تشرعُ نافذةَ المقعدِ الأيسرِ الخلفي لسيارتها ، تجلسُ متململةً في مشهدٍ يومي . تلوبُ الأفكارُ في رأسها . تسألُ عن مآلها في هذا الطريقِ المرسومِ ، وعن موقعِها في خريطةٍ رسمتها بيديها ولم تجدْ لها مساحةً لنقطة تحتويها .
الكراساتُ في الحقيبةِ بجوارِها . تلتفتْ إليهم وتبتسم . لا شيء يؤنِسُها سوى ما تأخذُه من رائحةِ الفتياتِ في المدرسةِ . تحتضنُها ليلاً لتستشعر أنوثتَها .
- يا لقسوة أبي حينما سماني ( نفلة ) ! لم أعلمْ معناها حتى اليومِ كُلُّ ما تكهنه رفاقي أنني فضلةٌ ، ورفيقتي اللغوية تقول أنها نباتٌ من البقول أشبه ما يكون بالقثاء . لا أسوأ من ذلك إلا هذا ! أما أبي فيقول أنني ولِدتُ في اليومِ الرابع من الشهرِ لذلك سماني بهذا الاسم لأنه يطلقُ على الثلاثةِ الأيام بعد الغرر والرابعُ أولها .
زفرةٌ تكادُ تحرقُ غطاءَها . تنظر إلى يدها المسكيةِ بجفافِها وكُمِّ عباءتِها لتلحظَ لمعانَها . تلتفت إلى حقيبتِها . تناولت ملطفَ بشرةٍ دهنَتْ به ظهرَ يدِها اقتربَ لمعانُ يدِها من لونِ العباءة . حتى اسمُها مستمدٌ من ليالٍ خَجِلَ قمرُها وتوارى ! تعود للكراسات لتنظر رسمَ طالباتِها لخرائطِ دولِ العالمِ العربي . تتربعُ خارطةُ أفريقيا السوداء في رأسها .
- يا لبؤس السوادِ حتى بين قارات العالم يظهر أدناها ؟!
جذوةُ النار المستعرةُ في أحشائها اسوَدَّتْ ، والسخامُ رسم لوحةً فحميةً بأبيات ( اجوستينونيتو ) الأنجولي :
( .... إنني أصحبُكم حيث تلتقي أفريقيا بعضُها بالبعض على الطريق إنني أحس بكم جميعاً أيها السود في جميع أركان الأرض وأحيا آلامَكم أي أخوتي . )
فتحت عينيها على الكراسِ أمامَها ( جزيرة العرب ) عنترةٌ يمتطي خيلَه ، ويثير النقعَ تحت قدميه . تتمنى أن تستقبلَهُ في دارِها لتزيلَ الغبارَ عن قدميه الرخاميتين وتنقعهما في ماءٍ فاتر ، وتتلذذُ بدلكِهما وتقبيلِهما واشتمامِ رائحةِ العنبرِ منهُما . يركلُها عنترةُ بقدمه .
- حتى الأسودُ يميل إلى عبلةَ البيضاء ! لله نحنُ السوداوات .
تلتفتُ على غير عادتِها إلى نافذةِ السيارةِ تلمحُ وجهَ رجلٍ ينظرُ إليها ويومئ . مسكينٌ غرَّته عباءتي دون أن يرى لونَ ما بين عينيَّ من النقاب . رفعت النافذة . أنزلت رأسَها ووجهُه ارتسمَ في كراسةِ طالبتِها . وجهٌ أبيضٌ يزينه شاربٌ وأثرُ لحيةٍ سوداءَ حالكةٍ جميلة وحدقتان سوداوان ترتميان في كومةِ قطن . ما أجمل السوادَ في البياض !
عادت برأسِها ، لا شك أنه مجنون ... ازداد إيمائُه وملاحقتُه لمركبتها . نظرت إلى ساعدِها وأبصرت ساعتَها الفضيةَ المحتضنةَ لفصوصٍ ماسيةٍ ، وكأنها تستبينُ جمالهَا لأولِ مرةٍ في سوادِ ساعدِها .
- يا للؤم الأبيضِ حين يعدو على القارةِ السوداءَ من أجلِ ماسِها ويتركُها في حلكتِها ! لماذا لا ينظرُ إلا لماسِها .
ألقتْ رأسَها إلى صدرِها الناهدِ وأردفت :
- وإلى الجسمِ الزنجي الفتي بعظَمِ صدرِهِ وردفِه وضمورِ بطنِه .
نظرت للمرآة في حقيبتِها المصنوعةِ من جلدِ الفهد . حدَّقت في عينيها وإلى شدةِ بياضِهما . لم تر عينيها بمثل هذا الجمالِ من قبل . للتو علمت أنَّ البياضَ أجملُ ما يكون على السواد . لم يكن القمرُ مضربَ مثلٍ في الجمالِ إلا لأنَّه يظهرُ في سواد . لا أحدَ يصفُ الشمسَ بالجمال رُغم ضوئها .
- أ هاتان العينان من سلبا لبه ؟! مسكين يا كعب ! هل كانت محبوبتُه سوداء ؟! قرأت تغزلاً في السود في كتب التراث . ألا غزلٌ حديثٌ في السواد ؟.
التفتت ... حدَّقت في عينيه يا لها من عينين جميلتين برموشٍ سوداءَ طويلةٍ ، وإطارُ نظارتِه الأسودُ يكتنفُ جمالَ عينيه . ما أجملَ السوادَ حين يحيطُ بالبياض! يا ليتها تخلع نظارتَه لتستبين عينيه وتحيطُه بجسدِها ، وتنثرُ على عينيه كحلَها ، وتدثرُ بياضَه ببردةٍ سوداء .
استفاقت من نشوتِها قررت أن تفتحَ نافذتَها . أعادت أصبعَها عن المتحكمِ بالنافذة . حتى لو أنَّه هامَ بها وعشقَها ، فهل سيقبلُ أهله باقترانِه بها ؟! العاشقُ يفعل المستحيلَ من أجل عيني من يعشق .
أتراه من النـزاريين ؟ من يشتهونَ الافتخارَ بعددِ الراياتِ المغروسةِ في النهودِ وبتعدادِ ألوانِها ؟! لا .. لا فوجهُهُ تتفتقُ منه السماحةُ والصدق .
أ أعرِّفُه بنفسي أم أنتظرُ ؟ ( نفلة ) يا لجمالِ اسمي وتضوعِ رائحةِ النفلِ الزكي من بين حروفِهِ بصُفرةِ زهرِهِ .
حركةُ شفتيه تُظهِرُ حرفَ الباء بانغلاقِهما . أيقولُ : يا بدري ؟! نعم فالبدرُ مظلمٌ يضيء بضوءِ الشمس ، وهو شمسي .
قررت أنْ تفتحَ النافذة ، أنزلَتها كغمامةٍ انقشعت عن درةٍ سوداء ، والهائم ُقبالها تبَسمَ إليها . بانت بروقُ أسنانِها الثلجيةِ من خلفِ نقابِها . أشارَ إلى أسفلِ بابِ السيارةِ إلى قطعةٍ سوداءَ حريريةٍ تَطايرُ مرفرفةً أسفلَ البابِ ، وقد حبَسَتْها سطوةُ البابِ واهتَرَتْها قسوةُ الإسفلتِ .
الكراساتُ في الحقيبةِ بجوارِها . تلتفتْ إليهم وتبتسم . لا شيء يؤنِسُها سوى ما تأخذُه من رائحةِ الفتياتِ في المدرسةِ . تحتضنُها ليلاً لتستشعر أنوثتَها .
- يا لقسوة أبي حينما سماني ( نفلة ) ! لم أعلمْ معناها حتى اليومِ كُلُّ ما تكهنه رفاقي أنني فضلةٌ ، ورفيقتي اللغوية تقول أنها نباتٌ من البقول أشبه ما يكون بالقثاء . لا أسوأ من ذلك إلا هذا ! أما أبي فيقول أنني ولِدتُ في اليومِ الرابع من الشهرِ لذلك سماني بهذا الاسم لأنه يطلقُ على الثلاثةِ الأيام بعد الغرر والرابعُ أولها .
زفرةٌ تكادُ تحرقُ غطاءَها . تنظر إلى يدها المسكيةِ بجفافِها وكُمِّ عباءتِها لتلحظَ لمعانَها . تلتفت إلى حقيبتِها . تناولت ملطفَ بشرةٍ دهنَتْ به ظهرَ يدِها اقتربَ لمعانُ يدِها من لونِ العباءة . حتى اسمُها مستمدٌ من ليالٍ خَجِلَ قمرُها وتوارى ! تعود للكراسات لتنظر رسمَ طالباتِها لخرائطِ دولِ العالمِ العربي . تتربعُ خارطةُ أفريقيا السوداء في رأسها .
- يا لبؤس السوادِ حتى بين قارات العالم يظهر أدناها ؟!
جذوةُ النار المستعرةُ في أحشائها اسوَدَّتْ ، والسخامُ رسم لوحةً فحميةً بأبيات ( اجوستينونيتو ) الأنجولي :
( .... إنني أصحبُكم حيث تلتقي أفريقيا بعضُها بالبعض على الطريق إنني أحس بكم جميعاً أيها السود في جميع أركان الأرض وأحيا آلامَكم أي أخوتي . )
فتحت عينيها على الكراسِ أمامَها ( جزيرة العرب ) عنترةٌ يمتطي خيلَه ، ويثير النقعَ تحت قدميه . تتمنى أن تستقبلَهُ في دارِها لتزيلَ الغبارَ عن قدميه الرخاميتين وتنقعهما في ماءٍ فاتر ، وتتلذذُ بدلكِهما وتقبيلِهما واشتمامِ رائحةِ العنبرِ منهُما . يركلُها عنترةُ بقدمه .
- حتى الأسودُ يميل إلى عبلةَ البيضاء ! لله نحنُ السوداوات .
تلتفتُ على غير عادتِها إلى نافذةِ السيارةِ تلمحُ وجهَ رجلٍ ينظرُ إليها ويومئ . مسكينٌ غرَّته عباءتي دون أن يرى لونَ ما بين عينيَّ من النقاب . رفعت النافذة . أنزلت رأسَها ووجهُه ارتسمَ في كراسةِ طالبتِها . وجهٌ أبيضٌ يزينه شاربٌ وأثرُ لحيةٍ سوداءَ حالكةٍ جميلة وحدقتان سوداوان ترتميان في كومةِ قطن . ما أجمل السوادَ في البياض !
عادت برأسِها ، لا شك أنه مجنون ... ازداد إيمائُه وملاحقتُه لمركبتها . نظرت إلى ساعدِها وأبصرت ساعتَها الفضيةَ المحتضنةَ لفصوصٍ ماسيةٍ ، وكأنها تستبينُ جمالهَا لأولِ مرةٍ في سوادِ ساعدِها .
- يا للؤم الأبيضِ حين يعدو على القارةِ السوداءَ من أجلِ ماسِها ويتركُها في حلكتِها ! لماذا لا ينظرُ إلا لماسِها .
ألقتْ رأسَها إلى صدرِها الناهدِ وأردفت :
- وإلى الجسمِ الزنجي الفتي بعظَمِ صدرِهِ وردفِه وضمورِ بطنِه .
نظرت للمرآة في حقيبتِها المصنوعةِ من جلدِ الفهد . حدَّقت في عينيها وإلى شدةِ بياضِهما . لم تر عينيها بمثل هذا الجمالِ من قبل . للتو علمت أنَّ البياضَ أجملُ ما يكون على السواد . لم يكن القمرُ مضربَ مثلٍ في الجمالِ إلا لأنَّه يظهرُ في سواد . لا أحدَ يصفُ الشمسَ بالجمال رُغم ضوئها .
- أ هاتان العينان من سلبا لبه ؟! مسكين يا كعب ! هل كانت محبوبتُه سوداء ؟! قرأت تغزلاً في السود في كتب التراث . ألا غزلٌ حديثٌ في السواد ؟.
التفتت ... حدَّقت في عينيه يا لها من عينين جميلتين برموشٍ سوداءَ طويلةٍ ، وإطارُ نظارتِه الأسودُ يكتنفُ جمالَ عينيه . ما أجملَ السوادَ حين يحيطُ بالبياض! يا ليتها تخلع نظارتَه لتستبين عينيه وتحيطُه بجسدِها ، وتنثرُ على عينيه كحلَها ، وتدثرُ بياضَه ببردةٍ سوداء .
استفاقت من نشوتِها قررت أن تفتحَ نافذتَها . أعادت أصبعَها عن المتحكمِ بالنافذة . حتى لو أنَّه هامَ بها وعشقَها ، فهل سيقبلُ أهله باقترانِه بها ؟! العاشقُ يفعل المستحيلَ من أجل عيني من يعشق .
أتراه من النـزاريين ؟ من يشتهونَ الافتخارَ بعددِ الراياتِ المغروسةِ في النهودِ وبتعدادِ ألوانِها ؟! لا .. لا فوجهُهُ تتفتقُ منه السماحةُ والصدق .
أ أعرِّفُه بنفسي أم أنتظرُ ؟ ( نفلة ) يا لجمالِ اسمي وتضوعِ رائحةِ النفلِ الزكي من بين حروفِهِ بصُفرةِ زهرِهِ .
حركةُ شفتيه تُظهِرُ حرفَ الباء بانغلاقِهما . أيقولُ : يا بدري ؟! نعم فالبدرُ مظلمٌ يضيء بضوءِ الشمس ، وهو شمسي .
قررت أنْ تفتحَ النافذة ، أنزلَتها كغمامةٍ انقشعت عن درةٍ سوداء ، والهائم ُقبالها تبَسمَ إليها . بانت بروقُ أسنانِها الثلجيةِ من خلفِ نقابِها . أشارَ إلى أسفلِ بابِ السيارةِ إلى قطعةٍ سوداءَ حريريةٍ تَطايرُ مرفرفةً أسفلَ البابِ ، وقد حبَسَتْها سطوةُ البابِ واهتَرَتْها قسوةُ الإسفلتِ .