في اعتراف، لن يترتب الآن عليه ارتكاب جريمة شرف، في قريتنا على الأقل، قالت لي قريبة من الدرجة الثالثة، حسب شجرة النسب الذكوري: إنها تزوجت قريبها بسبب “بوسة” قبل الزواج، ولولا الخوف من الفضيحة الاجتماعية والحمل، لأن كل بنات جيلها في القرية كن يعتقدن أن القبلة، حتى لو كانت على الخدين، قد تؤدي إلى الحمل وبالتالي الموت؛ لما قبلت بهذا الزواج الذي استمر ستين عامًا. ولم تتحرر منه إلا بعد موت زوجها؛ هذا الموت الطبيعي الذي حررها من قيود زواج من شخص لم تكن تتحمل رائحته.
تابعت قريبتي: كنت قد تجاوزت السابعة عشرة من العمر، وبدأت نساء القرية ينظرن إلي بشفقة لأنني بدأت أدخل مرحلة “العنوسة”، وهذا من الأسباب التي جعلتني أوافق، عندما جاء قريبي ليطلب يدي، في خمسينيات القرن الماضي، يضاف إلى ذلك أنه كان ينقصني شرط من شروط الجمال، في ذلك الزمن، وهو “شقرة” الشعر، كما كانت المرحومة أمك، فنحن إضافة إلى صداقتنا، كانت تجمعنا قرابة الدم، وقوة الجسد، ففي أحيان كثيرة، كان مقياس جمال المرأة عند الحماة، ضخامة “حملة الحطب” التي تعود بها المرأة من “الحرش” ووزنها، وأن يكون شعرها أشقر. كانت المرحومة أمك تتفوق عليَّ “بشقرة” الشعر فقط، لذلك وافقتْ عليها المرحومة جدتك، رغم أنها كانت أكبر من أبيك بسنة، وكل القرية تعرف هذا، ولولا “حملة الحطب وشقرة الشعر”، لما كان لحب “عطية وطيرا” أن ينجح بكسر عناد “جدتك أم عطية”.
لا أعرف تمامًا مقدار الوقت الذي احتجت إليه كي أستعيد هذه الذكريات، ولكنها كانت قليلة جدًا، ربما أقل من دقيقة. كانت ذاكرتي، وهي الوحيدة التي تعمل عندي، قد بدأت بالنشاط وأنا أقبض على يد صديقتي التي التقيها بتدبير مسبق في إسطنبول، وكنا قد عشنا قصة حب، أغلب فصولها “افتراضي”، وقررت أن تكون فصولها الحقيقية جزءًا من محاولتي البحث عن جدي، الذي قيل إنه عاش في إسطنبول قبل أربعمئة عام، واختفى أثره، أثناء عمله في تجارة المواشي، فقررت تكرار زياراتي إلى تركيا، ومنذ خمس سنوات أبحث عنه في زواريب تقسيم وشارع الاستقلال، لا أهمل وجه امرأة يطل من باب جانبي أو منعطف زاروب إلا أدقق النظر في تقاطيعه، لعلّي أعثر على بعض ملامح من عائلتنا فيه.
كنت أطوف حول “برج غلطة” قابضًا على يد صديقتي، عندما خطر ببالي أن أرتفع ببحثي عن مستوى الأرض باتجاه النجوم، ووجود امرأة معي الآن يقربني أكثر من السماء، كل ما أحتاج إليه الذهاب إلى المطعم “الجنوي” بطوابقه الستة، فقد قيل إن صاحبه الأساسي كان عاشقًا من مدينة “جنوی”، وإن بناء المطعم أو الفندق، وبخاصة الأخير منه، كان يسمح له ولعشيقته بالهيمنة، من مكان مرتفع، على فضاءات المدينة، ويسمح لهما برؤية أروح الأجداد السابحة في فضاءات إسطنبول، وبين مواقعها الأثرية.
دخلت وصديقتي الستينية الشقراء المصعد الضيق جدًا، فهو بالكاد يتسع لاثنين بعد التصاقهما ببعض، التصقت بها أكثر كي أضغط رقم الطابق السادس، فقد كانت لوحة المصعد خلف ظهرها، فسمعت “عنين” المصعد، ولمعت الفكرة عندها: (ماذا لو كان العثور على “مفتاح التاريخ للقبض على جدي” يحتاج إلى قبلة من عاشقين في مصعد كهربائي؟).
كان فمي ما يزال ملتصقًا بخدها عندما توقف المصعد وانفتح الباب على السماء.
* منقول عن:
Alef
تابعت قريبتي: كنت قد تجاوزت السابعة عشرة من العمر، وبدأت نساء القرية ينظرن إلي بشفقة لأنني بدأت أدخل مرحلة “العنوسة”، وهذا من الأسباب التي جعلتني أوافق، عندما جاء قريبي ليطلب يدي، في خمسينيات القرن الماضي، يضاف إلى ذلك أنه كان ينقصني شرط من شروط الجمال، في ذلك الزمن، وهو “شقرة” الشعر، كما كانت المرحومة أمك، فنحن إضافة إلى صداقتنا، كانت تجمعنا قرابة الدم، وقوة الجسد، ففي أحيان كثيرة، كان مقياس جمال المرأة عند الحماة، ضخامة “حملة الحطب” التي تعود بها المرأة من “الحرش” ووزنها، وأن يكون شعرها أشقر. كانت المرحومة أمك تتفوق عليَّ “بشقرة” الشعر فقط، لذلك وافقتْ عليها المرحومة جدتك، رغم أنها كانت أكبر من أبيك بسنة، وكل القرية تعرف هذا، ولولا “حملة الحطب وشقرة الشعر”، لما كان لحب “عطية وطيرا” أن ينجح بكسر عناد “جدتك أم عطية”.
لا أعرف تمامًا مقدار الوقت الذي احتجت إليه كي أستعيد هذه الذكريات، ولكنها كانت قليلة جدًا، ربما أقل من دقيقة. كانت ذاكرتي، وهي الوحيدة التي تعمل عندي، قد بدأت بالنشاط وأنا أقبض على يد صديقتي التي التقيها بتدبير مسبق في إسطنبول، وكنا قد عشنا قصة حب، أغلب فصولها “افتراضي”، وقررت أن تكون فصولها الحقيقية جزءًا من محاولتي البحث عن جدي، الذي قيل إنه عاش في إسطنبول قبل أربعمئة عام، واختفى أثره، أثناء عمله في تجارة المواشي، فقررت تكرار زياراتي إلى تركيا، ومنذ خمس سنوات أبحث عنه في زواريب تقسيم وشارع الاستقلال، لا أهمل وجه امرأة يطل من باب جانبي أو منعطف زاروب إلا أدقق النظر في تقاطيعه، لعلّي أعثر على بعض ملامح من عائلتنا فيه.
كنت أطوف حول “برج غلطة” قابضًا على يد صديقتي، عندما خطر ببالي أن أرتفع ببحثي عن مستوى الأرض باتجاه النجوم، ووجود امرأة معي الآن يقربني أكثر من السماء، كل ما أحتاج إليه الذهاب إلى المطعم “الجنوي” بطوابقه الستة، فقد قيل إن صاحبه الأساسي كان عاشقًا من مدينة “جنوی”، وإن بناء المطعم أو الفندق، وبخاصة الأخير منه، كان يسمح له ولعشيقته بالهيمنة، من مكان مرتفع، على فضاءات المدينة، ويسمح لهما برؤية أروح الأجداد السابحة في فضاءات إسطنبول، وبين مواقعها الأثرية.
دخلت وصديقتي الستينية الشقراء المصعد الضيق جدًا، فهو بالكاد يتسع لاثنين بعد التصاقهما ببعض، التصقت بها أكثر كي أضغط رقم الطابق السادس، فقد كانت لوحة المصعد خلف ظهرها، فسمعت “عنين” المصعد، ولمعت الفكرة عندها: (ماذا لو كان العثور على “مفتاح التاريخ للقبض على جدي” يحتاج إلى قبلة من عاشقين في مصعد كهربائي؟).
كان فمي ما يزال ملتصقًا بخدها عندما توقف المصعد وانفتح الباب على السماء.
* منقول عن:
Alef