مقتطف مولود بن زادي - الأدب الجزائري "حرب الرواية الجزائرية" مقتبسة من رواية "ما وراء الأفق الأزرق" الواقعية

("حرب الرواية الجزائرية" فصل يروي صراع بطل الرواية خالد لأجل الوجود في عالم الكتابة.. إنها ثورة على الاحتكار والإقصاء والتهميش في الحقل الأدبي اعتمادا على قصة حقيقية.. وهي بلا ريب تشكل لونا أدبيا جديدا في الأدب.. إنه صنف أدبي سيري واقعي مستقل يُكتب بحزن وألم منتقدا الاحتكار الأدبي، مطالباً بفتح الفضاء الأدبي للجميع.. فالسماء لا يضيئها نجم واحد أو قلة من النجوم)


الجزء الخامس والأخير\
-وإن كنتَ قد أسأت بي فإنّي سأتغافل عنك وأعدل عن سبيلك هذا، سبيل السوء والغدر والكراهية. سأمضي في سبيلي، في درب مرسوم بألوان الخير والمعروف والإحسان الزاهية. ورغم ما لقيته من جفاء وسوء منك، فإنّي سأحسن إليك، ولن أنتظر منك مقابلا.. أجل، سأمضي في سبيلي. لكن ليس قبل أن أهديك هدية لن يهديك مثلها أي اسم من الأسماء العظيمة التي تدافع عنها.. سأهديك هدية هي في واقع الأمر أجمل هدية في الوجود.. هدية يحلم بها كثير من البشر.. هدية يتصارع من أجلها الأدباء والفنانون.. ويكتب لأجلها الروائيون.. إنها هدية الخلود! أجل، سأهديك هدية الخلود.. فأبشر يا سيدي فإنَّه سيكون لاسمك هذا حظ من الشهرة والخلود من فضلي. ستردّد الأجيال القادمة اسمك لا لكتاب كتبته، ولا لمقال نشرته، وإنما لخطابات الحقيدة والعداوة، وستذكرك لاحتقارك الصغير وهو يسعى للحياة بجوار الكبير. وهل خُلق الكبير كبيرا؟! وهل محكوم على الصغير أن يبقى طول العمر صغيرا؟!! صدق الجاحظ في كتابه (البخلاء) لما ذكر: 'لا تحقروا صغار الأمور، فإن أول كلّ كبير صغير، ومتى شاء الله أن يعظم صغيرا عظمه، وأن يكثر قليلا كثره. وهل بيوت الأموال إلاَّ درهم على درهم؟ وهل الدرهم إلاَّ قيراط إلى جنب قيراط؟'
أجل، سأمضي في طريقي ولن ألتفت خلفي، لكنّي سأكتب بألمٍ عن صراعنا المرير هذا، وسأكتب عني وعنك، وعما حصل مني ومنك، وسأمنحك دور البطولة في فصل من فصول روايتي"
-شرّ تعمل خيرا تلقى أستاذ خالد! لقد أساء الرجل معاملتك، ودخل بيتك دون إذنك، وتهجّم عليك في عقر دارك وأمام أصدقائك، ومع ذلك أشفقت عليه وجازيته بدور البطولة في روايتك القادمة! والله أعجز عن فهمك وفهم منطقك أحياناً! لقد قسَتْ قلوب هؤلاء البشر فهي كالحجارة، فجزاء هؤلاء حتماً العقاب وليس حسن المعاملة!
-والله قلوب بعض هؤلاء البشر كالصخور أو أكثر قسوة. ويحزنني أن أقول إنّ الصخور الصماء التي نصادفها في الطبيعة وإن كانت تبدو صلبة غليظة فإنّها في كثير من الأحايين ألطف من بني آدم. فهي إن اعترضت سبيلنا وتمهلنا وتخطيناها ولم نتعثّر ونسقط، فإنّها ستظلّ في مكانها ثابتة، ولا تلتفت خلفها وتلاحقها لتعبث بنا وتنكّد عيشنا وتدمرنا.
أما البشر الذين ترعت قلوبهم الحقيدة فهم خلاف ذلك تماما. تتقد نفوسهم رغبة في الانتقام، فينجرفون في سبيل الشر والمكر، ويطاردوننا بلا كلل حتى نخرّ أمامهم فتدوسنا أقدامهم أو تخرّ قواهم، فيخرّون هم أمامنا!
-أفهم من كلامك هذا أنه لم يدعك وشأنك رغم ما قلته له؟
-وهل ينفع الكلامُ فيمن هو أصمُّ! لم يتركني وشأني أبداً، لكنّ ذلك لم يفاجئني البتة! فقد علمتني الحياة - وهي خير معلّم - أنّ من أعتاد شيئا في الحياة، لزمه مدى الحياة، فمن استاء منك وخاصمك مرَّة استاء منك وخاصمك ألف مرة، ومن خانك أو جفاك مرَّة خانك أو جفاك ألف مرة، فاحترسي منه!
فقد بقي الرجل مستاءً لا يمرّ يوما إلا وذكرني فيه بسوء. ولشدّ ما تلظَّى غيظا يوم سمع بمشاركتي في إحدى مسابقات الرواية بفصل من روايتي الجديدة. لم يهدأ حتى عثر عنه، فعرضه في صفحته من باب السخرية.
قال عندئذ لأفراد مجموعته: 'إليكم أصدقائي فصل من رواية الكاتب السخيف الذي توهّم أنّه من أدباء المهجر، وظنّ بعض المغفّلين أنّ أسلوبه يماثل أسلوب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة! بالله عليكم، أي أسلوب هذا! لا تبخلوا علينا بآرائكم وتعليقاتكم، فهاتوا ما عندكم، واجتهدوا ما استطعتم حتى نردّه إلى وعيه ورشده، فيرمي القلم من يده، فالكتابة لا تليق به!
وما لبث أن علّق عليه أصدقاؤه. كانت المفاجأة عظيمة وعكس ما كان يتطلّع إليه صاحبنا! قال قائل منهم: 'هذا الفصل يبدو مثيرا، وفيه من ظلال الأدب الكثير.' وقال آخر: 'النصّ مكتوب بأسلوب سهل ممتنع خال من الأخطاء التي كثيرا ما تتردّد في روايات هذا العصر التي يغلب عليها اللفظ الغريب وطابع اللفّ والدوران والأفكار الفلسفية التي يعجز عن فهمها القارئ.' وقال آخر: 'والله يذكّرني هذا النص برواد الأدب العربي في القرن الماضي رحمهم الله كافة.'...
-والله يستحق هذا الرجل اللئيم هذه الفضيحة وأكثر!
-أجل كانت تلك فضيحة! وأيّ فضيحة! انزعج الرجل من ذلك انزعاجا، فعجّل بحذف تلك التعليقات الواحد تلوى الآخر على مرأى من الجميع إخفاء للحقيقة وخيبة الأمل والمهزلة! وما زالت تلك التعليقات تهطل غزيرة كالمطر حتى ضاق منها ذرعا فحذف المنشور برمته! وهذا دليل آخر على فشله في مناوراته وهجماته في حرب ضروس هدفه منها تحطيمي وإبعادي عن عالم الكتابة. فهو من ردد طويلاً عبارة "من المهم التأكد أنه لا وجود لهذا الاسم (ويقصد به اسمي) في عالم الكتابة..."!!
لكنّي رغم ضيق وقتي، قاومته، فكلما حاول التقدم خطوة في ساحة الحرب، دفعته إلى التقهقر خطوتين أو أكثر.. حركتُ أسطولي الرابض في المحيط الأطلسي باتجاه المتوسط، فانطلق منه سرب من أحدث المقاتلات تقصف مواقعه بأعلى تكنولوجيا، من علو عشرين ألف متر على سطح البحر، نسفت مدافعه القديمة، وفجرت آلياته المعطلة، ودمرت دفاعاته الهشة.. وكل ما فعلته من جهتي في واقع الأمر هو مجرّد دفاع عن النفس ورد الاعتداء والسعي للبقاء في هذا الغاب الموحش.
وما برح إلى حدّ الساعة يكرّ ويفرّ في معاركه الفاشلة في هذه الحرب الطويلة.. 'حرب الداحس والغبراء' كما أسماها بعض الأصدقاء، و 'حرب الرواية الجزائرية' مثلما ستذكرها الأجيال الآتية.


هوامش
—————————
- اندلعت حرب الرواية بين موقعين أدبيين "أبوليوس الرواية الجزائرية" و"الرواية الجزائرية" سنة 2013 ودارت أحداثها في مواقع التواصل الاجتماعي والصحف إلى الساعة.. وفيها تلقى الكاتب تهديدا بالأذى أثناء زيارته الوطن.

-. في سنة 2018، أعلن الكاتب انسحابه من المشهد الأدبي لبلاده معللا قراره بعدم تكافؤ الفرص، ليكون أول كاتب يقدم على ذلك في تاريخ الأدب العربي، لينشط كقلم حر، يصب حبره في خدمة الأدب والإنسانية والحضارة.



بقلم: مولود بن زادي كاتب جزائري مقيم في بريطانيا


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...