إبراهيم الحسيني - الحدود.. قصة قصيرة

- الليل الليل هز يا ميمون .
- .......................
- أرقص يا ميمون .
- .....................
- تحرك يا ميمون , أقفز .
- ..........................
- نوم العازب يا ميمون , هيا .
- مولاي , عليك أن تعيد راسك , من حجر الخليفة أولا .

خاصمتك الدنيا , وفر ميمون يا مروان .
أطبق الصمت , وهجعت المدينة في عز النهار .
ثم مضى , وارب الباب .
وكان الطقس رديئا : الغيوم رمادية , وفروع الشجر – خلف النوافذ – جافة وعارية , والخريف يلفظ أنفاسه الأخيرة .
وأغلق باب الحجرة وراءه .

الليل الطويل قادم , الجدران رطبة , والبرد ينفذ في الجسد حتى النخاع .
أشعل فحم المدفأة .
الليل الليل هز يا ميمون .
و تشخلل الشخاليل , تلعب أصابع مروان بدربة ومهارة , تضرب جلد الدف المشدود .......
يخرج النغم .......
ويتجمع في حواري المدينة , الصبيان والبنات والرجال والنساء .
- أرقص يا ميمون .
يرقص .
- أقفز يا ميمون .
يقـفـز .
- وسلام للبيه .
يعـظـم .
- وعجين الفلاحة يا ميمون
يضرب الهواء بساقيه الأماميتين .
- ونوم العازب يا ميمون .
يقـر فـص .

جمع مروان القادة والحراس في حجرة الاجتماعات الواسعة :
- أصدقوني القول , ألا زال رأسي فوق رقبتي .
- مولاي وجهك يضئ الأرض .
- وقامتك شامخة .
- وعيناك وسط رأسك .
فكتب مروان علي لوحة من ماء .
" نحن لا زلنا نملك أدوات تحرير .......... "
ونام في تلك الليلة هادئا مطمئنا .

تسلق ميمون الأسوار والأشجار , تقلب علي عشب أخضر مشذب ورائحته طيبة , قفز هنا وهناك يقفز ثمار الموز و العنب والبرقوق , أكلها , وصعد إلي شرفة القصر , وانتظر مروان إلي أن انتهي من امتطاء إحدى جواريه , ودخل عليه .
- أهلا ميمون , قرصك الجوع , فعدت .
- جئت أصدقك القول يا مولاي .
- القادة أكدوا لي كذبك وافتراءك .
- خدعوك يا مروان , وما عليك إلا أن تنظر في عيني جاريتك .
وفي الفجر : أطاح السياف برقبتها , لأن عيونها تكذب .
رفع الحراس والخدم المرايا ورخام القصر , لكن مروان فوجئ بظله علي الجدران .

طار الخنجر يشـق الهواء , أسرع من حمامة , ومر فوق رقبة مروان , ليستقر في بطن أحد جنوده فشهق وجحظت عيناه , تحية لمولاه , الذي كلم نفسه .
" الحمد لله أنني نزعت رأسي عن جسدي منذ زمن طويل , و إلا أصابني هذا الخنجر الملعون في مقتل , ليأت ميمون ويرى."
- ميمون الخليفة يريدك , وأنت الآن في قبضتي , أستطيع أن آمر , فتجوع وتتعرى , بل وتموت أيضا .
- لكني لن أرقص هناك يا مروان .
- أنا مروان يا ميمون , لحم أكتافك من خيري .
- نعم , كنت أرقص وألعب , وتجمع أنت النقود يا مولاي .

تأمل مروان أظافره التي طالت , وتقوست , وشعره الذي تكاثف وغطى جسده , وقرأ بعناية شديدة الخطاب الأخير من الخليفة :
" نحن في شوق , ولم نعد نحتمل , إلي رقص ميمون وألعابه التي شوقتنا إليها . "
الناس أنكروني , والذكريات هجرتني , والأردية سقطت عن جسدي , القادة والحراس يديرون ظهورهم, ورعاياي يشيرون :
- عورتك يا مولاي .
ولف السلسلة حول رقبته .

صهل الحصان , وقفز عاليا , دفع الباب بقدميه , ورمـح .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...