في تضامن السّياسيّ والجنسيّ
*
“أثناء تولّي البابا الجديد منصب البابويّة، يتكفّل أصغر الكرادلة سنّا un diacre بأن يتحسّس بيديه، من خلال كرسيّ مثقوب يسمّى”sedia stercoraria“من وجود الخصيتين، ويهتف: « Duos habet et bene pendentes »،”له خصيتان ومتدليّتان جيّدا“، حينئذ يردّ كورس الكرادلة: « Deo gratias »،”فليتبارك الرّبّ“.” (1).
لرجال الاستثناء من “الفحول” في هذه الحكاية أسماء هي أسماء أبطالها: “أبو الهيلوج”، و“أبو الهيجاء”، و“ميمون”. غير أنّ الاستثناء لم يصنعه الطّعام فقط، وإنّما قصّة التّحدّي le récit du défi (2، أو “الحُدَيَّا” (3) الّتي حملت الرّجال الاستثنائيّين على أن يقبلوا بعض الشّروط الّتي فرضتها الأنثى لامتلاك القضيب والحفاظ على المُلْك كما سنرى.
ولفعل التّحدّي بعض الشّرائط لا يمكنه أن ينجز من دونها. فهو قبل كلّ شيء علاقة بالآخر الكبير، ذلك أنْ ليس للتّحدّي كبيرُ غنم إن لم يتّجه إلى نظر الآخر. ذاك هو محتوى التّحدّي. يكفي أن لا أحد يلتفت إلى فعل التّحدّي، فلا يعيره أدنى اهتمام حتّى يفقد هذا الفعل معناه وجدواه ومرماه. أمّا المحدّد الثّاني، وهو يخصّ مضمون رسالة التّحدّي، فيتعلّق بفعل الانتهاك acte de transgression. فإن لم يوجد انتهاك للقانون، فإنّ الانتهاك ذاته لا يمكنه أن يتّخذ بنية التّحدّي. فالمنعl’interdit هو المضمون الخاصّ برسالة التّحدّي. فكلّما بُذل في التّحدّي شيء منتهك للقانون، لافت للنّظر، أضحى حضور الآخر ضروريّا، لأنّه يشغل موضع الشّاهد الّذي من دونه لا يمكن أن تكون للانتهاك شهادة تثبت وقوعه. فدون تلك الشّهادة لا يمكن للذّات أن تتمتّع بتحدّيها الخاصّ. ولأجل ذلك يخضع المتحدّي لإكراهين: يقتضي الإكراه الأوّل حضور ذات أخرى، حتّى يكون للتّحدّي تأثير فيه. فهو خاضع لسلطة الشّاهد témoin. أمّا الإكراه الثّاني فيقتضي حضور زاوية نظر القانون، فبغيابها يكون فعل التّحدي دون طائل. فهو خاضع لبنية القانون. فالهدف من انتهاك القانون هو إبهار هذا الثّالثle tiers ، الّذي يمثّله الشّاهد، بأن يُمَثَّل أمامه حدثٌ يُنظر إليه على أنّه انتهاك مّا. ومن القرائن الدّالّة على أنّ فعل الانبهار قد تحقّق هو حمل الشّاهد على أن يشعر بأنّه يَرى القانون منتهكا بالفعل المنجز، فينجرّ من فعل الانتهاك إحساس بالفضيحة، هو في الواقع خليط من الخوف والانبهار. وحصول ذلك الوَقْع هو غُنم التّحدّي الأكبر، وأفق الذّات المتحدّية الأوحد. فالمتحدّي يتمتّع كثيرا بما أحدثه من وقعٍ على مرأى الآخر ونظره (4).
كلّ هذه المعاني المتعلّقة بعمل التّحدّي ماثلة بشكل مّا في هذه الحكاية. وهي إن رمنا تصنيفها، أنموذج من حكايات المُلْك، ذات بنية بسيطة، يمكن أن نوجزها في ثلاثة أطوار هي: الانتهاك le délit، والنُّكرانle déni ، والرّهان le pari. وفي الأطوار الثّلاثة كان أبطال التّحدّي من النّساء والرّجال معا. كلّ طور منها مثّل صيغة مخصوصة من فعل التّحدّي.
*
أمّا الصّيغة الأولى من التّحدّي، وهي الانتهاك، فقد اتّخذت شكل انتهاك لقانون الوراثة الّذي ينهض عليه المُلْك، أي القانون الّذي يضمن انتقال المُلْك من مَلِك ميّت إلى مَلك حيّ. فعبارة “الملك مات، يحيى الملك”، « Le roi est mort, vive le roi »، هي، على سبيل المثال، عبارة من عبارات طقوس المُلْك الشّائعة في البلاط الفرنسي في القرون الوسطى، بواسطتها يعلن رسميّا عن انتقال المُلك من شخص إلى آخر. فالحكاية بهذا المعنى هي حكاية مَلِك ومُلْك. غير أنّ هذا الانتقال المتوقّع حدوثه لم يحدث في هذه الحكاية، لأنّه لم يكن للمَلِك وارثٌ بسبب فقدان الولد الذّكر. ذلك أنّه لم ينجب سوى “سبع بنات بارعات الحسن والجمال والبهاء والكمال والدّلال، والسّبعة على رؤوس بعضهم بعض. ليس بينهنّ ذكر”. فعدم إنجاب الولد الذّكر يعني تعطّل مبدإ الوراثة الّذي يضمن انتقال المُلك من مَلِك إلى آخر. فجنس المَلِك الوارث هو الّذي يشهد بأنّ للمَلِك الموروث وريثا. يترتّب على ذلك أنّ المَلك لم ينجب ما يشهد على أنّ له وريثا يَخْلِفُه في المُلك (5). فحتّى يكون له وريث وجب أن يمتلك الوارث خصيتين تشهدان على أنّه ذكر. هذا التّقاطع بين الخصيتين، (أو جنس الشّاهد)، وعمل الشّهادة مفقود في العربيّة. ولكنّه في لغات أخرى كالألمانيّة موجود (6). بل نجد هذا التّقاطع بين فعلي “شهد” و“أنجب” في اللّسان الفرنسيّ. فلفظ testicules، ومقابلها العربيّ “الخصيتان”، إنّما مرجعها جنسيّ، ولكنّها تحيل في الآن نفسه على إجراءات الشّهادة attestation، علما بأنّ الشّاهد يطلق عليه في الأصل اللاّطيني لفظ testis.
إنّ عبارة “ليس بينهنّ ذكر” تؤكّد حرمان المَلك من وريثٍ ذكرٍ له خصيتان تضمنان استمرار مُلكه في عقبه. فهذا الملك هو أبترُ، بلا عقب ذكر (7). وهذا الافتقار الجنسيّ هو ثغرة في المُلك لم يتمكّن المَلك من سدّها بكثرة البنات. فكلّ واحدة من بناته تؤكّد بمولدها استحالة نفي هذا الافتقار، وأنّ شوقه إلى إنجاب طفل هو شوق إلى مستحيل. فلم يكن بإمكان الملك أن ينشئ صورة أخرى منه، بوصفها من متمّمات ملكه و“جسده الثّاني”، الجسد المقدّس الصّوفيّ الرّمزيّ السّحريّ اللاّمرئي (8). فكلّ ما أمكنه إنجابه ليخلفه هو هذا النّفي الأنثويّ المتكرّر للمُلك. فالأنثى ليس بمقدورها أن تعتلي سدّة المُلك، لأنّها لا تمتلك الدّليل le signe (الخصيتان) الّذي يمثّلها عند الآخر بوصفها وريثا، وبواسطته يمكن للمُلْك أن ينتقل إلى شخص الوارث. فالأنثى تعطّل مبدأ الوراثة لأنّها فراغ سيميائي، وعدم علاميّ (9)، ليس بمقدوره تمثيل جسد الملك الرّمزيّ. فالمُلك والأنثى كلاهما من طبيعة واحدة. فمن الفراغ كانا، ومن نفي الفراغ يكونان. ولأجل ذلك احتاجا دوما إلى هذه العلامات الزّائدة، أو هذه الزّيادات الّتي تنفي فراغهما الجوهريّ، وتقدّمهما للآخر على أساس أنّهما ليسا ما هما، أو هما ليسا ما يبدوان عليه. فالملك والأنثى لا يكونان إلاّ بصناعة علامات زائدة تخفي هذا الفراغ المؤسّس لكينونتهما وتلغيه في آنٍ.
لقد كان من المستحيل أن تستمرّ مؤسّسة المُلك في هذه الحكاية بالوراثة، أي بما يشهد على وجود الخصيتين وعضو الذّكورة، الضّامن الوحيد لجنس المَلك (10).
ولأجل ذلك أصبح تحدّي هذا المستحيل، أي قانون الوراثة، هو ما يؤسّس كينونة الأنثى في هذه الحكاية. ولمّا كان عمل التّحدّي يحتاج إلى شهادة الآخر وانتهاك القانون في آن واحد، أمست إستراتيجيّة البنات السّبعة قائمة على إقصاء كلّ من يحاول افتكاك المُلك منهنّ بوسائل أخرى: كالزّواج، فقد “خطبهنّ ملوك الزّمان، فأبين أن يتزوّجن […] فإذا أتى خطيب إلى أبيهنّ، يبعث إليهنّ ويشاورهنّ فيقلن: هذا لا يكون أبدا”، ثمّ تلبيس فراغ الأنوثة الجوهريّ بعلامات الرّجولة “وكنّ يلبسن ملابس الرّجال، ويركبن على الخيل الموسومة بالعدّة الذّهبيّة، ويتقلّدن بالسّيوف ويقاتلن الرّجال في ميدان الحرب”، وإظهار أبّهة السّيادة “وكان لكلّ واحدة منهنّ قصر عظيم، وخدم وعبيد قائمون بأمور القصور في كلّ ما يحتجن إليه من أكل وشرب إلى غير ذلك”. كلّ ذلك كان لغاية واحدة، هي الاستيلاء النّهائيّ على الملك دون وراثة. ذلك أنّه لمّا “توفّي أبوهنّ، فاستولت البنت الكبيرة على الملك، وكان اسمها فوتر.”. وبالاستيلاء على المُلْك يكون حدث الانتهاك الأنثويّ لقانون “الملك بالوراثة” قد جَسَّم جانبا من عمل التّحدّي الّذي يقتضي، كي يتحقّق على نحو تامّ، أن يتّجه إلى الآخر ويطلب منه أن يُقرّ بشهادته أنّ الذّات المتحدّية قد انتهكت فعلا القانون. ويبدو أنّ عمل التّحدّي قد جرى في الحكاية في صمت وكتمان. فقد كان النّاس، ممثّلو الآخر الكبيرle grand Autre ، يجهلون تماما أسرار البنات “فبَغَض النّاس في أعراضهنّ، فمنهم من يقول فيهنّ الخير، وبعضهم يقول الشّرّ، مدّة من الزّمان. ولم يطّلع أحد من النّاس على أخبارهنّ”. هذا الكتمان التّامّ يؤكّد أسطورة الأنثى بوصفها لغزا وسرّا، وهي أسطورة من الأساطير الّتي تشطب متعة الأنثى وتخرجها في هيئة تجعل إدراك حقيقتها أمرا بعيد المنال (11).
*
أمّا الصّيغة الثّانية من التّحدّي وهي النّكران، فقد جسّمته على نحو واضح “الزّاهرة” الأميرة ذات الملامح “الأمازونيّة”. فهي الأخت الصّغرى والبنت السّابعة من بنات الملك، “وهي أصغرهنّ وأرجحهنّ عقلا وأوفقهنّ رأيا. وكانت مولعة بالصّيد.”. هذه الصّفات تشتغل بطريقة مضطربة. فإن كانت المرأة تحتاج إلى علامات زائدة حتّى تظهر بمظهر امرأة، فإنّها هاهنا لم تحتج إلى علامات حتّى تظهر بمظهر رجل. فقد قُدّمت في الحكاية بصفات هي في حدّ ذاتها علامات مقصيّة للأنثويّ، كرجاحة العقل، والتّوفيق في الرّأي، ونشاط الصّيد وتقلّد السّيف، وركوب الخيل. فرجاحة العقل وسداد الرّأي يقترن فيهما النّشاط الفكريّ وإبعاد الأنثويّ على نحو وثيق (12). وإذا أضفنا إليهما تقلّد السّيف أصبحت هذه المرأة كالمالكة لقضيب الملك، أي مالكة لسلطان القضاء والحكم. وهي بهذا الصّنيع تنسب إلى نفسها صفات ذكريّة جاعلة جسمها في وضع عموديّ يفرضه وضع الملك الفارس الّذي يزاول نشاط الصّيد بوصفه نشاطا من متمّمات المُلك، ولكنّه في كلّ الأحوال وضع بعيد كلّ البعد عن وضع المرأة الأفقي الّتي تُلقى على ظهرها على الأرض للحرث في وضعيات الجماع المتنوّعة المذكورة في “الرّوض العاطر”. بل هي بهذا الوضع العموديّ المنتصب ترمز إلى القوّة وقد تعاظمت واشتدّت، ولكن ليس أيّ قوّة، وإنّما قوّة الذّكورة المبدعة créatrice أو المنجبة procréatrice (13). غير أنّ هذه القوّة الّتي تسعى المرأة إلى الاستحواذ عليها، إنّما تستحوذ على علاماتها فقط. فهي تستولي على علامات الذّكورة حتّى تخفي هذا الفراغ الأنثويّ للاستيلاء على الملك، هذا الفراغ السّياسيّ، الّذي لا يسدُّه شيءٌ سوى علامات الفحولة. فالسّياسيّ le politique والجنسيّ le sexuel متضامنان في هذه الحكاية، بحيث لا يكون المَلِك مَلِكا إلاّ بمن يشهد على ذكورته وفحولته المنجبة (14). ولمّا كانت الأنثى لا تمتلك ما يسدّ فراغ الملك العلاميّ لأنّها هي أيضا عدم سيميائيّ أصبح تجميع علامات الذّكورة ضربا من اللّعب تلوح به الأنثى وتختفي. فالمرأة تلوح بعلامات الذّكورة وتختفي بها في الآن نفسه. هذا الظّهور بمظهر الفارس هو في حدّ ذاته نكران للمرأة. وقد تحقّق النّكران ها هنا بالتّلبيس travestissement، أي باعتقاد الأنثى، وحمل الآخر على الاعتقاد، في ما تراه العين (أي مظهر الرّجل). أمّا الرّجل (الفارس أبو الهيجاء) فهو يعلم أنّ الجنس لا علاقة له بالمرئيّ، “فبينما يوما هي في صيدها وقنصها، إذ التقت في طريقها بفارس، ومعه عشرون مملوكا، فسلّم فردّت عليه السّلام، فسمع كلامها وهي ضاربة النّقاب. فقال: ليت شعري من يكون هذا، أرجل أو امرأة؟”. فالزّاهرة، وهو اسم المرأة، الّتي تظهر أنوثتها بعلامات الرّجولة، أي بما هو في جوهره نفي للأنثويّ، تحتلّ موقعا أنثويّا، لأنّها تكتفي بما تراه لتفرّق بين الجنسين، الذّكر والأنثى. أمّا الفارس أبو الهيجاء فيحتلّ موقعا ذكريّا، فهو رجل لأنّه لا يمكنه أن يصدّق ما يرى (15). يمكن أن نتساءل ما الّذي تتحدّاه المرأة بنكرانه وتلبيسه دون أن تُفلح في إخفائه؟ فما أفلحت فيه هو جعلُها الآخرَ يعرف أنّها ليست برجل، وأنّ قناعها الّذي تُخفي به وجهها لم يكن كافيا ليجعل المرأة مجرّد قناع يُخفي ما هي عليه. فمن المستحيل كشف حقيقة المرأة بمجرّد سقوط القناع. فنكرانها لأنوثتها يرمي إلى إثبات هويّة هي بين القناع وكينونة المرأة، ذلك أنّ الأنوثة ليست محبوبة إلاّ بسبب مظهرها الخادع. فالوقوع في الحبّ وإيقاع الآخر في شباكه غير ممكن دون القناع، أي هذا الّذي في ظاهره لا يشبه المرأة. فادّعاء ما ينكر الأنثى وتلبيسه بما يخفيها هو ما يوقع الآخر في حبّ المرأة الّتي لا تُعرف إلاّ بهذا الخارج الخدّاع (16). ولم تصنع هذا الخارج الخدّاع العلامات فحسب، وإنّما ساهمت لعبة الفورت دا fort-da في صناعته، هذه اللّعبة الّتي من دونها لا يمكن للأنثى أن تكون. بقي أن نفسّر لم عمدت المرأة إلى هذه اللّعبة. فهي وإن كانت لا تظهر إلاّ لتختفي، ولا تختفي إلاّ لتظهر فإنّ وراء هذا الاختفاء والظّهور، والحضور والغياب، لعبة أخرى تنهض على حماية الفجّ والفرج من كلّ دخيل. فإذا كان الأنثويّ يشتغل بمنع الاقتراب منه والاكتفاء بذاته، فلأنّه بالمنع والإقصاء، وبالتّمنّع والمناعة يتأسّس الفضاء الأنثويّ الخاصّ. هذا الفضاء قد حاول الفارس أبو الهيجاء اقتحامه تارة بطلب الصّحبة والاقتراب من المرأة بالوصال، وطورا باكتشاف فضاء الأنثى المنيع، والبحث عن الفجوة الّتي تمكّن من اقتحام مكان الإقامة حيث توجد مملكة النّساء. هذه المملكة توجد هنالك، hors-là، خارج المدينة وأسوارها، في قصر زاهر شاهق بُنِي في جبل، تماما كمنزل أبي الهيجاء “كان منزله منفردا خارج البلد الّتي هو بها”. فالإقامة في هذا الخارج الشّاهق العموديّ طريقة من طرق حماية الفرج والفجّ من كلّ اقتحام (17). لكأنّ الأنثويّ المحض لا يكون إلاّ بضرب من التّطهير الجنسيّ لا يتحقّق إلاّ بغياب الذّكر. فالإقصاء بالمنع ضرب من التّطهّر من كلّ حضور ذكريّ، واحتفاء بغيابه في الآن نفسه. وهو غياب ضروريّ لأنّه شرط من شروط وجود متعة أنثويّة مفرطة لا يحدّها قانون. فخارج المدينة لا يوجد قانون، ولا يوجد في هذا الخارج إلاّ كلّ خارجٍ عن القانون. ومن دلائل هذا الخروج أنْ ليس في القصر سوى تلك البنت من بنات الملك (الزّاهرة) “صاحبة القدّ البهيّ، والمبسم الشّهيّ، صاحبة الخدّ الأحمر، والتّاج المجوهر، والجبين الأزهر، والحلّة المذهّبة، والكرسي المرصّع، الّذي ترصيعه كثيرة ومساميره من فضّة وأحلاقه من ذهب، الّتي يدها على ثغرها”. فهيئتها الجميلة، وطريقة جلوسها الملكيّة، وحاشيتها “ومعها ما يقرب من مائة بكر في قصر عجيب في ذلك الجبل، وفيه أنواع الفرش المذهّبة على ألوان شتّى، وهنّ يأكلن ويشربن ويتنادمن”، وميولها الجنسيّة المثليّة “لأنّها مولعة بحبّ البنات. فلذلك لا تلتفت إليك، ولا إلى صحبتك” كلّ ذلك يؤكّد أنّ هذا الخارج dehorsهو خارج القانون، وخارج العقل، وخارج العمل. وقد تجسّم هذا الخارج المتعدّد في الحكاية بالامتناع عن العمل والتّفكير. فـ“لا شكّ أنّ هذا القصر عندهنّ للخلاعة، لأنّهنّ يدخلن من اللّيل إلى اللّيل، وهو محلّ خلوة وأكل وشرب وخلاعة.”، لأنّ العمل والتّفكير لا يمثّلان أبّهة الملك. بيد أنّ هذا الخارج الّذي تجلّى في الحكاية بطرق شتّى لا غاية من ورائه سوى طلب اعتراف الآخر بأنّها امرأة. فليست أنوثتها سوى قناع تتوارى به من هذه الذّكورة الّتي وسمتها لمّا جرّدت الرّجال منها. فالحكاية تعرض لنا امرأة تتلاعب بعلامات نوعها genre، تارة تنكر أنوثة جنسها sexe بإظهار علامات الرّجولة، وطورا تلغي ذكورتها بإظهار علامات نوعها النّسويّ. وهي في كلّ الأحوال تحاول الاستحواذ على ما لا تملك، أي القضيب، رمز الملك. لذلك حين أفلح الأبطال الأربعة من اقتحام مملكتها، لم تجد ما تراهن به، للحفاظ على قصرها بمن فيه، سوى أن تكون امرأة، أو أن تلعب بالمراهنة لتكون رجلا، لعبا لا ينتهي إلاّ بنتيجة واحدة: إمّا خسران كلّ ما تملك، أو امتلاك القضيب. فاللّعب يجعلها بين اثنتين، بين الكينونة être والمِلكavoir : إمّا أن تكون امرأة لأنّها [لا] تملك القضيب، أو أن [لا] تكون امرأة لأنّها تملك القضيب (18). ولأجل ذلك لم يكن رهان التّحدّي انتهاك القانون لاقتلاع اعتراف الآخر بذاك الانتهاك، وإنّما كان رهانه الأكبر هو امتلاك القضيب بعيدا عن منطق الرّبح والخسارة، والهزيمة والغنيمة، للاستحواذ على المُلك أو فقدانه.
*
أمّا الصّيغة الثّالثة من التّحدّي فهي الرّهان. وهو رهان مزدوج، بدأ باقتحام الفضاء الأنثويّ المنيع من ثقب في مغارة تحت الجبل، أمكن النّفاذ منها إلى القصر، وانتهي بولوج فروج العذارى المصفّحة ذوات البكّارات المنيعة وافتضاضهنّ جميعا. فالكون الأنثويّ يتحدّد بما يمنع اقتحام الغريب إلى فضائه، وذلك بطرده هنالك، وإقصائه في الخارج البعيد. ذلك أنّ الأنثويّ يتصوّر غيريّته (الذّكورة) في شكل جسم ذكريّ غريب ينتظر انبثاقه. فالغريب لا يكتفي بثقب الجدار (الحائط) لاختراق الحمى، وإنّما يحتلّه على نحو دائم. فاحتلال الفضاء بثقبه، ثمّ الدّخول من الفجّ، لم يكتمل في الحكاية إلاّ بولوج فرج المرأة المنيعة. فالمرأة في الحكاية قد اقتُحم فضاؤها من الخارج، للإقامة في فرجها بالاغتصاب الدّائم. ولأجل ذلك كلّما اشتغلت قوى المنع l’interdit في الحكاية لصدّ الغريب اشتغلت قوى أخرى مضادّة لصدّ المنع بالضّجيج وتحريفه، وتحويله إلى دعوة محظورة لا يمكن أن تقال إلاّ في ثنايا القول L’inter-dit. هذه القوى المضادّة للمنع تسمّى الطّفيليّ le parasite. وقد اشتغلت منذ اللّقاء الأوّل الّذي جمع الفارس أبا الهيجاء بالزّاهرة لمّا خرجا للصّيد. هو رفقة مماليكه “التقت في طريقها بفارس، ومعه عشرون مملوكا”، وهي صحبة “بعض عبيدها”. فكما أنّه لا صيّاد بلا كلاب، فكذلك لا سيّد(ة) دون رجال. فالسّيّد يشقّ دائما الطّريق حتّى يمرّ منه الرّجال والخيل والكلاب، لربط الصّلات وعقد العلاقات. ولمّا كان الصّيد لا يكون إلاّ بالطّرد، بحيث تكون “المصايد والمطارد” متلازمتين، لم يُضحِ صيدُ الذّكر في الحكاية ممكنا إلاّ بطرده، بذريعة الصّوم لصدّ كلّ تقرّب بالمؤاكلة، “فسار معها إلى أن أتى فصل الغداء، فجلس معها للأكل يريد أن ينظر وجهها، فأبت أن تأكل، وقالت: إنّي صائمة.”. ففي المؤاكلة مبادلة. ولأمر مّا كانت علاقة المبادلة دوما خطرة. فهي تمرّ ضرورة من قناة يتحكّم فيها الطّفيليّ. ولذلك جرى الطّرد تارة بالصّوم، والامتناع عن المؤاكلة، وطورا بمنع كلّ مبادلة، وذلك بقطع كلّ صحبة ممكنة، لأنّ كلّ علاقة تنعقد بوساطة الطّفيليّ تفضي بالضّجيج إلى ما يلغيها: “فقال لها: هل لك في الصّحبة من شيء؟ قالت: صحبة الرّجال لا تليق بالنّساء لأنّه إذا التقت الأنفاس، ووقع في قلوبهما الهواس، ودخل بينهما الوسواس، وصلت أخبارهما النّاس.”. فألفاظ من قبيل “الأنفاس”، و“الهواس”، و“الوسواس”، و“النّاس”، إنّما هي تسميات مختلفة للضّجيج الّذي يُرافق بوساطته كلّ علاقة بين اثنين. فلا وجود لعلاقة صامتة. وحتّى إن وجدت فهي لا تُرى. هذا الضّجيجLe bruit الّذي يمنع كلّ علاقة ممكنة هو الطّفيليّ. بل الضّجيج هو الطّفيليّ نفسه. فإن كانت كينونة الطّفيليّ هي العلاقة في حدّ ذاتها فإنّ وظيفته هي إحداث الضّجيج لإلغاء كلّ علاقة أو تحويلها (19). وكلّ تحويل هو بالضّرورة تحريف للأخبار بالضّجيج، ولكنّه في الآن نفسه تحويل لفضاء العلاقات، لأنّ العلاقات بين الأفراد تنعقد بوساطة علاقاتها الفضائيّة. وفي الجملة، هي علاقات لا تتغيّر إلاّ بالمعرفة والعلم، لأنّ المعرفة في حدّ ذاتها فضاء للتّحويل، تتغيّر فيه العلاقات بين الأفراد كلّما تغيّرت علاقاتها الفضائيّة. ولمّا كان الفضاء الأنثويّ مغلقا لأنّه ملك مطلق للأنثى فإنّ مناعته المغلقة تنقض كلّ إمكان لإبرام عَقْد بالذّكر.
وقد ترجمت هذه المناعة في الحكاية بالسّكن في قصر شاهق في الجبل: “وخرج يسير إلى أن قرب إلى القصر الذي فيه الزاهرة فوجد قصرا زاهرا شاهقا […] فإذا هو بتلك البنت ومعها ما يقرب من مائة بكر في قصر عجيب في ذلك الجبل […] لا شكّ أنّ هذا القصر عندهنّ للخلاعة”. فالقصر منيع ببنائه الشّاهق وبموقعه الطّبيعيّ، في الجبل. وفي القصر سكنت الزّاهرة. “قل لي أين تسكن؟ أقل لك من أنت” (20). إذا استحضرنا أنّ من معاني القصر هو الحبس، أي الموضع الّذي تُحبس فيه النّساء وتُصان، فـ“لا تُتْرَكُ أَن تَخْرُج”، جاز لنا حينئذ اعتبار “مَعْشَرَ النساء محصورات مقصورات” (21). فطريقة الإقامة في المكان هي الّتي تحدّد هُويّة المُقيم. وقد كان هذا المكان في الجبل منفصلا عن العمران بعيدا عن المدينة، خارج أسوارها، فصار بحكم ذلك مكانا مقدّسا لا يمكن الاقتراب منه ولا لمسه intouchable. فالمقدّس في بعض تعاريفه هو “المنفصل”، و“المُفرد المبعد” و“المقطوع” أو “المقتطع”. وهو الّذي بعمليّة الفصل ذاتها قد انسحب من استعمال النّاس، أو فضاء الاستعمال العامّ، فلم يعد صالحا للسّكن، أو الإقامة فيه (22). ولمّا كانت إقامة النّساء في قصر “للخلاعة”، وكان القصر “محلّ خلوة وأكل وشرب وخلاعة”، فيه “يأكلن ويشربن ويتنادمن” أضحى بحكم ذاك الاستعمال فضاءً خالصا للشّرب واللّهو، ومكانَ المتعة المستهترة الّتي لا يحدّ من شططها وإفراطها قانون. هذا الإفراط يعني خروج الأشياء من دائرة القانون البشريّ بما يجعلها ممنوعة خارج كلّ استعمال. وهذا بالضّبط معنى لفظ «Consacrer – Sacrare» في اللّسان اللاّطيني. ويقابله لفظ «profaner»، الّذي يعني عودة الأشياء إلى استخدام النّاس المعهود. ففي لفظ “مقدّس” بعض الغموض راجع إلى كون لفظ sacer ذاته من الألفاظ الأضداد. فهو يعني “المنذور إلى الآلهة” وكذلك “الملعون، المنبوذ من الجماعة” (23). هذا التّضادّ نجده في لفظ “الخليع”. فمن معانيه في اللّسان الـ“مُسْتَهْتَرٌ بالشّرب واللّهو”، وهو أيضا “الّذي خَلَعَتْه عشيرته وتَبرَّؤُوا منه” بسبب جناياته. فالخلاعة بهذا المعنى ضرب من المتعة المستهترة الّتي بإفراطها تفصل المرء عن الجماعة فتجعله منبوذا. فنساء القصر “محصوراتٌ مقصوراتٌ” لأنّهنّ أقمن في فضاء الخلاعة، فصرن بالإقامة فيه خليعات، منفصلات عن الجماعة منعزلات. وقد ساهم هذا القصر الشّاهق في الجبل في عزل النّسوة من المدينة وإبعادهنّ عن الجماعة، وإقصائهنّ من مجال الاستعمال اليوميّ لأجسادهنّ. فهنّ في القصر “يأكلن ويشربن ويتنادمن”، وهو نشاط لهويّ ludique لعين maudit مترف، يُزاول في مكان لا يمكن اقتحامه إلاّ لمن يعرف المداخل المؤدّية إلى أفضية النّساء. وقد كانت هذه الأفضية دوما محروسة جيّدا، لا يعرف المنافذ إليها إلاّ رجل الدّين أو الفارس (24). بيد أنّ معرفة المنافذ المؤدّية إلى النّساء هو إيذان بتهافت مناعة المكان. ولم تتهافت هذه المناعة ولم تضعف إلاّ بمعرفة مكان النّفاذ والنّفوذ. فبتلك المعرفة يصبح الغريب مستقرّا فينا مثل جسم غريب«corps étranger» ، كلّما أمعن في الدّخول كانت الغنيمة عظيمة. فالدّخول أعمق فأعمق لا يكافئه سوى الاستيلاء العظيم. وليس الاستيلاء سوى معرفة عميقة بالمكان تنبئ بتغيّر قواعد بناء العلاقات بين الأنثويّ وغيريّته. وقد كان هذا المكان هو المغارة، وكانت المغارة أسفل الجبل.
ينبغي الانتباه إلى هذه العبارات “فنزل في جبل، ودخل في مغارة هناك هو وعبده ميمون وجواده”، “يا سيّدي إنّي أسمع حسّا داخل المغارة”، “وأتى إلى مغارة أخرى بعيدا عنها”، “وقصد المغارة الّتي كان بها، ودخل إلى أقصاها، فوجد دهليزا، فهبط إليه”، “وسار إلى أن وصل المغارة”، “وأخبره بما وقع في قعر المغارة”، “أراد الهجوم على قصرها، فوجده نافذا إلى هذه المغارة تحت الأرض”. فلفظ “المغارة” قد اطّرد في هذه الأمثلة على نحو لافت للانتباه. وهو لفظ ينبغي تمييزه عن عبارات كـ“دهليز”، و“قعر المغارة”، و“هذه المغارة تحت الأرض” لأنّها تحيل على فضاء من نوع آخر عميق يقع تحت الأرض تستقطبه صورة “المتاهة السّردابيّة” (25). ففي المغارة يُحتمى من كلّ ما يُخشى منه “ثمّ إنّهم غيّبوا خيولهم في مغارة، وزربوا عليها من الوحوش واللّصوص”، ولكن دون أن نُحبس فيها. فهي ستار يعزل الدّاخل عن الخارج، فيصبح مَنْ بالدّاخل يَرى دون أن يكون مرئيّا. فمن المغارة نصبح كالأشباح نَرى دون أن نُرى (26)، هذه الوظيفة الّتي تتعطّل فيها “تجارة النّظرة”، le commerce du regard، فلا يُتبادل فيها نظر سينهض بها الثّقب الّذي ينفتح على الجوّانيّ le dedans انفتاحا يسمح برؤية ما فيه للنّفاذ إليه، وتسليط نفوذ القانون عليه، بحيث يصبح الثّقب كخوذة الفارس الّتي يحكم غلقها على وجهه حتّى ينقطع كلّ تبادل نظر، فيضحي كالشّبح يرى ولا يُرى، جاعلا من رؤية ما بالدّاخل الجوّانيّ شكلا من أشكال النّفاذ والنّفوذ (27). هذا النّفاذ إلى الجوّاني يبدأ من المغارة بوصفها فضاء خارجيّا يحجب ويفتح، في آن واحد، فضاء داخليّا هو القصر، لا يمكن النّفاذ إليه إلاّ بالثّقب: “فإذا فيه ضوء يخرج من بعض الثّقب، فعمل عينه في ثقبه ونظر، فإذا هو بتلك البنت ومعها ما يقرب من مائة بكر في قصر عجيب في ذلك الجبل.”. فالثّقب يخفي شوقا إلى تجاوز الحدود وتدميرها، والإحاطة بالعالم وجعله أكثر اتّساعا. هذا الشّوق إلى معرفة المجهول هو ذاك الفضول الّذي دفع أبطال الحكاية إلى الحفر “حفر ذلك المكان، فهدّموا منه قدر الحاجة.” فأحدثوا في جوف المغارة فجوة، وشقّوا في أغوار الجبل شقّا وفرجة ليست بالبعيدة عن فجوة الفرج عند المرأة. فمن تآويل معنى الفرج في “الرّوض العاطر” قول المؤلّف: “فأمّا الفرج (فـ)سمّي بذلك الاسم لانحلاله[…] يطلق على المرأة والرجال […] والفرج هو الشّقّ يقال: انفتحت لي فرجة في الجبل أي شقّ.” (28).
إنّ العبور من شقٍّ إلى شقّ، ومن فرجة إلى فرج لا يبرّره شيء سوى منطق التّأويل الاستعاريّ في “الرّوض العاطر”، بحيث تكون المماثلة بين شقّ الجبل وشقّ الفرج سبيلا إلى الانتقال من جوف المغارة إلى بيوت القصر. فمنطق الاستعارة يقتضي أن يلازم الانتقالَ تحوّلٌ مّا، يصيب بالضّرورة هويّة المنتقل وهيئته. وقد جرى الانتقال من المغارة إلى القصر في شكل اقتحام، أُنجز في الحكاية بهجوم مباغت مسلّح على ساكنات القصر. فقد اقتحم الأبطال القصر “كلّ واحد منهم بسيفه ودرقته […] وكلّ واحد ضارب نقابه على وجهه”، فانقلبوا بقوّة الاستعارة، أي بالانتقال إلى الفضاء الأنثويّ، في هيئة المحارب العدوّ. ولمّا كان العدوّ هو ذاك الّذي يخفي وجهه فلا تعرف هويّته، فإنّ انقلابه من عدوّ إلى ضيف (29)، إنّما هو وجه آخر من وجوه التّحوّل الاستعاريّ الّذي ما انفكّت القصّة تمثّل شكله الأوفى. فإذا عدنا إلى أصل الاستعارة ومعناها في اللّسان الإغريقيّ لوجدنا أنّ لفظ μεταφέρω – metapherô))، يعني في الآن نفسه سلسلة من الأعمال هي (حمل وانتقل وتحوّل) قد اضطلعت بها ذات، قد تحوّلت بدورها تحوّلا استعاريّا sujet métaphorisé. وهو تحوّل يحملنا على أن نعتبر معنى الاستعارة مصاقبا لمعنى الطّريق بما هي في أحدث التّعريفات الميديولوجيّة فضاء للحمل والتّحوّل يصيب الحامل والمحمول معا، والنّاقل والمنقول جميعا (30). ولمّا كان من معاني القصّ هو اقتصاص الأثر وتتبّعه فإنّنا نعتبر كلّ قصّاص أثر، منحدرا من سلالة إنسان الطّريق homo viator. وهو إنسان متحوّل متغيّر على نحو استعاريّ كلّما تنقّل في الفضاء. وقد جرى التّحوّل في هذه الحكاية بحيلة وكيد أنثويّ لمّا قبل الأبطال شروط الزّاهرة، وأبرموا معها عقود الرّهان: “فقالت: ما لي لا أكيدهم بهؤلاء الأبكار وأنا أنجو؟ ثمّ قالت: ما نفعل إلاّ بشرط. فقالوا لها: شرطك مقبول. قالت وإن لم تقبلوه فأنتم عندي أسارى، ونحكم فيكم بما نريد. فقالوا: نعم. فأخذت المواثيق والعهود عليهم”. فقبول شروط الأنثى الّتي ترمي إلى أسرهم بعهود الطّاعة ومواثيقها قد قلب العدوّ الغريب، أو “الجسم الغريب” إلى ضيف دخيل. وبإبرام تلك المواثيق والعهود يكون معنى الرّهان قد تحقّق في الحكاية على نحو غير بعيد من معنى المخاطرة. وهو معنى أنثويّ ملازم لمعنى آخر هو الانفتاح على غيريّتها l’altérité. هذا الانفتاح غير ممكن إلاّ إذا اتّخذت غيريّة الأنثى الذّكريّة شكل دخيل l’intrus. ولكن من هو الدّخيل (31)؟ أهو ذاك الّذي تسرّب إلى القصر عنوة أم بغتة؟ أم بالحيلة؟ فكان تسرّبه في كلّ الأحوال مخالفا للقانون لأنّه لم يُقبل بعد؟ أم تُراه ذاك الغريب الّذي قُبِل، ولكن بشروط مجحفة؟ ذلك أنّ الدّخيل لا يمكنه أن يقيم في الفضاء الأنثويّ إلاّ إذا فَقَدَ ما به يكون عدوّا غريبا. فليقبل الدّخيل ويستقبل ينبغي أن يتخلّى عن شيء من الضّروريّ ألاّ يظهر، لأنّ ظهوره يحرم الأنثى من حقّ الإقامة في الحمى الأنثويّ المحض حيث تكون النّسوة “محصورات مقصورات”، خارج اقتصاد البيت والهيمنة القضيبيّة ونظرة القانون. بيد أنّ ظهور الغريب المفاجئ قد حتّم على الأنثويّ إستراتيجيّة أخرى هي الانطواء والتّراجع نحو المناطق العميقة. وهي مناطق من شأنها أن تجعل القضيب بمجرّد خروجه منها فاقدا لفحولته في حال من الرّخاوة «détumescence» تجعله خارج كلّ معركة hors combat على حدّ عبارة لاكان Lacan. ولعلّ فقدان الفحولة هو الّذي راهنت عليه الزّاهرة لمّا اشترطت على الأبطال الاستثنائيّين شروطا مجحفة يتوجّب فيها على القضيب أن يكون في حال دائمة من الانتصاب، كأن يدخل أبو الهيلوج في ليلة واحدة “على ثمانين بكرا من غير إنزال”، وأن ينكح العبد ميمون امرأة يقال لها المنى “خمسين مرّة بلا فِترة ولا فتور سواء أنزل أو لم ينزل”، وأن يدخل أبو الهيجاء “على هؤلاء النّساء والأبكار ثلاثين يوما،” وأيره “واقف لا ينام ليلا ولا نهارا”.
تعرب هذه الشّروط عن تصوّر قضيبيّ للأنوثة. فالمرأة فضاء منيع بعذريّة بكّارتها المصفّحة. فهي منغلقة منكفئة على ذاتها على نحو لا يمكن فتحه إلاّ بخرقه وثقبه وحرثه وافتضاضه. ففضّ المختوم هو ما يؤسّس غيريّة الأنثويّ. وهي غيريّة تقترن في الآن نفسه بتجربة من تجارب الخطر، طالما أنّها تنهض على استقبال الضّيف العدوّ في مقرّ الأنوثة المنيع. وهذا يوافق ما يسمّيه فرويد بـ“الفضاء المقوّر”«(espace creux» (32. هذا الفضاء الحميم المنيع قد نهض بدور البكّارة. وهو غشاء قد تحوّلت ماهيته، فصار عضوا معدنيّا بعد أن كان غشاء بالغ الحساسيّة قد اختار الانسحاب في أعماق الجسم الأنثويّ. ونجد أثر هذا التّحوّل في بعض أسماء الفرج الواردة في كتاب “الرّوض العاطر” كاسم “المصفّح”. وقد فسّر على هذا النّحو: “والمصفّح هي المرأة الضّيّقة الفرج، طبيعة من اللّه، فتلقى فمه محلولا، وقعره بعيدا، لا يدخله الأير” (33). بيد أنّ هذا العضو لم يختر في الحكاية إستراتيجيّة الانسحاب، وإنّما المغامرة باستقبال الجنس الآخر l’autre sexe، هذا الّذي كان يتحدّد، قبل اقتحام الفضاء الأنثويّ، بغيابه وعدم امتلاكه والانفصال عنه وسكنه في العالم الخارجيّ. فهو في الحكاية يمثّل بالقوّة عالما عدوانيّا، لكنّه قد انقلب بفضل إستراتيجيّة المغامرة وركوب الخطر إلى موضوع رهان ومواجهة عنيفة شبه حربيّة بين قضيب لا يفتر ولا ينام، و“أبكار مصفّحات، لم يقدر على دخولهنّ أحد،” و“امرأة يقال له المُنى، لم يهيّجها رجل في نكاحها.”. لكأنّ الحرب قد اندلعت في هذا الرّهان بين الذّكر والأنثى ولكن بوسائل جنسيّة وأسلحة مختلفة. وإن تصرّفنا قليلا في عبارة كلاوسفيتش Clausevitz الشّهيرة أمكننا أن نقول: إنّ الخلاف السّياسيّ بين الذّكريّ والأنثويّ الدّائر في الحكاية على معنى الغنيمة (عند الذّكر) وامتلاك القضيب (عند الأنثى) لم يستمرّ بطرائق حربيّة، وإنّما تواصل بوسائل جنسيّة (34). فإن كان سلاح الذّكر هو الطّعام الّذي يقوّي على الجماع ويهيّج الباه ويكثّر، بما فيه من فضائل، من المنيّ، فإنّ سلاح الأنثى تمثّل في تحويل عضوها الحسّاس إلى عضو مصفّح مدرّع. فالصّراع في بعض وجوهه قائم بين النّباتيّ le végital والمعدنيّ le métal. فبكّارة مصفّحة métallisée تنبئ بتحوّل ما كان عضويّا organique إلى لحاء أو صفيح معدنيّ. بل هي تذكّر بدرع égide إلهة الحرب أثيناAthéna ، تلك الدّرع الّتي وهبتها مناعة سحريّة. هذه المناعة قد تجلّت في تلك العذريّة الدّالّة على وجود بكّارة مصفّحة، أو بكّارة قد صارت كالصّفيح. فالأنثى لم تبتر عضوها الجنسيّ، وإنّما حوّلته إلى شيء غير عضويّ «anorganique» متين مدرّع كلحاء الشّجر أو حزام العفّة (35).
في كلّ الأحوال، ينبغي أن ننظر إلى هذه الحرب بين الأنثويّ والذّكريّ على أنّها حرب من حروب الحبّ الّتي خرج فيها إيروس Éros منتصرا. فإن فاز الأبطال بالرّهان وغنموا القصر بما فيه من متاع ونساء، فإنّ هذه الحرب قد انقلبت في فضاء الأنثى إلى حرب نكاح قد جمعت على نحو رمزيّ symbolique الأنثويّ بغيريّته الذّكريّة جمعا ألغى انفصالهما الشّيطانيّ (diabolique (36. فكتاب “الرّوض العاطر”، وما لفّ لفّه من مصنّفات كتب الباه، تعمل عموما على إلغاء هذه الفجوة الشّيطانيّة الّتي يمثّلها فرج المرأة بسدّها عبر شوق مستحيل إلى جماع دائم، لا ينفصل فيه الذّكر عن الأنثى، طالما ظلّت أنصاب القضيب ناشرة مروّجة أساطير فحولته.
الهوامش:
1Stéphane Bern, « Si les murs du Vatican pouvaient parler…», émission Secrets d’histoire sur France 2, 26 mars 2013
2 راجع مقال « Le défi » ضمن كتاب: Algirdas Julien Greimas, (1983) Du sens II, Essais sémiotiques, Paris, Éditions du Seuil, p.p213-223.
3 جاء في اللّسان في مادّة [ح.د.و] ما يلي: “تحَدَّيْتُ فلاناً إِذا بارَيْته في فعل ونازَعْته الغَلَبةَ […] وتحَدَّى الرجلَ تعمَّدَه وتَحَدَّاه باراه ونَازَعه الغَلَبَةَ وهي الحُدَيَّا وأَنا حُدَيَّاك في هذا الأَمر أَي ابْرُزْ لي فيه […] تقول أَنا حُدَيَّاكَ بهذا الأَمر أَي ابْرُزْ لي وَحْدك وجارِنِي.”.
4 انظر الفصل الأوّل « Défi et perversion » من كتاب: Paul-Laurent Assoun, (1996) Le Pervers et la femme, Paris, Anthropos, Éditions ECONOMICA, p.p5-21.
5 انظر، Monique Schneider, Le paradigme féminin, op.cit, p.p155-160 حيث تبيّن انطلاقا من مثال “ماكبث”Macbeth أنّ الملك بين اثنتين إمّا المُلك أو الإنجاب، أن تكون أو أن تنجب. فهذا الخيار يذكّر بنبوءة لايوس، وهو أبو أوديب، الّتي تذكّر بأنّ من كان يشغل وظيفة السّلطان pouvoir سيخسر كلّ سيادة إن أنجب ابنا. فالولادة تعني خسران المُلْك. فللابن السّلطان وللأب الفحولة الخصيبة المؤسّسة للسّلالة. بيد أنّ حكاية الرّوض العاطر تضعنا أمام مشكل آخر. فإن كان إنجاب الوريث الذّكر نفيا للمَلِك، فإنّ إنجاب الوريث الأنثى هو نفي للمُلْك. بيد أنّ استيلاء البنت الكبرى على المُلْك يشي بأنّ هوى الأنثى يميل إلى جهة السّلطان.
6 انظر، Monique Schneider, Généalogie du masculin, op.cit, p73. الّتي تذكر أنّ فرويد يستعمل اللّفظ الألماني Zeuge للدّلالة على الشّاهد الّذي يمثل أمام المحكمة. ولكنّ هذا اللّفظ هو في الآن نفسه مستمدّ من الاسم الّذي يطلق على أعضاء الذّكورة المضطلعة بدور الإنجاب. ففي هذا اللّفظ لا يوجد فصل بين ما هو حسّيّ وما هو ذهنيّ مادامت اللّغة الألمانيّة تستعمل فعل Zeugen لأداء فعل الشّهادة من شهد وفعل الإنجاب من أنجب. أمّا عضو الفحولة فيطلق عليه Zeugungsglied.
7 جاء في اللّسان: “الأَبْتَرُ الذي لا عَقِبَ له […] لم يعش له ولد ذكر”.
8 انظر، Ernest Kantorowicz, (1989) Les deux corps du roi, essai sur la théologie politique au Moyen Âge, traduit de l’anglais et de l’allemand par Jean-Philippe et Nicole Genet, Paris, Collection Bibliothèque des Histories, Gallimard
9 تصوّر جنس الأنثى على أنّه “فراغ سيميائي، وعدم علاميّ” يستند في واقع الأمر إلى تصوّر فرويد لجنس الأنثى sexe féminin الّذي عرّفه في كتابه “مختصر التّحليل النّفسي” بأنّه “هذا الجهاز التّناسلي الّذي يفتقر بالفعل إلى هذه القطعة ذات الشّأن الّذي لا يفوقه شأن”، «un appareil génital auquel manque réellement ce morceau estimé par dessus tout.»، وهو تعريف قد كان موضوع تآويل وانتقادات من منظورات مختلفة. انظر، Monique Schneider, Le paradigme féminin, op.cit, p8
10 تنقل،Monique Schneider, Généalogie du masculin, op.cit, p.p107-115 ، حكاية البابا(ة)، أو “البابيّة” جانla Papesse Jeanne ، المرأة الّتي استولت على منصب البابويّة، وفرضت على المؤسّسة البابويّة، بعد تخلّيها عن المنصب بالإنجاب كما جاء في بعض الرّوايات، أن تقوم بطقس اختبار الخصيتين للتّأكّد من جنس البابا.
11 انظر،Jacques Derrida, (1978) Éperons, Les styles de Nietzsche, Paris, Champs Flammarion, p.p78-79
12 هذا إن لم يكن الأنثويّ شرطَ كلّ عمل من أعمال الفكر. يراجع في هذا السّياق فصل “الأنثويّ وشروط التّفكير” «Le féminin et les conditions de la pensée»، من كتاب، Wladimir Granoff, (2004) La Pensée et le Féminin, Paris, Champs Flammarion, p.p248-267
13 انظر، Françoise Héritier, Masculin/Féminin, op.cit, p187.
14 يذكر عبد الوهاب بوحديبة في، Abdelwahab Bouhdiba, La sexualité en Islam, op.cit, p179، أنّ الدّاعي إلى تأليف كتاب “الرّوض العاطر” في بعض الرّوايات الرّائجة في المغرب الكبير هو إنقاذ المؤلّف نفسه من الموت، تماما كشهرزاد. فقد كاد باي تونس أن يقضي عليه لو لم يحتل لإنقاذ نفسه بأن وعد بتأليف كتاب في النّكاح من شأنه أن يعيد إلى السّلطان فحولته المنهكة. وسواء أصحّت هذه الرّواية أم لم تصحّ، فإنّ تضامن “السّياسيّ والجنسيّ” في “الرّوض العاطر” قد تجلّى بشكل مطّرد في مطلع فصول الكتاب بتكرار عبارة “اعلم يرحمك الله أيها الوزير”، علما بأنّ مقدّمة “الرّوض العاطر” تؤكّد أنّ الكتاب قد أُلّف بطلب من الوزير “محمد عوانة الزواوي، وزير السلطان عبد العزيز الحفصيّ”، لا بطلب من باي تونس.
15 انظر، Serge André, (2001-1995) Que veut une femme?, Paris, Points-Essais, p283
16 انظر، Serge André, Que veut une femme?, op.cit, p284
17 تكون الزّاهرة بهذه الإقامة مكتفية بذاتها، لا تحتاج إلى ما يحمي جسدها طالما أنّ القصر قد انقلب إلى قلعة منيعة تقيها من كلّ ما يأتيها من الخارج لحرثها. فهي كأثينا Athéna لا يمكن جرحها لأنّها مدجّجة بدرع égide تكفيها لحماية جسدها. بل هي بدرعها لا تحتاج إلى جسد لأنّها منيعة على نحو سحريّ. لكأنّها استبدلت جلدها بالدّرع. انظر Nicole Loroux, Les expériences de Tirésias, op.cit, p266.
18 مثل هذا الخيار نجد ما يفسّره عند جاك أندري Jacques André الّذي يقول: “بيد أنّ جنس الذّكر، بترميزه القضيبيّ، هو عند كلّ واحد منّا، هو هو le même، سواء امتلكناه أو لم نمتلكه. فالقضيب هو أولويّة le primat جنس، وجنس واحد فحسب، دون آخر sans autre ما عدا غيابه الخاصّ.”. نقلا عن،Monique Schneider, Le paradigme féminin, op.cit, p206.
19 ليس الطّفيليّ هو ذاك الّذي يحتال ليكون في الولائم المآدب، فهذه مجرّد صورة من صوره الكثيرة. إنّما المقصود منه المفهوم. وفي تحديد مفهوم الطّفيليّ «Le parasite» على نحو يعتمد نظريات التّواصل والإخبار، نحيل على كتاب،Michel, Serres, (1985) Le parasite, Paris, Les Éditions de Bernard Grasset, p.p97-116
20 انظر، Michel Serres, (1996) Atlas, Paris, Champs Flammarion, p42 حيث يقول، « Dis-moi donc où tu habites et je te dirai qui tu es »
21 من معاني [ق.ص.ر] في اللّسان: “يقال قَصْرُك أَن تفعل كذا أَي حسبك وكفايتك وغايتك وكذلك قُصارُك وقُصارَاك وهو من معنى القَصْرِ الحَبْسِ لأَنك إِذا بلغت الغاية حَبَسَتْك […] وفي حديث معاذ فإِنَّ له ما قَصَرَ في بيته أَي ما حَبَسَه وفي حديث أَسماء الأَشْهَلِيَّة إِنا مَعْشَرَ النساء محصوراتٌ مقصوراتٌ […] وامرأَة قَصُورَة وقَصيرة مَصُونة محبوسة مقصورة في البيت لا تُتْرَكُ أَن تَخْرُج […] والقَصْرُ من البناء معروف […] هو المنزل وقيل كل بيت من حَجَر قُرَشِيَّةٌ سمي بذلك لأَنه تُقصَرُ فيه الحُرَمُ أَي تُحْبس”، والإبراز إبرازنا.
22 انظر، Jean-Luc Nancy, (2003) Au fond des images, Paris, Éditions Galilée, p.p11-33. الّذي يطلق على المقدّس اسم « المتميّز – Le distinct» درءا لكلّ التباس.
23 انظر، Giorgio Agamben (2005) Profanations, traduit par Martin Rueff, Paris, Payot & Rivages, p.p101-102
24 انظر، Monique Schneider, Généalogie du masculin, op.cit, p.p129-130.حيث تذكر أنّ الأعوان المرتبطين بالأرض، الموصولين بأنموذج البذر paradigme séminal يوجدون في أسفل السّلّم الاجتماعيّ على نحو يحطّ من قيمة الأنثويّ والحقل الإيروسيّ. بيد أنّ ممثّلي السّلطان كالفارس أو رجل الدّين يتنزّلون بالضّبط في الموقع الّذي تراقب فيه وتحرس المداخل المؤدّية إلى النّساء.
25 بين صورة المتاهة وصورة المغارة فرق كبير. فالمغارة تحيل على خيال الرّاحة، أمّا المتاهة فتحيل على خيال الحركة العسيرة، أو الحركة القلقة. فالمغارة تنهض بدور السّتار الطّبيعيّ. فهي منزل بلا باب، وحارس العتبة. بل هي كالملجأ يحمي ويقي، ولكنّه منفتح لا ينغلق. انظر فصل “المغارة”، «La grotte»، من كتاب، Gaston Bachelard (1948-1996) La terre et les rêveries du repos, Tunis, Cérès Éditions, p.p187-214.
26 نعتمد في هذا التّعريف للشّبح على كتاب: Jacques Derrida, (1993) Spectres de Marx, L’État de la dette, le travail du deuil et la nouvelle Internationale, Paris, Éditions Galilée, p27.
27 يستعمل دريدا،Jacques Derrida, Spectres de Marx, op.cit, p27 ، في وصف انعدام تبادل النّظر عبارة «Effet de visière»، أو “تأثير كوّة الخوذة”، إن صحّت التّرجمة. والمقصود من هذه الاستعارة الموضع اللاّمرئي الّذي ينبع منه القانون، ويتكلّم منه ذاك الّذي يأمر، ويصدر أوامره.
28 محمّد بن محمّد النّفزاوي، الرّوض العاطر في نزهة الخاطر، م.م، ص44.
29 يذكر، Émile Benveniste, (1969) Le vocabulaire des instututions indo-européennes. 2 Pouvoir , Droit , Religion, , Paris, Les Éditions de Minuit, p355، أنّه يطلق على الغريب بالإغريقيّة لفظ Xénos، ويعني أيضا العدوّ (hostis باللاّطينيّة) الّذي يمكن أن يصبح ضيفا (Xénos بالإغريقيّة، وhospes باللاّطينيّة).
30 انظر، خضر، العادل، في الصّورة والوجه والكلمة مقالات ميديولوجيّة، الدار التّونسيّة للكتاب، تونس، الطّبعة الثّانية، 2015، ص147.
31 انظر، Jean-Luc Nancy, (2000) L’Intrus, Paris, Éditions Galilée
32 هذا الفضاء لا يتحدّد في الرّوض العاطر إلاّ باحتوائه الأير الكامل. فمن أسماء الفرج “المقوّر”. وقد عرّف في الرّوض العاطر على هذا النّحو: “والمقوّر هي المرأة الواسعة الفرج الّتي لا يشبعها الأير الكامل”. انظر، محمّد بن محمّد النّفزاوي، الرّوض العاطر في نزهة الخاطر، م.م، ص44. وفي قصّة بهلول جاء هذا الوصف: “ثمّ إنّها أمرتني بالرّقاد، فرقدت لها فصعدت فوقي وأخذته بيدها وأدخلته في فرجها بكماله، فتعجبت من فرجها وقدرتها على أيري، لأنّي ما جامعت امرأة إلاّ لم تطقه، ولم تدخله كّله إلاّ هذه المرأة، فلا أدري ما سبب قدرتها وتحمّلها له إلاّ أنّها كانت سمينه ملحمة، وفرجها كبيرًا وأنّها مقعورة ،أو غير ذلك.”، الرّوض العاطر في نزهة الخاطر، م.م، ص44. والإبراز إبرازنا. وجاء في اللّسان: “وامرأَة قَعِرة بعيدة الشهوة عن اللحياني وقيل هي التي تجد الغُلْمةَ في قَعْر فرجها وقيل هي التي تريد المبالغة وقيل امرأَة قَعِرَة وقَعِيرةٌ نَعْتُ سَوْء في الجماع”. والإبراز إبرازنا.
33 محمّد بن محمّد النّفزاوي، الرّوض العاطر في نزهة الخاطر، م.م، ص45.
34ينسب إلى كارل فون كلاوزفيتسCarl Von Clausevitz هذا التّعريف الشّهير للحرب في قوله: « la guerre est la continuation de la politique par d’autres moyens » “الحرب هي مواصلة للسّياسة بوسائل أخرى”.
35 انظر، Monique Schneider, Le paradigme féminin, op.cit, p.p198-199. حيث بيّنت أنّ هذا العضو يصبح، إن قارنّاه بغشاء البكارة السّاكن في الجسد الأنثويّ، ذاك الذّي يدعوه فرويد بالغشاء المدمّر عند الافتضاض، ظرفا أو غشاء من نوع خاصّ.
36 في التّفرقة بين الرّمزيّ والشّيطانيّ، نحيل على فقرة “البيان والشّيطان”، ضمن العادل خضر، الأدب عند العرب، م.م، ص435-443.
* منقول عن:
تفكيك أساطير الفحولة (4/4)
*
“أثناء تولّي البابا الجديد منصب البابويّة، يتكفّل أصغر الكرادلة سنّا un diacre بأن يتحسّس بيديه، من خلال كرسيّ مثقوب يسمّى”sedia stercoraria“من وجود الخصيتين، ويهتف: « Duos habet et bene pendentes »،”له خصيتان ومتدليّتان جيّدا“، حينئذ يردّ كورس الكرادلة: « Deo gratias »،”فليتبارك الرّبّ“.” (1).
لرجال الاستثناء من “الفحول” في هذه الحكاية أسماء هي أسماء أبطالها: “أبو الهيلوج”، و“أبو الهيجاء”، و“ميمون”. غير أنّ الاستثناء لم يصنعه الطّعام فقط، وإنّما قصّة التّحدّي le récit du défi (2، أو “الحُدَيَّا” (3) الّتي حملت الرّجال الاستثنائيّين على أن يقبلوا بعض الشّروط الّتي فرضتها الأنثى لامتلاك القضيب والحفاظ على المُلْك كما سنرى.
ولفعل التّحدّي بعض الشّرائط لا يمكنه أن ينجز من دونها. فهو قبل كلّ شيء علاقة بالآخر الكبير، ذلك أنْ ليس للتّحدّي كبيرُ غنم إن لم يتّجه إلى نظر الآخر. ذاك هو محتوى التّحدّي. يكفي أن لا أحد يلتفت إلى فعل التّحدّي، فلا يعيره أدنى اهتمام حتّى يفقد هذا الفعل معناه وجدواه ومرماه. أمّا المحدّد الثّاني، وهو يخصّ مضمون رسالة التّحدّي، فيتعلّق بفعل الانتهاك acte de transgression. فإن لم يوجد انتهاك للقانون، فإنّ الانتهاك ذاته لا يمكنه أن يتّخذ بنية التّحدّي. فالمنعl’interdit هو المضمون الخاصّ برسالة التّحدّي. فكلّما بُذل في التّحدّي شيء منتهك للقانون، لافت للنّظر، أضحى حضور الآخر ضروريّا، لأنّه يشغل موضع الشّاهد الّذي من دونه لا يمكن أن تكون للانتهاك شهادة تثبت وقوعه. فدون تلك الشّهادة لا يمكن للذّات أن تتمتّع بتحدّيها الخاصّ. ولأجل ذلك يخضع المتحدّي لإكراهين: يقتضي الإكراه الأوّل حضور ذات أخرى، حتّى يكون للتّحدّي تأثير فيه. فهو خاضع لسلطة الشّاهد témoin. أمّا الإكراه الثّاني فيقتضي حضور زاوية نظر القانون، فبغيابها يكون فعل التّحدي دون طائل. فهو خاضع لبنية القانون. فالهدف من انتهاك القانون هو إبهار هذا الثّالثle tiers ، الّذي يمثّله الشّاهد، بأن يُمَثَّل أمامه حدثٌ يُنظر إليه على أنّه انتهاك مّا. ومن القرائن الدّالّة على أنّ فعل الانبهار قد تحقّق هو حمل الشّاهد على أن يشعر بأنّه يَرى القانون منتهكا بالفعل المنجز، فينجرّ من فعل الانتهاك إحساس بالفضيحة، هو في الواقع خليط من الخوف والانبهار. وحصول ذلك الوَقْع هو غُنم التّحدّي الأكبر، وأفق الذّات المتحدّية الأوحد. فالمتحدّي يتمتّع كثيرا بما أحدثه من وقعٍ على مرأى الآخر ونظره (4).
كلّ هذه المعاني المتعلّقة بعمل التّحدّي ماثلة بشكل مّا في هذه الحكاية. وهي إن رمنا تصنيفها، أنموذج من حكايات المُلْك، ذات بنية بسيطة، يمكن أن نوجزها في ثلاثة أطوار هي: الانتهاك le délit، والنُّكرانle déni ، والرّهان le pari. وفي الأطوار الثّلاثة كان أبطال التّحدّي من النّساء والرّجال معا. كلّ طور منها مثّل صيغة مخصوصة من فعل التّحدّي.
*
أمّا الصّيغة الأولى من التّحدّي، وهي الانتهاك، فقد اتّخذت شكل انتهاك لقانون الوراثة الّذي ينهض عليه المُلْك، أي القانون الّذي يضمن انتقال المُلْك من مَلِك ميّت إلى مَلك حيّ. فعبارة “الملك مات، يحيى الملك”، « Le roi est mort, vive le roi »، هي، على سبيل المثال، عبارة من عبارات طقوس المُلْك الشّائعة في البلاط الفرنسي في القرون الوسطى، بواسطتها يعلن رسميّا عن انتقال المُلك من شخص إلى آخر. فالحكاية بهذا المعنى هي حكاية مَلِك ومُلْك. غير أنّ هذا الانتقال المتوقّع حدوثه لم يحدث في هذه الحكاية، لأنّه لم يكن للمَلِك وارثٌ بسبب فقدان الولد الذّكر. ذلك أنّه لم ينجب سوى “سبع بنات بارعات الحسن والجمال والبهاء والكمال والدّلال، والسّبعة على رؤوس بعضهم بعض. ليس بينهنّ ذكر”. فعدم إنجاب الولد الذّكر يعني تعطّل مبدإ الوراثة الّذي يضمن انتقال المُلك من مَلِك إلى آخر. فجنس المَلِك الوارث هو الّذي يشهد بأنّ للمَلِك الموروث وريثا. يترتّب على ذلك أنّ المَلك لم ينجب ما يشهد على أنّ له وريثا يَخْلِفُه في المُلك (5). فحتّى يكون له وريث وجب أن يمتلك الوارث خصيتين تشهدان على أنّه ذكر. هذا التّقاطع بين الخصيتين، (أو جنس الشّاهد)، وعمل الشّهادة مفقود في العربيّة. ولكنّه في لغات أخرى كالألمانيّة موجود (6). بل نجد هذا التّقاطع بين فعلي “شهد” و“أنجب” في اللّسان الفرنسيّ. فلفظ testicules، ومقابلها العربيّ “الخصيتان”، إنّما مرجعها جنسيّ، ولكنّها تحيل في الآن نفسه على إجراءات الشّهادة attestation، علما بأنّ الشّاهد يطلق عليه في الأصل اللاّطيني لفظ testis.
إنّ عبارة “ليس بينهنّ ذكر” تؤكّد حرمان المَلك من وريثٍ ذكرٍ له خصيتان تضمنان استمرار مُلكه في عقبه. فهذا الملك هو أبترُ، بلا عقب ذكر (7). وهذا الافتقار الجنسيّ هو ثغرة في المُلك لم يتمكّن المَلك من سدّها بكثرة البنات. فكلّ واحدة من بناته تؤكّد بمولدها استحالة نفي هذا الافتقار، وأنّ شوقه إلى إنجاب طفل هو شوق إلى مستحيل. فلم يكن بإمكان الملك أن ينشئ صورة أخرى منه، بوصفها من متمّمات ملكه و“جسده الثّاني”، الجسد المقدّس الصّوفيّ الرّمزيّ السّحريّ اللاّمرئي (8). فكلّ ما أمكنه إنجابه ليخلفه هو هذا النّفي الأنثويّ المتكرّر للمُلك. فالأنثى ليس بمقدورها أن تعتلي سدّة المُلك، لأنّها لا تمتلك الدّليل le signe (الخصيتان) الّذي يمثّلها عند الآخر بوصفها وريثا، وبواسطته يمكن للمُلْك أن ينتقل إلى شخص الوارث. فالأنثى تعطّل مبدأ الوراثة لأنّها فراغ سيميائي، وعدم علاميّ (9)، ليس بمقدوره تمثيل جسد الملك الرّمزيّ. فالمُلك والأنثى كلاهما من طبيعة واحدة. فمن الفراغ كانا، ومن نفي الفراغ يكونان. ولأجل ذلك احتاجا دوما إلى هذه العلامات الزّائدة، أو هذه الزّيادات الّتي تنفي فراغهما الجوهريّ، وتقدّمهما للآخر على أساس أنّهما ليسا ما هما، أو هما ليسا ما يبدوان عليه. فالملك والأنثى لا يكونان إلاّ بصناعة علامات زائدة تخفي هذا الفراغ المؤسّس لكينونتهما وتلغيه في آنٍ.
لقد كان من المستحيل أن تستمرّ مؤسّسة المُلك في هذه الحكاية بالوراثة، أي بما يشهد على وجود الخصيتين وعضو الذّكورة، الضّامن الوحيد لجنس المَلك (10).
ولأجل ذلك أصبح تحدّي هذا المستحيل، أي قانون الوراثة، هو ما يؤسّس كينونة الأنثى في هذه الحكاية. ولمّا كان عمل التّحدّي يحتاج إلى شهادة الآخر وانتهاك القانون في آن واحد، أمست إستراتيجيّة البنات السّبعة قائمة على إقصاء كلّ من يحاول افتكاك المُلك منهنّ بوسائل أخرى: كالزّواج، فقد “خطبهنّ ملوك الزّمان، فأبين أن يتزوّجن […] فإذا أتى خطيب إلى أبيهنّ، يبعث إليهنّ ويشاورهنّ فيقلن: هذا لا يكون أبدا”، ثمّ تلبيس فراغ الأنوثة الجوهريّ بعلامات الرّجولة “وكنّ يلبسن ملابس الرّجال، ويركبن على الخيل الموسومة بالعدّة الذّهبيّة، ويتقلّدن بالسّيوف ويقاتلن الرّجال في ميدان الحرب”، وإظهار أبّهة السّيادة “وكان لكلّ واحدة منهنّ قصر عظيم، وخدم وعبيد قائمون بأمور القصور في كلّ ما يحتجن إليه من أكل وشرب إلى غير ذلك”. كلّ ذلك كان لغاية واحدة، هي الاستيلاء النّهائيّ على الملك دون وراثة. ذلك أنّه لمّا “توفّي أبوهنّ، فاستولت البنت الكبيرة على الملك، وكان اسمها فوتر.”. وبالاستيلاء على المُلْك يكون حدث الانتهاك الأنثويّ لقانون “الملك بالوراثة” قد جَسَّم جانبا من عمل التّحدّي الّذي يقتضي، كي يتحقّق على نحو تامّ، أن يتّجه إلى الآخر ويطلب منه أن يُقرّ بشهادته أنّ الذّات المتحدّية قد انتهكت فعلا القانون. ويبدو أنّ عمل التّحدّي قد جرى في الحكاية في صمت وكتمان. فقد كان النّاس، ممثّلو الآخر الكبيرle grand Autre ، يجهلون تماما أسرار البنات “فبَغَض النّاس في أعراضهنّ، فمنهم من يقول فيهنّ الخير، وبعضهم يقول الشّرّ، مدّة من الزّمان. ولم يطّلع أحد من النّاس على أخبارهنّ”. هذا الكتمان التّامّ يؤكّد أسطورة الأنثى بوصفها لغزا وسرّا، وهي أسطورة من الأساطير الّتي تشطب متعة الأنثى وتخرجها في هيئة تجعل إدراك حقيقتها أمرا بعيد المنال (11).
*
أمّا الصّيغة الثّانية من التّحدّي وهي النّكران، فقد جسّمته على نحو واضح “الزّاهرة” الأميرة ذات الملامح “الأمازونيّة”. فهي الأخت الصّغرى والبنت السّابعة من بنات الملك، “وهي أصغرهنّ وأرجحهنّ عقلا وأوفقهنّ رأيا. وكانت مولعة بالصّيد.”. هذه الصّفات تشتغل بطريقة مضطربة. فإن كانت المرأة تحتاج إلى علامات زائدة حتّى تظهر بمظهر امرأة، فإنّها هاهنا لم تحتج إلى علامات حتّى تظهر بمظهر رجل. فقد قُدّمت في الحكاية بصفات هي في حدّ ذاتها علامات مقصيّة للأنثويّ، كرجاحة العقل، والتّوفيق في الرّأي، ونشاط الصّيد وتقلّد السّيف، وركوب الخيل. فرجاحة العقل وسداد الرّأي يقترن فيهما النّشاط الفكريّ وإبعاد الأنثويّ على نحو وثيق (12). وإذا أضفنا إليهما تقلّد السّيف أصبحت هذه المرأة كالمالكة لقضيب الملك، أي مالكة لسلطان القضاء والحكم. وهي بهذا الصّنيع تنسب إلى نفسها صفات ذكريّة جاعلة جسمها في وضع عموديّ يفرضه وضع الملك الفارس الّذي يزاول نشاط الصّيد بوصفه نشاطا من متمّمات المُلك، ولكنّه في كلّ الأحوال وضع بعيد كلّ البعد عن وضع المرأة الأفقي الّتي تُلقى على ظهرها على الأرض للحرث في وضعيات الجماع المتنوّعة المذكورة في “الرّوض العاطر”. بل هي بهذا الوضع العموديّ المنتصب ترمز إلى القوّة وقد تعاظمت واشتدّت، ولكن ليس أيّ قوّة، وإنّما قوّة الذّكورة المبدعة créatrice أو المنجبة procréatrice (13). غير أنّ هذه القوّة الّتي تسعى المرأة إلى الاستحواذ عليها، إنّما تستحوذ على علاماتها فقط. فهي تستولي على علامات الذّكورة حتّى تخفي هذا الفراغ الأنثويّ للاستيلاء على الملك، هذا الفراغ السّياسيّ، الّذي لا يسدُّه شيءٌ سوى علامات الفحولة. فالسّياسيّ le politique والجنسيّ le sexuel متضامنان في هذه الحكاية، بحيث لا يكون المَلِك مَلِكا إلاّ بمن يشهد على ذكورته وفحولته المنجبة (14). ولمّا كانت الأنثى لا تمتلك ما يسدّ فراغ الملك العلاميّ لأنّها هي أيضا عدم سيميائيّ أصبح تجميع علامات الذّكورة ضربا من اللّعب تلوح به الأنثى وتختفي. فالمرأة تلوح بعلامات الذّكورة وتختفي بها في الآن نفسه. هذا الظّهور بمظهر الفارس هو في حدّ ذاته نكران للمرأة. وقد تحقّق النّكران ها هنا بالتّلبيس travestissement، أي باعتقاد الأنثى، وحمل الآخر على الاعتقاد، في ما تراه العين (أي مظهر الرّجل). أمّا الرّجل (الفارس أبو الهيجاء) فهو يعلم أنّ الجنس لا علاقة له بالمرئيّ، “فبينما يوما هي في صيدها وقنصها، إذ التقت في طريقها بفارس، ومعه عشرون مملوكا، فسلّم فردّت عليه السّلام، فسمع كلامها وهي ضاربة النّقاب. فقال: ليت شعري من يكون هذا، أرجل أو امرأة؟”. فالزّاهرة، وهو اسم المرأة، الّتي تظهر أنوثتها بعلامات الرّجولة، أي بما هو في جوهره نفي للأنثويّ، تحتلّ موقعا أنثويّا، لأنّها تكتفي بما تراه لتفرّق بين الجنسين، الذّكر والأنثى. أمّا الفارس أبو الهيجاء فيحتلّ موقعا ذكريّا، فهو رجل لأنّه لا يمكنه أن يصدّق ما يرى (15). يمكن أن نتساءل ما الّذي تتحدّاه المرأة بنكرانه وتلبيسه دون أن تُفلح في إخفائه؟ فما أفلحت فيه هو جعلُها الآخرَ يعرف أنّها ليست برجل، وأنّ قناعها الّذي تُخفي به وجهها لم يكن كافيا ليجعل المرأة مجرّد قناع يُخفي ما هي عليه. فمن المستحيل كشف حقيقة المرأة بمجرّد سقوط القناع. فنكرانها لأنوثتها يرمي إلى إثبات هويّة هي بين القناع وكينونة المرأة، ذلك أنّ الأنوثة ليست محبوبة إلاّ بسبب مظهرها الخادع. فالوقوع في الحبّ وإيقاع الآخر في شباكه غير ممكن دون القناع، أي هذا الّذي في ظاهره لا يشبه المرأة. فادّعاء ما ينكر الأنثى وتلبيسه بما يخفيها هو ما يوقع الآخر في حبّ المرأة الّتي لا تُعرف إلاّ بهذا الخارج الخدّاع (16). ولم تصنع هذا الخارج الخدّاع العلامات فحسب، وإنّما ساهمت لعبة الفورت دا fort-da في صناعته، هذه اللّعبة الّتي من دونها لا يمكن للأنثى أن تكون. بقي أن نفسّر لم عمدت المرأة إلى هذه اللّعبة. فهي وإن كانت لا تظهر إلاّ لتختفي، ولا تختفي إلاّ لتظهر فإنّ وراء هذا الاختفاء والظّهور، والحضور والغياب، لعبة أخرى تنهض على حماية الفجّ والفرج من كلّ دخيل. فإذا كان الأنثويّ يشتغل بمنع الاقتراب منه والاكتفاء بذاته، فلأنّه بالمنع والإقصاء، وبالتّمنّع والمناعة يتأسّس الفضاء الأنثويّ الخاصّ. هذا الفضاء قد حاول الفارس أبو الهيجاء اقتحامه تارة بطلب الصّحبة والاقتراب من المرأة بالوصال، وطورا باكتشاف فضاء الأنثى المنيع، والبحث عن الفجوة الّتي تمكّن من اقتحام مكان الإقامة حيث توجد مملكة النّساء. هذه المملكة توجد هنالك، hors-là، خارج المدينة وأسوارها، في قصر زاهر شاهق بُنِي في جبل، تماما كمنزل أبي الهيجاء “كان منزله منفردا خارج البلد الّتي هو بها”. فالإقامة في هذا الخارج الشّاهق العموديّ طريقة من طرق حماية الفرج والفجّ من كلّ اقتحام (17). لكأنّ الأنثويّ المحض لا يكون إلاّ بضرب من التّطهير الجنسيّ لا يتحقّق إلاّ بغياب الذّكر. فالإقصاء بالمنع ضرب من التّطهّر من كلّ حضور ذكريّ، واحتفاء بغيابه في الآن نفسه. وهو غياب ضروريّ لأنّه شرط من شروط وجود متعة أنثويّة مفرطة لا يحدّها قانون. فخارج المدينة لا يوجد قانون، ولا يوجد في هذا الخارج إلاّ كلّ خارجٍ عن القانون. ومن دلائل هذا الخروج أنْ ليس في القصر سوى تلك البنت من بنات الملك (الزّاهرة) “صاحبة القدّ البهيّ، والمبسم الشّهيّ، صاحبة الخدّ الأحمر، والتّاج المجوهر، والجبين الأزهر، والحلّة المذهّبة، والكرسي المرصّع، الّذي ترصيعه كثيرة ومساميره من فضّة وأحلاقه من ذهب، الّتي يدها على ثغرها”. فهيئتها الجميلة، وطريقة جلوسها الملكيّة، وحاشيتها “ومعها ما يقرب من مائة بكر في قصر عجيب في ذلك الجبل، وفيه أنواع الفرش المذهّبة على ألوان شتّى، وهنّ يأكلن ويشربن ويتنادمن”، وميولها الجنسيّة المثليّة “لأنّها مولعة بحبّ البنات. فلذلك لا تلتفت إليك، ولا إلى صحبتك” كلّ ذلك يؤكّد أنّ هذا الخارج dehorsهو خارج القانون، وخارج العقل، وخارج العمل. وقد تجسّم هذا الخارج المتعدّد في الحكاية بالامتناع عن العمل والتّفكير. فـ“لا شكّ أنّ هذا القصر عندهنّ للخلاعة، لأنّهنّ يدخلن من اللّيل إلى اللّيل، وهو محلّ خلوة وأكل وشرب وخلاعة.”، لأنّ العمل والتّفكير لا يمثّلان أبّهة الملك. بيد أنّ هذا الخارج الّذي تجلّى في الحكاية بطرق شتّى لا غاية من ورائه سوى طلب اعتراف الآخر بأنّها امرأة. فليست أنوثتها سوى قناع تتوارى به من هذه الذّكورة الّتي وسمتها لمّا جرّدت الرّجال منها. فالحكاية تعرض لنا امرأة تتلاعب بعلامات نوعها genre، تارة تنكر أنوثة جنسها sexe بإظهار علامات الرّجولة، وطورا تلغي ذكورتها بإظهار علامات نوعها النّسويّ. وهي في كلّ الأحوال تحاول الاستحواذ على ما لا تملك، أي القضيب، رمز الملك. لذلك حين أفلح الأبطال الأربعة من اقتحام مملكتها، لم تجد ما تراهن به، للحفاظ على قصرها بمن فيه، سوى أن تكون امرأة، أو أن تلعب بالمراهنة لتكون رجلا، لعبا لا ينتهي إلاّ بنتيجة واحدة: إمّا خسران كلّ ما تملك، أو امتلاك القضيب. فاللّعب يجعلها بين اثنتين، بين الكينونة être والمِلكavoir : إمّا أن تكون امرأة لأنّها [لا] تملك القضيب، أو أن [لا] تكون امرأة لأنّها تملك القضيب (18). ولأجل ذلك لم يكن رهان التّحدّي انتهاك القانون لاقتلاع اعتراف الآخر بذاك الانتهاك، وإنّما كان رهانه الأكبر هو امتلاك القضيب بعيدا عن منطق الرّبح والخسارة، والهزيمة والغنيمة، للاستحواذ على المُلك أو فقدانه.
*
أمّا الصّيغة الثّالثة من التّحدّي فهي الرّهان. وهو رهان مزدوج، بدأ باقتحام الفضاء الأنثويّ المنيع من ثقب في مغارة تحت الجبل، أمكن النّفاذ منها إلى القصر، وانتهي بولوج فروج العذارى المصفّحة ذوات البكّارات المنيعة وافتضاضهنّ جميعا. فالكون الأنثويّ يتحدّد بما يمنع اقتحام الغريب إلى فضائه، وذلك بطرده هنالك، وإقصائه في الخارج البعيد. ذلك أنّ الأنثويّ يتصوّر غيريّته (الذّكورة) في شكل جسم ذكريّ غريب ينتظر انبثاقه. فالغريب لا يكتفي بثقب الجدار (الحائط) لاختراق الحمى، وإنّما يحتلّه على نحو دائم. فاحتلال الفضاء بثقبه، ثمّ الدّخول من الفجّ، لم يكتمل في الحكاية إلاّ بولوج فرج المرأة المنيعة. فالمرأة في الحكاية قد اقتُحم فضاؤها من الخارج، للإقامة في فرجها بالاغتصاب الدّائم. ولأجل ذلك كلّما اشتغلت قوى المنع l’interdit في الحكاية لصدّ الغريب اشتغلت قوى أخرى مضادّة لصدّ المنع بالضّجيج وتحريفه، وتحويله إلى دعوة محظورة لا يمكن أن تقال إلاّ في ثنايا القول L’inter-dit. هذه القوى المضادّة للمنع تسمّى الطّفيليّ le parasite. وقد اشتغلت منذ اللّقاء الأوّل الّذي جمع الفارس أبا الهيجاء بالزّاهرة لمّا خرجا للصّيد. هو رفقة مماليكه “التقت في طريقها بفارس، ومعه عشرون مملوكا”، وهي صحبة “بعض عبيدها”. فكما أنّه لا صيّاد بلا كلاب، فكذلك لا سيّد(ة) دون رجال. فالسّيّد يشقّ دائما الطّريق حتّى يمرّ منه الرّجال والخيل والكلاب، لربط الصّلات وعقد العلاقات. ولمّا كان الصّيد لا يكون إلاّ بالطّرد، بحيث تكون “المصايد والمطارد” متلازمتين، لم يُضحِ صيدُ الذّكر في الحكاية ممكنا إلاّ بطرده، بذريعة الصّوم لصدّ كلّ تقرّب بالمؤاكلة، “فسار معها إلى أن أتى فصل الغداء، فجلس معها للأكل يريد أن ينظر وجهها، فأبت أن تأكل، وقالت: إنّي صائمة.”. ففي المؤاكلة مبادلة. ولأمر مّا كانت علاقة المبادلة دوما خطرة. فهي تمرّ ضرورة من قناة يتحكّم فيها الطّفيليّ. ولذلك جرى الطّرد تارة بالصّوم، والامتناع عن المؤاكلة، وطورا بمنع كلّ مبادلة، وذلك بقطع كلّ صحبة ممكنة، لأنّ كلّ علاقة تنعقد بوساطة الطّفيليّ تفضي بالضّجيج إلى ما يلغيها: “فقال لها: هل لك في الصّحبة من شيء؟ قالت: صحبة الرّجال لا تليق بالنّساء لأنّه إذا التقت الأنفاس، ووقع في قلوبهما الهواس، ودخل بينهما الوسواس، وصلت أخبارهما النّاس.”. فألفاظ من قبيل “الأنفاس”، و“الهواس”، و“الوسواس”، و“النّاس”، إنّما هي تسميات مختلفة للضّجيج الّذي يُرافق بوساطته كلّ علاقة بين اثنين. فلا وجود لعلاقة صامتة. وحتّى إن وجدت فهي لا تُرى. هذا الضّجيجLe bruit الّذي يمنع كلّ علاقة ممكنة هو الطّفيليّ. بل الضّجيج هو الطّفيليّ نفسه. فإن كانت كينونة الطّفيليّ هي العلاقة في حدّ ذاتها فإنّ وظيفته هي إحداث الضّجيج لإلغاء كلّ علاقة أو تحويلها (19). وكلّ تحويل هو بالضّرورة تحريف للأخبار بالضّجيج، ولكنّه في الآن نفسه تحويل لفضاء العلاقات، لأنّ العلاقات بين الأفراد تنعقد بوساطة علاقاتها الفضائيّة. وفي الجملة، هي علاقات لا تتغيّر إلاّ بالمعرفة والعلم، لأنّ المعرفة في حدّ ذاتها فضاء للتّحويل، تتغيّر فيه العلاقات بين الأفراد كلّما تغيّرت علاقاتها الفضائيّة. ولمّا كان الفضاء الأنثويّ مغلقا لأنّه ملك مطلق للأنثى فإنّ مناعته المغلقة تنقض كلّ إمكان لإبرام عَقْد بالذّكر.
وقد ترجمت هذه المناعة في الحكاية بالسّكن في قصر شاهق في الجبل: “وخرج يسير إلى أن قرب إلى القصر الذي فيه الزاهرة فوجد قصرا زاهرا شاهقا […] فإذا هو بتلك البنت ومعها ما يقرب من مائة بكر في قصر عجيب في ذلك الجبل […] لا شكّ أنّ هذا القصر عندهنّ للخلاعة”. فالقصر منيع ببنائه الشّاهق وبموقعه الطّبيعيّ، في الجبل. وفي القصر سكنت الزّاهرة. “قل لي أين تسكن؟ أقل لك من أنت” (20). إذا استحضرنا أنّ من معاني القصر هو الحبس، أي الموضع الّذي تُحبس فيه النّساء وتُصان، فـ“لا تُتْرَكُ أَن تَخْرُج”، جاز لنا حينئذ اعتبار “مَعْشَرَ النساء محصورات مقصورات” (21). فطريقة الإقامة في المكان هي الّتي تحدّد هُويّة المُقيم. وقد كان هذا المكان في الجبل منفصلا عن العمران بعيدا عن المدينة، خارج أسوارها، فصار بحكم ذلك مكانا مقدّسا لا يمكن الاقتراب منه ولا لمسه intouchable. فالمقدّس في بعض تعاريفه هو “المنفصل”، و“المُفرد المبعد” و“المقطوع” أو “المقتطع”. وهو الّذي بعمليّة الفصل ذاتها قد انسحب من استعمال النّاس، أو فضاء الاستعمال العامّ، فلم يعد صالحا للسّكن، أو الإقامة فيه (22). ولمّا كانت إقامة النّساء في قصر “للخلاعة”، وكان القصر “محلّ خلوة وأكل وشرب وخلاعة”، فيه “يأكلن ويشربن ويتنادمن” أضحى بحكم ذاك الاستعمال فضاءً خالصا للشّرب واللّهو، ومكانَ المتعة المستهترة الّتي لا يحدّ من شططها وإفراطها قانون. هذا الإفراط يعني خروج الأشياء من دائرة القانون البشريّ بما يجعلها ممنوعة خارج كلّ استعمال. وهذا بالضّبط معنى لفظ «Consacrer – Sacrare» في اللّسان اللاّطيني. ويقابله لفظ «profaner»، الّذي يعني عودة الأشياء إلى استخدام النّاس المعهود. ففي لفظ “مقدّس” بعض الغموض راجع إلى كون لفظ sacer ذاته من الألفاظ الأضداد. فهو يعني “المنذور إلى الآلهة” وكذلك “الملعون، المنبوذ من الجماعة” (23). هذا التّضادّ نجده في لفظ “الخليع”. فمن معانيه في اللّسان الـ“مُسْتَهْتَرٌ بالشّرب واللّهو”، وهو أيضا “الّذي خَلَعَتْه عشيرته وتَبرَّؤُوا منه” بسبب جناياته. فالخلاعة بهذا المعنى ضرب من المتعة المستهترة الّتي بإفراطها تفصل المرء عن الجماعة فتجعله منبوذا. فنساء القصر “محصوراتٌ مقصوراتٌ” لأنّهنّ أقمن في فضاء الخلاعة، فصرن بالإقامة فيه خليعات، منفصلات عن الجماعة منعزلات. وقد ساهم هذا القصر الشّاهق في الجبل في عزل النّسوة من المدينة وإبعادهنّ عن الجماعة، وإقصائهنّ من مجال الاستعمال اليوميّ لأجسادهنّ. فهنّ في القصر “يأكلن ويشربن ويتنادمن”، وهو نشاط لهويّ ludique لعين maudit مترف، يُزاول في مكان لا يمكن اقتحامه إلاّ لمن يعرف المداخل المؤدّية إلى أفضية النّساء. وقد كانت هذه الأفضية دوما محروسة جيّدا، لا يعرف المنافذ إليها إلاّ رجل الدّين أو الفارس (24). بيد أنّ معرفة المنافذ المؤدّية إلى النّساء هو إيذان بتهافت مناعة المكان. ولم تتهافت هذه المناعة ولم تضعف إلاّ بمعرفة مكان النّفاذ والنّفوذ. فبتلك المعرفة يصبح الغريب مستقرّا فينا مثل جسم غريب«corps étranger» ، كلّما أمعن في الدّخول كانت الغنيمة عظيمة. فالدّخول أعمق فأعمق لا يكافئه سوى الاستيلاء العظيم. وليس الاستيلاء سوى معرفة عميقة بالمكان تنبئ بتغيّر قواعد بناء العلاقات بين الأنثويّ وغيريّته. وقد كان هذا المكان هو المغارة، وكانت المغارة أسفل الجبل.
ينبغي الانتباه إلى هذه العبارات “فنزل في جبل، ودخل في مغارة هناك هو وعبده ميمون وجواده”، “يا سيّدي إنّي أسمع حسّا داخل المغارة”، “وأتى إلى مغارة أخرى بعيدا عنها”، “وقصد المغارة الّتي كان بها، ودخل إلى أقصاها، فوجد دهليزا، فهبط إليه”، “وسار إلى أن وصل المغارة”، “وأخبره بما وقع في قعر المغارة”، “أراد الهجوم على قصرها، فوجده نافذا إلى هذه المغارة تحت الأرض”. فلفظ “المغارة” قد اطّرد في هذه الأمثلة على نحو لافت للانتباه. وهو لفظ ينبغي تمييزه عن عبارات كـ“دهليز”، و“قعر المغارة”، و“هذه المغارة تحت الأرض” لأنّها تحيل على فضاء من نوع آخر عميق يقع تحت الأرض تستقطبه صورة “المتاهة السّردابيّة” (25). ففي المغارة يُحتمى من كلّ ما يُخشى منه “ثمّ إنّهم غيّبوا خيولهم في مغارة، وزربوا عليها من الوحوش واللّصوص”، ولكن دون أن نُحبس فيها. فهي ستار يعزل الدّاخل عن الخارج، فيصبح مَنْ بالدّاخل يَرى دون أن يكون مرئيّا. فمن المغارة نصبح كالأشباح نَرى دون أن نُرى (26)، هذه الوظيفة الّتي تتعطّل فيها “تجارة النّظرة”، le commerce du regard، فلا يُتبادل فيها نظر سينهض بها الثّقب الّذي ينفتح على الجوّانيّ le dedans انفتاحا يسمح برؤية ما فيه للنّفاذ إليه، وتسليط نفوذ القانون عليه، بحيث يصبح الثّقب كخوذة الفارس الّتي يحكم غلقها على وجهه حتّى ينقطع كلّ تبادل نظر، فيضحي كالشّبح يرى ولا يُرى، جاعلا من رؤية ما بالدّاخل الجوّانيّ شكلا من أشكال النّفاذ والنّفوذ (27). هذا النّفاذ إلى الجوّاني يبدأ من المغارة بوصفها فضاء خارجيّا يحجب ويفتح، في آن واحد، فضاء داخليّا هو القصر، لا يمكن النّفاذ إليه إلاّ بالثّقب: “فإذا فيه ضوء يخرج من بعض الثّقب، فعمل عينه في ثقبه ونظر، فإذا هو بتلك البنت ومعها ما يقرب من مائة بكر في قصر عجيب في ذلك الجبل.”. فالثّقب يخفي شوقا إلى تجاوز الحدود وتدميرها، والإحاطة بالعالم وجعله أكثر اتّساعا. هذا الشّوق إلى معرفة المجهول هو ذاك الفضول الّذي دفع أبطال الحكاية إلى الحفر “حفر ذلك المكان، فهدّموا منه قدر الحاجة.” فأحدثوا في جوف المغارة فجوة، وشقّوا في أغوار الجبل شقّا وفرجة ليست بالبعيدة عن فجوة الفرج عند المرأة. فمن تآويل معنى الفرج في “الرّوض العاطر” قول المؤلّف: “فأمّا الفرج (فـ)سمّي بذلك الاسم لانحلاله[…] يطلق على المرأة والرجال […] والفرج هو الشّقّ يقال: انفتحت لي فرجة في الجبل أي شقّ.” (28).
إنّ العبور من شقٍّ إلى شقّ، ومن فرجة إلى فرج لا يبرّره شيء سوى منطق التّأويل الاستعاريّ في “الرّوض العاطر”، بحيث تكون المماثلة بين شقّ الجبل وشقّ الفرج سبيلا إلى الانتقال من جوف المغارة إلى بيوت القصر. فمنطق الاستعارة يقتضي أن يلازم الانتقالَ تحوّلٌ مّا، يصيب بالضّرورة هويّة المنتقل وهيئته. وقد جرى الانتقال من المغارة إلى القصر في شكل اقتحام، أُنجز في الحكاية بهجوم مباغت مسلّح على ساكنات القصر. فقد اقتحم الأبطال القصر “كلّ واحد منهم بسيفه ودرقته […] وكلّ واحد ضارب نقابه على وجهه”، فانقلبوا بقوّة الاستعارة، أي بالانتقال إلى الفضاء الأنثويّ، في هيئة المحارب العدوّ. ولمّا كان العدوّ هو ذاك الّذي يخفي وجهه فلا تعرف هويّته، فإنّ انقلابه من عدوّ إلى ضيف (29)، إنّما هو وجه آخر من وجوه التّحوّل الاستعاريّ الّذي ما انفكّت القصّة تمثّل شكله الأوفى. فإذا عدنا إلى أصل الاستعارة ومعناها في اللّسان الإغريقيّ لوجدنا أنّ لفظ μεταφέρω – metapherô))، يعني في الآن نفسه سلسلة من الأعمال هي (حمل وانتقل وتحوّل) قد اضطلعت بها ذات، قد تحوّلت بدورها تحوّلا استعاريّا sujet métaphorisé. وهو تحوّل يحملنا على أن نعتبر معنى الاستعارة مصاقبا لمعنى الطّريق بما هي في أحدث التّعريفات الميديولوجيّة فضاء للحمل والتّحوّل يصيب الحامل والمحمول معا، والنّاقل والمنقول جميعا (30). ولمّا كان من معاني القصّ هو اقتصاص الأثر وتتبّعه فإنّنا نعتبر كلّ قصّاص أثر، منحدرا من سلالة إنسان الطّريق homo viator. وهو إنسان متحوّل متغيّر على نحو استعاريّ كلّما تنقّل في الفضاء. وقد جرى التّحوّل في هذه الحكاية بحيلة وكيد أنثويّ لمّا قبل الأبطال شروط الزّاهرة، وأبرموا معها عقود الرّهان: “فقالت: ما لي لا أكيدهم بهؤلاء الأبكار وأنا أنجو؟ ثمّ قالت: ما نفعل إلاّ بشرط. فقالوا لها: شرطك مقبول. قالت وإن لم تقبلوه فأنتم عندي أسارى، ونحكم فيكم بما نريد. فقالوا: نعم. فأخذت المواثيق والعهود عليهم”. فقبول شروط الأنثى الّتي ترمي إلى أسرهم بعهود الطّاعة ومواثيقها قد قلب العدوّ الغريب، أو “الجسم الغريب” إلى ضيف دخيل. وبإبرام تلك المواثيق والعهود يكون معنى الرّهان قد تحقّق في الحكاية على نحو غير بعيد من معنى المخاطرة. وهو معنى أنثويّ ملازم لمعنى آخر هو الانفتاح على غيريّتها l’altérité. هذا الانفتاح غير ممكن إلاّ إذا اتّخذت غيريّة الأنثى الذّكريّة شكل دخيل l’intrus. ولكن من هو الدّخيل (31)؟ أهو ذاك الّذي تسرّب إلى القصر عنوة أم بغتة؟ أم بالحيلة؟ فكان تسرّبه في كلّ الأحوال مخالفا للقانون لأنّه لم يُقبل بعد؟ أم تُراه ذاك الغريب الّذي قُبِل، ولكن بشروط مجحفة؟ ذلك أنّ الدّخيل لا يمكنه أن يقيم في الفضاء الأنثويّ إلاّ إذا فَقَدَ ما به يكون عدوّا غريبا. فليقبل الدّخيل ويستقبل ينبغي أن يتخلّى عن شيء من الضّروريّ ألاّ يظهر، لأنّ ظهوره يحرم الأنثى من حقّ الإقامة في الحمى الأنثويّ المحض حيث تكون النّسوة “محصورات مقصورات”، خارج اقتصاد البيت والهيمنة القضيبيّة ونظرة القانون. بيد أنّ ظهور الغريب المفاجئ قد حتّم على الأنثويّ إستراتيجيّة أخرى هي الانطواء والتّراجع نحو المناطق العميقة. وهي مناطق من شأنها أن تجعل القضيب بمجرّد خروجه منها فاقدا لفحولته في حال من الرّخاوة «détumescence» تجعله خارج كلّ معركة hors combat على حدّ عبارة لاكان Lacan. ولعلّ فقدان الفحولة هو الّذي راهنت عليه الزّاهرة لمّا اشترطت على الأبطال الاستثنائيّين شروطا مجحفة يتوجّب فيها على القضيب أن يكون في حال دائمة من الانتصاب، كأن يدخل أبو الهيلوج في ليلة واحدة “على ثمانين بكرا من غير إنزال”، وأن ينكح العبد ميمون امرأة يقال لها المنى “خمسين مرّة بلا فِترة ولا فتور سواء أنزل أو لم ينزل”، وأن يدخل أبو الهيجاء “على هؤلاء النّساء والأبكار ثلاثين يوما،” وأيره “واقف لا ينام ليلا ولا نهارا”.
تعرب هذه الشّروط عن تصوّر قضيبيّ للأنوثة. فالمرأة فضاء منيع بعذريّة بكّارتها المصفّحة. فهي منغلقة منكفئة على ذاتها على نحو لا يمكن فتحه إلاّ بخرقه وثقبه وحرثه وافتضاضه. ففضّ المختوم هو ما يؤسّس غيريّة الأنثويّ. وهي غيريّة تقترن في الآن نفسه بتجربة من تجارب الخطر، طالما أنّها تنهض على استقبال الضّيف العدوّ في مقرّ الأنوثة المنيع. وهذا يوافق ما يسمّيه فرويد بـ“الفضاء المقوّر”«(espace creux» (32. هذا الفضاء الحميم المنيع قد نهض بدور البكّارة. وهو غشاء قد تحوّلت ماهيته، فصار عضوا معدنيّا بعد أن كان غشاء بالغ الحساسيّة قد اختار الانسحاب في أعماق الجسم الأنثويّ. ونجد أثر هذا التّحوّل في بعض أسماء الفرج الواردة في كتاب “الرّوض العاطر” كاسم “المصفّح”. وقد فسّر على هذا النّحو: “والمصفّح هي المرأة الضّيّقة الفرج، طبيعة من اللّه، فتلقى فمه محلولا، وقعره بعيدا، لا يدخله الأير” (33). بيد أنّ هذا العضو لم يختر في الحكاية إستراتيجيّة الانسحاب، وإنّما المغامرة باستقبال الجنس الآخر l’autre sexe، هذا الّذي كان يتحدّد، قبل اقتحام الفضاء الأنثويّ، بغيابه وعدم امتلاكه والانفصال عنه وسكنه في العالم الخارجيّ. فهو في الحكاية يمثّل بالقوّة عالما عدوانيّا، لكنّه قد انقلب بفضل إستراتيجيّة المغامرة وركوب الخطر إلى موضوع رهان ومواجهة عنيفة شبه حربيّة بين قضيب لا يفتر ولا ينام، و“أبكار مصفّحات، لم يقدر على دخولهنّ أحد،” و“امرأة يقال له المُنى، لم يهيّجها رجل في نكاحها.”. لكأنّ الحرب قد اندلعت في هذا الرّهان بين الذّكر والأنثى ولكن بوسائل جنسيّة وأسلحة مختلفة. وإن تصرّفنا قليلا في عبارة كلاوسفيتش Clausevitz الشّهيرة أمكننا أن نقول: إنّ الخلاف السّياسيّ بين الذّكريّ والأنثويّ الدّائر في الحكاية على معنى الغنيمة (عند الذّكر) وامتلاك القضيب (عند الأنثى) لم يستمرّ بطرائق حربيّة، وإنّما تواصل بوسائل جنسيّة (34). فإن كان سلاح الذّكر هو الطّعام الّذي يقوّي على الجماع ويهيّج الباه ويكثّر، بما فيه من فضائل، من المنيّ، فإنّ سلاح الأنثى تمثّل في تحويل عضوها الحسّاس إلى عضو مصفّح مدرّع. فالصّراع في بعض وجوهه قائم بين النّباتيّ le végital والمعدنيّ le métal. فبكّارة مصفّحة métallisée تنبئ بتحوّل ما كان عضويّا organique إلى لحاء أو صفيح معدنيّ. بل هي تذكّر بدرع égide إلهة الحرب أثيناAthéna ، تلك الدّرع الّتي وهبتها مناعة سحريّة. هذه المناعة قد تجلّت في تلك العذريّة الدّالّة على وجود بكّارة مصفّحة، أو بكّارة قد صارت كالصّفيح. فالأنثى لم تبتر عضوها الجنسيّ، وإنّما حوّلته إلى شيء غير عضويّ «anorganique» متين مدرّع كلحاء الشّجر أو حزام العفّة (35).
في كلّ الأحوال، ينبغي أن ننظر إلى هذه الحرب بين الأنثويّ والذّكريّ على أنّها حرب من حروب الحبّ الّتي خرج فيها إيروس Éros منتصرا. فإن فاز الأبطال بالرّهان وغنموا القصر بما فيه من متاع ونساء، فإنّ هذه الحرب قد انقلبت في فضاء الأنثى إلى حرب نكاح قد جمعت على نحو رمزيّ symbolique الأنثويّ بغيريّته الذّكريّة جمعا ألغى انفصالهما الشّيطانيّ (diabolique (36. فكتاب “الرّوض العاطر”، وما لفّ لفّه من مصنّفات كتب الباه، تعمل عموما على إلغاء هذه الفجوة الشّيطانيّة الّتي يمثّلها فرج المرأة بسدّها عبر شوق مستحيل إلى جماع دائم، لا ينفصل فيه الذّكر عن الأنثى، طالما ظلّت أنصاب القضيب ناشرة مروّجة أساطير فحولته.
الهوامش:
1Stéphane Bern, « Si les murs du Vatican pouvaient parler…», émission Secrets d’histoire sur France 2, 26 mars 2013
2 راجع مقال « Le défi » ضمن كتاب: Algirdas Julien Greimas, (1983) Du sens II, Essais sémiotiques, Paris, Éditions du Seuil, p.p213-223.
3 جاء في اللّسان في مادّة [ح.د.و] ما يلي: “تحَدَّيْتُ فلاناً إِذا بارَيْته في فعل ونازَعْته الغَلَبةَ […] وتحَدَّى الرجلَ تعمَّدَه وتَحَدَّاه باراه ونَازَعه الغَلَبَةَ وهي الحُدَيَّا وأَنا حُدَيَّاك في هذا الأَمر أَي ابْرُزْ لي فيه […] تقول أَنا حُدَيَّاكَ بهذا الأَمر أَي ابْرُزْ لي وَحْدك وجارِنِي.”.
4 انظر الفصل الأوّل « Défi et perversion » من كتاب: Paul-Laurent Assoun, (1996) Le Pervers et la femme, Paris, Anthropos, Éditions ECONOMICA, p.p5-21.
5 انظر، Monique Schneider, Le paradigme féminin, op.cit, p.p155-160 حيث تبيّن انطلاقا من مثال “ماكبث”Macbeth أنّ الملك بين اثنتين إمّا المُلك أو الإنجاب، أن تكون أو أن تنجب. فهذا الخيار يذكّر بنبوءة لايوس، وهو أبو أوديب، الّتي تذكّر بأنّ من كان يشغل وظيفة السّلطان pouvoir سيخسر كلّ سيادة إن أنجب ابنا. فالولادة تعني خسران المُلْك. فللابن السّلطان وللأب الفحولة الخصيبة المؤسّسة للسّلالة. بيد أنّ حكاية الرّوض العاطر تضعنا أمام مشكل آخر. فإن كان إنجاب الوريث الذّكر نفيا للمَلِك، فإنّ إنجاب الوريث الأنثى هو نفي للمُلْك. بيد أنّ استيلاء البنت الكبرى على المُلْك يشي بأنّ هوى الأنثى يميل إلى جهة السّلطان.
6 انظر، Monique Schneider, Généalogie du masculin, op.cit, p73. الّتي تذكر أنّ فرويد يستعمل اللّفظ الألماني Zeuge للدّلالة على الشّاهد الّذي يمثل أمام المحكمة. ولكنّ هذا اللّفظ هو في الآن نفسه مستمدّ من الاسم الّذي يطلق على أعضاء الذّكورة المضطلعة بدور الإنجاب. ففي هذا اللّفظ لا يوجد فصل بين ما هو حسّيّ وما هو ذهنيّ مادامت اللّغة الألمانيّة تستعمل فعل Zeugen لأداء فعل الشّهادة من شهد وفعل الإنجاب من أنجب. أمّا عضو الفحولة فيطلق عليه Zeugungsglied.
7 جاء في اللّسان: “الأَبْتَرُ الذي لا عَقِبَ له […] لم يعش له ولد ذكر”.
8 انظر، Ernest Kantorowicz, (1989) Les deux corps du roi, essai sur la théologie politique au Moyen Âge, traduit de l’anglais et de l’allemand par Jean-Philippe et Nicole Genet, Paris, Collection Bibliothèque des Histories, Gallimard
9 تصوّر جنس الأنثى على أنّه “فراغ سيميائي، وعدم علاميّ” يستند في واقع الأمر إلى تصوّر فرويد لجنس الأنثى sexe féminin الّذي عرّفه في كتابه “مختصر التّحليل النّفسي” بأنّه “هذا الجهاز التّناسلي الّذي يفتقر بالفعل إلى هذه القطعة ذات الشّأن الّذي لا يفوقه شأن”، «un appareil génital auquel manque réellement ce morceau estimé par dessus tout.»، وهو تعريف قد كان موضوع تآويل وانتقادات من منظورات مختلفة. انظر، Monique Schneider, Le paradigme féminin, op.cit, p8
10 تنقل،Monique Schneider, Généalogie du masculin, op.cit, p.p107-115 ، حكاية البابا(ة)، أو “البابيّة” جانla Papesse Jeanne ، المرأة الّتي استولت على منصب البابويّة، وفرضت على المؤسّسة البابويّة، بعد تخلّيها عن المنصب بالإنجاب كما جاء في بعض الرّوايات، أن تقوم بطقس اختبار الخصيتين للتّأكّد من جنس البابا.
11 انظر،Jacques Derrida, (1978) Éperons, Les styles de Nietzsche, Paris, Champs Flammarion, p.p78-79
12 هذا إن لم يكن الأنثويّ شرطَ كلّ عمل من أعمال الفكر. يراجع في هذا السّياق فصل “الأنثويّ وشروط التّفكير” «Le féminin et les conditions de la pensée»، من كتاب، Wladimir Granoff, (2004) La Pensée et le Féminin, Paris, Champs Flammarion, p.p248-267
13 انظر، Françoise Héritier, Masculin/Féminin, op.cit, p187.
14 يذكر عبد الوهاب بوحديبة في، Abdelwahab Bouhdiba, La sexualité en Islam, op.cit, p179، أنّ الدّاعي إلى تأليف كتاب “الرّوض العاطر” في بعض الرّوايات الرّائجة في المغرب الكبير هو إنقاذ المؤلّف نفسه من الموت، تماما كشهرزاد. فقد كاد باي تونس أن يقضي عليه لو لم يحتل لإنقاذ نفسه بأن وعد بتأليف كتاب في النّكاح من شأنه أن يعيد إلى السّلطان فحولته المنهكة. وسواء أصحّت هذه الرّواية أم لم تصحّ، فإنّ تضامن “السّياسيّ والجنسيّ” في “الرّوض العاطر” قد تجلّى بشكل مطّرد في مطلع فصول الكتاب بتكرار عبارة “اعلم يرحمك الله أيها الوزير”، علما بأنّ مقدّمة “الرّوض العاطر” تؤكّد أنّ الكتاب قد أُلّف بطلب من الوزير “محمد عوانة الزواوي، وزير السلطان عبد العزيز الحفصيّ”، لا بطلب من باي تونس.
15 انظر، Serge André, (2001-1995) Que veut une femme?, Paris, Points-Essais, p283
16 انظر، Serge André, Que veut une femme?, op.cit, p284
17 تكون الزّاهرة بهذه الإقامة مكتفية بذاتها، لا تحتاج إلى ما يحمي جسدها طالما أنّ القصر قد انقلب إلى قلعة منيعة تقيها من كلّ ما يأتيها من الخارج لحرثها. فهي كأثينا Athéna لا يمكن جرحها لأنّها مدجّجة بدرع égide تكفيها لحماية جسدها. بل هي بدرعها لا تحتاج إلى جسد لأنّها منيعة على نحو سحريّ. لكأنّها استبدلت جلدها بالدّرع. انظر Nicole Loroux, Les expériences de Tirésias, op.cit, p266.
18 مثل هذا الخيار نجد ما يفسّره عند جاك أندري Jacques André الّذي يقول: “بيد أنّ جنس الذّكر، بترميزه القضيبيّ، هو عند كلّ واحد منّا، هو هو le même، سواء امتلكناه أو لم نمتلكه. فالقضيب هو أولويّة le primat جنس، وجنس واحد فحسب، دون آخر sans autre ما عدا غيابه الخاصّ.”. نقلا عن،Monique Schneider, Le paradigme féminin, op.cit, p206.
19 ليس الطّفيليّ هو ذاك الّذي يحتال ليكون في الولائم المآدب، فهذه مجرّد صورة من صوره الكثيرة. إنّما المقصود منه المفهوم. وفي تحديد مفهوم الطّفيليّ «Le parasite» على نحو يعتمد نظريات التّواصل والإخبار، نحيل على كتاب،Michel, Serres, (1985) Le parasite, Paris, Les Éditions de Bernard Grasset, p.p97-116
20 انظر، Michel Serres, (1996) Atlas, Paris, Champs Flammarion, p42 حيث يقول، « Dis-moi donc où tu habites et je te dirai qui tu es »
21 من معاني [ق.ص.ر] في اللّسان: “يقال قَصْرُك أَن تفعل كذا أَي حسبك وكفايتك وغايتك وكذلك قُصارُك وقُصارَاك وهو من معنى القَصْرِ الحَبْسِ لأَنك إِذا بلغت الغاية حَبَسَتْك […] وفي حديث معاذ فإِنَّ له ما قَصَرَ في بيته أَي ما حَبَسَه وفي حديث أَسماء الأَشْهَلِيَّة إِنا مَعْشَرَ النساء محصوراتٌ مقصوراتٌ […] وامرأَة قَصُورَة وقَصيرة مَصُونة محبوسة مقصورة في البيت لا تُتْرَكُ أَن تَخْرُج […] والقَصْرُ من البناء معروف […] هو المنزل وقيل كل بيت من حَجَر قُرَشِيَّةٌ سمي بذلك لأَنه تُقصَرُ فيه الحُرَمُ أَي تُحْبس”، والإبراز إبرازنا.
22 انظر، Jean-Luc Nancy, (2003) Au fond des images, Paris, Éditions Galilée, p.p11-33. الّذي يطلق على المقدّس اسم « المتميّز – Le distinct» درءا لكلّ التباس.
23 انظر، Giorgio Agamben (2005) Profanations, traduit par Martin Rueff, Paris, Payot & Rivages, p.p101-102
24 انظر، Monique Schneider, Généalogie du masculin, op.cit, p.p129-130.حيث تذكر أنّ الأعوان المرتبطين بالأرض، الموصولين بأنموذج البذر paradigme séminal يوجدون في أسفل السّلّم الاجتماعيّ على نحو يحطّ من قيمة الأنثويّ والحقل الإيروسيّ. بيد أنّ ممثّلي السّلطان كالفارس أو رجل الدّين يتنزّلون بالضّبط في الموقع الّذي تراقب فيه وتحرس المداخل المؤدّية إلى النّساء.
25 بين صورة المتاهة وصورة المغارة فرق كبير. فالمغارة تحيل على خيال الرّاحة، أمّا المتاهة فتحيل على خيال الحركة العسيرة، أو الحركة القلقة. فالمغارة تنهض بدور السّتار الطّبيعيّ. فهي منزل بلا باب، وحارس العتبة. بل هي كالملجأ يحمي ويقي، ولكنّه منفتح لا ينغلق. انظر فصل “المغارة”، «La grotte»، من كتاب، Gaston Bachelard (1948-1996) La terre et les rêveries du repos, Tunis, Cérès Éditions, p.p187-214.
26 نعتمد في هذا التّعريف للشّبح على كتاب: Jacques Derrida, (1993) Spectres de Marx, L’État de la dette, le travail du deuil et la nouvelle Internationale, Paris, Éditions Galilée, p27.
27 يستعمل دريدا،Jacques Derrida, Spectres de Marx, op.cit, p27 ، في وصف انعدام تبادل النّظر عبارة «Effet de visière»، أو “تأثير كوّة الخوذة”، إن صحّت التّرجمة. والمقصود من هذه الاستعارة الموضع اللاّمرئي الّذي ينبع منه القانون، ويتكلّم منه ذاك الّذي يأمر، ويصدر أوامره.
28 محمّد بن محمّد النّفزاوي، الرّوض العاطر في نزهة الخاطر، م.م، ص44.
29 يذكر، Émile Benveniste, (1969) Le vocabulaire des instututions indo-européennes. 2 Pouvoir , Droit , Religion, , Paris, Les Éditions de Minuit, p355، أنّه يطلق على الغريب بالإغريقيّة لفظ Xénos، ويعني أيضا العدوّ (hostis باللاّطينيّة) الّذي يمكن أن يصبح ضيفا (Xénos بالإغريقيّة، وhospes باللاّطينيّة).
30 انظر، خضر، العادل، في الصّورة والوجه والكلمة مقالات ميديولوجيّة، الدار التّونسيّة للكتاب، تونس، الطّبعة الثّانية، 2015، ص147.
31 انظر، Jean-Luc Nancy, (2000) L’Intrus, Paris, Éditions Galilée
32 هذا الفضاء لا يتحدّد في الرّوض العاطر إلاّ باحتوائه الأير الكامل. فمن أسماء الفرج “المقوّر”. وقد عرّف في الرّوض العاطر على هذا النّحو: “والمقوّر هي المرأة الواسعة الفرج الّتي لا يشبعها الأير الكامل”. انظر، محمّد بن محمّد النّفزاوي، الرّوض العاطر في نزهة الخاطر، م.م، ص44. وفي قصّة بهلول جاء هذا الوصف: “ثمّ إنّها أمرتني بالرّقاد، فرقدت لها فصعدت فوقي وأخذته بيدها وأدخلته في فرجها بكماله، فتعجبت من فرجها وقدرتها على أيري، لأنّي ما جامعت امرأة إلاّ لم تطقه، ولم تدخله كّله إلاّ هذه المرأة، فلا أدري ما سبب قدرتها وتحمّلها له إلاّ أنّها كانت سمينه ملحمة، وفرجها كبيرًا وأنّها مقعورة ،أو غير ذلك.”، الرّوض العاطر في نزهة الخاطر، م.م، ص44. والإبراز إبرازنا. وجاء في اللّسان: “وامرأَة قَعِرة بعيدة الشهوة عن اللحياني وقيل هي التي تجد الغُلْمةَ في قَعْر فرجها وقيل هي التي تريد المبالغة وقيل امرأَة قَعِرَة وقَعِيرةٌ نَعْتُ سَوْء في الجماع”. والإبراز إبرازنا.
33 محمّد بن محمّد النّفزاوي، الرّوض العاطر في نزهة الخاطر، م.م، ص45.
34ينسب إلى كارل فون كلاوزفيتسCarl Von Clausevitz هذا التّعريف الشّهير للحرب في قوله: « la guerre est la continuation de la politique par d’autres moyens » “الحرب هي مواصلة للسّياسة بوسائل أخرى”.
35 انظر، Monique Schneider, Le paradigme féminin, op.cit, p.p198-199. حيث بيّنت أنّ هذا العضو يصبح، إن قارنّاه بغشاء البكارة السّاكن في الجسد الأنثويّ، ذاك الذّي يدعوه فرويد بالغشاء المدمّر عند الافتضاض، ظرفا أو غشاء من نوع خاصّ.
36 في التّفرقة بين الرّمزيّ والشّيطانيّ، نحيل على فقرة “البيان والشّيطان”، ضمن العادل خضر، الأدب عند العرب، م.م، ص435-443.
* منقول عن:
تفكيك أساطير الفحولة (4/4)