أدب المناجم محمد العرقوبي - (كلاب الجحيم).. رواية تنهش الخيال لتنبش جروح سكان المناجم في أجواء أسطورية

تسحرك رواية (كلاب الجحيم) أحدث أعمال الكاتب التونسي إبراهيم درغوثي فتنغمس فيها طوعا وطمعا ولا تغادرها إلا كرها. تشدك الحكايات الخرافية والأجواء الغرائبية فيتلاشى الخيط الفاصل بين الواقع والاسطورة ليجد القارئ نفسه أمام واقع أسطوري أو أسطورة واقعية.

وتعيد الرواية إحياء انتفاضة سكان الحوض المنجمي بمحافظة قفصة ضد الظلم والقهر والحيف والفقر في ظل نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي عام 2008 لكن بأسلوب سردي أخاذ يمتزج فيه الواقع مع الخيال وما هو كائن مع المحال.

جاءت رواية (كلاب الجحيم) في 117 صفحة من الحجم المتوسط وصدرت عن دار زينب للنشر والتوزيع.

وجاء على الغلاف الخلفي للرواية ”لئن اهتمت أحداث السرد في رواية (كلاب الجحيم) بالوقائع التي عاشتها شخصيات الرواية في تلك الفترة العصية من تاريخ تونس فإن وشائج كثيرة تربطها برواية إبراهيم درغوثي السابقة (وراء السراب .. قليلا) التي أرخت بصوت المبدع لبدايات العمل في مناجم فوسفات قفصة ومن الاستعمار الفرنسي.“

وتابع ”فبينما كانت الرواية الأولى تصرخ في وجه المستعمر المباشر لتونس ضد القهر والظلم ... فإن هذه الرواية تعيد الصرخة بصوت أعلى ولكن هذه المرة ضد الفقر والتهميش والحقرة (الاحتقار) لمدن المناجم على مدى أكثر من نصف قرن.“

ودرغوثي (60 عاما) قاص وروائي ومترجم ولد بولاية توزر عام 1955 ويشغل منصب نائب رئيس اتحاد الكتاب التونسيين وصدر له عدة مؤلفات في القصة القصيرة منها (النخل يموت واقفا) و(الخبز المر) و(رجل محترم جدا) وروايات (الدراويش يعودون إلى المنفى) و(القيامة الآن) و(شبابيك منتصف الليل) و(أسرار صاحب الستر) و(وراء السراب قليلا) و(وقائع ما جرى للمرأة ذات القبقاب الذهبي) و(الطفل العقرب).

وتأتي المشاهد السردية في الرواية في شكل لقطات أو فصول صغيرة عددها 39 فصلا تبدو منفصلة لكنها في الواقع مرصوصة كقطع بنيان ”يشد بعضه بعضا“.

والرواية تحاكي يوميات انتفاضة سكان الحوض المنجمي إبان حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي وما عانوه من محن ووحشية في مواجهة ”جند السلطان“.

وبدأت الرواية بأصوات نباح توقظ الراوي كل ليلة ”نباح أجش كنباح كلاب الجحيم يدوي في الغرفة حتى أخاله يأتي من تحت سريري.“

والرواية كاشفة للمناورات وفاضحة للمؤامرات التي حيكت ضد سكان المناجم وتحتفل بصمودهم في وجه النظام السلطوي الذي ”نهش ” آمالهم وأحلامهم في الحياة عندما نبشوا بأيديهم الأرض ”فجنى هو الفوسفات“ ولم يغنموا هم سوى الفتات.

ويقول في الفصل الثاني الذي جاء بعنوان (طيور الأبابيل) ”كانت الكلاب جاهزة وكانت الكلاب متحفزة وتنتظر أن تفتح لها الأبواب فانطلقت كمردة الجان في كل الاتجاهات تقتفي أثر أصحاب الحجارة تعض وتنهش وتركب الصغار والكبار. لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر.“

استدعى الكاتب عالم الجن والشياطين وطلاسم السحرة وتعويذات الشعوذة وحكايات من الخرافة الشعبية وقصص من القرآن والسير الإسلامية وبلغة راوحت بين سجع المقامات وأسلوب الرواية الحديثة لتضفي سحرا على الأجواء الغرائبية للرواية.

وفي (كلاب الجحيم) يحارب الجن جانبا إلى جنب مع السكان المنتفضين يحذرهم من غزوة ”عساكر السلطان“ ويؤجج الاحتجاجات بل إنه حتى يصاب بالرصاص وتنزف دماؤه.

”وصل سمحون الرئي (جن يُسمع ولا يُرى) إلى المتلوي وهو ينزف فقد (أصيب) في رجليه الاثنتين وفي واحد من أجنحته بشظايا قنبلة يدوية ألقيت عليه وهو يتجسس على السيارة التي نقلت الموقوفين من الرديف إلى سجن قفصة.“

وبعد أن كانت الكلاب في بداية الرواية وحوشا تثير الخوف والرعب انتهى بها الأمر أمام ميتة بملابسات مريبة لا يعرف فيها الفاعل أو صاحب البيت الذي دفنت فيه.

ويقول في الفصل الأخير الذي جاء بعنوان (صاحب البيت) ”ينبشوا أرضها ويبعثروا عرضها حتى تزلزل هذه التربة زلزالها وتخرج أثقالها ففعلوا فعل المكره عن نبش القبور قبل النفخ في الصور فاكتشفوا عددا من بقايا الكلاب لا يحصي عدها إلا بيطري السلطنة الأكبر أو الملك الأحمر.“

ويتابع ”فتجمع خلق كثير أمام منزل الموت والكل يسأل عن صاحب البيت.“

وقال درغوثي لرويترز ”تحكي رواية كلاب الجحيم انتفاضة الحوض المنجمي لكن بأسلوب فانتازيكي (خيالي) غرائبي مزج بين الواقعي والعجيب وليس بأسلوب الواقعية الاجتماعية.“

وأضاف ”هي رواية الأرض ..أرض تنبت ذهبا لكن ناسها يموتون من التهميش والقهر والظلم والأمراض. ليس بأسلوب مباشر بل امتزج الواقع بالغرائبي بحضور الجن والشعوذة والسحر والتراث القصصي العربي الإسلامي.“

ويتابع ”الكلاب في الرواية تحمل بعدا واقعيا بعد أن استعمل النظام وقتها الكلاب لقمع الانتفاضة إضافة إلى مدلول رمزي يحيل على رأس المال المتكالب على السلطة والثروة.“

وسبق أن حاز درغوثي عددا من الجوائز والتكريمات من بينها جائزة الطاهر الحداد في القصة القصيرة عام 1989 وجائزة (الكومار الذهبي) لجائزة لجنة التحكيم عام 1999 عن مجمل أعماله الروائية وجائزة (الكومار الذهبي) لأفضل رواية تونسية عام 2003 عن رواية (وراء السراب قليلا) وجائزة المدينة للرواية عام 2004 عن رواية (مجرد لعبة حظ) وجائزة القدس الكبرى للقصة القصيرة في أبوظبي عام 2010 .




تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...