في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها الكاهن الأكبر يوسف ابن أبي الحسن (حسده) ابن الكاهن الأكبر يعقوب الحفتاوي (١٩١٩-١٩٩٨، كاهن أكبر ١٩٨٧-١٩٩٨، أحبّته طائفته، ساعي سلام، إمام في الصلاة) بالعربية على مسامع الأمين (بنياميم) صدقة، الذي بدوره نقلها إلى العبرية، نقّحها، اعتنى بأسلوبها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد ١٢٣٨-١٢٣٩، ١٥ أيّار ٢٠١٧، ص. ٦٠-٦٣. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.
بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحسني (بنياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).
”إعطاء ملجأ لقاتل
أجدُني غيرَ مرّة أتذكّر بشوق فترة كهنوت جدّي الكاهن الأكبر يعقوب بن هارون، كما تحدّث عنها أكثر من مرّة والدي أبو الحسن (حسده) بن يعقوب. كلمته لدى أبناء طائفته كانت كلمة، لا أحد اعترض عليها أو ناقشها. أحاول جاهدًا اقتفاء أثره، الاهتمام بمستقبل أبناء طائفتي. نجلس، أنا وأبناء جيلي في بيتي مرارًا ونبحث سوية كلّ الأمور التي ينبغي تحقيقها من أجل رفاهية الطائفة. نُنهي هذه اللقاءات بشعور جيّد، قلب واحد ورأي واحد. ولكن لا تمرّ أربع وعشرون ساعة حتّى يتبخّر كلّ ما اتّفقنا عليه، بعد خروجهم من عندي تندلع الخلافات بين أبناء طائفتي. المتكلّمون كُثْر ولكنّ المنجزين قلائل. يحزّ في نفسي أن أقول لك ذلك، لأنّني أرغب جدًّا في العمل لصالح طائفتي، كما أكثر جدّي الكاهن الأكبر يعقوب من العمل. ولكن اليد الواحدة لا تصفّق. بدون تعاون أبناء طائفتي لا أستطيع أن أفعل شيئا. مع ذلك، إنّي على يقين بأنّ الكلّ سيتحسّن في المستقبل القريب. والآن، دعْني أقصّ عليك قصّة لطيفة عن جدّي المحترم.
من المعروف، أنّ عرب نابلس عامَلوا السامريين معاملة كلّها تقدير واحترام. ومن العرب من يؤمن بكهنة السامريين إيمانًا أعمى. وعلى امتداد السنين، حُبكت علاقات صداقة وطيدة بين السامريين وجيرانهم العرب، إلا أنّ تلك الروابط لم تقلّل من أجواء الارتياب القائمة بين الجانبين. بقي إيمان العرب بقدرة السامريين في فعل العجائب ثابتا. كان العرب في أكثرَ من مرّة، يتورّطون في أمر ما، وعندها كانوا يتوجهون بالحال إلى الكهنة السامريين لينشلوهم من الورطة التي أوقعوا أنفسم فيها.
جدّي الكاهن الأكبر يعقوب ١٨٤٠-١٩١٦ رحمه الله، كان بلا ريب، أكثر شخصية بجّلها العرب في نابلس. يوسف صروان المعروف بكنيته أبو عبدو، كان أحد أصدقاء جدّي العرب. كان يتردّد على بيت جدّي للتتلمذ عليه. ذات يوم تورّط يوسف صروان في شجار عنيف أدّى إلى قتل ضاربه. من شدّة خوفه من الثأر، من طرف أقارب المغدور هرب أبو عبدو واختفى عن الأنظار. بعد زمن ظهر في إحدى الليالي في منزل جدّي الكاهن الأكبر يعقوب. كانت جدّتي صلوح (صلحة) زوجة الكاهن الأكبر، تُطعم وتَسقي أبا عبدو. في الصباح، قبل شروق الشمس كان أبو عبدو يغادر البيت ولا يعود إلا في ساعة متأخّرة من الليل. خشي الكاهن الأكبر يعقوب من إمكانية اكتشاف إعطائه ملجأ لقاتل، ومع هذا كان يفكّر بلا انقطاع، كيف يمكنه مساعدة صديقه الحميم، إذ أنّ القتل لم يكن عمدًا بل دفاعًا عن النفس.
سعْي لإبرام الصُلحة
لم تتوقّف شرطة مدينة نابلس عن البحث عن القاتل ولكن بدون جدوى، لأنّ لا أحدَ طرأ على باله أنّ كاهن السامريين الأكبر، وعضو الشرف في المجلس البلدي، يُعطي ملجأ للقاتل. في أحد الأيّام، توجّه الكاهن آلأكبر يعقوب إلى الحاكم العسكري التركي في منزله، وقصّ عليه كلّ ما جرى في الشجار بين صديقه يوسف صروان والقتيل. كما وقال له إنّه يعلم مخبأ صروان. فرح الحاكم جدًّا قائلًا: نشكرك جزيل الشكر يا سيّدي الكاهن. إنّنا نبحث عن يوسف صروان منذ زمن طويل. وأخيرا يُمكننا إلقاء القبض عليه.
الكاهن الأكبر يعقوب، الذي لم يُرد أن يشي بصديقه أبي عبدو، سرعان ما قال للحاكم إنّه مستعدّ لكشف مكان مخبأ صديقة شريطة أن يعِد الحاكم بإجراء لقاء بين أبي عبدو وأقارب القتيل. أُصيب الحاكم بصدمة شديدة عند سماعه هذا الطلب. قفز كأنّ أفعى لسعته صارخًا نحو الكاهن يعقوب: ”ما جرى لك؟، إنّهم سيقتلونه عند رؤيتهم إيّاه، إنّهم سينتقمون من دم أخيهم“. ”لا تقلق“، ردّ الكاهن يعقوب محافظًا على رَباطة جأشه. ”إنّي سأهتمّ بإجراء اللقاء، عِدْني فقط بأنّه في خلال انشغالي بتنظيم اللقاء لن يُصاب يوسف صروان بأيّ أذىً“. الحاكم أعطاه الوعد محذّرًا إيّاه بإنجاز ذلك في غضون بضعة أيّام.
أوّلًا توجّه الكاهن إلى عائلة القتيل، التي كانت غاضبة جدًّا في البداية، ولم تقبل حتى السماع عن لقاء مع أبي عبدو. الكاهن الأكبر لم يستسلم، وشرح على مهل مرّة تلو الأخرى ضرورة إجراء صلحة إذ أن القتل كان بالخطأ. في آخر المطاف، اقتنع أبو القتيل وإخوته بكلام الكاهن ووافقوا على عقد اللقاء. أسرع جدّي وأبلغ الحاكم عن تمكنه من تهدئة أقارب القتيل طالبًا منه استدعاء الطرفين إليه، وتمّ ذلك على جناح السرعة.
الصُلحة
في تلك الليلة التي وصل فيها يوسف صروان إلى بيت الكاهن الأكبر، قال له جدّي بأنّه ينوي تسليمه للحاكم. همّ أبو عبدو فورًا بالهرب لينجو بريشه إلّا أنّ جدّي مسكه بيده وأخذ يهدّئه ووعده بأنّه لن يتعرّض لأذى. أبو عبده لم يمل لتصديق ذلك فإنّ جنود الحاكم سيُذيقونه مرّ العذاب. ”لا تهتمّ“، قال الكاهن الأكبر لصروان، إنّي أتدبّر الأمر. ارتعب أبو عبدو، ولكن وثوقه بقوّة الكاهن الأكبر كان أقوى من خوفه. في يوم اللقاء المحدّد، أرسل الحاكم إلى بيت الكاهن الأكبر، اثني عشر حارسًا مدجّجين بالسلاح. عائلة القتيل كانت حاضرة، وما زالت محتدّة حانقة جدًّا ومع ذلك وافقت على اللقاء. في البداية، قام الكاهن الأكبر وألقى كلمته عن فضل السلام ونشره بين البشر. ثمّ ألقى الحاكم خطابًا طويلًا بهذه الروح أيضًا استمرّ ساعتين كاملتين. في النهاية طلب الاثنان من أُسرة القتيل أن تتصالح مع يوسف صروان وتقبل سلفًا الحُكم الذي سيُصدره الحاكم. الكلام الطيّب الذي تفوّه به الكاهن الأكبر يعقوب والحاكم، ومركزهما الرفيع، أثّرا على قلوب أبناء عائلة القتيل، فقبلوا التوقيع على تعهّد يقضي بقبولهم الحُكم الذي سيُصدره الحاكم بحقّ يوسف صروان.
بعد النقاش الذي دار بين الكاهن الأكبر يعقوب والحاكم في غرفة مجاورة، أصدر الأخير حكمًا يقضي بأن يدفع يوسف صروان لعائلة الفقيد فدية قدرها ثلاثمائة وستون دينارًا، مبلغ كبير جدّا في تلك الأيّام. في تلك المناسبة وبعد إصدار الحكم تقدّم يوسف صروان إلى الكاهن الأكبر يعقوب وقال له ”أنت نبيّ عظيم، إسمح لي أن أكون خادمَك حتّى مماتي لأنّك أنقذت حياتي“. لم يقبل الكاهن الأكبر يعقوب هذا الطلب قائلا، إنّ كل المخلوقات خدَم لله، إلا أنّ أبا عبدو لم يسحب قراره. كان يأتي كلّ أسبوع إلى منزل الكاهن الأكبر ويحمل على ظهره جدّتي الضريرة في آخر أيّامها إلى الحمّام. واستمرّ في خدمة أبناء الكاهن يعقوب حتى وفاته، إذ أنّه رأى في وجه الكاهن الأكبر يعقوب بن هارون كمنظر وجه الله“.
بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحسني (بنياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).
”إعطاء ملجأ لقاتل
أجدُني غيرَ مرّة أتذكّر بشوق فترة كهنوت جدّي الكاهن الأكبر يعقوب بن هارون، كما تحدّث عنها أكثر من مرّة والدي أبو الحسن (حسده) بن يعقوب. كلمته لدى أبناء طائفته كانت كلمة، لا أحد اعترض عليها أو ناقشها. أحاول جاهدًا اقتفاء أثره، الاهتمام بمستقبل أبناء طائفتي. نجلس، أنا وأبناء جيلي في بيتي مرارًا ونبحث سوية كلّ الأمور التي ينبغي تحقيقها من أجل رفاهية الطائفة. نُنهي هذه اللقاءات بشعور جيّد، قلب واحد ورأي واحد. ولكن لا تمرّ أربع وعشرون ساعة حتّى يتبخّر كلّ ما اتّفقنا عليه، بعد خروجهم من عندي تندلع الخلافات بين أبناء طائفتي. المتكلّمون كُثْر ولكنّ المنجزين قلائل. يحزّ في نفسي أن أقول لك ذلك، لأنّني أرغب جدًّا في العمل لصالح طائفتي، كما أكثر جدّي الكاهن الأكبر يعقوب من العمل. ولكن اليد الواحدة لا تصفّق. بدون تعاون أبناء طائفتي لا أستطيع أن أفعل شيئا. مع ذلك، إنّي على يقين بأنّ الكلّ سيتحسّن في المستقبل القريب. والآن، دعْني أقصّ عليك قصّة لطيفة عن جدّي المحترم.
من المعروف، أنّ عرب نابلس عامَلوا السامريين معاملة كلّها تقدير واحترام. ومن العرب من يؤمن بكهنة السامريين إيمانًا أعمى. وعلى امتداد السنين، حُبكت علاقات صداقة وطيدة بين السامريين وجيرانهم العرب، إلا أنّ تلك الروابط لم تقلّل من أجواء الارتياب القائمة بين الجانبين. بقي إيمان العرب بقدرة السامريين في فعل العجائب ثابتا. كان العرب في أكثرَ من مرّة، يتورّطون في أمر ما، وعندها كانوا يتوجهون بالحال إلى الكهنة السامريين لينشلوهم من الورطة التي أوقعوا أنفسم فيها.
جدّي الكاهن الأكبر يعقوب ١٨٤٠-١٩١٦ رحمه الله، كان بلا ريب، أكثر شخصية بجّلها العرب في نابلس. يوسف صروان المعروف بكنيته أبو عبدو، كان أحد أصدقاء جدّي العرب. كان يتردّد على بيت جدّي للتتلمذ عليه. ذات يوم تورّط يوسف صروان في شجار عنيف أدّى إلى قتل ضاربه. من شدّة خوفه من الثأر، من طرف أقارب المغدور هرب أبو عبدو واختفى عن الأنظار. بعد زمن ظهر في إحدى الليالي في منزل جدّي الكاهن الأكبر يعقوب. كانت جدّتي صلوح (صلحة) زوجة الكاهن الأكبر، تُطعم وتَسقي أبا عبدو. في الصباح، قبل شروق الشمس كان أبو عبدو يغادر البيت ولا يعود إلا في ساعة متأخّرة من الليل. خشي الكاهن الأكبر يعقوب من إمكانية اكتشاف إعطائه ملجأ لقاتل، ومع هذا كان يفكّر بلا انقطاع، كيف يمكنه مساعدة صديقه الحميم، إذ أنّ القتل لم يكن عمدًا بل دفاعًا عن النفس.
سعْي لإبرام الصُلحة
لم تتوقّف شرطة مدينة نابلس عن البحث عن القاتل ولكن بدون جدوى، لأنّ لا أحدَ طرأ على باله أنّ كاهن السامريين الأكبر، وعضو الشرف في المجلس البلدي، يُعطي ملجأ للقاتل. في أحد الأيّام، توجّه الكاهن آلأكبر يعقوب إلى الحاكم العسكري التركي في منزله، وقصّ عليه كلّ ما جرى في الشجار بين صديقه يوسف صروان والقتيل. كما وقال له إنّه يعلم مخبأ صروان. فرح الحاكم جدًّا قائلًا: نشكرك جزيل الشكر يا سيّدي الكاهن. إنّنا نبحث عن يوسف صروان منذ زمن طويل. وأخيرا يُمكننا إلقاء القبض عليه.
الكاهن الأكبر يعقوب، الذي لم يُرد أن يشي بصديقه أبي عبدو، سرعان ما قال للحاكم إنّه مستعدّ لكشف مكان مخبأ صديقة شريطة أن يعِد الحاكم بإجراء لقاء بين أبي عبدو وأقارب القتيل. أُصيب الحاكم بصدمة شديدة عند سماعه هذا الطلب. قفز كأنّ أفعى لسعته صارخًا نحو الكاهن يعقوب: ”ما جرى لك؟، إنّهم سيقتلونه عند رؤيتهم إيّاه، إنّهم سينتقمون من دم أخيهم“. ”لا تقلق“، ردّ الكاهن يعقوب محافظًا على رَباطة جأشه. ”إنّي سأهتمّ بإجراء اللقاء، عِدْني فقط بأنّه في خلال انشغالي بتنظيم اللقاء لن يُصاب يوسف صروان بأيّ أذىً“. الحاكم أعطاه الوعد محذّرًا إيّاه بإنجاز ذلك في غضون بضعة أيّام.
أوّلًا توجّه الكاهن إلى عائلة القتيل، التي كانت غاضبة جدًّا في البداية، ولم تقبل حتى السماع عن لقاء مع أبي عبدو. الكاهن الأكبر لم يستسلم، وشرح على مهل مرّة تلو الأخرى ضرورة إجراء صلحة إذ أن القتل كان بالخطأ. في آخر المطاف، اقتنع أبو القتيل وإخوته بكلام الكاهن ووافقوا على عقد اللقاء. أسرع جدّي وأبلغ الحاكم عن تمكنه من تهدئة أقارب القتيل طالبًا منه استدعاء الطرفين إليه، وتمّ ذلك على جناح السرعة.
الصُلحة
في تلك الليلة التي وصل فيها يوسف صروان إلى بيت الكاهن الأكبر، قال له جدّي بأنّه ينوي تسليمه للحاكم. همّ أبو عبدو فورًا بالهرب لينجو بريشه إلّا أنّ جدّي مسكه بيده وأخذ يهدّئه ووعده بأنّه لن يتعرّض لأذى. أبو عبده لم يمل لتصديق ذلك فإنّ جنود الحاكم سيُذيقونه مرّ العذاب. ”لا تهتمّ“، قال الكاهن الأكبر لصروان، إنّي أتدبّر الأمر. ارتعب أبو عبدو، ولكن وثوقه بقوّة الكاهن الأكبر كان أقوى من خوفه. في يوم اللقاء المحدّد، أرسل الحاكم إلى بيت الكاهن الأكبر، اثني عشر حارسًا مدجّجين بالسلاح. عائلة القتيل كانت حاضرة، وما زالت محتدّة حانقة جدًّا ومع ذلك وافقت على اللقاء. في البداية، قام الكاهن الأكبر وألقى كلمته عن فضل السلام ونشره بين البشر. ثمّ ألقى الحاكم خطابًا طويلًا بهذه الروح أيضًا استمرّ ساعتين كاملتين. في النهاية طلب الاثنان من أُسرة القتيل أن تتصالح مع يوسف صروان وتقبل سلفًا الحُكم الذي سيُصدره الحاكم. الكلام الطيّب الذي تفوّه به الكاهن الأكبر يعقوب والحاكم، ومركزهما الرفيع، أثّرا على قلوب أبناء عائلة القتيل، فقبلوا التوقيع على تعهّد يقضي بقبولهم الحُكم الذي سيُصدره الحاكم بحقّ يوسف صروان.
بعد النقاش الذي دار بين الكاهن الأكبر يعقوب والحاكم في غرفة مجاورة، أصدر الأخير حكمًا يقضي بأن يدفع يوسف صروان لعائلة الفقيد فدية قدرها ثلاثمائة وستون دينارًا، مبلغ كبير جدّا في تلك الأيّام. في تلك المناسبة وبعد إصدار الحكم تقدّم يوسف صروان إلى الكاهن الأكبر يعقوب وقال له ”أنت نبيّ عظيم، إسمح لي أن أكون خادمَك حتّى مماتي لأنّك أنقذت حياتي“. لم يقبل الكاهن الأكبر يعقوب هذا الطلب قائلا، إنّ كل المخلوقات خدَم لله، إلا أنّ أبا عبدو لم يسحب قراره. كان يأتي كلّ أسبوع إلى منزل الكاهن الأكبر ويحمل على ظهره جدّتي الضريرة في آخر أيّامها إلى الحمّام. واستمرّ في خدمة أبناء الكاهن يعقوب حتى وفاته، إذ أنّه رأى في وجه الكاهن الأكبر يعقوب بن هارون كمنظر وجه الله“.