفه الحظ لقولها لأنه لا يعرف ماذا سيفعل بجهاز كهذا. ولما جاء ود الشيخ كعادته كل صباح لمحل بابكر وجدها بابكر فأسهب بابكر في شرح الجهاز لود الشيخ ولقد دهش بابكر قبل ود الشيخ عندما قال بابكر في الجهاز الو... الو واحد اتنين تلاتة فسمعها بوضوح في جهاز الرادي الذي كان مفتوحا بالقرب منه. انطلق ود الشيخ للسوق ليقول للناس بابكر داير يخلي الهندسة ويبقى مذيع. وهكذا انطلقت تلك الإشاعة ولكن بابكر اعتبرها حقيقة واقعة وتلك هي بداية قصة الإذاعة التي ربما سعدت بحكايتها لكم في مقبل زمان آت.
* يليه الجزء الثاني، "الإذاعة".