(يُنشَر هذا الفصل ضمن أجزاء من قصة حقيقية!، تصوّر صراع الأديب للوجود في عالم الكتابة اعتمادا على قصة واقعية)
الجزء الأول
في سكون الليل وضوء المصابيح الخافتة، يخلو بنفسه في غرفته مستلقيا في فراشه الوثير، مبحراً في عالم التأمل والحلم، مستعيدا مسلسل ذكريات آخر اتصال جمعه بأمل قبل أيام وما دار بينهما من حديث شيّق عن "مدرسة المغفّلين" و "ليلة الزفاف" والقدر. وإذا بطيف الإلهام الغريب، الذي بات يكرّ عليه حيناً ويفرّ منه أحياناً ولا يستقر على حال أو في موضع، يستفيق في وجدانه بغتة بعد أيامٍ من السبات، فيذكي فيه نار الإثارة والرغبة في الكتابة. فيفتح لوحه الإلكتروني ويواصل الكتابة في موضوع القدر وقلبه يطفح فرحاً وارتياحاً، ومشاعره تفيض إكباراً وإجلالاً لهذا العمل، فقد بدأت ترتسم معالمه في الأفق أمامه بكل الألوان. ويرفع رأسه من اللوح مفكراً في هذه القصّة بين يديه وومضة الانشغال الممزوج بالأمل والتفاؤل تلوح في عينيه: صحيح أنّ هذه القصّة الحوارية تركّز على وصف الواقع الذي يعيشه مع هذه الفتاة، وتسجيل ما يجري بينهما من حديث وجدال وخصام، وتصوير ما يعبّران عنه من مشاعر وأفكار وقيم، إلاَّ أنّها لن تُكتمل إلاَّ إذا روى فيها لوفاء والعالم الذي يتابع قصّتهما والأجيال المقبلة، بعض الأحداثَ الماضية التي ما فتئت تؤثّر فيه وفي حياته.
فيتّصل بالفتاة ليخبرها عن حدثٍ لطالما شغل بالَه، وشوّش فكرَه، وأهدر وقتَه، وأسال من الحبر الكثير، وأثار انتباه الأدباء والجماهير:
- حضرة الأستاذة الغالية وفاء، أرجو أن تكوني بخير، أما بعد..
أود أن أبلغك بشيء وقع لي قبل سنوات وما زال طيفه يلاحقني حتى هذه الساعة التي أحدّثك فيها، يا صديقتي يا وفاء. وإنّي ارتأيتُ الإفصاح عنه في هذا الكتاب حتى يوثّق ويحفظ في سجّل التاريخ، ولكي تشهدَ الجماهير والأجيال القادمة المتابعة لقصتنا هذه على ما عانيتُه وأنا أحاول أن أشقّ طريقي في غابٍ مرعبٍ، البقاء فيه للأقوى - غاب الكتابة. وكيف لفرخ ضعيف أن يبقى على قيد الحياة بين النسور الشرسة، أو لخروف صغير أن يعيش وسط الذئاب الجائعة، أو لعبد ضعيف أن يحيا في حديقة الديناصورات المفترسة؟!
ويفاجئه ردّها:
- مرحباً أستاذ خالد! إن شاء الله بخير!.. ماذا حصل لك؟ خير إن شاء الله! أخبرني، فقد شغلتَ بالي!
- لشدّ ما صبوتُ إلى صفحة تكون مرفأ أمن وسلام وخير، ومشعل نور يشعّ في الأفق فتندثر به غيوم الجهل والباطل، وتتناثر منه أسمى صور العلم والمعرفة، وزادا للرجال والأطفال، وذخرا للخلف والأجيال...
- طيب.. فماذا حصل؟!
- ولم يطل انتظاري، فقد عرض عليّ صديق يدعى عبد الله الشقي المشاركة في فتح صفحة أدبية جديدة مشتركة. قال إنَّه كان يرغب في خدمة رسالة الأدب وإن الصفحة الأدبية هذه ستعينه على نشر الأدب والمعرفة. ومنحني حرية التصرّف فيها كيفما شئت، فأنشر فيها أيّما منشور شئت، وقتما شئت. فانشرح خاطري لاقتراحه، وتطلّعت إلى التعاون معه.
- عظيم! ما ألطف صديقك الشقي هذا وما أكرمه! فماذا حصل إذًا؟
- ولما كان لي معرفة وخبرة بشأن الكمبيوتر والانترنت، استلهم رأيي لتصميمها، ورسم شكلها، واختيار ألوانها، وعرض أهدافها...
ورغم ضيق وقتي، فإنّي سعيت كلّ مسعى لمساعدته وتخفيف حمل المسؤولية عن كاهله، راجيا من المولى تعالى أن أكون في آخر الأمر عند حسن ظنه...
- وكيف لا تكون عند حسن ظنه إن فعلتَ لأجله وفي سبيل إرضائه كلّ ما ذكرتَه لي الآن! ليس ما فعلتَه بالأمر الهين. إنَّه بلا شكّ حمل ثقيل عليك وحدك، يتطلّب الكثير من وقتك وجهدك. ووقتك ضيق مثلما قلتَ لي. فمن باب الفضول فحسب: لمَ لا يستعين هذا الرجل بأصدقاء آخرين؟ ألم يكن له أصحاب غيرك يساعدونه ولو مساعدة قليلة؟
- كان له منهم ما لا يعدّ ولا يحصى. كنت أراهم يعلّقون على كلّ ما ينشره حتى وإن كان المنشور يبدو تافهاً!
تصوّري يا صديقتي أنّه ذات ليلة - وبعيدا عن دنيا الأدب - التمس في أحد المناشير أغنيةً تطربه وتريح نفسه، فتوالت على صفحته التعليقات، أمطرته أنغاما بكلّ اللغات ومن كلّ ثقافات.. أنغاماً كثيرة وطويلة لا يسعها وقت فراغه الضيق، ولو استمع إليها كاملة مرَّة واحدة لشغلته عن الدنيا وعن نفسه لأسابيع طويلة.
- لستُ أفهم إذاً علام يستعين بك أنت وله كلّ هؤلاء الأصدقاء؟! أعذرني يا صديقي، فإني أسألك من باب الفضول وأيضا لأني أدرك مدى انشغالك وضيق وقتك.
- العفو أستاذتي! لا أشكّ في ذلك مطلقاً، فلا تترددي في السؤال متى شئت، واطرحي عليّ أيّ سؤال شئت.
إنّي أذكر، يا صديقتي يا وفاء، أنّه استعان يوما بالأصدقاء من خلال منشور تحدّث فيه عن مشروعه، وعبّر فيه عن حاجته إلى من يساعده على إنجازه، وعرض بعض النماذج الفوتوغرافية يختار منها الأصدقاء صورة الغلاف لهذه الصفحة، ودعاهم إلى المشاركة في اقتراح الشكل والمضمون... لكنه لم يتفاعل مع المنشور ولم يعلّق عليه إلاّ قليل منهم لسوء حظه.
- غريب أمر هؤلاء الأصدقاء حقا!
- لست أدري إن كان يحقّ لنا أن نسمي مثل هؤلاء البشر أصدقاء أساساً يا صديقتي. وأيّ أصدقاء هؤلاء الذين يتجمهرون حولنا ساعة اليسر والفرح، وينأون عنّا ساعة العسر والترح!
على كلّ حال، بعدما خذله هؤلاء، اجتهدت معه وتأتّى لنا في آخر الأمر تصميم الصفحة وفتحها. أطلقنا عليها اسم 'الرواية...'.
- عظيم! وكيف تجاوب الناس معها؟...
* (والبقية تأتي... )
( ينشر الجزء الثاني من القصة في مثل هذا اليوم الأسبوع المقبل)
* مولود بن زادي كاتب جزائر مقيم في بريطانيا
الجزء الأول
في سكون الليل وضوء المصابيح الخافتة، يخلو بنفسه في غرفته مستلقيا في فراشه الوثير، مبحراً في عالم التأمل والحلم، مستعيدا مسلسل ذكريات آخر اتصال جمعه بأمل قبل أيام وما دار بينهما من حديث شيّق عن "مدرسة المغفّلين" و "ليلة الزفاف" والقدر. وإذا بطيف الإلهام الغريب، الذي بات يكرّ عليه حيناً ويفرّ منه أحياناً ولا يستقر على حال أو في موضع، يستفيق في وجدانه بغتة بعد أيامٍ من السبات، فيذكي فيه نار الإثارة والرغبة في الكتابة. فيفتح لوحه الإلكتروني ويواصل الكتابة في موضوع القدر وقلبه يطفح فرحاً وارتياحاً، ومشاعره تفيض إكباراً وإجلالاً لهذا العمل، فقد بدأت ترتسم معالمه في الأفق أمامه بكل الألوان. ويرفع رأسه من اللوح مفكراً في هذه القصّة بين يديه وومضة الانشغال الممزوج بالأمل والتفاؤل تلوح في عينيه: صحيح أنّ هذه القصّة الحوارية تركّز على وصف الواقع الذي يعيشه مع هذه الفتاة، وتسجيل ما يجري بينهما من حديث وجدال وخصام، وتصوير ما يعبّران عنه من مشاعر وأفكار وقيم، إلاَّ أنّها لن تُكتمل إلاَّ إذا روى فيها لوفاء والعالم الذي يتابع قصّتهما والأجيال المقبلة، بعض الأحداثَ الماضية التي ما فتئت تؤثّر فيه وفي حياته.
فيتّصل بالفتاة ليخبرها عن حدثٍ لطالما شغل بالَه، وشوّش فكرَه، وأهدر وقتَه، وأسال من الحبر الكثير، وأثار انتباه الأدباء والجماهير:
- حضرة الأستاذة الغالية وفاء، أرجو أن تكوني بخير، أما بعد..
أود أن أبلغك بشيء وقع لي قبل سنوات وما زال طيفه يلاحقني حتى هذه الساعة التي أحدّثك فيها، يا صديقتي يا وفاء. وإنّي ارتأيتُ الإفصاح عنه في هذا الكتاب حتى يوثّق ويحفظ في سجّل التاريخ، ولكي تشهدَ الجماهير والأجيال القادمة المتابعة لقصتنا هذه على ما عانيتُه وأنا أحاول أن أشقّ طريقي في غابٍ مرعبٍ، البقاء فيه للأقوى - غاب الكتابة. وكيف لفرخ ضعيف أن يبقى على قيد الحياة بين النسور الشرسة، أو لخروف صغير أن يعيش وسط الذئاب الجائعة، أو لعبد ضعيف أن يحيا في حديقة الديناصورات المفترسة؟!
ويفاجئه ردّها:
- مرحباً أستاذ خالد! إن شاء الله بخير!.. ماذا حصل لك؟ خير إن شاء الله! أخبرني، فقد شغلتَ بالي!
- لشدّ ما صبوتُ إلى صفحة تكون مرفأ أمن وسلام وخير، ومشعل نور يشعّ في الأفق فتندثر به غيوم الجهل والباطل، وتتناثر منه أسمى صور العلم والمعرفة، وزادا للرجال والأطفال، وذخرا للخلف والأجيال...
- طيب.. فماذا حصل؟!
- ولم يطل انتظاري، فقد عرض عليّ صديق يدعى عبد الله الشقي المشاركة في فتح صفحة أدبية جديدة مشتركة. قال إنَّه كان يرغب في خدمة رسالة الأدب وإن الصفحة الأدبية هذه ستعينه على نشر الأدب والمعرفة. ومنحني حرية التصرّف فيها كيفما شئت، فأنشر فيها أيّما منشور شئت، وقتما شئت. فانشرح خاطري لاقتراحه، وتطلّعت إلى التعاون معه.
- عظيم! ما ألطف صديقك الشقي هذا وما أكرمه! فماذا حصل إذًا؟
- ولما كان لي معرفة وخبرة بشأن الكمبيوتر والانترنت، استلهم رأيي لتصميمها، ورسم شكلها، واختيار ألوانها، وعرض أهدافها...
ورغم ضيق وقتي، فإنّي سعيت كلّ مسعى لمساعدته وتخفيف حمل المسؤولية عن كاهله، راجيا من المولى تعالى أن أكون في آخر الأمر عند حسن ظنه...
- وكيف لا تكون عند حسن ظنه إن فعلتَ لأجله وفي سبيل إرضائه كلّ ما ذكرتَه لي الآن! ليس ما فعلتَه بالأمر الهين. إنَّه بلا شكّ حمل ثقيل عليك وحدك، يتطلّب الكثير من وقتك وجهدك. ووقتك ضيق مثلما قلتَ لي. فمن باب الفضول فحسب: لمَ لا يستعين هذا الرجل بأصدقاء آخرين؟ ألم يكن له أصحاب غيرك يساعدونه ولو مساعدة قليلة؟
- كان له منهم ما لا يعدّ ولا يحصى. كنت أراهم يعلّقون على كلّ ما ينشره حتى وإن كان المنشور يبدو تافهاً!
تصوّري يا صديقتي أنّه ذات ليلة - وبعيدا عن دنيا الأدب - التمس في أحد المناشير أغنيةً تطربه وتريح نفسه، فتوالت على صفحته التعليقات، أمطرته أنغاما بكلّ اللغات ومن كلّ ثقافات.. أنغاماً كثيرة وطويلة لا يسعها وقت فراغه الضيق، ولو استمع إليها كاملة مرَّة واحدة لشغلته عن الدنيا وعن نفسه لأسابيع طويلة.
- لستُ أفهم إذاً علام يستعين بك أنت وله كلّ هؤلاء الأصدقاء؟! أعذرني يا صديقي، فإني أسألك من باب الفضول وأيضا لأني أدرك مدى انشغالك وضيق وقتك.
- العفو أستاذتي! لا أشكّ في ذلك مطلقاً، فلا تترددي في السؤال متى شئت، واطرحي عليّ أيّ سؤال شئت.
إنّي أذكر، يا صديقتي يا وفاء، أنّه استعان يوما بالأصدقاء من خلال منشور تحدّث فيه عن مشروعه، وعبّر فيه عن حاجته إلى من يساعده على إنجازه، وعرض بعض النماذج الفوتوغرافية يختار منها الأصدقاء صورة الغلاف لهذه الصفحة، ودعاهم إلى المشاركة في اقتراح الشكل والمضمون... لكنه لم يتفاعل مع المنشور ولم يعلّق عليه إلاّ قليل منهم لسوء حظه.
- غريب أمر هؤلاء الأصدقاء حقا!
- لست أدري إن كان يحقّ لنا أن نسمي مثل هؤلاء البشر أصدقاء أساساً يا صديقتي. وأيّ أصدقاء هؤلاء الذين يتجمهرون حولنا ساعة اليسر والفرح، وينأون عنّا ساعة العسر والترح!
على كلّ حال، بعدما خذله هؤلاء، اجتهدت معه وتأتّى لنا في آخر الأمر تصميم الصفحة وفتحها. أطلقنا عليها اسم 'الرواية...'.
- عظيم! وكيف تجاوب الناس معها؟...
* (والبقية تأتي... )
( ينشر الجزء الثاني من القصة في مثل هذا اليوم الأسبوع المقبل)
* مولود بن زادي كاتب جزائر مقيم في بريطانيا