هذه المدينة صارت ضيقة وقبيحة ، دخان المصانع ، وأبواق السيارات ، ونداءات الباعة الجائلين ، وضجيج الورش والمقاهي والمطاعم والزحام ، والطرق المتربة والغبار والبيوت التي تركب أنفاسي ، والحواري شرايين مكدسة بالقمامة ونفايات البشر ورائحة العرق وحصار صهد الصيف .
وكنت أتطلع من شرفة بيتنا ، علي مدد الشوف ، إلي بقعة ظل أو خضرة ، التنفس .. التنفس .. شجرة واحدة يا الله .
كان أمام بيتنا ، وحوله ، حديقة للبرتقال والليمون والجوافة والعنب والبرقوق ، والزهور : زهور حمراء وصفراء وبيضاء وخضراء ، وكنت أعشق الجلوس في الشرفة ، عندما يكون الربيع مكتملا ، والنهار ينبلج ، والأوراق الخضراء مبتلة بالندي ، والشمس وردتنا تصعد الأفق .
وكان أبي في الليالي القمرية ، يأخذنا ، نتسلق الشجر ، ونقطف الثمار ، ثم نأتي ، نتجمع حوله ، وهو يوزع أنصبة أبناء عمومتي وخالتي والأصدقاء والجيران ، نحملها إليهم في سلال صغيرة ، نعود بها ممتلئة ، بالخضار والبيض والجين والزبد واللبن .
وكنت أختار من الفواكه الليمون ، فأنا أحب الليمون ، وأمضى أتمدد بمفردي علي العشب ، تحت شجرة كثيفة ، أطوح الليمون إلي أعلى ، ثم أتلقفه بيدي ، علي ضوء القمر ، الذي يتسلل عبر الغصون والأوراق ، وأدير ليمونة تلو ليمونة ، بين شفتي ، وأتحسسها بلساني ، إلي أن تطرى ، تنهض ذكورتي ، أمص وأمص ، حتى تبتل ملابسي ، ويهب النسيم .
وذات خريف ، والأشجار عارية ، وكان أبي ميتا منذ شهور ، علي أثر هزيمة يونيو ، جاء نفر من الرجال ، ظلوا يعملون بمناشير كبيرة وبلط ، إلي أن اجتثوا حديقتنا ، ووقف بيتنا القديم هذا عاريا ، تتآكل جدرانه وتتشقق ، وتبهت ألوانه .
وكان في ما مضى جميلا شامخا ومهيبا ، تدب الحياة ، في كل جنباته ، أثناء الليل والنهار ، فأنا لي أربعة أعمام ، كان جدي يتأملهم بزهو وفرح ، انتحر أكبرهم عبد العال ، عاد ، ذات ظهيرة ، من جولته ، علي ظهر حصان أشهب ، في أملاك جدي ، التي كانت ستباع صباح غد ، في مزاد علني ، لبنك الخواجات ، بعد أن أكل ، من غيطان أبيه : عشرين رطل طماطم ، وعشرة أرطال قته ، وعشرة أرطال خيارا ، وذبح بمطواته – قرن الغزال- دجاجتين وحمامتين وإوزة وذكر بط وعنزة ، أتي عليهم حتى العظام ، وضاجع زوجتيه مرات ومرات ، ثم توارى وحيدا .
ولما دخلت جدتي الزريبة , كان لسانه يتدلى , وعيناه جاحظتين , وجسده تطوحه رياح خماسينية.
يومها كان أبي يساق مكبلا بالحديد إلي السجن , بعدما باغت مندوب البنك , وطعنه بخنجر جديد , طعنات نافذة ومتتالية , أردته قتيلا , وظل أبي أربع سنوات , يكسر الحجارة في الجبل , وفي الليل يتكوم بين جدرانه.
أما الثاني أحمد , مات وراء أبي بسبعة شهور , وكان فرانا ماهرا , والوحيد من أبناء جدي , الذي يفك الخط , ويقرأ الجورنال , وقد عهد أبي إليه , دون إخوته , فهو أكثرهم خبرة بالمهنة وأهل المهنة , بإدارة أهم مخابزه , بوغت به أبي , مساء ليلة شتوية , متورم القدمين , في مقهى الصنايعية, بباب الشعرية:
- أنا جعان وعطشان يا مندور .
فظلا رفيقين , وجابا معا أرجاء القطر , من أقصاه إلي أقصاه , بحثا عن القوت والعمل , تزوج امرأتين , ولم ينجب إلا طفلا , نزل من فرج أمه ميتا , وكان أكثر أبناء جدي طولا ونحافة , محدودب الظهر من كثرة الانحناء أمام الفرن , كثيرا ما كان يهجر الفرن , ويأتي , في ليالي الصيف المقمرة , حديقة بيتنا , ينام تحت الشجر , يأكل من ثماره , ويتغوط خلف جذوعه , ودائما يقول أبي :
- دعوه وشأنه .
فقد مزق عقدا للمشاركة في كل أملاكنا , قدمه إليه أبي , وقال :
- يا مندور , لا أريد أن أكون مالكا إلا لنفسي .
وقد فوجئت به صباح 5 يونيو , يوقظني من نومي , وقال :
- هات الخريطة .
أتيت له بها .
قال وهو يشير بسلخة من جريد :
- من هنا تهجم جيوش مصر , ومن هنا تهجم جيوش سوريا , ومن هنا تهجم جيوش الأردن , نحن نحاصرهم , وسوف نحرر فلسطين .
ولما سمع خطاب التنحي , لم يذهب إلي قصر القبة كغيره , بحث عن أقرب بار , ولم يغادره إلا يوم جنازة أبي , التي عاد منها إلي حديقة بيتنا ,وظل بها إلي أن وجدناه , صباح أربعاء , ميتا بين فروع شجرة برتقال كبيرة .
والثالث من أبناء جدي محمود , لونه بني محروق,
كان جدي يناديه :
- يا عبد .
وهو من بعده ينادي احدي بناته :
- يا جارية !!
ولما ضاعت ما بين الحربين الكبيرتين أملاك جدي , أبى , دون أخوته , أن يهجر دمهوج , موضع رأسه , وعمل فلاحا من طلعة الشمس لغروبها , في غيطان الآخرين , وعندما يندر العمل , وتشح اللقمة , وتطول به القعدة , يسب الدنيا والدين , ويتسلل في أنصاف الليالي , يسرق الدجاج والبط , إن لم يتمكن من الحمير , التي يلونها ويبيعها في الأسواق البعيدة , ثم يعود ألي جدي , ويقول :
- خذ يا أبي , نحن خيرنا عليهم جميعا .
ويغيب بضعة أيام , ليظهر فجأة , ويقول :
- التفاهم مع الأموات أفضل كثيرا من هؤلاء .
ويشير بسبابته ألي دور دمهوج , ويصمت , يصوم عن الكلام مع البشر , بضعة أيام , لا يفتح خلالها فمه , ولا يحرك لسانه , إلا لازدراد الطعام , وشرب المياه , وتدخين الجوزة , ورشف الشاي الأسود , تزوج امرأة , فظة , غليظة القلب , أنجب منها ثلاثة أولاد وبنتين , غرق أكبرهم في ترعة الاسماعيلية , يوم أربعين أبي .
ولما فتح الله علي أبي بالمخابز والمحلات , وحاز الأرض والحديقة والبيوت والسيارات النقل والأجرة والملاكي , ولاه الأرض , رفض , اشترت له أمي وزوجات أعمامي ثلاث بقرات وجاموسة شرك , باعهم في سوق الخميس , وقال:
- البهايم ماتت .
أعطاه أبي فدانا , وقال :
- هذا لك طول .
بنى به خصا , وأقام هناك الليل والنهار , ألي أن جاء عمي الرابع , لبناء بيت مكان دار جدي التي تهدمت , اختفى يومين , ثم عاد من القبور , وقال:
- أبي لم يوافق علي بناء الدار .
قطع أبي عنه المرتب ستة شهور , وذهب إليه , وقال :
- هات لنا أباك , يقول لنا ذلك .
وشيد عمي الرابع بيتا لنا وله بالطوب الأحمر والخرسانة , ودارا لعمي محمود بالطين والقش .
إذا رأيت أحدا ينحني علي الأرض , ليلتقط مسمارا أو صامولة أو حديدة صدئة أو قطعة خشب متآكلة , هو بالتأكيد عمي الرابع , شريك أبي في أملاكه , أراد أن يتزوج أمي , بعد وفاة أبي , ولما رفضت , قال :
- أنتم في طريق , وأنا في طريق .
دائما ما قال جدي عنه :
- مدكور براوي لا يحب أهله .
الوحيد من أبناء جدي , الذي كان قبل وفاة أبي , يحب الاستحمام والعطور والوقوف فترات طويلة أمام المرآة , وارتداء الثياب الفاخرة , وأكل المانجو , وهو دون أخوته , دخل الجيش أثناء الاحتلال البريطاني , رأته زوجة قائد المعسكر , أبيض البشرة , ملون العينين , وقوي البنيان , فتنت به , واختارته للقيام بأعمال البيت , وحراسته من هجمات الفدائيين , وهناك خالط الإنجليز والفرنساوييين والطليان واليونانيين , وظل طوال خدمة الجيش , علي سرير القائد , وفي أحضان زوجته , يتعلم الرقص وسماع الموسيقي والغناء , ويتمتع معها , في غياب القائد , بفنون الجنس والهوى , وظلت تأتيه بعد خروجه من الجيش , حيث هو , في دمهوج أو قليوب أو بهتيم , إلي أن رحلت بعد عدوان 1956 , لكنها للآن لا زالت تتبادل معه الرسائل .
ولما خرج أصابته حصوة في الكلى , جعلته يجأر كحيوان جريح , في ليالي الشتاء الطويلة , فشق الطبيب بطنه , وقال :
- تلزمه راحة دائمة والا عاوده المرض كل بضعة شهور .
تزوج امرأة , قصيرة , شديدة الدهاء , أنجب منها أربعة صبيان وبنتين , ولما أهدانا أحد كبار المسئولين بالدولة تليفزيونا , قبل أن يدخل التليفزيون مصر , استأثر به , أوثقه أبي بالحبال , وجره إلي مدافن بهتيم , وقال :
- إنه للجميع وألا دفنتك حيا .
وشاء السرطان أن يحمل هو جثة أبي , في جنازة مهيبة إلي القبور , وحين عاد , فوجئت به , يصفعني علي وجهي , ويرفسني بقدمه , حتى جرح رئتي , وكسر أحد ضلوعي , وأقعدني علي هذه الدراجة لا أتحرك .
وكنت أتطلع من شرفة بيتنا ، علي مدد الشوف ، إلي بقعة ظل أو خضرة ، التنفس .. التنفس .. شجرة واحدة يا الله .
كان أمام بيتنا ، وحوله ، حديقة للبرتقال والليمون والجوافة والعنب والبرقوق ، والزهور : زهور حمراء وصفراء وبيضاء وخضراء ، وكنت أعشق الجلوس في الشرفة ، عندما يكون الربيع مكتملا ، والنهار ينبلج ، والأوراق الخضراء مبتلة بالندي ، والشمس وردتنا تصعد الأفق .
وكان أبي في الليالي القمرية ، يأخذنا ، نتسلق الشجر ، ونقطف الثمار ، ثم نأتي ، نتجمع حوله ، وهو يوزع أنصبة أبناء عمومتي وخالتي والأصدقاء والجيران ، نحملها إليهم في سلال صغيرة ، نعود بها ممتلئة ، بالخضار والبيض والجين والزبد واللبن .
وكنت أختار من الفواكه الليمون ، فأنا أحب الليمون ، وأمضى أتمدد بمفردي علي العشب ، تحت شجرة كثيفة ، أطوح الليمون إلي أعلى ، ثم أتلقفه بيدي ، علي ضوء القمر ، الذي يتسلل عبر الغصون والأوراق ، وأدير ليمونة تلو ليمونة ، بين شفتي ، وأتحسسها بلساني ، إلي أن تطرى ، تنهض ذكورتي ، أمص وأمص ، حتى تبتل ملابسي ، ويهب النسيم .
وذات خريف ، والأشجار عارية ، وكان أبي ميتا منذ شهور ، علي أثر هزيمة يونيو ، جاء نفر من الرجال ، ظلوا يعملون بمناشير كبيرة وبلط ، إلي أن اجتثوا حديقتنا ، ووقف بيتنا القديم هذا عاريا ، تتآكل جدرانه وتتشقق ، وتبهت ألوانه .
وكان في ما مضى جميلا شامخا ومهيبا ، تدب الحياة ، في كل جنباته ، أثناء الليل والنهار ، فأنا لي أربعة أعمام ، كان جدي يتأملهم بزهو وفرح ، انتحر أكبرهم عبد العال ، عاد ، ذات ظهيرة ، من جولته ، علي ظهر حصان أشهب ، في أملاك جدي ، التي كانت ستباع صباح غد ، في مزاد علني ، لبنك الخواجات ، بعد أن أكل ، من غيطان أبيه : عشرين رطل طماطم ، وعشرة أرطال قته ، وعشرة أرطال خيارا ، وذبح بمطواته – قرن الغزال- دجاجتين وحمامتين وإوزة وذكر بط وعنزة ، أتي عليهم حتى العظام ، وضاجع زوجتيه مرات ومرات ، ثم توارى وحيدا .
ولما دخلت جدتي الزريبة , كان لسانه يتدلى , وعيناه جاحظتين , وجسده تطوحه رياح خماسينية.
يومها كان أبي يساق مكبلا بالحديد إلي السجن , بعدما باغت مندوب البنك , وطعنه بخنجر جديد , طعنات نافذة ومتتالية , أردته قتيلا , وظل أبي أربع سنوات , يكسر الحجارة في الجبل , وفي الليل يتكوم بين جدرانه.
أما الثاني أحمد , مات وراء أبي بسبعة شهور , وكان فرانا ماهرا , والوحيد من أبناء جدي , الذي يفك الخط , ويقرأ الجورنال , وقد عهد أبي إليه , دون إخوته , فهو أكثرهم خبرة بالمهنة وأهل المهنة , بإدارة أهم مخابزه , بوغت به أبي , مساء ليلة شتوية , متورم القدمين , في مقهى الصنايعية, بباب الشعرية:
- أنا جعان وعطشان يا مندور .
فظلا رفيقين , وجابا معا أرجاء القطر , من أقصاه إلي أقصاه , بحثا عن القوت والعمل , تزوج امرأتين , ولم ينجب إلا طفلا , نزل من فرج أمه ميتا , وكان أكثر أبناء جدي طولا ونحافة , محدودب الظهر من كثرة الانحناء أمام الفرن , كثيرا ما كان يهجر الفرن , ويأتي , في ليالي الصيف المقمرة , حديقة بيتنا , ينام تحت الشجر , يأكل من ثماره , ويتغوط خلف جذوعه , ودائما يقول أبي :
- دعوه وشأنه .
فقد مزق عقدا للمشاركة في كل أملاكنا , قدمه إليه أبي , وقال :
- يا مندور , لا أريد أن أكون مالكا إلا لنفسي .
وقد فوجئت به صباح 5 يونيو , يوقظني من نومي , وقال :
- هات الخريطة .
أتيت له بها .
قال وهو يشير بسلخة من جريد :
- من هنا تهجم جيوش مصر , ومن هنا تهجم جيوش سوريا , ومن هنا تهجم جيوش الأردن , نحن نحاصرهم , وسوف نحرر فلسطين .
ولما سمع خطاب التنحي , لم يذهب إلي قصر القبة كغيره , بحث عن أقرب بار , ولم يغادره إلا يوم جنازة أبي , التي عاد منها إلي حديقة بيتنا ,وظل بها إلي أن وجدناه , صباح أربعاء , ميتا بين فروع شجرة برتقال كبيرة .
والثالث من أبناء جدي محمود , لونه بني محروق,
كان جدي يناديه :
- يا عبد .
وهو من بعده ينادي احدي بناته :
- يا جارية !!
ولما ضاعت ما بين الحربين الكبيرتين أملاك جدي , أبى , دون أخوته , أن يهجر دمهوج , موضع رأسه , وعمل فلاحا من طلعة الشمس لغروبها , في غيطان الآخرين , وعندما يندر العمل , وتشح اللقمة , وتطول به القعدة , يسب الدنيا والدين , ويتسلل في أنصاف الليالي , يسرق الدجاج والبط , إن لم يتمكن من الحمير , التي يلونها ويبيعها في الأسواق البعيدة , ثم يعود ألي جدي , ويقول :
- خذ يا أبي , نحن خيرنا عليهم جميعا .
ويغيب بضعة أيام , ليظهر فجأة , ويقول :
- التفاهم مع الأموات أفضل كثيرا من هؤلاء .
ويشير بسبابته ألي دور دمهوج , ويصمت , يصوم عن الكلام مع البشر , بضعة أيام , لا يفتح خلالها فمه , ولا يحرك لسانه , إلا لازدراد الطعام , وشرب المياه , وتدخين الجوزة , ورشف الشاي الأسود , تزوج امرأة , فظة , غليظة القلب , أنجب منها ثلاثة أولاد وبنتين , غرق أكبرهم في ترعة الاسماعيلية , يوم أربعين أبي .
ولما فتح الله علي أبي بالمخابز والمحلات , وحاز الأرض والحديقة والبيوت والسيارات النقل والأجرة والملاكي , ولاه الأرض , رفض , اشترت له أمي وزوجات أعمامي ثلاث بقرات وجاموسة شرك , باعهم في سوق الخميس , وقال:
- البهايم ماتت .
أعطاه أبي فدانا , وقال :
- هذا لك طول .
بنى به خصا , وأقام هناك الليل والنهار , ألي أن جاء عمي الرابع , لبناء بيت مكان دار جدي التي تهدمت , اختفى يومين , ثم عاد من القبور , وقال:
- أبي لم يوافق علي بناء الدار .
قطع أبي عنه المرتب ستة شهور , وذهب إليه , وقال :
- هات لنا أباك , يقول لنا ذلك .
وشيد عمي الرابع بيتا لنا وله بالطوب الأحمر والخرسانة , ودارا لعمي محمود بالطين والقش .
إذا رأيت أحدا ينحني علي الأرض , ليلتقط مسمارا أو صامولة أو حديدة صدئة أو قطعة خشب متآكلة , هو بالتأكيد عمي الرابع , شريك أبي في أملاكه , أراد أن يتزوج أمي , بعد وفاة أبي , ولما رفضت , قال :
- أنتم في طريق , وأنا في طريق .
دائما ما قال جدي عنه :
- مدكور براوي لا يحب أهله .
الوحيد من أبناء جدي , الذي كان قبل وفاة أبي , يحب الاستحمام والعطور والوقوف فترات طويلة أمام المرآة , وارتداء الثياب الفاخرة , وأكل المانجو , وهو دون أخوته , دخل الجيش أثناء الاحتلال البريطاني , رأته زوجة قائد المعسكر , أبيض البشرة , ملون العينين , وقوي البنيان , فتنت به , واختارته للقيام بأعمال البيت , وحراسته من هجمات الفدائيين , وهناك خالط الإنجليز والفرنساوييين والطليان واليونانيين , وظل طوال خدمة الجيش , علي سرير القائد , وفي أحضان زوجته , يتعلم الرقص وسماع الموسيقي والغناء , ويتمتع معها , في غياب القائد , بفنون الجنس والهوى , وظلت تأتيه بعد خروجه من الجيش , حيث هو , في دمهوج أو قليوب أو بهتيم , إلي أن رحلت بعد عدوان 1956 , لكنها للآن لا زالت تتبادل معه الرسائل .
ولما خرج أصابته حصوة في الكلى , جعلته يجأر كحيوان جريح , في ليالي الشتاء الطويلة , فشق الطبيب بطنه , وقال :
- تلزمه راحة دائمة والا عاوده المرض كل بضعة شهور .
تزوج امرأة , قصيرة , شديدة الدهاء , أنجب منها أربعة صبيان وبنتين , ولما أهدانا أحد كبار المسئولين بالدولة تليفزيونا , قبل أن يدخل التليفزيون مصر , استأثر به , أوثقه أبي بالحبال , وجره إلي مدافن بهتيم , وقال :
- إنه للجميع وألا دفنتك حيا .
وشاء السرطان أن يحمل هو جثة أبي , في جنازة مهيبة إلي القبور , وحين عاد , فوجئت به , يصفعني علي وجهي , ويرفسني بقدمه , حتى جرح رئتي , وكسر أحد ضلوعي , وأقعدني علي هذه الدراجة لا أتحرك .