حمل الحاج والي البندقية علي كتفه ووارب الباب, ثم أطل برأسه , ينظر الطريق و قتامة الليل , تسلل علي أطراف أصابعه, مضي في الحواري , والدنيا كحل , يتلصص حواليه , يرهف السمع إلي أنفاس وخلجات أهالي " بهتيم " , خلف جدران البيوت , يلقي قطعا من لحم حسن الحوفي , الذي مزق بدنه أشلاء , للكلاب التي تنبح في طريقه , إلي أن وصل كوبري ترعة الشاويش , تلفت يمنة ويسرة , وتنهد , ثم أضاء بطارية وأطفأها ثلاث مرات .
دمدم موتور سيارة نصف نقل , كانت مخبأة في دغل من الأشجار , محملة بالرجال الملثمين . قادهم الحاج والي مترجلين , بمحاذاة طريق القبور وسيدي الأعسر , إلي ترعة الخضراوية , وهنا كانت النخلة سامقة .
قال : لقد تخلصت من الحوفي بمفردي , وعليكم النخلة , خذوا ما طاب لكم من البلح والجريد , إما هي لا أريد أن أراها , فتتوها , وارموا كل قطعة بعيدة عن الأخرى.
ووقف علي أياديهم , وهم يعملون بالمناشير الكبيرة والبلط إلي أن اجتثوها.
فكلم نفسه : الحفاة , أولاد الكلب , الجياع , طالت قامتهم , وتطاولوا علي أسياد البلد , ويساوون رءوسهم برءوسنا , ها هي نخلتكم , جثة , تحت قدمي , ولن تعطيكم , بعد اليوم , المربي والعجوة والبلح , فقدتم زيت النخيل وأقفاص الخبز , ولن تجدوا -من الآن- المكانس لتنظيف بيوتكم.
ثم عاد إلي داره , ونام ملء جفونه .
شقشق النهار...
لمت نعيمة الثوب الملون بين فخذيها , وهي لا زالت تحس بلل الحوفي بين وركيها.
وقالت : هديت حيلي من اللف وراءك , من بيت لبيت , ومن حارة لحارة .
ومالت تصب مياه ساخنة مبخرة, من إبريق نحاسي علي جسد الحوفي , الذي يدعكه بالليفة و الصابونة والحجر
قالت : خذ بالك من نفسك , الريح اليوم عاصفة , والسماء ملبدة بالغيوم .
قال , و رغاوي الصابون تغطي رأسه : ربما تكون معنا , أن لم يكن , فقد وضعت الليلة فيك بذرتي .
رمي حسن الحوفي بصره . عند قمة النخلة , يتأملها بدهشة وزهو وفرح , وهمس
" حتى الأمس لم تكن النخلة عالية هكذا "
ثم خلع جلبابه , وتعري إلا من سرواله , وربط طرف السلب حول وسطه , وابتعد بضعة أمتار , يتأمل النخلة مرة ثانية , وثمة عاصفة تهز الجريد و سبائط البلح , وتثير التراب والغبار, ولف السلب علي زنده , نفخ في كفيه , فركهما , وبكل عزمه , طوح الهلب : ليدور في الهواء دورة ودورة , ليستقر بين الجريد .
مطر .. مطر .. مطر ...
في الضحى , استشاط الحاج والي غيظا , وكاد يجن , لما رأي , من نافذة حجرته , الرجال والنساء والصبيان والبنات يروحون ويجيئون , بسبائط البلح حمراء وصفراء وسمراء , وهم يغنون :
يا جريد النخل العالي ..
العالي ..
ميل , وارمي السلام .
هب مذعورا , ينادي أحد خفرائه , الذي هرول إليه ,وقال:
- تطلع السما وتنزل الأرض , وتقول لي من أين هذا البلح ؟
هز الخفير كتفيه مندهشا ,
وقال: من النخل يا حاج .
هوي بكفه علي وجه الخفير ,وقال:
- نخل ايه يا روح امك ؟!
وسار بنفسه إلي ترعة الخضراوية , ليستطلع الخبر اليقين :
كانت الأرض تمتلئ بالنخيل , وأحفاد حسن الحوفي يملئون الوديان .
دمدم موتور سيارة نصف نقل , كانت مخبأة في دغل من الأشجار , محملة بالرجال الملثمين . قادهم الحاج والي مترجلين , بمحاذاة طريق القبور وسيدي الأعسر , إلي ترعة الخضراوية , وهنا كانت النخلة سامقة .
قال : لقد تخلصت من الحوفي بمفردي , وعليكم النخلة , خذوا ما طاب لكم من البلح والجريد , إما هي لا أريد أن أراها , فتتوها , وارموا كل قطعة بعيدة عن الأخرى.
ووقف علي أياديهم , وهم يعملون بالمناشير الكبيرة والبلط إلي أن اجتثوها.
فكلم نفسه : الحفاة , أولاد الكلب , الجياع , طالت قامتهم , وتطاولوا علي أسياد البلد , ويساوون رءوسهم برءوسنا , ها هي نخلتكم , جثة , تحت قدمي , ولن تعطيكم , بعد اليوم , المربي والعجوة والبلح , فقدتم زيت النخيل وأقفاص الخبز , ولن تجدوا -من الآن- المكانس لتنظيف بيوتكم.
ثم عاد إلي داره , ونام ملء جفونه .
شقشق النهار...
لمت نعيمة الثوب الملون بين فخذيها , وهي لا زالت تحس بلل الحوفي بين وركيها.
وقالت : هديت حيلي من اللف وراءك , من بيت لبيت , ومن حارة لحارة .
ومالت تصب مياه ساخنة مبخرة, من إبريق نحاسي علي جسد الحوفي , الذي يدعكه بالليفة و الصابونة والحجر
قالت : خذ بالك من نفسك , الريح اليوم عاصفة , والسماء ملبدة بالغيوم .
قال , و رغاوي الصابون تغطي رأسه : ربما تكون معنا , أن لم يكن , فقد وضعت الليلة فيك بذرتي .
رمي حسن الحوفي بصره . عند قمة النخلة , يتأملها بدهشة وزهو وفرح , وهمس
" حتى الأمس لم تكن النخلة عالية هكذا "
ثم خلع جلبابه , وتعري إلا من سرواله , وربط طرف السلب حول وسطه , وابتعد بضعة أمتار , يتأمل النخلة مرة ثانية , وثمة عاصفة تهز الجريد و سبائط البلح , وتثير التراب والغبار, ولف السلب علي زنده , نفخ في كفيه , فركهما , وبكل عزمه , طوح الهلب : ليدور في الهواء دورة ودورة , ليستقر بين الجريد .
مطر .. مطر .. مطر ...
في الضحى , استشاط الحاج والي غيظا , وكاد يجن , لما رأي , من نافذة حجرته , الرجال والنساء والصبيان والبنات يروحون ويجيئون , بسبائط البلح حمراء وصفراء وسمراء , وهم يغنون :
يا جريد النخل العالي ..
العالي ..
ميل , وارمي السلام .
هب مذعورا , ينادي أحد خفرائه , الذي هرول إليه ,وقال:
- تطلع السما وتنزل الأرض , وتقول لي من أين هذا البلح ؟
هز الخفير كتفيه مندهشا ,
وقال: من النخل يا حاج .
هوي بكفه علي وجه الخفير ,وقال:
- نخل ايه يا روح امك ؟!
وسار بنفسه إلي ترعة الخضراوية , ليستطلع الخبر اليقين :
كانت الأرض تمتلئ بالنخيل , وأحفاد حسن الحوفي يملئون الوديان .