الخاتمة
بين البطل والكاتبة
ختمتِ الكاتبة روايتها "حصرم الألم" في اليوم الثامن من الشهر الأخير للعام، بعد سنين من جلاء المشاعر وتبلور الأفكار وتوالي الأحداث، ولم تتقصّد أن تجعل انتقال الدوالي من حالٍ لحال في النفس البشرية لا يساير مواقيت الطبيعة، وأن موعد قطاف العنب وبهجة الزارع بجناه قد يخالف...
الفصل الخامس
أما بعد
"١"
الملاءاتُ البيضاء على الأسرّة، لباس الممرّضات، ابتساماتهنّ البيضاء، كلّها.. كلّها تواطؤ خفيّ مستفزّ مع الكبير،
الكبير الذي جعل أيضاً أكفان الموت وأقمطة الولادة بلون واحد ناصع مراوغ لا يتناسب مع سواد الحقيقة.
أغمض عينيّ لأهرب من لعنة البياض، فأراني في الحلم أغرق في بحر...
الفصل الرابع
ومن الحبّ ما اكتمل
"١"
أيقظتني ريتا باكراً لنهيّئ نفسَينا للسفر إلى العاصمة ومنها إلى مدينة حبيبتي المحرّرة، ورغم أني كنتُ بين الصحو والغفوة استطعتُ أن أميّز صوتها الواهن المتعب الذي ناست ألوانه التي طالما تغزّلتُ بها، فهو الأبيض حين تكون طفلتي، والزهريّ حين تلهو معي ما بين مزح...
مقام النار البيضاء
يظل اسم (حدهوم) لقبا مستعصيا على الفهم والشرح. اختلج اللفظ ـ الاسم مختلف الحوارات والخيارات وأشكال التفكير الداخلية عند الساكنة والمعارف. كما ارتبط بحي سيدي امحمد بن قاسم كَاسْمٍ فريد وأوحد لا تجد له نظيرا في أي مكان إلا ما كان من تسمية (أمّي حدهوم) لسيدة بحي (ابن يازغة)...
فتحي مهذب. تونس.
دائرة الأروبوروس .
كان الضباب ملتفّا حول البيت الفخم الوسيع منسابا بين أعمدة الشرفات متسللا عبر نوافذ الزجاج المعشّق.
النار ترتجف داخل الموقد الحجري، تهمس في الظلال، بينما وقفت "ر" وحدها في الغرفة الشرقية، الغرفة التي لا يدخلها أحد.
أمامها مرآة...
الفصل الثالث
توأم الروح
"١"
جاءتْ ريتا إلى مرسمي ذات نيسان دون موعد مسبق..
هلّتْ كنسمة ربيعية وكرفيف الفراشات في محفل النور وكانبثاق الينبوع رسولاً للنماء.
انتظرتْ ريثما تفرّغتُ لها وانتهيتُ من مروري على كلّ طلّاب دورة الرسم المسائية، لإعطائهم ملاحظاتي المبدئية والمباشرة برسم ما اخترتُه لهم...
-2-
اقتحم الجنود القسم (ج) من سجن ريمون، وصاح أحدهم بأن من يسمع رقمه عليه بلف برشه وأغراضه والتهيؤ للخروج من القسم، فاشرأبت الأعناق وأرهفت الآذان لسماع الأرقام المذاعة، الكل يتمنى أن يسمع إذاعة رقمه الآن، فهذا الوضع الحالي من العروض المسرحية القليلة التي يشعر فيها الأسرى بالمتعة والإثارة، لأنها...
بين البطل والكاتبة
استيقظتِ الكاتبة مفزوعة ليلة أمس، تلهث كمطارد في وحشة غابة، بعد أن استُنفِذتْ طاقتها في كتابة الفصلين الأول والثاني من روايتها "حصرم الألم".
تملّكها رعب قاتل، حسبتْ معه خشخشة أوراق الشجر خارجاً قعقعة أسلحة، وأن باب بيتها سيخلع بين لحظة وأخرى من قبل الحُماة أو أولي الأمر، ولن...
الفصل الثاني -
ما بينَ هنا وهناك
"١"
كانتْ تلك المرّة الأولى التي أركب بها المترو، ولم يسبق لي أن رأيته إلا في الأفلام، وبقيتُ مذهولاً أمام هذا الإنجاز الحضاري الهائل وهو يعبر بنا الأنفاق تحت الأرض بسرعة فائقة، جعلتني أستحضر وقوفي لساعات لانتظار الحافلة في بلدي، والاستقتال لأظفر بمقعد...
حدث في مثل هذا الحلم، أني رَأَيْتُني أتأبط شر سيرتي الروائية هذه، أمشي و في جيبي ورقة كتبت عليها مجموعة من العناوين، لأناس أعرفهم و لا يعرفونني، موتى دونما قبر أو كفن، و رأيتني كذلك أضع في علبة رسائل كل واحد منهم سيرتي هاته موقعة برسائل اخترت أن تكون مشفرة، محورها قضايا و مواضيع تجمعنا و تفرقنا...
لم يكن ثمة ليل أو نهار في مصنع "نيوروبوتيكا".
كل شيء مضاء بأنوار بيضاء باهتة، كأن خللا برمجيا معقدا أصاب الزمن.
صفوف من الروبوتات تقف على خطوط الإنتاج، تتحرك بحركات دقيقة، متكرّرة، صامتة... ميكانيكية كما ينبغي لها أن تكون.
لكن روبوتًا واحدًا مختلفا ومتفردا جدا.
كان اسمه "أوميغا" — أو هكذا أطلق...
حصاةٌ تحتَ لساني
"١"
أخيراً حانتِ اللحظة...
اللحظة المصيرية التي أرمي بها الحصاة من فمي، وأقف وجهاً لوجهٍ أمام خوفي، فقد آن أن تغادرني إلى غير رجعة بعد أن صار عمرها بعدد سنين عمري.
أعتذر منكما يا والديّ، لأني سأقول "لا" لأوّل مرة في حياتي، وأبصق الحصاة التي دسّها كلاكما تحت لساني منذ طفولتي...
المُعَلِّمُ الجَوَّالُ - الفَصْلُ الأوَّل (3 )
( 3 )
كانت أمك فوق العشرين بقليل حين تركها أبوك، وخلفها خمسة أبناء، ثلاثة أولاد وبنتان.
كانت لكم الأب والأم.
تركت القرية وانتقلت بكم إلى مدينة ديرب نجم الناشئة، لتوفر لكم بيئة أفضل للتعليم، ولتقيكم عناء المشوار جيئة وذهابا، سيرا على الأقدام،...
بين البطل والكاتبة
بركنها البعيد المعتاد جلستِ الكاتبة وحيدة قرب النافذة مع أوراقها وفنجان من القهوة، تصغي باسترخاء لذيذ لعازف التشيلّو في اللحن الأقرب لقلبها.. وقلبي!
هو ذات المقهى القديم الذي سبق وأبدعتْ فيه غيري لسنين خلتْ، فكأنه الرحم الواحد لكلّ مواليدها، ما أُجهض منها دون أن يستكمل أشهر...
( 2 )
قبل الحادث بشهرين ماتت أمك.
قلت لك معزيا :
= ماتت من كنت تُكرم من أجلها.
اغرورقت عيناك، ثم سرعان ما تدفقت دموعك.
دموعك كانت ساخنة، أحسست بها تلسع جلد وجهي.
باكيا تقول :
" قبل أن تموت طلبت مني أن تركب السيارة، وأمرتني أن أجوب بها شوارع المدينة.
وكأنها يا صاحبي كانت تودع الشوارع...