خالة نظيمة الغجرية التى لا نعرف لها بلدا، ولا نتذكر متى دخلت بلدتنا. تلف فى حوارى القرية الضيقة، تحمل فوق رأسها أسرار البيوت بل أسرار العالم بأسره فى قُفَّة صغيرة تحملها فوق رأسها. تظن حين ترى تلك القفة بأنها فارغة لأنها تبدو خفيفة (لدرجة أنه ) يذهلك محتواها (بالنسبة لكونها جرابا لحاوي)! تلف خالة نظيمة وتنادى:
- (أدج واطاهر).
كانت تقوم بطهارة البنات وتدق الوشم لمن يريد، وكانت هناء تلك الطفلة التى أتى بعدها أربعة من الصبيان لا تعرف من هناء الدنيا سوى إسمها. كانت البنت آنذاك وظيفتها خدمة البيت بأكمله، وإذا أرادت التعليم فعليها أن توفق بينه وبين البيت بطريقتها. وهناء تحديدا كان وضعها أكثر صعوبة؛ فهى ابنة لأم قوية الشخصية والعزيمة، تخشى أن تبتسم فى وجه ابنتها حتى لا تفسد أخلاقها. كانت تخشى عليها من نسيم الهواء الطائر، وفوق كل هذا كانت هناء تتمتع بجمال ملفت وجسد ممشوق .... هيفاء... تظنها أكبر من سنها. لم تتذمر هناء من عيشتها التى إعتادت عليها ولا كَلَّتْ يوما، بل إنها لم تتخل فى نفس الوقت عن براءة طفولتها. ذات صباح سمعت هناء وهى تنشر الغسيل فوق سطح الدار صوت خالة نظيمة وهى تلف وتنادى (أدج واطاهر)؛ تركت الغسيل وجرت نحو السور الصغير وندهت من فوق السطح:- خالة نظيمة خالة نظيمة تيجى تطهرينى!
نظرت خالة نظيمة لأعلى وقالت:- لها وماله يا حبيبتى. دخلت خالة نظيمة الدار ونزلت إليها هناء تكر درجات السلم كراً وأخذت خالة نظيمة إلى لغرفة بالمنزل، سألتها خالة نظيمة عن أمها، فأخبرتها بأن أمها عند ستها وزمانها جاية.
دخلت خالة نظيمة وكشفت على هناء ثم نظرت إليها وقالت:- لساكى صغيرة عام ولا عامين ونطاهرك.
حزنت هناء لسماع الخبر، فهى لم تكن تريد من وراء هذا الفعل سوى لبس الجلابية الجديدة مثل سعدية بنت ابو السعود اللى طاهروها من أسبوعين، وذهبت لتراها راقدة تدللها أمها كأنها عروس وتؤكلها فى فمها، وهذا الشىء لم تعرفه هناء فى حياتها، لم تر من أمها سوى القسوة، لم تعرف معنى للراحة أو الدلال، لا تعرف سوى الخوف والرعب من عقاب أمها.
ذهبت خالة نظيمة لتكمل رحلتها وظلت هناء تواصل دورها فى الحياة دون إجازة أو راحة حتى هذا اليوم الذى استعدت فيه كالعادة للذهاب لغسل مواعين الدار فى المشروع. أحضرت صينية العشاء الكبيرة ورصت عليها المواعين وحملتها فى خفة فوق رأسها ، وذهبت للمشروع مثل بقية بنات ونساء القرية اللاتي لم تكن المياه الجارية تعرف الطريق إلى بيوتهن.
كانت تغسل وترص فوق الصينة، لمحت خالة نظيمة تمر بجوارها وتنادى كعادتها:أدج واطاهر. نادت عليها دون إدراك منها:
- خالة نظيمة، خالة نظيمة، أنا كبرت أهو، تيجى تطهرينى بجا !..
نظرت إليها نظيمة وقالت:
- وماله يا ضنايا!
حملت هناء الصينة وأخبرت نظيمة أن تسبقها لدار ستها هنومة حتى تضع المواعين فى الدار وتخبر أمها. جرت إلى الدار، وضعت الصينية وخرجت تجرى فرحة كمن لم يفرح من قبل، نظرت إليها أمها فى تعجب ونادتها:
- رايحة فين بت؟
ردت هناء وهى تجرى
:- رايحة عند ستى خالة نظيمة هاتطاهرنى!
ومرت هناء فى طريقها على بيت عمها وقالت له:
- آبا توفيج، خالة نظيمة هتطاهرينى فى دارستى، خلى زينب تيجى تطاهر معايا!
وبالفعل لم يكدب عمها خبر، ولكن زينب كانت قد سمعت؛ جرت هاربة؛ وأبوها يجرى وراءها حتى أمسك بها وذهب إلى دار هنومة. كانت وقتها هناء خارجة لتوها من مقصلة نظيمة تصرخ بعزم ما بها من قوة وتنظر لزينب إبنة عمها وتقول:
- إلحجى أختك يا اختى !
وترد عليها زينب:
- إلجحى إنتى أختك يا اختى !
أنهت نظيمة مهمتها، وجمعت عالمها داخل قفتها وأخذت معها طفولة هناء إلى الأبد.
- (أدج واطاهر).
كانت تقوم بطهارة البنات وتدق الوشم لمن يريد، وكانت هناء تلك الطفلة التى أتى بعدها أربعة من الصبيان لا تعرف من هناء الدنيا سوى إسمها. كانت البنت آنذاك وظيفتها خدمة البيت بأكمله، وإذا أرادت التعليم فعليها أن توفق بينه وبين البيت بطريقتها. وهناء تحديدا كان وضعها أكثر صعوبة؛ فهى ابنة لأم قوية الشخصية والعزيمة، تخشى أن تبتسم فى وجه ابنتها حتى لا تفسد أخلاقها. كانت تخشى عليها من نسيم الهواء الطائر، وفوق كل هذا كانت هناء تتمتع بجمال ملفت وجسد ممشوق .... هيفاء... تظنها أكبر من سنها. لم تتذمر هناء من عيشتها التى إعتادت عليها ولا كَلَّتْ يوما، بل إنها لم تتخل فى نفس الوقت عن براءة طفولتها. ذات صباح سمعت هناء وهى تنشر الغسيل فوق سطح الدار صوت خالة نظيمة وهى تلف وتنادى (أدج واطاهر)؛ تركت الغسيل وجرت نحو السور الصغير وندهت من فوق السطح:- خالة نظيمة خالة نظيمة تيجى تطهرينى!
نظرت خالة نظيمة لأعلى وقالت:- لها وماله يا حبيبتى. دخلت خالة نظيمة الدار ونزلت إليها هناء تكر درجات السلم كراً وأخذت خالة نظيمة إلى لغرفة بالمنزل، سألتها خالة نظيمة عن أمها، فأخبرتها بأن أمها عند ستها وزمانها جاية.
دخلت خالة نظيمة وكشفت على هناء ثم نظرت إليها وقالت:- لساكى صغيرة عام ولا عامين ونطاهرك.
حزنت هناء لسماع الخبر، فهى لم تكن تريد من وراء هذا الفعل سوى لبس الجلابية الجديدة مثل سعدية بنت ابو السعود اللى طاهروها من أسبوعين، وذهبت لتراها راقدة تدللها أمها كأنها عروس وتؤكلها فى فمها، وهذا الشىء لم تعرفه هناء فى حياتها، لم تر من أمها سوى القسوة، لم تعرف معنى للراحة أو الدلال، لا تعرف سوى الخوف والرعب من عقاب أمها.
ذهبت خالة نظيمة لتكمل رحلتها وظلت هناء تواصل دورها فى الحياة دون إجازة أو راحة حتى هذا اليوم الذى استعدت فيه كالعادة للذهاب لغسل مواعين الدار فى المشروع. أحضرت صينية العشاء الكبيرة ورصت عليها المواعين وحملتها فى خفة فوق رأسها ، وذهبت للمشروع مثل بقية بنات ونساء القرية اللاتي لم تكن المياه الجارية تعرف الطريق إلى بيوتهن.
كانت تغسل وترص فوق الصينة، لمحت خالة نظيمة تمر بجوارها وتنادى كعادتها:أدج واطاهر. نادت عليها دون إدراك منها:
- خالة نظيمة، خالة نظيمة، أنا كبرت أهو، تيجى تطهرينى بجا !..
نظرت إليها نظيمة وقالت:
- وماله يا ضنايا!
حملت هناء الصينة وأخبرت نظيمة أن تسبقها لدار ستها هنومة حتى تضع المواعين فى الدار وتخبر أمها. جرت إلى الدار، وضعت الصينية وخرجت تجرى فرحة كمن لم يفرح من قبل، نظرت إليها أمها فى تعجب ونادتها:
- رايحة فين بت؟
ردت هناء وهى تجرى
:- رايحة عند ستى خالة نظيمة هاتطاهرنى!
ومرت هناء فى طريقها على بيت عمها وقالت له:
- آبا توفيج، خالة نظيمة هتطاهرينى فى دارستى، خلى زينب تيجى تطاهر معايا!
وبالفعل لم يكدب عمها خبر، ولكن زينب كانت قد سمعت؛ جرت هاربة؛ وأبوها يجرى وراءها حتى أمسك بها وذهب إلى دار هنومة. كانت وقتها هناء خارجة لتوها من مقصلة نظيمة تصرخ بعزم ما بها من قوة وتنظر لزينب إبنة عمها وتقول:
- إلحجى أختك يا اختى !
وترد عليها زينب:
- إلجحى إنتى أختك يا اختى !
أنهت نظيمة مهمتها، وجمعت عالمها داخل قفتها وأخذت معها طفولة هناء إلى الأبد.