محمد عيد إبراهيم - مُعلقة الثـدي

سَهرانُ مع ثديكِ
معَ ذراعكِ حتى الفَخذِ، طولياً،
كنصفِ حُدودِ جُغرافيّتي،
حولَ أيقونةٍ، مُعلّقةٍ، هي رِزقيَ الأحمرُ [1].
■ ■ ■
ثديكِ غَيمٌ فيهِ بُنيٌّ مِن غروبِ الشمسِ،
ثديكِ سَمكةٌ، بجَناحٍ شفّافٍ، تدرّبهُ امرأةٌ [2]
على الطيرانِ، وأخرى تستعدّ لدَورها
أن يمتثلَ لجَوادٍ على رقَبتهِ،
■ ■ ■
فلورُنْسْ پْوَارِي «نهدان» (أكريليك على قماش)

مُعانِدٌ ثديكِ [3]، فلا هو يقفزُ أو يطيرُ،
ثديكِ يستلينُ، ولا جِسمَ لهُ،
ثديكِ رأسٌ في الفضاءِ وأنفهُ نَحلةٌ
تستَشِمّ حليبَ صَبّارٍ، وتتشَفّى.
■ ■ ■
ثديكِ بطنُ دَجاجةٍ، خَمَشَهُ رجُلٌ [4]
سَقَطَ من حالقٍ، وهو ينظرُ للوراءِ،
لا يضحَكُ، رجُلٌ كلّه عينانِ، ووَجهٌ
مُعَفّرٌ، منبَسِطٌ، تحتهُ نيرانٌ أَكَّالةٌ.
■ ■ ■
ثديكِ ضَبعٌ، برأسِ عُصفورٍ،
ومَفطومٌ، بمَفرِقِ طُرقٍ، سائغٌ للجائعين:
يبصرُ بنورهِ العَمايةَ
ويرشِدُ بهُداهُ الغِوايةَ [5].
■ ■ ■
ثديكِ مُثمرٌ، رَطِبٌ ومَفلوتٌ، قد يقَع
في الماءِ [6]، ... والماءُ، حديقتهُ الليليةُ،
ثديكِ المتزيّنُ بالصّمتِ، حَشوهُ وَردٌ،
عذبُ اللّسانِ، وثمةَ نَعناعٌ في الهواءِ.
■ ■ ■
ثديكِ بَدِينٌ ساخِرٌ، شَحمهُ في
لَحمهِ، يترامَى، وهو يرضَعُ أحلامَ
دُنياهُ [7]، ثديٌ مائلٌ أصلاً في الهواءِ، يُرَى
فيهِ كائنٌ، بحِجابٍ، يصارعُ ما لا يَرى.
■ ■ ■
على ثديكِ ريشٌ، برائحةِ اليَنسُونِ،
معَ خَطٍّ خَفيفٍ من اللّيمونِ، لكن
بطَعمِ الحُصْرُمِ، لكأنهُ مِن وَحيٍ [8] قديمٍ،
بغَطِيطِ رَضِيعٍ، جنبَ فَوَحانِ سُنبلَةٍ.
■ ■ ■
ثديكِ امرأةٌ تتَمَطّى، وفي بطنها
جَنينٌ، يتقافزُ إلى أعلى [9]، خِشيةَ
الذئبِ في أسفلِ الرُّقعةِ، وسطَ
سَحاباتٍ سُودٍ، كَمَن ينتظر مَدَداً.
■ ■ ■
ثديكِ امرأةٌ تصعَدُ سُلّماً [10]، بآخرهِ رجُلٌ،
رجُلٌ يَهيمُ بالمرأةِ، كانَ على هيئةِ سُلَحْفاةٍ،
بقَرنٍ، يرقُبُ أن تسقُطَ المرأةُ... وبعدَ لُهاثٍ،
من مُطلَقِ الفِيزياءِ، خارَ، وكلّ ما جُمِعَ تفَرّقَ.
■ ■ ■
ثديكِ مَحلوقٌ، ومَحروقٌ، بلَوعَتهِ [11]،
إن ثديكَ من قَوسِهِ مَسنونٌ، لا عليهِ
إن حَطّمَ أو تحَطّمَ أو بالَ على نفسهِ
شَغَفاً، من رجُلٍ مالَ، في فَمهِ بَقّةٌ.
■ ■ ■
ثديكِ الملِكُ الغَشُومُ [12]، نحاربُ ضدّه،
لكن لينتَصِرَ، على رغمِ أنهُ من هَشِيمٍ،
نطوفُ منهُ، عليهِ، حَواليهِ زَهَرٌ مَغليٌّ
بدماءٍ، إلى أن نتطايرَ ، في بطنِ السماءِ.
■ ■ ■
ثديكِ في بِركَةٍ، ضدّ مَن يقفِزونَ،
وثديكِ جِلبابٌ منفوخٌ، مِنهُ شاطحٌ
ولَحِيمٌ [13]، بمُسَطّحِ كائناتٍ، جنَبها طيورٌ
تحتَشِدُ، أمامَ بومةٍ، خلفَها قمرٌ .
■ ■ ■
هو ثديكِ فرَسٌ [14]، وبينَ قوائمِ الفرَسِ،
رجُلٌ يتنزّلُ كالخَيطِ، بِحَلواهُ، راكِعاً
في كلّ يدٍ سَوطٌ، وثديكِ كالزّنبركِ
بلِسانٍ مَبلولٍ، قُطنُ شَفْرتهِ مِن لَهَب.
■ ■ ■
ثديكِ عينٌ بيضاءُ، في غَوْرِ دائرةٍ،
مَبقورٌ، وسادِيٌّ، كثعبانٍ في خَشَاشِ
الأرضِ، إلى فَخّهِ، كالفَرْجِ المقلوبِ [15]،
بحُبَيْباتهِ، في آخرِ الشِعْبٍ، ينطبق.
■ ■ ■
ثديكِ قامَ [16]، وثديكِ نامَ،
ثديكِ عَارٍ، ملؤهُ قَرابينُ، ودموعٌ،
ثديكِ يهتزّ في مَسرحٍ، وخَجولٌ، معَ
طفلٍ كزيتونةٍ، ورويداً يختفي.
■ ■ ■
ثديكِ جَوهرٌ للموتِ، أزرقُ
في الحقلِ [17] ، أحمرُ في الساقيةِ،
نقيٌّ، ومَهجورٌ، بروحِ بُستانيٍّ
يَفتِلُ كلّ يومٍ زَهرةً في السّحَر.
■ ■ ■
ثديكِ شَجرةٌ، ثديكِ بحيرة 18،
ثديكِ يَهدِلُ منهُ الحَمامُ، وثديكِ
إيقاعُ خَطوٍ ، إذ بنَصْلٍ، في قَفا
مَن حامَ: يَسجُوَ المحلوبُ للحالبِ.

1- «زوابع من نور»، رامبو
2- «بالسُخنِ أحياناً وبالفاترِ»، الوليد بن يزيد
3- «قُبَيل بلوغهِ الثلاثين»، بورخيس
4- «مولاي، أضحى الألم كبيراً»، طاغور
5- «فهَدَيتُهم، فاستَحَقّوا العَمَى»، القرآن الكريم
6- «لا تسقِني سراً»، أبو نواس
7- «لا تتبع الضواري، وإلا قُطِعَ رأسُك»، نصّ مصريّ قديم
8- «الكفرُ واجبٌ عليّ»، الحلاّج
9- «حتى في زحمة السهام»، هوميروس
10- «مِن فمي رَشَفاتٌ»، المتنبي
11- «اصعَد معي، واسْلِم زِمامك»، ميلتون
12- «حاولتُ إيقافَه، فثار»، ساد
13- «لا تتحَوّل من رؤيتي» النفّريّ
14- «ذاتَ دَلٍّ ملِيح»، السّريّ بن عبد الرحمن
15- «في حالةِ الجَزْر»، أوفيد
16- «أنهضُ للثأر ممّن أراد لي الموت»، نصّ مصريّ قديم
17- «اذهَب، بسلامٍ، إذن»، أوريليوس
18- «لا ليلَ داجٍ، ولا بحرَ ساجٍ»، الإمام عليّ



* من ديوان صدر حديثاً: «ربّ على شكل طائر» (منشورات أنا/ الآخر ـ القاهرة، مصر)

* منقولة عن حدار الشاعر محمد عيد إبراهيم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...