( ان الحديد
وان اصبح احمر اللون، فليست الحمرة لونه ،
وماشعاعه الا من نار تصليه)
– نص قديم –
سألتها وانا احاول ان ادعي اللامبالاة متفحصا الفضاء حولنا ، متجنبا النظر الى عينيها مباشرة …..
– مالذي تتذكرينه من تلك الليلة …؟
ازاء نظراتها الحادةالمصوبة نحوي لم استطع ان اكمل السؤال …… لكنها اجابت بسرعة
– كل شيء …
وصمتت لبرهة حينما دهمتها غصة ، وتغير وقع جرس صوتها ..لكنها واصلت بعناد رغم الغصة
– كل التفاصيل ، صدقني حتى الروائح….!
لم اقاطعها لكن صمتها امتزج مع همسات كنت بالكاد اسمعها عبر ارتجاف شفتيها وبقيت صامتا على الاقل لكي اترك فسحة ممكنة للصور ان تتدفق بسرعة ، لكنها بقيت تدور حول المكان ذاته ..
– كيف يمكن ان انسى …
وصمتت ، كانت الغصة خشنة في صوتها ، ولكنها لم تفقد رتابة النبرة اكتفيت بهز رأسي لتشجيعها على الكلام …
– الغصة ذاتها ، لم تزل في فمي مذ حملوه من الحديقة ، حيث رسمت بركة الدم هالة داكنة حول رأسه
– وماذا بعد……..
قاطعتني دون ان تسمع سؤالي…..
– لم يكن وحده الذي كانت حياته تنكمش وتتضائل بسرعة على ارض الحديقة، بل كان جسد ابنتي ممددا قربه….وصمتت
ايقنت اني يجب ان استمع فقط اذ تدفقت كلماتها مشحونة وقوية…
– كان الدم يشخب من ثقوب كثيرة في جسديهما لكن جسده كان مليء بالثقوب اكثر من جسد ابنتي ، وسمعت اصواتا لم اسمع مثلها من قبل ، اصواتا ضاجة تنطلق من الثقوب القرمزية في جسديهما ، لاتشبه ايما صوت سمعته او ( رأيته) …..
حاولت ان اقاطعها ولم افلح في قول شيء ، فرفعت يدي ، لكنها صرخت بقوة وبشكل لفت انتباه بضعة رجال ونساء تجمعوا قرب غرفة القاضي في الطابق الثاني من بناية المحكمة ، فانتبهت الى نفسها وخفضت صوتها ….
– لااريد ان ادع لك فرصة مقاطعتي ، كما ارى ذلك في وجهك
، وفي فترة الصمت التي التزمت بها كانت تقول لي بما يشبه الهمس حينا وبين قهقهة هستيرية حينا اخر، بدا واضحا اني وضعت نفسي في مأزق
– هأ …. هأ كانت ضحكتها غريبة واضافت
– – تريد ان تسألني عن رائحة الصوت او شكله وستتهمني بالجنون….
– ………………
– لست مجنونة ايها المحامي الانيق ، اتريد ان تعرف هكذا معجزة ؟
– اجبت بسرعة ، دون ان اترك لها ايما فرصة للهرب من الموضوع او تغييره
– نعم ……..
– كان الدم القرمزي يرسم على الارض المعشوشبة افواها تصرخ ، افواها مفتوحة على سعتها ، اما الرائحة ، فكانت روحيهما وهي تغادر جسديهما بصمت ، لكني احسست بل سمعت رفيفا قريبا من وجهي ، اقترب كثيرا مني ولاصق وجهي حتى انبعثت منه رائحة غريبة بقيت تلازمني الى يومي هذا ، اشمها في كل مكان تحت الشمس … صمتت قليلا وهي تمسح دموعا انحدرت وهي ترسم دوائرا وخطوطا هلامية على خديها ، ولم تترك لي فرصة مقاطعتها….
– ماذا تريد ان تعرف عن ذلك الفجر….
قالتها بحدة وتسائلت مع نفسي كيف يمكن ايقاف شلالات الكلمات التي كانت تتحول الى مايشبه الصراخ الذي لفت انتباه الزحام في الصالة الصغيرة ، حينها قررت ان اسحبها قليلا نحو الممر حيث لااحد سوى الحارس الذي يقف امام غرفة القاضي ، استجابت الى ملامستي لها وحالما وصلنا الممر كنت ارزح تحت تأنيب مذهل لم يمكنني من استيعاب تقابلنا معا صامتين امام غرفة القاضي ، وفي فترة صمتها وازاء تواصل حدة الصوت والغصة التي كانت واضحة فيه , ادركت فداحة خطأي في سؤالها ، نعم كان سؤالا خاطئا اثار الكثير في اعماق هذه المرأة التي فوجئت بجمالها ، لانها حينما اتصلت بي ليلة امس لم يخطر في بالي اطلاقا ان تكون بهذا العنفوان والجمال والحزن ، رغم اني مررت بتجارب كثيرة من هذا النوع بحكم عملي كمحام موكل بدعاوى تتعلق بتحرير وثائق القسامات الشرعية وحسابات المسائل الارثية ، كان الصوت الانثوي الذي اتصل بي ليلة امس يوحي بشيء اخر غير الذي اراه امامي ، ولم اصدق ان المرأة التي كلمتني ليلة امس هي التي تقف قبالتي الان قرب باب غرفة القاضي وهي تكلمني عن هفوة الاسئلة وقسوتها ، ثم مالذي يجب ان افعله الان وانا الغارق في رهافة وغموض وحساسية ازاء الالم الانساني ايا كان حجمه تصل بي احيانا الى حد السجود له ، فواصلت وهي تحول الكلمات الى كلابات تطبق على رأسي ….
– صدقني اني لم اصل يوما الى تصور ماحدث كما وصلت اليه الان ، لقد قلت لك كلاما كان كامنا في اعماقي لم اقله الى احد من قبل ولااعلم لماذا ، هل تعرف انت لماذا زالت تلك الغشاوة التي كانت تحجب وصولي الى هذه النقطة او الحد ، ارجوك اجبني ، حدثني ،
كانت تبكي وربما حاولت ان تسند راسها على كتفي لكنها عدلت عن ذلك في اللحظة الاخيرة ، فبقيت فاغرة فمها وعيناها مغمضتان ،اقتربت منها وربت على كتفها وقلت لها علني استطيع ان اشرح شيئا يشكل امتدادا لما كانت تحاول قوله
– انها النقطة التي تديم اتصالك مع المساحات القصية او مع الفخ او الباب المشرع كدلالة لاتعني الا انها باب مشرع ومبهم ، لكن صدقيني اني لاادعي اني وصلت الى تلك اللحظة.
مسحت دموعها واكملت عبارتي ….
– اذا كنت تقصد تلك اللحظة التي ايقضتني فيها الضجة الهائلة في ذلك الفجر الغريب – الذي لايمت الى انسانيتي او انسانيتك بصلة – فانت محق تماما، وكل مااود قوله لك الان لايخرج عن مايندرج في الثانية او البرهة التي شكلت الحد الفاصل بين احلامي والكابوس المريع ، كنت نائمة وايقضتني اطلاقات الموت ، ربما سمعت ابنتي الصوت قبلي فهرعت الى الحديقة حيث كان زوجي نائما، وحينما اقتربت منه اسقطوها معه
صمتنا معا ، كان كل منا ينظر في عيني الاخر ، ولم اجد كلمة اقولها ، لكنها واصلت ….
– اجل …. انا مملة ….
اختنقت بعبارتها وهي تطيل النظر في مكان ما اسفل قدميها ، ولم تحرك عينيها عن المكان، وواصلت صمتها وعيناها مركزتان على الارض بقوة ، شجعني ذلك الصمت والسكون لاقول لها …
– صدقيني ياامرأة اني لااجد مللا في حديثك، ولكني ازاء الالم البشري اجد نفسي غائصا في دهاليز لامتناهية واحس ان جسدي وروحي يتوقان الى فعل شيء ما لااعرف ماهو ، ربما انا مضطرب مما سمعت ، فالمخيلة مهما اتسعت لااعتقد انها يمكن ان تصل الى مجاهل تلك الثانية التي تحدثت عنها ، ثانية الحد الفاصل بين الحياة والموت الاخرق . او تلك اللحظة بين نومك واستيقاظك وانت تسمعين اللغط ، لغط الموت واشياء اخرى اكبر من فهمك او فهمي
– اذن مالذي تريد ان تصل اليه بسؤالك عما بقي عالقا في ذاكرتي ….؟
لم اتكلم ، وحينما طال صمتي وصمتها ، مددت يدي نحو الحقيبة السوداء التي ركنتها قرب الدكة القريبة من غرفة القاضي ، ودونما ان اشرح لها شيء ، طرقت باب غرفة القاضي – ولااتذكر هل سلمت عليه ام لا – لكني تناولت الاوراق الممهورة بختمه وخرجت ، كانت الاوراق في يد وفي يدي الاخرى كنت امسك حقيبتي السوداء، اتجهت مباشرة نحو السلم المؤدي الى خارج المحكمة ولم اجرؤعلى النظر خلفي ، لكني كنت متأكدا انها خلفي تماما اذ اكاد ان اسمع لهاثها ، وقبل ان نصل الى الساحة الواسعة حيث توزعت بضعة مقاعد اسمنتية ، اتجهت بلا قصد نحو واحدا منها وجلست عليه ، شغلت نفسي في تدقيق الاوراق التي تسلمتها توا من القاضي والخاصة بوفاة زوجها ، وارقام توزيع التركة بينها وبين اولادها، توقفت قبالتي كتلميذ يحاول ان يفهم مالذي يجب عليه ان يفعله ، واخيرا قررت ان تجلس قربي ،وسألت نفسي عن معنى الحد الفاصل الذي حدثتني عنه وهل فهمته – لااعتقد ان في رأسي فكرة واضحة عنه – رددتها مع نفسي ولااعلم هل كانت هي تفهم الحد الفاصل ، رفعت يدي التي كانت تمسك الاوراق الخاصة بها وقبل ان اسلمها اليها قلت لها…..
– هذه الاوراق , انها منجزة
نهضت من مكاني ونهضت معي ، سرنا معا متجهين خارج المحكمة ،وحينما وصلنا الشارع الرئيسي وجدنا انفسنا وسط زحام مارة ولغط باعة ، كان يصدم اسماعنا وتهنا في مديات اخرى من الحد الفاصل
بغداد
شباط 2008
* عن الناقد العراقي
وان اصبح احمر اللون، فليست الحمرة لونه ،
وماشعاعه الا من نار تصليه)
– نص قديم –
سألتها وانا احاول ان ادعي اللامبالاة متفحصا الفضاء حولنا ، متجنبا النظر الى عينيها مباشرة …..
– مالذي تتذكرينه من تلك الليلة …؟
ازاء نظراتها الحادةالمصوبة نحوي لم استطع ان اكمل السؤال …… لكنها اجابت بسرعة
– كل شيء …
وصمتت لبرهة حينما دهمتها غصة ، وتغير وقع جرس صوتها ..لكنها واصلت بعناد رغم الغصة
– كل التفاصيل ، صدقني حتى الروائح….!
لم اقاطعها لكن صمتها امتزج مع همسات كنت بالكاد اسمعها عبر ارتجاف شفتيها وبقيت صامتا على الاقل لكي اترك فسحة ممكنة للصور ان تتدفق بسرعة ، لكنها بقيت تدور حول المكان ذاته ..
– كيف يمكن ان انسى …
وصمتت ، كانت الغصة خشنة في صوتها ، ولكنها لم تفقد رتابة النبرة اكتفيت بهز رأسي لتشجيعها على الكلام …
– الغصة ذاتها ، لم تزل في فمي مذ حملوه من الحديقة ، حيث رسمت بركة الدم هالة داكنة حول رأسه
– وماذا بعد……..
قاطعتني دون ان تسمع سؤالي…..
– لم يكن وحده الذي كانت حياته تنكمش وتتضائل بسرعة على ارض الحديقة، بل كان جسد ابنتي ممددا قربه….وصمتت
ايقنت اني يجب ان استمع فقط اذ تدفقت كلماتها مشحونة وقوية…
– كان الدم يشخب من ثقوب كثيرة في جسديهما لكن جسده كان مليء بالثقوب اكثر من جسد ابنتي ، وسمعت اصواتا لم اسمع مثلها من قبل ، اصواتا ضاجة تنطلق من الثقوب القرمزية في جسديهما ، لاتشبه ايما صوت سمعته او ( رأيته) …..
حاولت ان اقاطعها ولم افلح في قول شيء ، فرفعت يدي ، لكنها صرخت بقوة وبشكل لفت انتباه بضعة رجال ونساء تجمعوا قرب غرفة القاضي في الطابق الثاني من بناية المحكمة ، فانتبهت الى نفسها وخفضت صوتها ….
– لااريد ان ادع لك فرصة مقاطعتي ، كما ارى ذلك في وجهك
، وفي فترة الصمت التي التزمت بها كانت تقول لي بما يشبه الهمس حينا وبين قهقهة هستيرية حينا اخر، بدا واضحا اني وضعت نفسي في مأزق
– هأ …. هأ كانت ضحكتها غريبة واضافت
– – تريد ان تسألني عن رائحة الصوت او شكله وستتهمني بالجنون….
– ………………
– لست مجنونة ايها المحامي الانيق ، اتريد ان تعرف هكذا معجزة ؟
– اجبت بسرعة ، دون ان اترك لها ايما فرصة للهرب من الموضوع او تغييره
– نعم ……..
– كان الدم القرمزي يرسم على الارض المعشوشبة افواها تصرخ ، افواها مفتوحة على سعتها ، اما الرائحة ، فكانت روحيهما وهي تغادر جسديهما بصمت ، لكني احسست بل سمعت رفيفا قريبا من وجهي ، اقترب كثيرا مني ولاصق وجهي حتى انبعثت منه رائحة غريبة بقيت تلازمني الى يومي هذا ، اشمها في كل مكان تحت الشمس … صمتت قليلا وهي تمسح دموعا انحدرت وهي ترسم دوائرا وخطوطا هلامية على خديها ، ولم تترك لي فرصة مقاطعتها….
– ماذا تريد ان تعرف عن ذلك الفجر….
قالتها بحدة وتسائلت مع نفسي كيف يمكن ايقاف شلالات الكلمات التي كانت تتحول الى مايشبه الصراخ الذي لفت انتباه الزحام في الصالة الصغيرة ، حينها قررت ان اسحبها قليلا نحو الممر حيث لااحد سوى الحارس الذي يقف امام غرفة القاضي ، استجابت الى ملامستي لها وحالما وصلنا الممر كنت ارزح تحت تأنيب مذهل لم يمكنني من استيعاب تقابلنا معا صامتين امام غرفة القاضي ، وفي فترة صمتها وازاء تواصل حدة الصوت والغصة التي كانت واضحة فيه , ادركت فداحة خطأي في سؤالها ، نعم كان سؤالا خاطئا اثار الكثير في اعماق هذه المرأة التي فوجئت بجمالها ، لانها حينما اتصلت بي ليلة امس لم يخطر في بالي اطلاقا ان تكون بهذا العنفوان والجمال والحزن ، رغم اني مررت بتجارب كثيرة من هذا النوع بحكم عملي كمحام موكل بدعاوى تتعلق بتحرير وثائق القسامات الشرعية وحسابات المسائل الارثية ، كان الصوت الانثوي الذي اتصل بي ليلة امس يوحي بشيء اخر غير الذي اراه امامي ، ولم اصدق ان المرأة التي كلمتني ليلة امس هي التي تقف قبالتي الان قرب باب غرفة القاضي وهي تكلمني عن هفوة الاسئلة وقسوتها ، ثم مالذي يجب ان افعله الان وانا الغارق في رهافة وغموض وحساسية ازاء الالم الانساني ايا كان حجمه تصل بي احيانا الى حد السجود له ، فواصلت وهي تحول الكلمات الى كلابات تطبق على رأسي ….
– صدقني اني لم اصل يوما الى تصور ماحدث كما وصلت اليه الان ، لقد قلت لك كلاما كان كامنا في اعماقي لم اقله الى احد من قبل ولااعلم لماذا ، هل تعرف انت لماذا زالت تلك الغشاوة التي كانت تحجب وصولي الى هذه النقطة او الحد ، ارجوك اجبني ، حدثني ،
كانت تبكي وربما حاولت ان تسند راسها على كتفي لكنها عدلت عن ذلك في اللحظة الاخيرة ، فبقيت فاغرة فمها وعيناها مغمضتان ،اقتربت منها وربت على كتفها وقلت لها علني استطيع ان اشرح شيئا يشكل امتدادا لما كانت تحاول قوله
– انها النقطة التي تديم اتصالك مع المساحات القصية او مع الفخ او الباب المشرع كدلالة لاتعني الا انها باب مشرع ومبهم ، لكن صدقيني اني لاادعي اني وصلت الى تلك اللحظة.
مسحت دموعها واكملت عبارتي ….
– اذا كنت تقصد تلك اللحظة التي ايقضتني فيها الضجة الهائلة في ذلك الفجر الغريب – الذي لايمت الى انسانيتي او انسانيتك بصلة – فانت محق تماما، وكل مااود قوله لك الان لايخرج عن مايندرج في الثانية او البرهة التي شكلت الحد الفاصل بين احلامي والكابوس المريع ، كنت نائمة وايقضتني اطلاقات الموت ، ربما سمعت ابنتي الصوت قبلي فهرعت الى الحديقة حيث كان زوجي نائما، وحينما اقتربت منه اسقطوها معه
صمتنا معا ، كان كل منا ينظر في عيني الاخر ، ولم اجد كلمة اقولها ، لكنها واصلت ….
– اجل …. انا مملة ….
اختنقت بعبارتها وهي تطيل النظر في مكان ما اسفل قدميها ، ولم تحرك عينيها عن المكان، وواصلت صمتها وعيناها مركزتان على الارض بقوة ، شجعني ذلك الصمت والسكون لاقول لها …
– صدقيني ياامرأة اني لااجد مللا في حديثك، ولكني ازاء الالم البشري اجد نفسي غائصا في دهاليز لامتناهية واحس ان جسدي وروحي يتوقان الى فعل شيء ما لااعرف ماهو ، ربما انا مضطرب مما سمعت ، فالمخيلة مهما اتسعت لااعتقد انها يمكن ان تصل الى مجاهل تلك الثانية التي تحدثت عنها ، ثانية الحد الفاصل بين الحياة والموت الاخرق . او تلك اللحظة بين نومك واستيقاظك وانت تسمعين اللغط ، لغط الموت واشياء اخرى اكبر من فهمك او فهمي
– اذن مالذي تريد ان تصل اليه بسؤالك عما بقي عالقا في ذاكرتي ….؟
لم اتكلم ، وحينما طال صمتي وصمتها ، مددت يدي نحو الحقيبة السوداء التي ركنتها قرب الدكة القريبة من غرفة القاضي ، ودونما ان اشرح لها شيء ، طرقت باب غرفة القاضي – ولااتذكر هل سلمت عليه ام لا – لكني تناولت الاوراق الممهورة بختمه وخرجت ، كانت الاوراق في يد وفي يدي الاخرى كنت امسك حقيبتي السوداء، اتجهت مباشرة نحو السلم المؤدي الى خارج المحكمة ولم اجرؤعلى النظر خلفي ، لكني كنت متأكدا انها خلفي تماما اذ اكاد ان اسمع لهاثها ، وقبل ان نصل الى الساحة الواسعة حيث توزعت بضعة مقاعد اسمنتية ، اتجهت بلا قصد نحو واحدا منها وجلست عليه ، شغلت نفسي في تدقيق الاوراق التي تسلمتها توا من القاضي والخاصة بوفاة زوجها ، وارقام توزيع التركة بينها وبين اولادها، توقفت قبالتي كتلميذ يحاول ان يفهم مالذي يجب عليه ان يفعله ، واخيرا قررت ان تجلس قربي ،وسألت نفسي عن معنى الحد الفاصل الذي حدثتني عنه وهل فهمته – لااعتقد ان في رأسي فكرة واضحة عنه – رددتها مع نفسي ولااعلم هل كانت هي تفهم الحد الفاصل ، رفعت يدي التي كانت تمسك الاوراق الخاصة بها وقبل ان اسلمها اليها قلت لها…..
– هذه الاوراق , انها منجزة
نهضت من مكاني ونهضت معي ، سرنا معا متجهين خارج المحكمة ،وحينما وصلنا الشارع الرئيسي وجدنا انفسنا وسط زحام مارة ولغط باعة ، كان يصدم اسماعنا وتهنا في مديات اخرى من الحد الفاصل
بغداد
شباط 2008
* عن الناقد العراقي