شخوص المسرحية:
1- مجنون 1 (م1)
2- مجنون 2 (م2)
3- مجنون 3 (م3)
4- المطرب
5- مدير المصحة
6- المسؤول
7- الممثل (صلاح الدين الأيوبي)
8- شرطي المرور
المكان:
قاعة في مصحة الأمراض العقلية، نزيلان ينظفان المكان لتهيئته لحفل تخرج عدد من الذين حصلوا على شهادة الشفاء من الجنون..
مجنون1: لم يبق وقت طويل ما هي إلا ساعة ويبدأ الحفل.
م2: كل شيء جاهز، لم يبق إلا كرسي فخامة السيد المسؤول..
م1: (باندهاش) كرسي فخامة المسؤول! وهل يترك فخامته كرسيه لنا...كارثة بشرفي!
م2: (بخوف) إشششش...لا يسمعك أحد ويعيدوننا لردهة المجانين..
م1: لم أقل ما يغيض أحداً..
م2: والكرسي؟؟
م1: ما به..؟
م2: يغيض كثيرين، كل طلايبنا بسبب الكرسي، أنت لا تعرف ما الذي يجري في الخارج، مذ أودعوك في المصحة العقلية وأنت منقطع عن العالم..
م1: لست منقطعا عن الخارج..أنا اسمع الأخبار من الراديو..
م2: الراديو... يا سلام، كلها كلام جرايد..
م1: لكنك كنت تصدق الأخبار من قبل، كنت تنقل لي ما تسمع من الراديو..
م2:كنت حينها مجنونا والآن عقلت..تلك الأخبار لا يصدقها إلا المجانين، يا أخي لا تصدق الا بما تراه عيناك والباقي القي به في الزبالة..
م1: أي زبالة تقصد..(الزبايل) كثيرة..!
م2: أنت تثيرني في يوم تخرجي من هذه المصحة العفنة، دعني انعم بيوم جميل ..
م1: من يسمع بك يقول أنك ستتخرج من جامعة هارفولد..
م2: (ضاحكا) هارفولد قسم الحواسم...
م1: يكفيك ضحكا واشتغل..
(يدخل مجنون/3 )
م3: هاااا..ألم ينته عملكم..؟
م1: لم يبق شيء، اطمأن كل شيء تمام..حتى الفرقة المسرحية جاهزة..
م3: وماذا عن المطرب الذي سيحيي الحفل..
م2: موجود..نظفناه وهندمناه وهيأناه للطرب ما عليك الا ضغط الزر وسيلعلع صوته.
م3: مطرب هذا أم مسجّل، اسمعا مدير المصحة يريده حفلا متميزا لأنه أول حفل يحضره مسؤول..
م1: سيكون كذلك، سيكون كذلك اطمأن ..
م3: وأخبرني حضرة مدير المصحة ان تلتزموا الصمت بحضور المسؤول، إياكم أن تتحدثوا معه، كل شيء يقوله المسؤول لا اعتراض عليه، هو افهم منا في كل الأمور ثم انه سيكرمنا أفضل تكريم..
م2: لا أقبل إلا بنوطي شجاعة...!
م3: نوطا شجاعة (ضاحكا) كأنه خارج من معركة..
م1: (ضاحكا) معركة الصحون الطائرة..ألا تتذكر، يوم قلب المطبخ رأسا على عقب..؟
م3: حمدا لله انه لم يغرم..
م2: ومن يغرم مجنونا..؟ هناك سرقات فرّغت البلد وفلت السرّاق منها..
م3: صه...كلام كبير هذا، فرق كبير بينك وبينهم..أولئك أولياء نعمتك ومن حقهم يفعلون ذلك..
م2: من حقهم ان يسرقوني ها...أين هو العدل..؟ لم اكسر الا عشر صحون..
م3: عشر صحون من اجل ذبابة.. تكسر صحون المصحة من أجل ذبابة..
م2: وهل تريدها ان تشاركني بماعوني..؟ ذبابة مشاكسة نالت عقوبتها مني..
م1: لكنها لم تمت ذبابتك المشاكسة..
م2: لا لم تمت، أمسكت بها ووضعتها في ماعون صاحبي..
م3: وما ذنب صاحبك، تنجو أنت ليتضرر صاحبك..
م2: هذا هو حال الدنيا..
م1: لا تقل أنك وضعتها بماعوني..تبا لك يا حقير، الآن عرفت لمَ يلتم الذباب عليّ ليثأرثوا لصاحبتهم، عليك اللعنة..
م3: كفى، اتركوا النزاع واشتغلوا.. شبعنا من النزاعات..
م1: لكنها جريمة، اذا تمرضت فأن عشيرتي ستقتص منك، خمس نساء مقابل ذبابتك العفنة..خمس نساء فصل ألم تسمع بالفصل العشائري..
م2: خمس نساء فصل مقابل ذبابة..هل أنت مجنون..؟
م3: قلت لكما كفى نزاعا، اتركوا الكلام الفارغ، وأنت (الى م2) إياك أن تطارد الذباب ثانية..
م2: حتى وان كانت ذبابة فخامة المسؤول..؟
م1: فخامتها ذبابة فخامة المسؤول غير مشاكسة يا أبله، فخامتها تعرف الأتكيت أفضل من فخامته نفسه، إن طنطنت فهي تطنطن بما فيه خير الأمة، وإن دخلت في أذنك فهي تريد ان تخدمك..
م2: وإن دخلت في فمي..؟
م3: (بغضب) إن دخلت في فمك الكريه فهي تريد أن تقطع لسانك، يكفيك هذراً أنت تريد ان تفسد علينا يومنا..
م2: هل بقي يوم لم يفسده علينا صاحبك فخامة المسؤول أنت تدافع عنه كأنه أخوك الذي لم تلده أمك..
م3: يا لبؤسك، تبقى مجنونا حتى لو حصلت على شهادة تخرجك من المصحة..
م2: وأين أعلّق تلك الشهادة..؟ في بيتي..؟ كي يعرف من لا يعرف بأني مجنون..
م1: لا تهتم بذلك، ألم تسمع أن الجنون فنون، يعني أنك صرت فناناً..!
م2: (يضحك بهستيريا) قلبت المثل يا مجنون، الفنون جنون، وهل بقي فن في هذا البلد..؟
م3: تبقى مجنوناً..تباً للحظة التي عرفتك فيها..اهتما بعملكما..
(يخرج م3)
م2: أرأيت..؟ زعل صاحبنا..
م1: يزعل هو خير من أن نزعّل الحكومة..
م2: وما علاقة الحكومة بهذا..
م1: كانت سبباً في إدخالي المصحة العقلية..
م2: هكذا أنتم كل شيء تلقون به في رأس الحكومة، حتى مشاكلكم الزوجية تلقونها على الحكومة..
م1: أليست هي المسؤولة عنا..؟
م2: مسؤولة عنا، لكنها لم تلق بك الى المصحة العقلية ولم تتسبب بجنونك..
م1: الحكومة يا صاحبي قالت أنها ستصدر كهرباءنا الفائضة وأنا صدقتها...
الحكومة قالت انها ستشغل العاطلين عن العمل وأنا صدقتها..
الحكومة قالت أنها ستلغي ديون الهاتف والماء والكهرباء وانا صدقتها..
الحكومة قالت أنها ستحل مشاكل الناس وأنا صدقتها..
الحكومة قالت أنها ستضيف موادا الى الحصة التموينية وأنا صدقتها..
الحكومة قالت أنها ستزوج العزّاب وأنا صدقتها..
الحكومة قالت انها ستصلح الشوارع وأنا صدقتها..
الحكومة قالت أنها .......
م2: (صارخا به) يكفي هذا....هل أنت مجنون كي تصدق كل ذلك..؟
م1: أرأيت.....؟ أنت قلت بعظمة لسانك أن من يصدق كلام الحكومة هو مجنون..
م2: لا ألومك لكني ألوم نفسي لأني ضيعت وقتي مع مجنون مثلك، الحفل سيبدأ وأنت تسرد عليّ أفكارك البائسة...تعال معي نضع منصة الحفل..
(يتقدمان نحو منصة قريبة يحملانها حيث جانب المسرح)
م1: منذ متى وأنت نزيل المصحة..؟
م2: لا أدري ربما قبل سنة الفرهود، جاءوا بي وألقوني هنا..
م1: أنت أقدم مني إذن، وأسعد مني أيضاً، لأنك لم تعش المأساة..
م2: أكثر من هذه المأساة...أين؟
م1: هناك...خارج المصحة، مآسٍ يشيب لها شعر رأس الطفل..
م2: ألهذا الحد هي الحياة متعبة في الخارج..
م1: ستخرج وترى، كل شيء تغير في البلد الا الشوارع والمناطق هي نفسها لم تتغير لا بل صارت خرائب.
م2: هذا شيء جيد لأني سوف أصل لداري ولا أضيعه..
م1: ربما خطة الحكومة هكذا، ان تبقى المناطق كما هي كي يستدل عليها المغتربون.. الآن فهمت، مسكينة أنت أيتها الحكومة كانت نيتك هذه ونحن اتهمناك بعدم الإعمار..
م2: والناس، ماذا عنهم..
م1: أووووه هم الوحيدون الذين تغيروا..
م2: أكيد أكيد نحو الأحسن..
م1: نعم نحو الأحسن، صاروا متحابين أكثر، متعاونين أكثر، أبوابهم مشرعة للغريب، إذا سألتهم أجابوك، وإن طلبت منهم خدمة يتقاتلون مع بعضهم كي يخدموك.
م2: وماذا عن النساء..؟
م1: صرن أكثر حرية ومساواة.. ويحكمن البلد.. ستخرج وترى بعينك..
م2: أتدري، كان الجنون فرصة لي للهروب من الحرب، في البدء تركت داري ورحت اقضي نهاراتي في الشوارع، كانت الأيام الأولى صعبة وأنا أتظاهر بالجنون، الصغار يركضون خلفي ويرموني بالحجر حتى أدموا ظهري وعجيزتي، ويوم بعد آخر نسيت عقلي ونفسي وصرت مجنوناً رسمياً حتى ألقوا بي في هذه المصحة التي ازددت بها جنوناً..
(م2 يقف أمام المنصة ويحاول أن يقلد المسؤول)
م2: سيقف المسؤول هنا بعد قليل ويتفلسف في رؤوس المجانين، (مقلداً) أنتم شريحة مهمة في المجتمع، عليكم تقع مسؤولية كبيرة، نحن نثق بكم، لا يصلح الوطن إلا بكم وبعقولكم النيرة.... (يضحك).
م1: عقولنا النيرة، ليعيدوا العقول التي هاجرت قبل اعتمادهم على عقولنا..
م2: إششش....ألم يقول لنا مدير المصحة أن لا نعارض المسؤول بأية كلمة يقولها، ليقل ما يقل نحن نسمع فقط ولا نناقش..
م1: أنهينا حياتنا بالاستماع فقط ولم يسمعنا أحد..
م2: نستمع ونرضى بما يقولون خير من أن يعيدوننا الى الردهات..
(يدخل المطرب غاضباً)
المطرب: لا يمكن أن يحدث هذا، أنهم يقيدون حرياتنا، أنا حر..أنا حر...
م1: (يصفق ويهتف) تحيا الحرية..تحيا الحرية..
م2: إصمت يا هذا، ماذا تظن نفسك ..
م1: أنا أتضامن مع المطالبين بحرياتهم..
م2: ما الذي عرفت كي تتضامن، لنستمع له..
م1: يا لبؤس الاستماع، حتى هذا نستمع له متى يستمع الآخر لنا..
م2: أنت (إلى المطرب) ما بك وعن أية حرية تتحدث..؟
المطرب: منذ إسبوع وأنا أتهيأ للحفل، أعددت أجمل الأغاني، وحفظت الكلام واللحن وحتى الرقصات ليأتيني من يخبرني أن فقرتي تم حذفها..لماذا..؟ لأن سيادة المسؤول لا يستمع للغناء.. هل سمع صوتي لكي يقرر..؟
م1: لا تبتئس سنسمعك نحن حين يذهب المسؤول..
المطرب: تسمعونني..؟ وما الذي سيدخل جيبي...أنا أريد المسؤول فهو من سيدفع..
م2: سنجمع لك من المال ما يوازي ما تتوقعه من المسؤول، الفلس الحلال أبقى من الحرام..
المطرب: لا أريد..لا أريد..لان المسؤول هو طريقي للنجومية، سأطلب منه أن أسجل أغنية للتلفزيون، والتلفزيون سيضعني على طريق الشهرة..
م1: لكنهم أخبروك أنه لا يستمع للغناء..
المطرب: لماذا...؟ هل هو أصم..؟ هل هناك في الكون من لا يستمع للغناء..الغناء والموسيقى غذاء للروح..
م2: يا أخي هناك من يعتبره حراماً..
المطرب: حرام...! الغناء حرام.. وما هو الحلال إذن..؟ (يفكر) حسناً ..حسناً سأكتفي بالرقص ربما سيعجب السيد المسؤول..
م1: قلت الرقص..؟ هذا كارثة..!
المطرب: حرام أيضا أليس كذلك..؟ ماذا تقترحان علي أن أفعل..؟ لا بد أن يراني المسؤول وأنا أقدم مواهبي..
م2: مواهبك هذه لا تعجب فخامة المسؤول..ابحث عن شيء آخر..
المطرب: لا أعرف غير الغناء والرقص، ماذا أفعل..؟
م1: لا تفعل شيئاً اجلس في الخط الأخير واستر على نفسك..
المطرب: (مع نفسه) أستر على نفسي..نعم، نعم، سأستر على نفسي خير من أن يلقى بي ثانية في هذه المصحة..
(يخرج المطرب)
م2: أمر لا يمكن السكوت عنه، يحرمون ويحللون كما يشاؤون (يلتفت الى م1) وتريد أن تقنعني أن الحال في خارج المصحة أفضل، تقول لي أن النساء تحررن والناس صاروا متعاونين.. هل كنت تكذب علي..؟
م1: ما قلت لك إلا الحقيقة وعليك أن تتأكد حين تخرج إلى بيتك..
(أصوات ضجة في الخارج، مدير المصحة يركض ويتبعه م3 بينما م1 وم2 يتجهان الى جانب المسرح..المسؤول يدخل ومعه مدير المصحة وم3)
المدير: مرحبا بسيادة المسؤول، شرفت المصحة..
المسؤول: وقتنا ضيق لدينا كثير من الأعمال ولأنكم تحتفلون اليوم بضخ عقول جديدة للبلد وافقنا على رعاية حفلكم..
المدير: الله يخليك للبلد ذخرا وخيمة..
المسؤول: الخيمة تكلف كثيرا لا نريدها (مستدركا) أقصد أن يعيننا الله على ذلك.
(يجلس المسؤول على الكرسي وبجانبه مدير المصحة، عدد من النزلاء يجلسون على الكراسي الخلفية، م3 يتجه نحو المنصة)
م3: يشرفنا ان تكون بيننا سيادة المسؤول ونحن نخرّج فئة تم تصفير عقولها من جديد وكأنها خرجت تواَ من المصنع..تفضل سيادة المسؤول بإلقاء كلمتكم..
(المسؤول ينهض ويتجه نحو المنصة)
م2: (بهمس) شكله لا يوحي بأنه مسؤول، هل اختلفت أشكال المسؤولين أيضاً..
م1: كلهم هكذا نسخة واحدة، يتشابهون بالشكل والجوهر!
المسؤول: إخواني أنا هنا من اجل ان استمع لكم لا أن أتكلم..
م1: أرايت هو جاء ليستمع..
المسؤول: (مستمراً) جئت استمع لمقترحاتكم لتطوير بلدنا ربما هناك من له رأي يختلف عنا وهذا أمر طبيعي في ظل الديمقراطية التي نعيشها..
م2: قال الديمقراطية... شيء رائع.. ما أعذب كلام المسؤول..
م1: ألم أقل لك من قبل، صار بلدنا ديمقراطياً..
المسؤول: (مستمراً) من لديه رأي فليقله..أنا استمع..
المدير: لا رأي بعد رأيك سيدي الحاج..
م2: الحاج...؟ هل هي رتبة حكومية...؟
م1: صارت كذلك، النظام الجديد استبدل كل التسميات، صاروا يكنون بالحاج والحاجة والزاير والزايرة والعلوية..
المسؤول: أريد أن استمع للأخوة فهم أخوتنا بالوطن.. مثلما يحتاج وطننا للعقلاء فهو يحتاج للمجانين أيضا..
م2: وصفنا بالمجانين..
م1: بعد حصولنا على الشهادات سنكون ضمن العقلاء..إصبر..!
المدير: كل شيء هنا تمام، الرعاية والنظافة..
م2: (صارخا) باستثناء الذباب.. الذباب يا سيدي ينتشر في كل مكان..
(المدير ينظر له بشزر)
المسؤول: أنا أرى أن انتشار الذباب عكس ما يراه البعض بأنه حالة مقززة، لا وألف لا، أنا أراه بأنه حالة ايجابية ويدل على الخير الوفير، فالأمكنة التي لا ينتشر فيها الذباب والنمل أمكنة لا خير فيها، أمكنة شح الخير فيها...
(يصفق الموجودون بحرارة)
م3: (يهتف)
يا ابن آدم شرّع الأبوابا
واستقبل البعوض والذبابا
والنمل ان غاب هنا وذابا
فاقرأ على أمتنا الخطابا
(يصفق الموجودون بحرارة)
المسؤول: أحسنت..أحسنت، أنت تقرأ أفكاري.. ولأن وقتي ضيق سأكتفي باستلام مقترحاتكم بمكتبي.. شكراً لكم..
(تصفيق حار ويعود الى كرسيه، م3 يعود الى المنصة)
م3: يبتدئ الآن العرض المسرحي...
(تصفيق، يدخل الممثل بزي صلاح الدين الايوبي واضعا سيفه بغمده)
الممثل: ما بال الحياة تغيرت هنا، كل شيء تغير، لا شجر في الساحات ولا بحيرات، كل شيء مات..
(يدخل شرطي المرور من جانب آخر)
الشرطي: أنت...أنت..
الممثل: (ينظر اليه باندهاش)..
الشرطي: ما بك، ألا تسمع..
الممثل: أنت تسألني..
الشرطي: وهل هنا أحد غيرك، طبعا أسألك ولا اسأل الحائط..
الممثل: ما الذي تريده مني..إسأل..
الشرطي: أنت أوقفت حصانك في مكان غير مسموح به الوقوف.. وشددت الحبل في عمود إشارة مرورية..
الممثل: ما هذا الكلام الغريب، ألا تعرفني..؟
الشرطي: واحد من مجانين البلد، هيأتك تدل الى ذلك..
الممثل: أنا الملك الناصر...
الشرطي: (بسخرية) وأنا العريف ناصر..
الممثل: أنا محرر القدس..
الشرطي: (بسخرية) وأنا محرر بيوت الحواسم، لم تبق ساحة الا سيجتها وسجلتها باسمي..
الممثل: أنت من أتباع ريتشارد قلب الأسد..؟
الشرطي: (بسخرية) لا أنا من أتباع عبود أبو الشلغم..!
الممثل: ما هذا، أنت تسخر من سيدك.. كلمة أخرى وسأحز رأسك...
الشرطي: هذه مخالفة أخرى، تحمل سلاحا غير مرخص..
الممثل: أي ترخيص هذا، أنت مجنون رسمي، ألا تعرف صلاح الدين الأيوبي..؟
الشرطي: رأيته في السينما ولم يعجبني دوره..
الممثل: ما هذه الكلمات الغريبة..لم أسمع بالسينما من قبل..اعتقد أني جئت في الزمان الخطأ..
الشرطي: زماننا مليء بالأخطاء، أتريد أن تقنعني أنك جئت من الماضي..
الممثل: ألسنا في القرن الثاني عشر..؟
الشرطي: (مستهزئاً) نحن في قرن الثور..(يضحك) لم أر في حياتي مجنوناً مثلك.. صلاح الدين الأيوبي، يقول صلاح الدين الأيوبي.. اسمع يا هذا، خذها مني نصيحة سأتغاضى عن تغريمك شرط ان تغادر المكان حالا وخذ معك حصانك واربطه في مكان بعيد..
الممثل: (غاضبا) أنت تثير غضبي، أنا أحكم هذه البلاد، أنا أميرها وولي أمرها، أنا قائد معركة حطين وانتزعت القدس من أيدي مغتصبيها..
الشرطي: الله الله الله، وحررت القدس، متى..؟ لم أسمع بياناً عسكرياً يشير الى ما تقوله، القدس يا رجل، القدس مرة واحدة..؟
الممثل: ليس فقط القدس، أنا من وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن وجعلتها تحت رايتي..
الشرطي: كلام كبير هذا، اعرف ان المجانين في بلدي لا يعرفون الا الشارع الذي ينامون فيه.. كل تلك البلاد توحدت ما شاء الله، يعني استطيع الآن السفر بدون جواز سفر..
الممثل: وما هو جواز السفر هذا..؟
الشرطي: جواز يسمح به بالدخول للبلدان التي ذكرتها وغيرها ودونه لا يمكن ان تضع قدمك في أي بلد.
الممثل: بحصاني ذاك أجوب البلدان وجواز مروري سيفي..
الشرطي: لقد ضيّعت وقتي معك، أتقول أنك صلاح الدين الأيوبي بلحمه ودمه وجئت من غابر الزمان لزماننا..
الممثل: نعم أنا هو..دخلت مغارة وخرجت منها الى هنا..
الشرطي: وأنت من وحد البلاد والعباد..؟
الممثل: نعم أنا هو..
الشرطي: بلادك يا سيدي لم تعد كما هي، صارت شتاتاً، عصف فيها الربيع العربي وحولها الى قبائل وعشائر يقتل بعضهم بعضا، والراية التي تتحدث عنها صارت رايات بألوان مختلفة..والقدس لم تعد بأيدينا..
الممثل: يا للهول، كل هذا حدث وأنا لا أدري..
الشرطي: عد يا سيدي الى مغارتك ربما ستقودك الى زمن آخر غير زماننا، زمن تتوحد فيه الرايات والأمم.. خذ حصانك وسيفك واذهب بعيداً قبل أن يلقى القبض عليك وتودع في مصحة عقلية أو سجن وما أكثرها في هذه البلاد..
الممثل: لم أآسف على شيء في حياتي قدر أسفي على ضياع بلادي..
(يخرج الممثل، يقف الشرطي أمام الجمهور)
الشرطي: تم إلغاء وصل الغرامة الصادر بحق صلاح الدين الأيوبي اعتزازا بدوره في توحيد الأمة..
(تصفيق)
م1: هل فهمت شيئا...؟
م2: لا لم أفهم..
م1: ولا حتى أنا..
(م3 يقف خلف المنصة)
م3: نظرا لضيق وقت سيادة المسؤول فهو يعتذر عن تقديم شهادات التخرج من المصحة العقلية..
(ينهض المسؤول ويتبعه مدير المصحة)
المسؤول: سأصدر أمراً بإلقاء القبض على صلاح الدين..
المدير: صلاح الدين..؟
المسؤول: هذا الذي يتبجح بأنه وحد البلاد والعباد، سأرى كيف استطاع ان يقوم بذلك..ومن سمح له بالدخول لبلادنا دون جواز سفر وسنصادر سيفه وحصانه ويباعا لصالح خزينة الدولة.
(يخرج المسؤول..بينما ينادي المدير م3)
المدير: اذهب واخبر صلاح الدين الأيوبي أن يرحل لأن أمراً صدر بإلقاء القبض عليه ومصادرة حصانه وسيفه..
م3: لماذا..؟
المدير: لأنه دخل البلاد دون جواز سفر وهذا مخالف للدستور..
م3: ليس سوى ممثل قام بالدور..
المدير: سعادة المسؤول لديه قناعة كاملة بأنه صلاح الدين الأيوبي، ما الذي تريدني أن أقول..هل تريدني أن أكذّبه..؟
م3: لا حاشاه من الكذب..
المدير: إذن أذهب له قبل أن نتهم نحن بتشكيل خلية انقلابية يقودها صلاح الدين الأيوبي..
م3: حسناً...حسناً...
(يذهب بشكل سريع، المدير ينظر الى م1 وم2)
المدير: أنتما...نظفا المكان وامسحا دليل الجريمة....
(يخرج المدير ويبقى م1 وم2 بحالة اندهاش)
م1: أسمعت ما يقول..
م2: عن أي جريمة يشير.. هل ارتكب المسؤول جريمة..؟
اظلام
ستار.
البصرة/ العراق
22 تموز 2015
1- مجنون 1 (م1)
2- مجنون 2 (م2)
3- مجنون 3 (م3)
4- المطرب
5- مدير المصحة
6- المسؤول
7- الممثل (صلاح الدين الأيوبي)
8- شرطي المرور
المكان:
قاعة في مصحة الأمراض العقلية، نزيلان ينظفان المكان لتهيئته لحفل تخرج عدد من الذين حصلوا على شهادة الشفاء من الجنون..
مجنون1: لم يبق وقت طويل ما هي إلا ساعة ويبدأ الحفل.
م2: كل شيء جاهز، لم يبق إلا كرسي فخامة السيد المسؤول..
م1: (باندهاش) كرسي فخامة المسؤول! وهل يترك فخامته كرسيه لنا...كارثة بشرفي!
م2: (بخوف) إشششش...لا يسمعك أحد ويعيدوننا لردهة المجانين..
م1: لم أقل ما يغيض أحداً..
م2: والكرسي؟؟
م1: ما به..؟
م2: يغيض كثيرين، كل طلايبنا بسبب الكرسي، أنت لا تعرف ما الذي يجري في الخارج، مذ أودعوك في المصحة العقلية وأنت منقطع عن العالم..
م1: لست منقطعا عن الخارج..أنا اسمع الأخبار من الراديو..
م2: الراديو... يا سلام، كلها كلام جرايد..
م1: لكنك كنت تصدق الأخبار من قبل، كنت تنقل لي ما تسمع من الراديو..
م2:كنت حينها مجنونا والآن عقلت..تلك الأخبار لا يصدقها إلا المجانين، يا أخي لا تصدق الا بما تراه عيناك والباقي القي به في الزبالة..
م1: أي زبالة تقصد..(الزبايل) كثيرة..!
م2: أنت تثيرني في يوم تخرجي من هذه المصحة العفنة، دعني انعم بيوم جميل ..
م1: من يسمع بك يقول أنك ستتخرج من جامعة هارفولد..
م2: (ضاحكا) هارفولد قسم الحواسم...
م1: يكفيك ضحكا واشتغل..
(يدخل مجنون/3 )
م3: هاااا..ألم ينته عملكم..؟
م1: لم يبق شيء، اطمأن كل شيء تمام..حتى الفرقة المسرحية جاهزة..
م3: وماذا عن المطرب الذي سيحيي الحفل..
م2: موجود..نظفناه وهندمناه وهيأناه للطرب ما عليك الا ضغط الزر وسيلعلع صوته.
م3: مطرب هذا أم مسجّل، اسمعا مدير المصحة يريده حفلا متميزا لأنه أول حفل يحضره مسؤول..
م1: سيكون كذلك، سيكون كذلك اطمأن ..
م3: وأخبرني حضرة مدير المصحة ان تلتزموا الصمت بحضور المسؤول، إياكم أن تتحدثوا معه، كل شيء يقوله المسؤول لا اعتراض عليه، هو افهم منا في كل الأمور ثم انه سيكرمنا أفضل تكريم..
م2: لا أقبل إلا بنوطي شجاعة...!
م3: نوطا شجاعة (ضاحكا) كأنه خارج من معركة..
م1: (ضاحكا) معركة الصحون الطائرة..ألا تتذكر، يوم قلب المطبخ رأسا على عقب..؟
م3: حمدا لله انه لم يغرم..
م2: ومن يغرم مجنونا..؟ هناك سرقات فرّغت البلد وفلت السرّاق منها..
م3: صه...كلام كبير هذا، فرق كبير بينك وبينهم..أولئك أولياء نعمتك ومن حقهم يفعلون ذلك..
م2: من حقهم ان يسرقوني ها...أين هو العدل..؟ لم اكسر الا عشر صحون..
م3: عشر صحون من اجل ذبابة.. تكسر صحون المصحة من أجل ذبابة..
م2: وهل تريدها ان تشاركني بماعوني..؟ ذبابة مشاكسة نالت عقوبتها مني..
م1: لكنها لم تمت ذبابتك المشاكسة..
م2: لا لم تمت، أمسكت بها ووضعتها في ماعون صاحبي..
م3: وما ذنب صاحبك، تنجو أنت ليتضرر صاحبك..
م2: هذا هو حال الدنيا..
م1: لا تقل أنك وضعتها بماعوني..تبا لك يا حقير، الآن عرفت لمَ يلتم الذباب عليّ ليثأرثوا لصاحبتهم، عليك اللعنة..
م3: كفى، اتركوا النزاع واشتغلوا.. شبعنا من النزاعات..
م1: لكنها جريمة، اذا تمرضت فأن عشيرتي ستقتص منك، خمس نساء مقابل ذبابتك العفنة..خمس نساء فصل ألم تسمع بالفصل العشائري..
م2: خمس نساء فصل مقابل ذبابة..هل أنت مجنون..؟
م3: قلت لكما كفى نزاعا، اتركوا الكلام الفارغ، وأنت (الى م2) إياك أن تطارد الذباب ثانية..
م2: حتى وان كانت ذبابة فخامة المسؤول..؟
م1: فخامتها ذبابة فخامة المسؤول غير مشاكسة يا أبله، فخامتها تعرف الأتكيت أفضل من فخامته نفسه، إن طنطنت فهي تطنطن بما فيه خير الأمة، وإن دخلت في أذنك فهي تريد ان تخدمك..
م2: وإن دخلت في فمي..؟
م3: (بغضب) إن دخلت في فمك الكريه فهي تريد أن تقطع لسانك، يكفيك هذراً أنت تريد ان تفسد علينا يومنا..
م2: هل بقي يوم لم يفسده علينا صاحبك فخامة المسؤول أنت تدافع عنه كأنه أخوك الذي لم تلده أمك..
م3: يا لبؤسك، تبقى مجنونا حتى لو حصلت على شهادة تخرجك من المصحة..
م2: وأين أعلّق تلك الشهادة..؟ في بيتي..؟ كي يعرف من لا يعرف بأني مجنون..
م1: لا تهتم بذلك، ألم تسمع أن الجنون فنون، يعني أنك صرت فناناً..!
م2: (يضحك بهستيريا) قلبت المثل يا مجنون، الفنون جنون، وهل بقي فن في هذا البلد..؟
م3: تبقى مجنوناً..تباً للحظة التي عرفتك فيها..اهتما بعملكما..
(يخرج م3)
م2: أرأيت..؟ زعل صاحبنا..
م1: يزعل هو خير من أن نزعّل الحكومة..
م2: وما علاقة الحكومة بهذا..
م1: كانت سبباً في إدخالي المصحة العقلية..
م2: هكذا أنتم كل شيء تلقون به في رأس الحكومة، حتى مشاكلكم الزوجية تلقونها على الحكومة..
م1: أليست هي المسؤولة عنا..؟
م2: مسؤولة عنا، لكنها لم تلق بك الى المصحة العقلية ولم تتسبب بجنونك..
م1: الحكومة يا صاحبي قالت أنها ستصدر كهرباءنا الفائضة وأنا صدقتها...
الحكومة قالت انها ستشغل العاطلين عن العمل وأنا صدقتها..
الحكومة قالت أنها ستلغي ديون الهاتف والماء والكهرباء وانا صدقتها..
الحكومة قالت أنها ستحل مشاكل الناس وأنا صدقتها..
الحكومة قالت أنها ستضيف موادا الى الحصة التموينية وأنا صدقتها..
الحكومة قالت أنها ستزوج العزّاب وأنا صدقتها..
الحكومة قالت انها ستصلح الشوارع وأنا صدقتها..
الحكومة قالت أنها .......
م2: (صارخا به) يكفي هذا....هل أنت مجنون كي تصدق كل ذلك..؟
م1: أرأيت.....؟ أنت قلت بعظمة لسانك أن من يصدق كلام الحكومة هو مجنون..
م2: لا ألومك لكني ألوم نفسي لأني ضيعت وقتي مع مجنون مثلك، الحفل سيبدأ وأنت تسرد عليّ أفكارك البائسة...تعال معي نضع منصة الحفل..
(يتقدمان نحو منصة قريبة يحملانها حيث جانب المسرح)
م1: منذ متى وأنت نزيل المصحة..؟
م2: لا أدري ربما قبل سنة الفرهود، جاءوا بي وألقوني هنا..
م1: أنت أقدم مني إذن، وأسعد مني أيضاً، لأنك لم تعش المأساة..
م2: أكثر من هذه المأساة...أين؟
م1: هناك...خارج المصحة، مآسٍ يشيب لها شعر رأس الطفل..
م2: ألهذا الحد هي الحياة متعبة في الخارج..
م1: ستخرج وترى، كل شيء تغير في البلد الا الشوارع والمناطق هي نفسها لم تتغير لا بل صارت خرائب.
م2: هذا شيء جيد لأني سوف أصل لداري ولا أضيعه..
م1: ربما خطة الحكومة هكذا، ان تبقى المناطق كما هي كي يستدل عليها المغتربون.. الآن فهمت، مسكينة أنت أيتها الحكومة كانت نيتك هذه ونحن اتهمناك بعدم الإعمار..
م2: والناس، ماذا عنهم..
م1: أووووه هم الوحيدون الذين تغيروا..
م2: أكيد أكيد نحو الأحسن..
م1: نعم نحو الأحسن، صاروا متحابين أكثر، متعاونين أكثر، أبوابهم مشرعة للغريب، إذا سألتهم أجابوك، وإن طلبت منهم خدمة يتقاتلون مع بعضهم كي يخدموك.
م2: وماذا عن النساء..؟
م1: صرن أكثر حرية ومساواة.. ويحكمن البلد.. ستخرج وترى بعينك..
م2: أتدري، كان الجنون فرصة لي للهروب من الحرب، في البدء تركت داري ورحت اقضي نهاراتي في الشوارع، كانت الأيام الأولى صعبة وأنا أتظاهر بالجنون، الصغار يركضون خلفي ويرموني بالحجر حتى أدموا ظهري وعجيزتي، ويوم بعد آخر نسيت عقلي ونفسي وصرت مجنوناً رسمياً حتى ألقوا بي في هذه المصحة التي ازددت بها جنوناً..
(م2 يقف أمام المنصة ويحاول أن يقلد المسؤول)
م2: سيقف المسؤول هنا بعد قليل ويتفلسف في رؤوس المجانين، (مقلداً) أنتم شريحة مهمة في المجتمع، عليكم تقع مسؤولية كبيرة، نحن نثق بكم، لا يصلح الوطن إلا بكم وبعقولكم النيرة.... (يضحك).
م1: عقولنا النيرة، ليعيدوا العقول التي هاجرت قبل اعتمادهم على عقولنا..
م2: إششش....ألم يقول لنا مدير المصحة أن لا نعارض المسؤول بأية كلمة يقولها، ليقل ما يقل نحن نسمع فقط ولا نناقش..
م1: أنهينا حياتنا بالاستماع فقط ولم يسمعنا أحد..
م2: نستمع ونرضى بما يقولون خير من أن يعيدوننا الى الردهات..
(يدخل المطرب غاضباً)
المطرب: لا يمكن أن يحدث هذا، أنهم يقيدون حرياتنا، أنا حر..أنا حر...
م1: (يصفق ويهتف) تحيا الحرية..تحيا الحرية..
م2: إصمت يا هذا، ماذا تظن نفسك ..
م1: أنا أتضامن مع المطالبين بحرياتهم..
م2: ما الذي عرفت كي تتضامن، لنستمع له..
م1: يا لبؤس الاستماع، حتى هذا نستمع له متى يستمع الآخر لنا..
م2: أنت (إلى المطرب) ما بك وعن أية حرية تتحدث..؟
المطرب: منذ إسبوع وأنا أتهيأ للحفل، أعددت أجمل الأغاني، وحفظت الكلام واللحن وحتى الرقصات ليأتيني من يخبرني أن فقرتي تم حذفها..لماذا..؟ لأن سيادة المسؤول لا يستمع للغناء.. هل سمع صوتي لكي يقرر..؟
م1: لا تبتئس سنسمعك نحن حين يذهب المسؤول..
المطرب: تسمعونني..؟ وما الذي سيدخل جيبي...أنا أريد المسؤول فهو من سيدفع..
م2: سنجمع لك من المال ما يوازي ما تتوقعه من المسؤول، الفلس الحلال أبقى من الحرام..
المطرب: لا أريد..لا أريد..لان المسؤول هو طريقي للنجومية، سأطلب منه أن أسجل أغنية للتلفزيون، والتلفزيون سيضعني على طريق الشهرة..
م1: لكنهم أخبروك أنه لا يستمع للغناء..
المطرب: لماذا...؟ هل هو أصم..؟ هل هناك في الكون من لا يستمع للغناء..الغناء والموسيقى غذاء للروح..
م2: يا أخي هناك من يعتبره حراماً..
المطرب: حرام...! الغناء حرام.. وما هو الحلال إذن..؟ (يفكر) حسناً ..حسناً سأكتفي بالرقص ربما سيعجب السيد المسؤول..
م1: قلت الرقص..؟ هذا كارثة..!
المطرب: حرام أيضا أليس كذلك..؟ ماذا تقترحان علي أن أفعل..؟ لا بد أن يراني المسؤول وأنا أقدم مواهبي..
م2: مواهبك هذه لا تعجب فخامة المسؤول..ابحث عن شيء آخر..
المطرب: لا أعرف غير الغناء والرقص، ماذا أفعل..؟
م1: لا تفعل شيئاً اجلس في الخط الأخير واستر على نفسك..
المطرب: (مع نفسه) أستر على نفسي..نعم، نعم، سأستر على نفسي خير من أن يلقى بي ثانية في هذه المصحة..
(يخرج المطرب)
م2: أمر لا يمكن السكوت عنه، يحرمون ويحللون كما يشاؤون (يلتفت الى م1) وتريد أن تقنعني أن الحال في خارج المصحة أفضل، تقول لي أن النساء تحررن والناس صاروا متعاونين.. هل كنت تكذب علي..؟
م1: ما قلت لك إلا الحقيقة وعليك أن تتأكد حين تخرج إلى بيتك..
(أصوات ضجة في الخارج، مدير المصحة يركض ويتبعه م3 بينما م1 وم2 يتجهان الى جانب المسرح..المسؤول يدخل ومعه مدير المصحة وم3)
المدير: مرحبا بسيادة المسؤول، شرفت المصحة..
المسؤول: وقتنا ضيق لدينا كثير من الأعمال ولأنكم تحتفلون اليوم بضخ عقول جديدة للبلد وافقنا على رعاية حفلكم..
المدير: الله يخليك للبلد ذخرا وخيمة..
المسؤول: الخيمة تكلف كثيرا لا نريدها (مستدركا) أقصد أن يعيننا الله على ذلك.
(يجلس المسؤول على الكرسي وبجانبه مدير المصحة، عدد من النزلاء يجلسون على الكراسي الخلفية، م3 يتجه نحو المنصة)
م3: يشرفنا ان تكون بيننا سيادة المسؤول ونحن نخرّج فئة تم تصفير عقولها من جديد وكأنها خرجت تواَ من المصنع..تفضل سيادة المسؤول بإلقاء كلمتكم..
(المسؤول ينهض ويتجه نحو المنصة)
م2: (بهمس) شكله لا يوحي بأنه مسؤول، هل اختلفت أشكال المسؤولين أيضاً..
م1: كلهم هكذا نسخة واحدة، يتشابهون بالشكل والجوهر!
المسؤول: إخواني أنا هنا من اجل ان استمع لكم لا أن أتكلم..
م1: أرايت هو جاء ليستمع..
المسؤول: (مستمراً) جئت استمع لمقترحاتكم لتطوير بلدنا ربما هناك من له رأي يختلف عنا وهذا أمر طبيعي في ظل الديمقراطية التي نعيشها..
م2: قال الديمقراطية... شيء رائع.. ما أعذب كلام المسؤول..
م1: ألم أقل لك من قبل، صار بلدنا ديمقراطياً..
المسؤول: (مستمراً) من لديه رأي فليقله..أنا استمع..
المدير: لا رأي بعد رأيك سيدي الحاج..
م2: الحاج...؟ هل هي رتبة حكومية...؟
م1: صارت كذلك، النظام الجديد استبدل كل التسميات، صاروا يكنون بالحاج والحاجة والزاير والزايرة والعلوية..
المسؤول: أريد أن استمع للأخوة فهم أخوتنا بالوطن.. مثلما يحتاج وطننا للعقلاء فهو يحتاج للمجانين أيضا..
م2: وصفنا بالمجانين..
م1: بعد حصولنا على الشهادات سنكون ضمن العقلاء..إصبر..!
المدير: كل شيء هنا تمام، الرعاية والنظافة..
م2: (صارخا) باستثناء الذباب.. الذباب يا سيدي ينتشر في كل مكان..
(المدير ينظر له بشزر)
المسؤول: أنا أرى أن انتشار الذباب عكس ما يراه البعض بأنه حالة مقززة، لا وألف لا، أنا أراه بأنه حالة ايجابية ويدل على الخير الوفير، فالأمكنة التي لا ينتشر فيها الذباب والنمل أمكنة لا خير فيها، أمكنة شح الخير فيها...
(يصفق الموجودون بحرارة)
م3: (يهتف)
يا ابن آدم شرّع الأبوابا
واستقبل البعوض والذبابا
والنمل ان غاب هنا وذابا
فاقرأ على أمتنا الخطابا
(يصفق الموجودون بحرارة)
المسؤول: أحسنت..أحسنت، أنت تقرأ أفكاري.. ولأن وقتي ضيق سأكتفي باستلام مقترحاتكم بمكتبي.. شكراً لكم..
(تصفيق حار ويعود الى كرسيه، م3 يعود الى المنصة)
م3: يبتدئ الآن العرض المسرحي...
(تصفيق، يدخل الممثل بزي صلاح الدين الايوبي واضعا سيفه بغمده)
الممثل: ما بال الحياة تغيرت هنا، كل شيء تغير، لا شجر في الساحات ولا بحيرات، كل شيء مات..
(يدخل شرطي المرور من جانب آخر)
الشرطي: أنت...أنت..
الممثل: (ينظر اليه باندهاش)..
الشرطي: ما بك، ألا تسمع..
الممثل: أنت تسألني..
الشرطي: وهل هنا أحد غيرك، طبعا أسألك ولا اسأل الحائط..
الممثل: ما الذي تريده مني..إسأل..
الشرطي: أنت أوقفت حصانك في مكان غير مسموح به الوقوف.. وشددت الحبل في عمود إشارة مرورية..
الممثل: ما هذا الكلام الغريب، ألا تعرفني..؟
الشرطي: واحد من مجانين البلد، هيأتك تدل الى ذلك..
الممثل: أنا الملك الناصر...
الشرطي: (بسخرية) وأنا العريف ناصر..
الممثل: أنا محرر القدس..
الشرطي: (بسخرية) وأنا محرر بيوت الحواسم، لم تبق ساحة الا سيجتها وسجلتها باسمي..
الممثل: أنت من أتباع ريتشارد قلب الأسد..؟
الشرطي: (بسخرية) لا أنا من أتباع عبود أبو الشلغم..!
الممثل: ما هذا، أنت تسخر من سيدك.. كلمة أخرى وسأحز رأسك...
الشرطي: هذه مخالفة أخرى، تحمل سلاحا غير مرخص..
الممثل: أي ترخيص هذا، أنت مجنون رسمي، ألا تعرف صلاح الدين الأيوبي..؟
الشرطي: رأيته في السينما ولم يعجبني دوره..
الممثل: ما هذه الكلمات الغريبة..لم أسمع بالسينما من قبل..اعتقد أني جئت في الزمان الخطأ..
الشرطي: زماننا مليء بالأخطاء، أتريد أن تقنعني أنك جئت من الماضي..
الممثل: ألسنا في القرن الثاني عشر..؟
الشرطي: (مستهزئاً) نحن في قرن الثور..(يضحك) لم أر في حياتي مجنوناً مثلك.. صلاح الدين الأيوبي، يقول صلاح الدين الأيوبي.. اسمع يا هذا، خذها مني نصيحة سأتغاضى عن تغريمك شرط ان تغادر المكان حالا وخذ معك حصانك واربطه في مكان بعيد..
الممثل: (غاضبا) أنت تثير غضبي، أنا أحكم هذه البلاد، أنا أميرها وولي أمرها، أنا قائد معركة حطين وانتزعت القدس من أيدي مغتصبيها..
الشرطي: الله الله الله، وحررت القدس، متى..؟ لم أسمع بياناً عسكرياً يشير الى ما تقوله، القدس يا رجل، القدس مرة واحدة..؟
الممثل: ليس فقط القدس، أنا من وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن وجعلتها تحت رايتي..
الشرطي: كلام كبير هذا، اعرف ان المجانين في بلدي لا يعرفون الا الشارع الذي ينامون فيه.. كل تلك البلاد توحدت ما شاء الله، يعني استطيع الآن السفر بدون جواز سفر..
الممثل: وما هو جواز السفر هذا..؟
الشرطي: جواز يسمح به بالدخول للبلدان التي ذكرتها وغيرها ودونه لا يمكن ان تضع قدمك في أي بلد.
الممثل: بحصاني ذاك أجوب البلدان وجواز مروري سيفي..
الشرطي: لقد ضيّعت وقتي معك، أتقول أنك صلاح الدين الأيوبي بلحمه ودمه وجئت من غابر الزمان لزماننا..
الممثل: نعم أنا هو..دخلت مغارة وخرجت منها الى هنا..
الشرطي: وأنت من وحد البلاد والعباد..؟
الممثل: نعم أنا هو..
الشرطي: بلادك يا سيدي لم تعد كما هي، صارت شتاتاً، عصف فيها الربيع العربي وحولها الى قبائل وعشائر يقتل بعضهم بعضا، والراية التي تتحدث عنها صارت رايات بألوان مختلفة..والقدس لم تعد بأيدينا..
الممثل: يا للهول، كل هذا حدث وأنا لا أدري..
الشرطي: عد يا سيدي الى مغارتك ربما ستقودك الى زمن آخر غير زماننا، زمن تتوحد فيه الرايات والأمم.. خذ حصانك وسيفك واذهب بعيداً قبل أن يلقى القبض عليك وتودع في مصحة عقلية أو سجن وما أكثرها في هذه البلاد..
الممثل: لم أآسف على شيء في حياتي قدر أسفي على ضياع بلادي..
(يخرج الممثل، يقف الشرطي أمام الجمهور)
الشرطي: تم إلغاء وصل الغرامة الصادر بحق صلاح الدين الأيوبي اعتزازا بدوره في توحيد الأمة..
(تصفيق)
م1: هل فهمت شيئا...؟
م2: لا لم أفهم..
م1: ولا حتى أنا..
(م3 يقف خلف المنصة)
م3: نظرا لضيق وقت سيادة المسؤول فهو يعتذر عن تقديم شهادات التخرج من المصحة العقلية..
(ينهض المسؤول ويتبعه مدير المصحة)
المسؤول: سأصدر أمراً بإلقاء القبض على صلاح الدين..
المدير: صلاح الدين..؟
المسؤول: هذا الذي يتبجح بأنه وحد البلاد والعباد، سأرى كيف استطاع ان يقوم بذلك..ومن سمح له بالدخول لبلادنا دون جواز سفر وسنصادر سيفه وحصانه ويباعا لصالح خزينة الدولة.
(يخرج المسؤول..بينما ينادي المدير م3)
المدير: اذهب واخبر صلاح الدين الأيوبي أن يرحل لأن أمراً صدر بإلقاء القبض عليه ومصادرة حصانه وسيفه..
م3: لماذا..؟
المدير: لأنه دخل البلاد دون جواز سفر وهذا مخالف للدستور..
م3: ليس سوى ممثل قام بالدور..
المدير: سعادة المسؤول لديه قناعة كاملة بأنه صلاح الدين الأيوبي، ما الذي تريدني أن أقول..هل تريدني أن أكذّبه..؟
م3: لا حاشاه من الكذب..
المدير: إذن أذهب له قبل أن نتهم نحن بتشكيل خلية انقلابية يقودها صلاح الدين الأيوبي..
م3: حسناً...حسناً...
(يذهب بشكل سريع، المدير ينظر الى م1 وم2)
المدير: أنتما...نظفا المكان وامسحا دليل الجريمة....
(يخرج المدير ويبقى م1 وم2 بحالة اندهاش)
م1: أسمعت ما يقول..
م2: عن أي جريمة يشير.. هل ارتكب المسؤول جريمة..؟
اظلام
ستار.
البصرة/ العراق
22 تموز 2015