رسائل الأدباء خمس رسائل من الشاعر يوسف صديق الى زوجته

1-
الدخيلة 26/6/1936

زوجتي..

انني تعبت من ارسال قبلاتي اليك - وأود ان أقبلك فعلا - فليس القول كالعمل..

كلما نظرت حولي بالاسكندرية رأيت الناس أزواجاً أو جماعات - ولم أر، فرداً وحيداً غيري.

أرى الزوج يسير مع زوجته - أو الأخ مع أخته - أو الولد مع أمه - أو الوالد مع أبنائه - أو العشيق مع عشيقته - أو الخطيب مع خطيبته - وكل هؤلاء لهم مبرر فيما يفعلون - فللأخ أن يصحب أخته للنزهة - وللولد أن يسير بجانب أمه- وللوالد أن يمرح في السعادة بأبنائه - وللعشيق أن يختلس ساعات الهناء والصفو مع عشيقته وللخطيب أن يبني آمال المستقبل مع خطيبته - ولكن أنا فلا مبرر لي لصحبة هؤلاء - فلا أختي ولا أمي ولا ولدي هنا - وليس لي ولا قدر الله خطيبة ولا عشيقة - فنصفي الآخر.. هو أنت يا توتو.. وهكذا شطرني الدهر شطرين وجعل بينهما شوطاً بعيداً..

لكل هذه العلل والأسباب... وأمام صلابة الضمير الحي - الذي عاهد الله أن يخلص الى توتو ما دام حياً... وأمام الرأي الذي لا محيد عنه بأن أفني زهرة حياتي- لحب واحد.. وسعادة واحدة هو حبك الغالي.. وسعادتك الطاهرة.. أجل لكل تلك العوامل - لا أرى مفراً من الوحدة القاتلة..

لعل لك من أسباب التسلية بين أهلك وصحبك.. ما يهون عليك مرارة ما ألاقي من عذاب الوحدة التي تحكي صمت القبور.

الى هذه الساعة لم أنزل الى الاسكندرية - بل ولم أفكر في ذلك - وربما لا أفعل ذلك الا لاستقبالك في اليوم من الشهر - وفي أول قطار ممكن. وكل ما يغريني في وحدتي هنا - هو أنني أشعر بتقدم غريب في صحتي - وليست صحتي هي سر سعادتي - بل لأنني واثق من أن صحتك ستكون هنا على أحسن حال وكذلك الحنتوسو ستكون سعيدة معنا - وهل لي مطمع في الحياة أكثر من أن أراكما تمرحان في بحبوحة الصحة والعافية؟؟..

أنا اليوم نوبتجي وأكتب اليك هذا وأنا بالأوضه - ولذلك فاليوم راحة من عناء العمل من توضيب العفش - وعندي أمل كبير أن أنتهي منه باكراً مساءً - وابتدئ في اعادة النظافة التي ستستمر لحين حضورك باذن الله - والبيت نظيف ولا بأس به - وأنا متأكد أنك ستحضرين لتري أنني عملت كل ما يمكن عمله لراحتك - الى أقصى حدود الراحة.. أو الى أبعد حدود الراحة.. مش فاكر.

اذن سنبدأ شهر العسل من جديد - وسنبدأ حياتنا الزوجية من جديد فكل ما مضى لا أعترف أنا به ولا أسجله على نفسي مهما كان فيه من مزايا وعليك أن تعتبري نفسك الآن خطيبتي وأن موعد زفافنا هو أول يوليو 1936 لا 4 أبريل 1935 - بس على فكرة وأنت جيه (قادمة) أبقي هاتي عشاك معاكِ لأن هنا الحالة كرب بالنسبة لوجودي لوحدي - أو ان كنت عايزة حفلة جبنة وبسطرمة أو غير ذلك مما يمكنني تحضيره بنفسي فأنا مستعد لاحياء ليلة الدخلة.. ولأن لم أكتب لمخلوق آخر غيرك.. وربما أتمكن من الكتابة اليوم الى جهات متعددة أولها طبعاً الى محمود - وعلى فكرة - أحسن قطار - ممكن أن تحضروا به هو الذي يقوم من مصر الساعة 3 بعد الظهر أو 3.30 لا أدري تماماً - ويحضر اسكندرية الساعة 6.45 وهذا هو أنسب قطار لحضوركم بالسلامة بعد تأدية جميع طلباتكم في الصباح - واعملي ترتيبك ألا تحضري يوم 2 في الشهر أو كلام من ده...

وسأكتب لمحمود عن موعد قيام القطار من مصر - وطبعاً سأكون في انتظار الركاب الغالي ومعي علي خشبة باشا لحمل ما يمكن حمله - وسأقاول تاكسياً معتبراً لنقل جلالة الملكة - ملكة القلب ومعبودة الفؤاد.

ولعل سهير تكون الآن بتمشي حتى تتمكن من النط والعفرتة على شاطئ البحر في الهواء الطلق - وكم أنا مشتاق لرؤياها وتقبيلها.. ولي زمن ما حدش «... عليَّ» وهذه طبعاً حالة لا ترضي.

ان هذا الورق من نوع ردئ وقد يتعبك في قراءة الخطاب، ولكن معذرة لأنه هو الممكن الحصول عليه الآن ولا مؤاخذة.

وسأحدثك عن شيء غريب لاحظته منذ وجودي بالاسكندرية وطبعاً سيفرحك هذا النبأ السار - فانني لا أنام بالنهار - وان فرضنا ونمت فانني لا أزيد عن ساعة واحدة على الأكثر ولعل السبب في ذلك هو حسن الجو وعدم الحرارة - وتصوري انني بالأمس نمت بعد الظهر بحكم العادة - الساعة 3 بعد الظهر - ولما صحيت (لوحدي طبعاً) وكنت قد استرحت تماماً نظرت في الساعة فوجدتها... تفكتري كام..؟؟.. كده بالضبط وبدون مبالغة.. ولو أنك سوف لا تصدقي الساعة 3.45.. فتصوري أن زوجك عاشق النوم يشبع نوم بعد 35 دقيقة....

ان السر في ذلك بدون شك هو انعدام حالة الامساك التي كانت مبهدلة صحتي ومعكرة دمي.

والغريب المدهش أنني هنا مرتبك النظام في مواعيد الأكل والراحة ومع ذلك فلا امساك ولا يحزنون.

النهاية يا توتو - ربنا يعوض صبرنا خير - فلقد تعبت جداً في مصر أكثر من اللازم - وهنا الحالة عال من حيث العمل فمواعيد الطوابير الساعة 8 صباحاً ليس 7 كمصر - والجو في منتهى الابداع لدرجة اني أروح من طريق الجبل الساعة 2 بعد الظهر ومسافة 20 دقيقة تقريباً.. ومع ذلك لا أشعر بأي حرارة بالمرة.

صعبان عليّ ان الورقة خلصت - وعلى فكرة حسين لم يرسل لي خطاباً للآن فهل تعرفين عمل ايه - وأنا كنت قلت له ان لم تفلح حكايته يحضر معكم بالتذكرة درجة 3.

وأخيراً.. يا خسارة... الجواب انتهى - وأخيراً - قبلاتي الى (...) وشوقي لعينيك الساحرتين.. ولسوسو المحبوبة واحترامي الزائد للوالدة وللأخ محمود.

الدايب

يوسف

*********


2-

زوجتي العزيزة

اطمأنت نفسي بعد استئناف رسائلك وسررت لوجودك والأولاد بصحة كاملة - لم أكتب اليك بالأمس لأني كنت نائماً في خط الدفاع حيث انتظرت هناك مدة 48 ساعة.. وفي الفرصة الأولى التي تمكنت من الكتابة كتبت هذا اليك شاكراً لك استئناف الرسائل راجياً أن لا تعودي الى هذا الصمت المزعج مرة أخرى.

وقد كنت ألوم مصلحة البريد في التأخير لولا أن خطاباتك الخالية من التاريخ تتحدث عن مواضيع قديمة وتدل على أنها الرد على خطابات كتبتها اليك منذ أيام طويلة - حتى أنني أصبحت أشك في وصول كل خطاباتي اليك - فمثلاً كتبت لك مرة على ظهر جواب وصلني من المناديلي ولم تذكري لي للآن ما الذي تم في هذا الموضوع.

الحالة هنا لا تشجعني على طلبك للحضور الآن رغم شدة شوقي اليك والى الأنجال وأغلب ظني أننا قد نتمكن بعد يوم 28 الجاري من البت في هذا الموضوع فلننتظر الى ما بعد هذا التاريخ الذي ينتظره العالم أجمع..

بلغي مزيد شكري لحضرة الوالد الشفوق محمد أبو البيه على هذه العاطفة السامية التي أبداها نحوي والتي ان دلت على شيء فانما على ما تنطوي عليه نفسه العالية من السمو والعظمة وبلغيه وجميع أهل منزله العامر تحيتي وسلامي.

قبلاتي لك وللأنجال الأعزاء خصوصاً محمود وأرجو أن تكونوا على خير حال وسلامي الى الوالدة وأرجو أن تكون صحتها جيدة.. والسلام

زوجك يوسف

مرسى مطروح 21/4/1939


***********

3-

زوجتي القاسية

لست أدري كيف يطيب لك يوم لا تكتبين اليّ فيه.

لو أنك تتصورين مدى شغفي ولهفتي ساعة ورود البريد ومدى خيبة الأمل التي تتولاني حين أجده خلوا من رسالة منك لما ذهبت معي الى هذه القسوة القاتلة - وما حيلتي ولك في الحياة مشاغل أهم مني شغلتك عني.

كثيراً ما حاولت الانتقام منك بمثل عملك فخانتني ارادتي فها أنا أكتب اليك كل ساعة في حين لا أتلقى منك رداً الا بالرجاء والالحاح - حتى مللت ذلك الأسلوب من التقريع ولا حياة لمن أنادي.

قد أكون قاسياً ولكنني لن أكون أشد قسوة منك فانني هنا وحيد منعزل عن العالم فلا أقلَّ من أن أقرأ حديثاً عن أولادي كل يوم يعوض عليّ فراقهم الذي حكمت - الظروف في قسوة عنيفة ولم تجعل له أجلاً معلوماً - ولو أن سهير تستطيع الكتابة لما أهملت أباها يوماً واحداً كما تفعلين.

على الرغم من كل هذا مازلت أبعث اليك قبلاتي والى الأنجال الأعزاء، وأرجو أن تكونوا جميعاً على خير حال وسلامي الى الوالدة والى خالك محمد أبو البيه وجميع أهل منزله.

والسلام عليكم

زوجك يوسف..

مرسى مطروح 23/4/1939


****


4-

زوجتي الحبيبة توتو

لم يمنعني عن الكتابة اليك طول هذه المدة غير أنني صريح كما تعلمين ولا أحب أن أخفي شيئاً - وقد كانت حالتي في هذه الأيام ولا تزال حتى كتابة هذا الخطاب غير سارة لأن المرض لازمني بشدة من يوم 13 رمضان حتى أنني اضطررت للافطار من هذا التاريخ للآن وحتى أصبحت نتيجة لهجمات المرض ولعدة عوامل أخرى حالتي في تدهور سريع مستمر - وكنت أحب أن لا أكتب اليك حتى لا أذكر لك شيئاً من ذلك قد يؤثر في صفو حياتك أو حياة أولادك في وقت أحب لكم فيه تمام الهدوء والسعادة والاستجمام.. ولم يدفعني للكتابة اليك الآن الا شدة قلقي على حالة سهير لأنني أشعر أن الأمر أكبر مما وصفته فأرجو بمجرد وصول هذا سرعة افادتي بالتفصيل عن حالة سهير وأسأل الله أن لا يكون بها أكثر من أثر ماء البحر.

كنت في زيارة بيت خالك أمين أمس بمناسبة قبض الماهيات يقصد (المرتبات) ولم أزرهم طول هذه المدة وقد لاموني لوماً شديداً الا أن آثار المرض الظاهرة شفعت لي عندهم، وقد وجدت هناك بثينة وولدها الظريف عادل وهو مخلوق في منتهى الظرف حتى أنني أصبحت لا أسميه حلواظو لأنه أرق من ذلك جداً وجميعهم في شوق اليك، وقد علمت أنك أرسلت اليهم خطاباً وجميعهم يهدونك السلام.

هذا وقد تألمت لعدم كتابة سهير وأرجو أن تكون أصبحت في حالة تمكنها من مشاركتكم في الرد.

وأنني أرجو أن لا تزعجك أخبار مرضي لأنه مرض تافه.. فمثلاً أكتب اليك الآن وأنا في حالة شديدة جداً من الأنفلونزا منذ ثلاثة أيام ودماغي في شدة التعب وهكذا كلها أمراض لا خطورة فيها ولكن فيها عكننة ولعل أوضاع الحياة التي وصلنا اليها معاً بالاشتراك والتضامن تجعل حضرتك مسرورة لوجودي في هذه العكننة ما دمت بعيداً عنك وأنني أحب لك أن تكوني مسرورة دائماً ولو على حساب مزاجي.

وختاماً قبلاتي لوجناتك ووجنات سوسو ومحمد ومحمود وأحمد والى أيادي السيدة الوالدة وسؤالها الرضا والدعاء وسلامي للأخ محمود بك وأولاده وخالك عباس بك وأولاده ونعيمة هانم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته... يوسف

سلامي الى والدتك مع التحفظ الشديد..!!


*****

5-

زوجتي العزيزة

قبلاتي وأشواقي لك وللأنجال الأعزاء وبعد فلقد وصلني خطابك الذي كنت أنتظره بفروغ الصبر كي أطمئن على سلامة وصولكم.

أما ولدي العزيز محمود فانه وحشني جداً وقد تألمت لعدم ضحكه ولعله اكتشف في مصر أخيراً من مضحكاتها الكثيرة ما يبعث في نفسه البريئة الضحك والسرور وأما عن سهير فهي ابنتي العزيزة فلا عجب إن سألت دائماً عنها وعلى رأي المثل من القلب للقلب رسول - وأما الشيخ حيوان فانه لم يوحشني أبداً وقد استرحت من دوشته وغباوته - واذا كان ممكن أتركيه في مصر أو اشحنيه للزاوية أو سلميه للأزهر أو شوفي رأيك فيه.

سلامي الى أهل منزل خالك محمد أبو البيه جميعاً حتى صلاح كمان والى السيدة الوالدة مع التحفظ الشديد - ووالله أنا ما عملت لها حاجة وأنت شاهدة كمان - وأنني أكون سعيداً لو تكرمت بالحضور معك لقضاء فصل الصيف البديع على ذلك الشاطئ الجميل.

هناك شيء آخر كنت لا أريد أن أحدثك عنه ولكن من باب العلم بالشيء وهو أني مريض ولا أذهب للأورطة من اليوم التالي ليوم سفرك مباشرة، وعندي أنفلونزا شديدة جداً نتيجة برد أظن أني أخذته في الليلة السابقة لسفرك عندما كنت أبحث عن العربات في الجبل فقد كانت ليلة شديدة البرد وملابسي كانت خفيفة ولكن الآن صحتى آخذة في التقدم والحمد لله.

وختاماً أرجو لك وللأنجال الأعزاء مقاماً سعيداً بمصر وعوداً حميداً الى مطروح.. ولك قبلاتي الحارة.

زوجك يوسف

ملحوظة: بعدما كتبت الجواب - أرسلت حامد لشراء ورقة بوسته فعاد وقال - حذري ايه - ما لجيتش يا أفندي وأمري لله في ابن المركوب اللي مالقاش ورقة بوستة في مطروح وعلى فكرة أنا مستنيله على غلطة علشان أنفذ رغبتك.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...