حضرة الأستاذ الفاضل الجليل محرر الرسالة
قرأت مقالة طويلة في جريدة يومية سياسية تعليقاً على التصحيح الذي نشرته في الرسالة بعنوان (شعراء الشرق والطبيعة الغربية). وكأن حضرة الكاتب الفاضل لم يحسن الدفاع عن أخي علي محمود طه المهندس فوقع في الإساءة إليّ. وأنا غير مؤاخذه على ما ظهر من مكنون نيته لأمرين: أما أولهما فلأنه (عابر سبيل) كما وقع مقالته. و (عابر السبيل) إن لم يكن موضع إكرام فهو موضع إشفاق. وأما ثانيهما فلأني لا أريد أن أنقل ميدان الأدب السامي من التصحيح إلى التجريح. . .
وأنا لم يؤلمني ثناء (الاجبشان مايل) على شاعرية صديقي علي محمود طه كما يتهمني حضرة (عابر سبيل) ولم يؤلمني إيثارها (علي محمود طه) بالذكر، فذلك موضع الفرحة لا موضع الألم. وإنما آلمني أن يضع كاتب (الاجبشان مايل) حجاباً على عينه وعلى أعين القراء ليقول لهم: أن شعراء الشرق الذين طافوا بالغرب أو عشوا فيه لم يهتموا بوصف جماله وهم أكثر الناس استجابة لداعي الجمال إذا أهاب
وأنا ما زدت في كلمتي في الرسالة الماضية على أن صححت وهم مكاتب (الاجبشان مايل). وإذا كنت قد ذكرت نفسي في عداد من ذكرت من الشعراء الذين وصفوا الغرب فهو أمر ما كنت لأذكره لولا أن أرادني عليه صديقان من أعلام الصحافة والأدب والعلم في مصر. وما كان من طبعي الحديث عن نفسي في مجلس أو مكتب. فتلك خطتي يعرفها عني أصدقائي ومعارفي
ويتهم حضرة (عابر سبيل) شعراء مصر بأنهم قد قصروا عن إخوانهم شعراء الشام في وصف بلادهم ومهد أحلامهم ومراتع صباهم. وهو اتهام لا أجد له نصيباً من الحق ولا مؤيداً من الواقع. وإذا كان إخواننا شعراء الشام قد وصفوا لبنان الخالد والأرز الظليل قبل أن يصفوا الغرب، فإن إخواني شعراء مصر لم يقصروا في حق نيلهم وتاريخهم وبقايا مجدهم قبل أن يصفوا الغرب. ونهار هذه لقضية لا يحتاج إلى دليل؛ فشوقي وصف النيل بقافيته التي مطلعها:
من أي عهد في القري تتدفق ... وبأي كف في المدائن تغدق
قبل أن يصف (التيرول) في النمسا وإيطاليا في قصيدته التي يقول فيها:
تلك الطبيعة قف بنا يا ساري ... حتى أريك بديع صنع الباري
وصديقي الدكتور بشر فارس وصف الطبيعة المصرية في شعر لم ينشر، قبل أن يصف الفصول الأربعة في باريس وبرلين وفنلندا
وإذا كان ذكر الواقع يؤلم حضرة الأستاذ (عابر سبيل) فإنني أستأذنه في أن أذكر له لآخر مرة أن كاتب هذه الكلمة له قصائد في (النيل) تفضلت الأهرام الغراء فأفسحت لها مكاناً طيباً
وما نسى الشاعر مصري ممن أقاموا في أوربا الحنين الدائم إلى وطنه الغالي، ولم تشغله مرابع أوربا ومراتعها عن ذكر النيل وترانيم السنين فيه. . . فقد كان شوقي رحمه الله في أسبانيا وقلبه في مصر ولعل بشر فارس كان أقرب الناس روحاً إلى مصر وهو أبعد الناس عنها في شمالي أوربا
وهناك شاعر ثالث - لا نذكره هذه المرة لئلا يتألم عابر سبيل! - نشر في الأهرام سنة 1934 أبياتاً في الربيع يقول فيها:
يا طيور الربيع في أرض مصر ... أن قلبي إلى الحمى يتحرق
طال شوقي له وطال حنيني ... كل طير لغصنه يتشوق
وقد أرسل هذه الأبيات إلى مصر الغالية من مقاطعة (ديفون) الجميلة بإنجلترا
وبعد: فلقد أكسبتنا (لأجبشان مايل) بحديثها عن أخي المبدع علي محمود طه موضوعاً طيباً للكلام كما ذكر ذلك لي ولعلي طه، أحد أدبائنا العلماء
وأرجو أن أكتسب معرفة (عابر سبيل) القاهرة) حتى أؤدي له واجب الضيافة فهو له في عنقي دين
والشكر للرسالة الغراء أولاً وأخيراً
محمد عبد الغني حسن
قرأت مقالة طويلة في جريدة يومية سياسية تعليقاً على التصحيح الذي نشرته في الرسالة بعنوان (شعراء الشرق والطبيعة الغربية). وكأن حضرة الكاتب الفاضل لم يحسن الدفاع عن أخي علي محمود طه المهندس فوقع في الإساءة إليّ. وأنا غير مؤاخذه على ما ظهر من مكنون نيته لأمرين: أما أولهما فلأنه (عابر سبيل) كما وقع مقالته. و (عابر السبيل) إن لم يكن موضع إكرام فهو موضع إشفاق. وأما ثانيهما فلأني لا أريد أن أنقل ميدان الأدب السامي من التصحيح إلى التجريح. . .
وأنا لم يؤلمني ثناء (الاجبشان مايل) على شاعرية صديقي علي محمود طه كما يتهمني حضرة (عابر سبيل) ولم يؤلمني إيثارها (علي محمود طه) بالذكر، فذلك موضع الفرحة لا موضع الألم. وإنما آلمني أن يضع كاتب (الاجبشان مايل) حجاباً على عينه وعلى أعين القراء ليقول لهم: أن شعراء الشرق الذين طافوا بالغرب أو عشوا فيه لم يهتموا بوصف جماله وهم أكثر الناس استجابة لداعي الجمال إذا أهاب
وأنا ما زدت في كلمتي في الرسالة الماضية على أن صححت وهم مكاتب (الاجبشان مايل). وإذا كنت قد ذكرت نفسي في عداد من ذكرت من الشعراء الذين وصفوا الغرب فهو أمر ما كنت لأذكره لولا أن أرادني عليه صديقان من أعلام الصحافة والأدب والعلم في مصر. وما كان من طبعي الحديث عن نفسي في مجلس أو مكتب. فتلك خطتي يعرفها عني أصدقائي ومعارفي
ويتهم حضرة (عابر سبيل) شعراء مصر بأنهم قد قصروا عن إخوانهم شعراء الشام في وصف بلادهم ومهد أحلامهم ومراتع صباهم. وهو اتهام لا أجد له نصيباً من الحق ولا مؤيداً من الواقع. وإذا كان إخواننا شعراء الشام قد وصفوا لبنان الخالد والأرز الظليل قبل أن يصفوا الغرب، فإن إخواني شعراء مصر لم يقصروا في حق نيلهم وتاريخهم وبقايا مجدهم قبل أن يصفوا الغرب. ونهار هذه لقضية لا يحتاج إلى دليل؛ فشوقي وصف النيل بقافيته التي مطلعها:
من أي عهد في القري تتدفق ... وبأي كف في المدائن تغدق
قبل أن يصف (التيرول) في النمسا وإيطاليا في قصيدته التي يقول فيها:
تلك الطبيعة قف بنا يا ساري ... حتى أريك بديع صنع الباري
وصديقي الدكتور بشر فارس وصف الطبيعة المصرية في شعر لم ينشر، قبل أن يصف الفصول الأربعة في باريس وبرلين وفنلندا
وإذا كان ذكر الواقع يؤلم حضرة الأستاذ (عابر سبيل) فإنني أستأذنه في أن أذكر له لآخر مرة أن كاتب هذه الكلمة له قصائد في (النيل) تفضلت الأهرام الغراء فأفسحت لها مكاناً طيباً
وما نسى الشاعر مصري ممن أقاموا في أوربا الحنين الدائم إلى وطنه الغالي، ولم تشغله مرابع أوربا ومراتعها عن ذكر النيل وترانيم السنين فيه. . . فقد كان شوقي رحمه الله في أسبانيا وقلبه في مصر ولعل بشر فارس كان أقرب الناس روحاً إلى مصر وهو أبعد الناس عنها في شمالي أوربا
وهناك شاعر ثالث - لا نذكره هذه المرة لئلا يتألم عابر سبيل! - نشر في الأهرام سنة 1934 أبياتاً في الربيع يقول فيها:
يا طيور الربيع في أرض مصر ... أن قلبي إلى الحمى يتحرق
طال شوقي له وطال حنيني ... كل طير لغصنه يتشوق
وقد أرسل هذه الأبيات إلى مصر الغالية من مقاطعة (ديفون) الجميلة بإنجلترا
وبعد: فلقد أكسبتنا (لأجبشان مايل) بحديثها عن أخي المبدع علي محمود طه موضوعاً طيباً للكلام كما ذكر ذلك لي ولعلي طه، أحد أدبائنا العلماء
وأرجو أن أكتسب معرفة (عابر سبيل) القاهرة) حتى أؤدي له واجب الضيافة فهو له في عنقي دين
والشكر للرسالة الغراء أولاً وأخيراً
محمد عبد الغني حسن