ثقافة شعبية فؤاد البيدوري - جيلالة.. عميقًا في جذور الموسيقى المغربية

“بعدما انتهينا من تناول الطعام وجلسنا للاسترخاء بعض الوقت، بدأت الفرقة الجيلالية بعزف أغنية تدعى سيدي ميمون، نهضت من مكاني وبدأت الرقص ببطء. في البداية، كنت أقوم بذلك فقط من أجل متعتي الخاصة. إلا أنني أُخِذت رويدًا رويدًا حتى شعرت في النهاية أنني انفصلت عن جسدي. ثم لم يعد لدي فرق بين وجود الحاضرين وغيابهم، أو بين الضوء والظلام، أو حتى بين الشيء وعدمه، لكني استمريت في سماع موسيقى وكلمات الأغنية. لم تكن النايات والبنادير تنتج موسيقى فحسب بل تنطق كلمات. وقف المقدم وسلمني سكينًا، التقطته يدي ثم واصلت الرقص” وصف جوش شوميك لتجربة الجذبة ‎

إنّ جيلالة إلى حد بعيد الطريقة الأكثر غموضًا وإثارة للحيرة في المغرب، ورغم ذلك فإنّ الوصف البسيط أعلاه يُقرّبنا أكثر من عالم جيلالة الغامض؛ إذ يزودنا بكل العناصر الضرورية للبدء في تفكيك هذه الممارسة الروحانية: موسيقى وكلمات ورقص وجذبة. سأقدم بإيجاز هذه العناصر في محاولة لإعطاء لمحة عن هذه الطريقة المثيرة للاهتمام. إن الدراسات الموسيقية الإثنية همّت طرقًا مغربية كثيرة، إلا أنها لم تتناول جيلالة بالدرس الكثير، وباستثناء أطروحة واحدة وبعض القصص هنا وهناك، فإنه لا توجد دراسات شاملة مكتوبة عن جيلالة. لذلك سأعتمد بالأساس على تجاربي الشخصية لبلورة مقدمة أولية عن هذه الطريقة.

لابد كذلك أن أشير، قبل التطرق إلى الموضوع في صلبه إلى عدم إمكانية حصر جيلالة في المغرب فحسب، إذ هناك مجموعات موسيقية في الجزائر وحتى في تونس شبيهة بجيلالة من حيث الطقوس والآلات التي تعتمد عليها، أي القصبة (الناي) والبندير. يمكن إلى حد كبير مقارنة الامتداد الجغرافي لجيلالة بالموسيقى ذات الجذور الإفريقية التي تحمل تسمياتٍ مختلفةٍ باختلاف المناطق الجغرافية التي تتواجد فيها، أي كناوة بالمغرب والديوان بالجزائر والسطمبالي بتونس. ونظراً لشح المراجع حول هذا الموضوع سأكتفي بتقديم جيلالة المغرب.

عناصر تاريخية

يُعرِّف جيلالة أنفسهم بالصوفيين على الرغم من اعتراض طوائف مغربية أخرى على هذا التعريف، وذلك لكون الحضرة الجيلالية تتضمن طقوسًا تبدو بدائية ولا تمت للصوفية بصلة، حسب هذه الطوائف. تعود جذور جيلالة إلى الولي عبد القادر الجيلاني، الذي ربما أخذت هذه الطريقة اسمها عنه، ومن المحتمل أنّ تحريفًا لغويًا لكنيته أدى إلى التسمية المتداولة لجيلالة. يوصف عبد القادر الجيلاني بكونه شخصية كاريزماتية، فهو مؤسس الطريقة القادرية ذائعة الصيت. عاش في بغداد بين حوالي ١٠٧٨م و١١١٦م، ويُخمَّن أنه لم يزر المغرب قط خلال حياته. إذا كان الجيلاني، كما تُصرّح فرق جيلالة، المؤسس الأصلي لها، فهذا يجعل منها أقدم الطرق المغربية. بيد أنّ جذور موسيقى جيلالة قد تعود إلى أقدم من ذلك بكثير، نظراً لاعتمادها حصرًا على البندير والقصبة اللتين كانتا موجودتين في الحضارات القديمة، كالحضارة اليونانية وحتى الفرعونية، ويكون من الصعب على هذا النحو استثناء المغرب كليًا من تأثير هذه الحضارات.

لا ينبغي النظر إلى جيلالة ككيان ثابت، بل كامتداد لموسيقى تقوم بالأساس على آلتين بسيطتين، هما القصبة والبندير. ورغم أنها تنتشر في مختلف مناطق المغرب، فقد ظلت هذه الموسيقى على مر العصور هامشية وبلا أي مكانة رسمية. قد يرى البعض في المجموعات الجيلالية، في مختلف مناطق المغرب، أنماطًا موسيقية مستقلة عن بعضها نظرًا للتنوع الموسيقي والطقوسي الذي يطبعها.

إنّ هذا التنوع ينتج غالبًا عن تكيفات محلية للطريقة، ولتأثرها بالتقاليد والثقافات في عدة مناطق مغربية، وكذلك نظرًا لتأثرها بطرق أخرى؛ فالطرق المغربية معروفة بانفتاحها على بعضها البعض، وكثيرًا ما تتفاعل فيما بينها، فمثلًا تنهي الطريقة العيساوية حضرتها بمقطع إيقاعي مستعار من جيلالة، كما تعزف هذه الأخيرة قطعًا موسيقية (وَجْبَاتْ) مستعارة من حمادشة وعيساوة وكناوة وغيرها.

وليس هنالك أدنى شك في أن جيلالة متربطة أكثر بكناوة، فهما تشتركان معًا في وظيفة اجتماعية وطقس متشابه للغاية، أي طقس المعالجة بالموسيقى. مثل كناوة، يمكن اعتبار طقس جيلالة نوعًا من التوفيق بين المعتقدات، عبر دمج مجموعة من تقاليد ونظم ومعتقدات وثنية وإسلامية، أمازيغية وإفريقية وحتى يهودية، نظرًا لتواجد اليهود في المغرب لما يقارب ٢٠٠٠ سنة ووجود ملوك يهود في طقوسهم كما هو الشأن بالنسبة لكنواة .

طقس الحضرة هو الذي من خلاله يصل المجذوب، أي المتصوف، إلى حالة الجذبة أي التقرب من الحقّ الإلهي. والطقس هو علاج موسيقي أو نوع من الشعيرة الشامانية، وهذا ما سأحاول تحليله باستفاضة من خلال الأجزاء التالية.

آلات بسيطة وموسيقى معقدة

إنّ طقس الحضرة عبارة عن جلسة علاجية تشجع الحاضرين والحُضَّار على تحريك أجسادهم، والرقص بجنون للوصول إلى حالة وجدانية عنيفة، تنتهي بانعتاق من الجسد المادي. وحتى يصبح ذلك ممكنًا، تستخدم جيلالة آلات يرجع صداها عالياً مثل البندير، أو تلك التي تثير شعورًا بالحنين وتقدر على مخاطبة ما يعرف بـ العالم اللامادي، مثل صوت القصبة وغناء البنادري (عازف البندير). لا تستخدم القراقب، وهي آلات مثل الصنوج، إلاّ في بعض الوجبات (قطع موسيقية) لاستجداء حماية ملوك كناوة من الجن أو الأرواح. ومن اللافت حقًا قوة الصوت والتعقيد الموسيقي المنبثقين عن هذه الآلات البسيطة: البندير إطار خشبي دائري مغلف من جهة واحدة بجلد الماعز، يُشد الإطار قطريًا بحبلين أو ثلاثة متصلين بالجلد، منتجًا صوتًا يشبه الأزيز. ويستخدم ثقب في الإطار لإحكام الآلة عبر وضع الإبهام داخله. عادة ما يُقرّب البنادري آلته من وجهه لاستخدامها كمضخم صوتي أثناء الغناء، ومن الممكن أيضاً أن يستخدم القصاب (عازف القصبة) البندير كمضخم صوتي من وقت لآخر عبر توجيه صوت القصبة نحو مركز البندير، وعادة ما يُستخدم البندير في زوج أو زوجين مصحوبة بقصبتين وأحيانًا ثلاث قصبات.

أمّا القصبة، وتدعى أيضًا عوادة، وهو اسم لم يعد متداولاً حاليًا، فهي قطعة من القصب تحتوي على ست فتحات، على عكس الناي الذي يحتوي على سبعة، وهي شبيه بالكولة المصرية. تعالج القصبة بالماء وزيت الزيتون في أوقات معينة من السنة لتعزيز طول عمرها، ولحمايتها من ضرر الاستعمال المتكرر. وعادة ما تُزيّن القصبة بسلسلة من حلقات الألمنيوم لتقوية بنيتها، ويصنع القصاب قصبته الخاصة مستخدمًا يديه وأصابعه كوحدات قياس لتموضع كل فتحة. يمكن اعتبار هذه العادة في القياس ميزة تغني التنوع الموسيقي، إذ تكون كل قصبة فريدة من نوعها نظرًا لعدم استخدام وحدات دقيقة للقياس، كما تكون القصبة متناسبة مع أصابع القصّاب لا العكس، كما هو الحال مع الآلات الموسيقية المعيارية. عندما يعزف ثنائي القصّابة – وهي تسمية عازفي القصبات بالدارجة المغربية – بانسجام، يكون عليهما أن يضبطا ليس فقط مواضع أصابعهما على الفتحات، بل كذلك إحكام كمية الهواء التي يمررانها عبر القصبة لعزف النغمة نفسها.

هناك ثلاثة أنواع رئيسية من القصبات: العشارية، وهي ذات نغمة منخفضة تتواجد بالأساس في شمال المغرب (جيلالة طنجة)، والوْسَّاطية وهي ذات نغمة متوسطة، والكرطيطة وهي ذات نغمة عالية. تختلف هذه القصبات فيما بينها من حيث الحجم والقُطر، ومن حيث عدد العقد فوق قطعة القصب وموضع الثقوب. تُعزف القصبة بشكل مائل تقريباً، مثل الناي، وتكون مفتوحة الطرفين. إنّ كمية الهواء التي تمرر عبر هذه القصبات مذهلة، وينفخ فيها الهواء على نحو يذكر بالغناء؛ هذا ما قد يجعل نغمة القصبة توحي بالصوت البشري، ما يوصف أيضًا بأثر الـ”وا وا”، كما قد يصفها الكثير من الناس بـ لغة القصبة. عندما سألت مرّة أحد المقدمين، اسمه محمد وهو قائد مجموعة جيلالية سيدي عيسى، حول هذه النغمة المميزة، أجابني قائلا: “القصاب الذي لا يستطيع جعل القصبة تتكلم ليس بقصاب!”.

لكن لماذا اعتمدت الطريقة الجيلالية في علاجها بالموسيقى على عزف القصبة؟ يبقى الاستفسار مطروحًا، بيد أن من بين الاحتمالات الكثيرة والممكنة للإجابة كما اقترح بوشي هو قدرة القصبة بلغتها الغامضة على التواصل مع “قوى الغيب”. تصنف القصبة في موسوعة إخوان الصفا ضمن عالم غير المفهوم، جنبًا إلى جنب مع أغاني الطيور، أصوات الحيوانات وأصوات طبيعية أخرى. بالنسبة لبوشي، بما أن كل هذه الظواهر الصوتية بالإضافة إلى الآلات النفخية يعتبر من الصعب على الإنسان إدراكه، فمن الممكن أن نرى كيف لآلة القصبة عند جيلالة أن تربط العالم المرئي بغير المرئي، إذ تصبح آلة مثالية لمخاطبة “الجن والأرواح”.

وباستثناء رعاة الغنم ربما، فمنذ أن أصبح الإسلام ديانة مهيمنة شجب دكاترة الشريعة الدينية القصبة وأي آلة نفخية أخرى بحدة. ومع أن القصبة قد تبدو عبارة عن قطعة قصب هشة وبسيطة، إلا أنها تمكنت من إيجاد ملاذ لها عبر القرون ضمن طقوس روحية مختلفة في العالم الإسلامي.

إلى جانب القصبة يعتبر الغناء من أهم المكونات الأساسية للحضرة خلال الذكر، أي فعل ذكر اسم الله والأولياء الصالحين، وهو الجزء الأول من طقس الحضرة ويستغنى عنه في غالب الأحيان. يكون طابع الصوت هادئً نسبيًا، لكنه يتغير خلال الجزء الثاني من طقس الحضرة ليصبح قاسيًا وحادًا وذي نغمة عالية كما لو أن المغنين يقومون بجهد غير إنساني لمخاطبة العالم اللامرئي. ولعل الطاقة الهائلة التي تستخدم في ذلك الجهد، والتي يمكن سماع موسيقاها على بعد كيلومتر أو أكثر دون جهاز تضخيم صوتي، توظف رمزيًا لاستجداء حماية الأولياء الصالحين مثل عبد القادر الجيلاني ومولاي براهيم طير لجْبال وآخرين لإغواء الملك وجذبه، أو إضعاف الملك أو الجن الذي يسكن المجذوب خلال الحضرة حسب الاعتقادات.

المجذوب |الكوندكتر الرمزي للفرقة

يمكن اعتبار الحضرة كجزءٍ ثقافيٍ مهم من البنية الاجتماعية المغربية. فطقوس كهذه كانت تستخدم لتخفيف آثار الصراعات القبلية أو الصدمات النفسية الناتجة عن كوارث طبيعية كالفيضانات والأوبئة. أثناء الحضرة يكون المجذوب أثناء تجربته الوجدانية العنيفة مقبولاً تمامًا من طرف الحضور. فلقد خلقت التقاليد المغربية وغيرها نظمًا في الفكر والتصور تحمي المريض وخاصة المريض العقلي من أن ينظر إليه بنظرة ازدرائية، لذلك كلمة المجذوب قد تعني الصوفي أي الشخص المنجذب بالروح الإلهية وليس بالضرورة المريض أو المريض العقلي.

غالبًا ما اعتبر الباحثون الأوروبيون في علم الباثولوجيا بشمال أفريقيا المجذوب كإنسان بسيط العقل. بالنسبة للصوفيين، كان يُنظر إلى المجذوب بطريقة مغايرة تماماً. فبالنسبة لهم، اختير المجذوب من قبل الخالق للوصول إلى حالة روحانية دون جهد كبير، ولا حاجة له للمرور بعدة اختبارات للوصول للحالة الروحانية الأسمى: الوحدة. ولأنه يستطيع الوصول إلى هذه الحالة الروحانية مصانًا بنوع من القداسة، أصبح المجذوب بالنسبة للعرف الصوفي الولي الذي يقود الرجال بمعجزته ونصيحته وبركته، كسيدي عبد الرحمن المجذوب، المثال المعروف في المغرب.

عندما تبلغ الحضرة ذروتها، يعزف ثنائي القصبات والبنادير بقوة بينما يحاول صوت البْنادري استجداء الحماية من الأولياء الصالحين واستدعاء قوة أرواح الأسلاف. أثناء بعض الوجبات يقف أعضاء فرقة جيلالة محيطين بالمجذوب للتواصل معه عبر حوار لغته الموسيقى. يوجه عازفو القصبات أطراف قصباتهم باتجاه أذن المجذوب، ويغني عازفو البندير عاليًا بصوتٍ قاس وحادّ في آذانه أيضًا. لا يستطيع عازفو القصب إبقاء أعينهم مفتوحة كليًا باستمرار بسبب حالة عقولهم النصف واعية نتيجة للتنفس الدوري وموسيقى القصبة. في هذه الأجواء يصبح المجذوب قادرًا على سماع موسيقى الآلات والأصوات واستيعابها كلها. إنهم بذلك يناشدون المجذوب بلغة مبهمة للوصول لحالة الإدراك القصوى تحت حماية الأولياء الصالحين والموسيقى لتختفي الحدود بين الواقع والخيال. ويقع الاندماج بين العالم المرئي واللامرئي لتتحقق الوحدة.

في هذه اللحظات يصبح المجذوب نوعًا ما كمرشد لفرقة جيلالة، فيكون رقصه وحركات جسده وصياحه إشارات منه يفسرها العازفون باعتبارها دعوة لتسريع الإيقاع أو لاقتراب القصبات من آذانه (للاستزادة الطلاع على مقال علاء زويتن). من الممكن أيضًا للمجذوب أن يقاطع أحد عازفي البندير أو القصبة إذا لم يكن راضٍ عن أدائهم. فمن منظور العلوم العصبية يمكننا فهم كيف للموسيقى أن تثير حالة ذهنية كهذه. من ناحية أخرى رغم معرفتنا إلى حد ما بتأثير الموسيقى على دماغ الإنسان وعقله تبقى الرقصة الوجدانية والعنيفة للمجذوب محيرة للغاية. عندما يدخل المجذوب في حالة الجذبة فإنه لا يشعر بأي ألم جسدي، وإيذاء النفس أمر شائع أثناء هذه الطقوس. بعض المجاذيب باستطاعتهم الرقص على النار وحتى الزجاج خلال طرح ولاد خليفة، وهو ملك يمثل مقاومة قبيلة وْلاد خليفة شمال المغرب أثناء فترة الاستعمار، أو أكل الجمر والصبار. أثناء الحضرة تكون هذه الممارسات الشعائرية تحت إشراف وسيط أو شوافة، وهي غالباً امرأة لديها بعض المعرفة بالتنجيم، والمقدم أي قائد جيلالة الذي غالباً ما يكون عازف القصبة.

جيلالة اليوم

حتى بوجود عدة فرق لا تزال تمارس طقوس جيلالة، إلا أن أغلبها فقدت معرفتها بتقاليد الأسلاف الذين يصعب جدًا إعادة تشكيل تاريخهم. في هذا العدد، هناك مقال لعلاء زويتن يعطي مقدمة لواحدة من مجموعات جيلالة الأخيرة التي تحاول الحفاظ على تقاليد أسلافها.

من وجهة نظر معاصرة، تبدو عدة جوانب من طقوس الحضرة الجيلالية على أنها بدائية إن جاز القول. لكن من وجهة نظر علمية يجب دراسة هذه الموسيقى وطقوسها التي هي على وشك الاندثار لنفهم كيف تطورت وإلى أين تعود أصولها، وماذا يمكننا أن نتعلم منها في غياب أي أحكام أخلاقية أو تبسيطية مسبقة.

لقد لعبت الطرق الصوفية لعدة قرون دورًا أساسيًا في التنظيم السياسي والاجتماعي للمغرب، وغالبًا ما كانت في صراع مع النظام القائم، كما استُخدِمت من طرفه لاستيعاب الصراعات الاجتماعية. ففي أواخر الستينات سهل النظام السياسي المغربي تأسيس حركات إسلامية متشددة في محاولة للتصدي للحركات اليسارية التي كانت تحارب طبيعة نظام الحكم. هذه النظرة الصارمة للإسلام هي واحدة من العوامل التي سرعت انحدار مكانة جيلالة في المجتمع المغربي، إذ نبذت بقوة الأولياء المحليين الذين كان جيلالة يستمدون البركة منهم، كما حاربت طقوس الحضرة على أنها أساس نظم اعتقادات أصولها وثنية تحرمها الديانات التوحيدية. من المؤكد أن العولمة قد أدت هي الأخرى دورًا أساسيًا في تلاشي موسيقى جيلالة وطقوسها إذ تكون لها عواقب في تجنيس الثقافات التقليدية.

عندما نستمع إلى بوليريا لكامارون دي لايسلا، أو ارتجال لسكسفون جون كولترين أو أورنيت كولمان تبدو موسيقاهم كما لو أنها جهود خارقة للتواصل مع جذور أسلافهم. إنّ جيلالة، كما هو الشأن بالنسبة للموسيقى التقليدية في مختلف الحضارات البشرية، بمثابة قطع موسيقية تجريبية تراكمت عبر الأجيال لا تنتمي لأحد، وبحاجة ملحة لدراسات علمية جدية ومتعددة التخصصات.

أتوجه بالشكر لكل من علاء زويتن وأيوب المزين وعبد الكبير البيدوري ولورن فينكا على آرائهم واقتراحاتهم أثناء كتابة هذه المقالة.


المراجع والملاحظات:

(١) Le rituel thérapeutique de la “hadra” dans la confrérie marocaine des Lilala a El Jadida / Abderrahim Lahmer ; sous la direction de Georges Lapassade.

(٢) Musicophilia: Tales of Music and the Brain (2007) ISBN 978-1-4000-4081-0.

(٣) Raine-Reusch, Randy (2010). Play the World: The 101 World Instrument Primer. Pacific, MO.: Mel Bay Publications. p. 85.

(٤) يتطلب هذا الموضوع دراسات متعمقة، وجاءت هذه الفكرة أثناء نقاش مع الأستاذ عبد الكبير البيدوري وظننت أنه من المهم الإشارة هنا إلى أنه يجب أيضاً التطرق إلى جذور الموسيقى التقليدية في إطار تاريخي وتطوري كما تسمح به الأدوات التقنية التي نتوفر عليها حاليا في المجال العلمي.


سبتمبر/أيلول 20, 2017



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...