إبراهيم الحسيني - القوس.. قصة قصيرة

عند جامع البكري , الذي يقع علي أطراف القرية , في الوقت بين المغرب والعشاء , كان الأولاد – الصبيان والبنات – يلعبون ألعاب الليل لا النهار , يثيرون التراب والغبار خلف أقدامهم , وهم يركضون هنا وهناك , يختبئون فرادي في الغيطان – وسط كثافة الظلمة ونقنقة الضفادع وهسيس المزارع – وخلف أسوار الدور الكبيرة , التي يقطنها كبار القوم وأسياد القرية .

نهضت سعدية من مرقدها , ذهبت إلي دورة المياه , تأملت جسدها الذي جف وتيبس , وكاد يتشقق , لمحت طيف حمدان الغائب في بلاد الناس البعيدة , وكانت تشعر بالبرد والقشعريرة.
قالت سعدية لنفسها :
يا رب يا واهب الأرزاق , رجع لي جوزي الغايب في بلاد الناس البعيدة .
بالت ثم اغتسلت , وعادت إلي مرقدها مرة أخري , وكانت لا تزال تشعر بالبرد والقشعريرة .

تسلل الولد زكريا , اقترب من البنت عفاف , لف ذراعيه حول خصرها , خلف سور جنينه الحاج متولي عبد الحق , همس في أذنها بكلمات قليلة , انطلقا بعدها إلي كوخ مهجور , في قراريط حمدان بن عبد الرحيم التي بارت وتشققت .

شق ضوء السيارة – المحملة بالشنط والكراتين – جدار الظلمة السميك .
سمعت سعدية , وهي في مرقدها , طرقات سريعة ومتلاحقة , فنهضت , فتحت المزلاج , وهي تتثاءب .
تأملت وجه الغريب الذي قال , خافضا رأسه : لقد سقط حمدان هناك تحت البلد وزر .
وقال : وكانت تلك حقائبه وأوراقه .
وناولها رزمة من الأوراق المالية ..
وغاب .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...