إبراهيم خليل العلاف - الى استاذي الدكتور عمر محمد الطالب

الأستاذ الدكتور عمر محمد الطالب ، أستاذي العزيز ، وأحد الذين تتلمذت عليهم ، منذ كنت طالبا في الثانوية الشرقيةبالموصل أوائل الستينات من القرن الماضي ، علم من أعلام العراق والوطن العربي .. كاتب وباحث وناقد وقصصي وروائي وأستاذ جامعي ، ومعلم يتقن فن إيصال الفكرة إلى الطالب والمتلقي ، تربت على يديه أجيال وأجيال ، أوجه إليه اليوم التحية ، وأدعو الله أن يحفظه ويمتعه بالصحة والعافية .. وكم نحن مقصرين إزاءه نحن تلاميذه ، وأصدقاءه ، وزملائه .. فمثله ينبغي أن يكرم كل يوم .. فلقد عرف الرجل بالنشاط والحيوية .. ولم يألوا جهدا في أن يبث في روح طلابه ، الأمل والتفاؤل .. انه مثال للأستاذ الجامعي الذي لايحيط نفسه بهالة ، ويجلس بعيدا عن تلاميذه ومجتمعه .. تعلمت منه الكثير .. تعلمت منه فن التدريس .. لم يكن هناك (مدرس) مثله في قدراته التربوية .. كان يعلمنا كيفية استخدام السبورة .. كان يلقي درسه ويلخصه خطوة خطوة على السبورة .. ثم يعيد الدرس في نهاية (الحصة) استنادا إلى الملخص السبوري .. كان يعلمنا كيف نقرأ ؟ وكيف نحلل ؟ وكيف نفكر ؟ .. كان يربي فينا شخصية الباحث ، وعقلية الأستاذ ، وروحية الإنسان ، وصدقه ، وانضباطه ، ومواظبته . كنا ، نحبه ونحترمه ، ونجله ، وله مكانة كبيرة بين الطلبة .. كما أن زملاءه المدرسين كانوا يحترمونه ويقدرونه .. كان يبكر في الحضور إلى المدرسة .. وكان يربي الطلبة على الحوار .. يتساءل ويجيب ويعترض ، ويترك الطالب يعبر عن رأيه ،ولكن يصحح له ، ويدربه ، وينمي فيه قدرة الدفاع عن رأيه .. كان يتابع الصحف .. ويكتب وينشر .. كان له ولا يزال حضور فاعل في الساحة الثقافية الموصلية والعراقية والعربية .
أتذكر بأنه كان يكلفني أن استنسخ له بعض مقالاته وقصصه ، كان هذا قبل أن ينتشر التصوير .. وقد اطلعت منذ وقت مبكر على جانب كبير من انتاجه الادبي والثقافي وكنت أزوره في بيته عصرا ، فأجد هناك نخبة من الأدباء والشعراء والكتاب ، يجلسون عنده ويستأنسون بآرائه النقدية .
عمر محمد الطالب ، علامة بارزة في تاريخ الحركة الثقافية الموصلية والعراقية والعربية .. لا افتح موسوعة إلا وللطالب فيها إسهام بارز .. ولا اقرأ فهرسا إلا وله فيه ذكر وحضور .. ولا اقلب مجلة إلا وقد كتب فيها مقالة أو دراسة أو نقدا .. لقد كان يشجع الشباب من الأدباء ، والشعراء ، وكتاب القصة ، ويشد على أيديهم ، وينتقد أعمالهم بهدف تقويمها .. انه أستاذ وشيخ .. أستاذ له تلاميذه الذين يعتزون بالتلمذة على يديه ، وشيخ له مرده يلتفون حوله ويتعلمون منه وينقلون أفكاره .
لا اعرف أستاذا له كل هذا الاهتمام بالسينما .. انه مرجع كبير في حركة السينما العراقية والعربية والعالمية .. وله كتابات كثيرة في هذا الميدان .. كتب القصة ، وكتب الرواية ، وكتب في النقد ، وكتب في الاعلام ، وكتب في الثقافة . وقد يعجب البعض عندما أقول لهم أن الدكتور عمر محمد الطالب درسنا الاقتصاد وكان من أبرز أساتذة الاقتصاد في العراق ، وطلبته يحصلون على أعلى الدرجات في الامتحانات العامة .. وقد أحببنا مادة الاقتصاد ، لان عمر الطالب هو الذي كان يدرسنا إياها ..
ماذا اكتب عن عمر الطالب .. فالكتابة عنه تحتاج إلى مجلدات .. وكل مجلد يتناول جانبا واحدا من اهتماماته .. وقد أحسن صديقنا الأستاذ حميد المطبعي عندما كتب عنه في موسوعته : ( أعلام العراق في القرن العشرين ) ومما قاله عن الطالب انه من مواليد الموصل سنة 1932 .. ناقد قصة ومسرحية ، وكاتب درس في دار المعلمين العالية ببغداد وتخرج فيها متخصصا بآداب اللغة العربية سنة 1953 .. وكما هو معروف فانه درس في كليتين في وقت واحد ، فلقد أحرز بكالوريوس آداب اللغة العربية من دار المعلمين العالية ، وبكالوريوس قانون من كلية الحقوق ، وهذه حالة نادرة جدا لأنها تحتاج إلى جهد ، والى قدرة في التوفيق بين الدراستين .. والغريب انه بعد أن تخرج درس الاقتصاد !! .
لم يقف الطالب عند هذا الحد بل أكمل دراساته العليا فحصل على الدكتوراه من كلية الآداب بجامعة عين شمس بمصر .. وعاد إلى وطنه وأصبح أستاذا في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة الموصل ، ورئيسا لقسم اللغة العربية فيها ، ثم رئيسا لقسم اللغة العربية في كلية التربية ، وبين 1984 و1988 درس في كلية الآداب ـ جامعة الحسن الثاني في المملكة المغربية .. وقد حضر ندوات ومؤتمرات عديدة داخل القطر وخارجه .. كما كرم من أكثر من جهة .. حصل على جائزة الناقد المتميز للمسرح العراقي سنة 1977، وبعدها كرم في جامعة الموصل .. ومع انه لم يسع إلى التكريم ، لكن التكريم هو الذي كان يسعى إليه فالرجل يكتب ويترك ما يكتبه بين أيدي القراء والنقاد .. والمهم عنده أن تصل كلمته . والوعاء لم يكن يهمه .. كتب في جريدة الموصل المحلية (الحدباء)مقالات كثيرة ولسنوات طوال وشغل مناصب عديدة وكان عضوا في هيئات تحرير صحف ومجلات موصلية وعراقية كما كان مستشارا لمجلات أخرى .. ألف كتبا كثيرة يحتاج المرء لسردها صفحات وصفحات .. لكن ما لايدرك كله لا يترك بعضه .. له أكثر من (35) كتابا مطبوعا منها كتابه :(ملامح المسرحية العربية) وكتابه (القصة القصيرة الحديثة في العراق) وكتابه ( قراءة ثانية في البارودي) وكتابه (القلق والاغتراب في الشعر الجاهلي) وكتابه (الاتجاه الواقعي في الرواية العراقية) وكتابه( اثر البيئة في الحكاية الشعبية العراقية) وكتابه( أدب الأطفال في العراق) وكتابه( الحرب في القصة العراقية) وكتابه( القصة في الخليج العربي) وكتابه( نظرات في فنون الأدب )وكتابه( منهج الدراسات الأدبية الحديثة) وكتابه (القصة القصيرة في العراق بعد ثورة 14 تموز 1958) وكتابه( المسرحية العربية في العراق) وكتابه( كاتبات القصة في العراق) وكتابه( المسرح العربي الإسلامي) وكتابه (الرواية العربية في العراق ). وله مجاميع قصصية منها (خمسينات أضاعها ضباب الأيام) وروايات ومنها روايته (صراع على مشارف قلب ) ومن كتبه النقدية للمسرح (ظلال فوق الخشبة) .هذا فضلا عن مئات المقالات والدراسات والبحوث المنشورة في مجلات موصلية وعراقية وعربية منها المورد وبين النهرين والتراث الشعبي والجامعة والموصل التراثية والمجمع العلمي وآداب الرافدين والتربية والعلم ودراسات موصلية وموصليات وآداب المستنصرية والموقف العربي. تحية لأستاذي الدكتور عمر محمد الطالب، وبارك الله به وبجهده ، ودعوة لطلبته أن يتصدوا لمتابعة آثاره الأدبية والفكرية ، ورصدها وجمعها ، ودراستها ، وتقديمها بما يليق به واقترح على جامعة الموصل ان تدعو زملائه وأصدقائه إلى أن يصدروا كتابا تكريما له ، كما تفعل بقية الجامعات الرصينة في العالم .

أ. د. إبراهيم خليل العلاف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...