عبدالعزيز بركة ساكن - لصان بحريان في مدينة بادوفا

(آدم وحواء يجلسان علي مقعد في حديقة عامة، خلفهما قصر مهجور، تبدو نوافذه الخالية من الستائر مظلمة مثل أعين أسطورية كبيرة مربعة ومفقأة. تُضاء واجهة القصر بواسطة كشافة كبيرة منصوبة علي العمود الذي يقبع أمام بوابته. ضوء الشمس الذي يختفي تدريجا يجعل الرؤية واضحة في الميدان. يظهر معرض الفنانين الجوالة ليس بعيدا عنهما، ولو أنهما في زاوية معتمة من الميدان الصغير الذي تتوسطه نافورة بها تمثال كلاسيكي لامرأة عارية. تقليدا لإحدى منحوتات القرون الوسطى. آدم وحواء يأكلان شيئا من صندوق ورقي. ويبدو واضحا عليه شعار ماكدونلادس).

حواء: (وهي تنظر ناحية القصر) نجونا هذه المرة بأعجوبة.

آدم: ليس بأعجوبة فإننا دائما ما ننجو.

حواء: وتلك هي الأعجوبة!

آدم: (وهو يضع قطعة كبيرة من البيرقر في فمه) ليس أمامه سوى خيار واحد، إنه لم يقدم لنا الخبز، وبالتالي عليه أن يقوم بحمايتنا، طالما نحن نسعى لإطعام أنفسنا بأنفسنا.

حواء: وتلك هي الأعجوبة!

آدم: (يتوقف من مضغ الطعام، ينظر الى حواء في عينيها) الأعجوبة تحدث نادرا ولكن هذا يحدث كلما جعنا أو احتجنا لمال.

حواء: (مبتسمة) وتلك هي الأعجوبة عينها.

آدم: (ينظر أمامه وهو يرفع رأسه إلى أعلى قليلا) أنه يقدم لنا الحماية، مجرد الحماية، وإذا كنا أثرياء كان بإمكاننا أن نستأجر إحدي الشركات الشرطية، مثل بلاك ووتر، أو حتى بعض الأشرار ليحموننا.

حواء:(مبتسمة) وتلك هي الأعجوبة، فنحن فقراء وننعم بكامل الحماية.

آدم: (مواجها حواء مواجهة كاملة بالوجه) إن ذلك من أعماله الروتينية.

حواء: (تلتصق بآدم وتتحدث بينما وجهها يكاد أن يلتصق بوجهه) وتلك هي الأعجوبة، ذاتها، الروتين الذي يحمينا.

آدم: (يبعدها عنه برفق، يضع الطعام على الأرض وينهض قائلا) دعينا نضحك قليلا.

أدم وحواء: (تنهض حواء تضع ما بيديها على الأرض، وتمسك بكفتي آدم الفارغتين، ويضحكان بصوت عال، ثم يقبلان بعضهما البعض)

حواء: (تبتعد قليلا عن آدم) الضحك يحفظنا أصحاء.

آدم: (ضاحكا) أنها أعجوبة.

حواء: (يبدو عليها الحزن فجأة) هل سيقبضون علينا هذه المرة، قلبي يقول لي ذلك.

آدم: (وهو ينظر نحو القصر المهجور) لا أظن، ماذا يفعلون بنا، أننا لا نكلفهم شيئا، نحن نعول أنفسنا بأنفسنا، أنهم لا يصرفون علينا، كل ما يقلقهم هو أننا أحرار، لأننا فقراء لا نمتلك شيئا، وأيضا متسخون بعض الشيء، وقد نُصيب بعض الأماكن النظيفة بقليل من القاذورات.

حواء: (ضاحكة) أنا استحممت بالماء البارد، أفعل ذلك مرة في الأسبوع، أنت وحدك المتسخ، أنت عبارة عن بالوعة في شكل إنسان (ضاحكة) خراء يمشي بين الناس.

آدم: (مبتسما) العاشق لا يتسخ!

حواء: (وهي تنظر إليه في غنج) هل أنت عاشق، أريد أن تقنعني؟؟

في هذه اللحظة تُسمع صفارة عربة شرطة وهي تقترب، ثم تتوقف بعيدا عن الميدان، حيث لا يمكن رؤيتها.

حواء: (في قلق) أنهم يبحثون عنا، دعنا نهرب.

آدم: (يمسك بيد حواء في عاطفة وهو ينظر إلى الناحية التي أتى منها الصفير) لا. أنهم يبحثون عن الإرهابيين. ونحن لسنا سوى لصين حقيرين تافهين في مدينة بادوبا. لا نؤذي أحدا، نحن نساعد الناس علي التخلص من أموالهم الفائضة التي قد تثقل جيوبهم نحن لصوص يا حبيبتي، نحن لصان حقيران تافهان مفلسان في مدينة بادوبا.

حواء: (في جدية) نعم، نحن لصان حقيران تافهان مفلسان عاشان في مدينة بادوبا، وتلك أعجوبة يا حبيبي.

آدم: (يطلق يدها) ليس في الأمر أعجوبة، كل الناس لصوص، يسرقون شيئا ما، بعضهم يسرق الوقت، وبعضهم ينهب ثروات طائلة بكل شرف وأمانة، وبعض هؤلاء اللصوص ملوك وحكام وقضاة وأمراء، أنا وأنت لصان تافهان، وهم لصوص عظماء.

حواء: وتلك أعجوبة (ثم تضيف في قلق وهي تنظر نحو الناحية التي انتهي إليها صفير عربة الشرطة): أنهم في مكان قريب.

أدم وحواء وشرطيتان: (تظهر فجأة شرطيتان من الناحية الغربية للميدان. يرتبك آدم وحواء، وينتظمان في وقفتهما استعدادا للاستجابة للشرطيتين اللتين تأتيان نحوهما في خطى ثابتة. وعندما تقتربان منهما تتجاوزانهما وتمضيان نحو القصر. فيتنفس آدم وحواء الصُعداء ثم يجلسان. تختفي الشرطيتان في القصر المجهول. يُسمع صفير عربة شرطة أخرى، يظهر بعد لحظات في المسرح شرطيان، يقفان في المساحة الفاصلة ما بين القصر والحديقة.)

حواء: (وهي تمسكه من يده) دعنا نهرب. ماذا يفعلون هنالك، ربما يجدون بعض الدلائل التي تشير إلينا، ربما…….

آدم: (مقاطعا حواء) الشرطة تطارد من يهرب ولكنها لا تُطارد شخصا جالسا، هل نسيت ما يحدث في السينما، انه الواقع، فإذا هربت من الكلب فإنه يجرى خلفك وقد يعضك أما إذا انتظرته، فإنه يتثاءب ويهز ذيله، وقد يقبلك، بعض الكلاب تقبل البشر في مثل هذه اللحظات الشجاعة النادرة.

حواء: (في قلق) قلبي يقول لي نهرب. قد يتعرفون علينا.

آدم: (يمسك بكفها في حب وقلق) نعم نحن نشبه اللصوص، ولكن ماذا يفعلون باللصوص، فنحن لا نقتل ولا نجرح ولا نكتب في الصحف ولا نرسم ولا نغني ونرقص في الشوارع وليس لدينا دين ندعو له، وليست لدينا لغة ننشرها، ولم نترشح للرئاسة أو المجالس البرلمانية، نحن مسالمون شرفاء، ماذا يفعلون بنا، مجرد شرفاء في ميدان عام في مدينة بادوبا بإيطاليا، أليس هذا جميلا؟

حواء: ( ساخرة)ٍ أنت تقول الشعر. لذا دعنا نهرب.

آدم: (ضاحكا) دعينا نذهب نبتعد قليلا وننتظر في مكان ما، ونرقبهم.

آدم وحواء: (يختبئان في مكان قريب من سور القصر، يقفان خلف شجرة Birk برك عملاقة).

(بعد قليل يدخل الشرطيان الآخران إلى القصر ويتبعهما بعض أفراد المطافئ وما هي إلا لحظات قليلات حتى يخرج الجميع مرة أخرى يتقدمهم رجل مطافئ وهو يحمل قطا صغيرا في حضنه في حنان ورقة).

حواء: أنهم ينقذون قطا دخل القصر المهجور. قد يكون في حجرتنا، هل دخلوا غرفة نومنا.

حواء وآدم: (يعودان في حذر إلى مقعدهما).

آدم: )يبدو مطمئنا) لا تقلقي، لا أحد يدخل غرفة نومنا، فالشرطة أيضا تخاف الأماكن المهجورة المسكونة، الجميع يعرف أن روح صاحبة القصر وكل الذين قتلتهم تهيم حول المكان، أن أرواحهم حية، وهي تعانق جثثهم المدفونة في حديقة القصر كل مساء، كل روح تعانق جثتها، وهذا عمل لا غبار عليه، ولكنه يخيف حتى الشرطيين، ما عدا المسكينين الشريفين العاشقين، أنا وأنت.

حواء: أنه يحفظنا، وهذه أعجوبة.

آدم: طالما لم يستطع أن يوفر لنا سكنا جيدا، وقمنا بتوفير بيت لأنفسنا بأنفسنا، فإن ذلك واجبه، فالحماية ليست بالأمر الصعب، فعندما نصبح أثرياء سنقوم بتأجير شركة شرطة لحمايتنا وهكذا يفعل كل البشر المحترمين أنهم يتعاملون مع بلاك ووتر أو غيرها.

(تمضي عربة شرطة واحدة، ومعها عربة المطافئ وتبقى الشرطيتان، تتجولان في المكان، للحظة ثم تتجهان نحو آدم وحواء، ولا يشعران بقدوم الشرطيتين إلا عندما تكونان أمامهما تماما)
شرطية 1: هل لديكما أوراق ثبوتية.

آدم: أنا وهي مشردان.

شرطية 2: المشرد واللاجئ وكل شخص على أرض إيطاليا عنده ورق ثبوتي.

آدم: (مبتسما) نحن لاجئان تافهان، اللاجئون الذين لديهم ورق ثبوتي هم اللاجئون العظماء، ولكن اللاجئين التافهون الذين في مثل حالتنا في الغالب ليست لديهم أية وثائق لأنه ببساطة ليست لهم هُويات.

شرطية 2: أنت تسخر من الشرطة.

حواء: (خائفة) إنه لا يسخر إن تلك هي حقيقة، أنا وهو لاجئان تافهان ولا أوراق لدينا.

شرطية 1: إذن تذهبان معنا لمكتب الشرطة للتحقيق والتأكد من شخصيتيكما.

شرطية 2: أين تسكنان؟

آدم وحواء: (في وقت واحد وهما مندهشان) نسكن؟؟

آدم: نحن لا نسكن.

حواء: بل نحن نسكن مع بعضنا البعض.

شرطية 2: إذن أنتما من تقيما في القصر المهجور، أليس كذلك؟

شرطية 1: وتحتفظان بقطط الجيران؟ وتأكلان الحمام، صحيح؟؟

آدم: هذا القصر تسكنه العفاريت والأرواح الشريرة ونحن مثلنا مثل كل البشر نخاف من العفاريت والأرواح الشريرة فكيف نسكن في القصر، نحن أيضا نريد أن نحيا ونعيش؟

شرطية 1:(في جدية وهي تخرج دفترا صغيرا) ما اسمك؟

آدم: (في مرح) آدم نوح.

شرطية 1: (في جدية) ما بلدك؟

آدم: أنا قلت لك إنني لاجئ ولا بلد لي، أنا مجرد مشرد حقير.

شرطية 1: من أين أتيت إلى إيطاليا؟

آدم: (جادا) جئت من البحر.

شرطيه 1: (في جدية) ومن أين جئت إلى البحر، من سوريا أو العراق أو ليبيا أو السودان أو من جنوب إفريقيا، من إريتريا أم أم من أين؟

آدم: (جادا) أنا لا أعرف. وجدتُ نفسي في البحر، كل العالم جاء من البحر، كل الكون، وأنا واحد ممن في الكون، جئت من البحر، نحن مثلكم تماما جئنا من البحر، وحتى عندما لم تصدقنا الشرطة وفحصت جيناتنا الوراثية، لم تستطع أن تنسبنا لأية يابسة كانت، لم يجدوا شيئا متميزا أو مختلفا، فكنا مثلنا مثل جميع الكائنات البحرية، فرمتنا السلطات في البحر، ولكن البحر تقيأنا مرة أخرى، فأعادونا إليه، فتقيانا البحر، مع كمية من النفايات الذرية والبلاستيكة وبقايا السفن الغارقة والخُراء الآدمي المسرطن، وهكذا إلى أن تعبوا منا نسبة لأن تكلفة ترحيلنا للبحر كانت عالية، حيث يكلف الواحد منا في كل مرة ثلاثمائة يورو وسبعة وسبعين سنتا. ولكن التكلفة الأكبر كانت تكلفة تدوير النفايات وإعادتها للبحر. هل ترغبين في معرفة تلك التكلفة بالتفصيل، حواء تحتفظ بها في ذاكرتها؟

شرطية 2: (مبتسمة مخاطبة حواء) لا لا نرغب. يعني ذلك أنك أيضا جئتِ من البحر.

حواء: (مشيرة برأسها إيجابا) ولكن اسمي ليس آدم، اسمى حواء.

شرطية 2: سنأخذكما للتحقيق فقط.

حواء: لا تتعبي نفسك، لقد كنا في السجن، قضينا الفترة القانونية كلاجئيين غير شرعيين، وفقا للقانون الإيطالي، ولم يجدوا دولة يرحلوننا اليها لأننا لا ننتمي لأي بلد كما قلت لك، ولفظنا البحر الذي تخلصوا منا فيه، يا أيتها الشرطيتان: نحن لا يابسة لنا، أينما حللنا نحن في المكان الصحيح، فإذا أخذتمانا لمكتب الشرطة، قد نكلفكم مكانا للبيت وربما عشاء، وآدم يستفرغ كثيرا بالليل ويتبول في نفسه ويتبرز بدون انتظام، ألا تلاحظان أن رائحته لا تطاق؟؟ بالتالي سنوسخ لكم المكان، وتكلف نظافته في العادة أكثر من مئة يورو، دعونا وشأننا فنحن لا نكلفكم شيئا هنا، نحن مشردان لاجئان فقيران، من الاحسن أن تبحثوا عن الإرهابيين، أنهم أعداء المجتمع وأعدائنا أيضا، أنهم ينوون إحراق اليابسة كلها، بالتالي إحراقنا فيها معكم، ونحن لا نستحق أن نُحرق ولا نريد ذلك ولا ذنب لنا، للإرهابين ثار معكم لأنكم احرقتم يا بستهم من قبل، أما نحن فلا ثأر لنا مع أحد، نحن جئنا من البحر ولا يابسة لنا في الماضي لتحرقونها، أتركونا بالله.

آدم: (مخاطبا الشرطية 2 التي يبدو إنها تسجل شيئا ما) يبدو أنكما شرطيتان جديدتان، أليس كذلك؟

الشرطيتان: (تشيران برأسيهما إيجابا)

آدم: أنتما صغيرتان في العمر ربما في العشرينيات من عمريكما، أليس كذلك؟

الشرطيتان: (تشيران برأسيهما إيجابا)

آدم: أنا وحواء تحت المائة من عمرينا (يضحك) أكبر منكما عمرا، ولكننا أغبياء كما ترين. مجرد عاشقين تافهين حقيرين في مدينة بادوبا بايطاليا.

شرطية 1: بل أنتما ذكيان وأنكما في بادوفا وليس…………

حواء: ( مقاطعة) هل أنت متزوجة؟

شرطية 2 : (مبتسمة) نعم.

حواء: وأنا أيضا متزوجة، آدم هو زوجي ونحتفل اليوم بعيد زواجنا وعيد ميلادي اللذين في ذات التاريخ، لماذا لا تقولان لنا مبروك؟

الشرطيتان: مبروك.

شرطية 1: (تقوم بعمل مكالمة تلفونية عبر خلوي تمسك به في يدها، تتحدث لفترة قصيرة، ثم تستأذنهما في فحص بصماتهما بجهاز في يدها، تقدم حواء أصابعها ثم يتبعها آدم، تنتظر الشرطية قليلا ريثما تتفحص النتيجة، ثم تقول لهما مبتسمة.) أنتما معروفان لدي الشرطة في إيطاليا.

آدم وحواء) في وقت واحد(: ألم نقل لك، نحن أشهر من مدير الشرطة نفسه.

آدم: )لحواء( دعينا نعانق الشرطيتين الجميلتين الصغيرتين. )ينهضان يعانقان الشرطتين عناقا حميما(

حواء: لماذا لا تغنيان معنا أغنية عيد الميلاد السعيد؟

الجميع: (يغنون معا عيد ميلاد سعيد بالإيطالية. ثم يرقصون معا على إيقاع أغنية شعبية معروفة، وهم يضحكون في مرح. ثم يجلس آدم قرب حواء، وتظل الشرطيتان واقفتين)

شرطية 2: (تلتقط أنفاسها وهي تنظر إليهما في استغراب) كيف تعيشان.

آدم: (ضاحكا) نحن لصان.

حواء: (بسرعة) لصان شريفان، الدولة لا تقدم لنا شيئا، فنحن نسرق القليل من أجل أن نأكل فقط، فقط للطعام.

شرطية 1: إذن أنتما لصان.

آدم وحواء: (معا) لصان شريفان لو سمحت.

الشرطيتان: تضحكان.

شرطية 2: ما دينكما؟

آدم: ألم نقل لكما أننا جئنا من البحر، فالله لم يرسل نبيا بحريا بعد أو رسولا من القرش أو الحيتان الكبيرة فالأسماك لا تتحدث الأرامية ولا العربية وهما لغتا الله اللتان يتحدث بهما للخلق. كل الرسل أرسلوا لليابسة، ولا يابسة لنا، نحن بحريان، الرجاء أن تصدقاننا، لصان بحريان مشردان لاجئان في إيطاليا يقيمان بمدينة بادوبا الجميلة، مدينة غاليليو غاللي الذي أرهبه لصوص الكنسية، اللصوص الربانيون، وكادوا أن يشوونه مع السحرة والمهرتقين.

شرطية 2: بادوفا وليس بادوبا.

حواء: لا بل بادوبا، وهي بإحدى لغات الأرض تعني اليابسة.

الجميع: يضحكون.

الشرطيتان: سنذهب ونترككما هنا، الرجاء لا تسرقان، حاولا أن تكسبا رزقكما بطريقة مشروعة.

آدم: أنتما شرطيتنا طيبتان، ولكن السرقة أيضا مشروعة، ويمارسها الجميع، مديرون وحكام وشرطيون وبرلمانيون ولصوص أيضا، ألا تقرآن الصحف اليومية.

شرطية 1: دعك من الهراء، سنحاول أن نوفر لكما سكنا إذا خاطبنا مكتب الهجرة، هل توافقان؟

حواء: نحن لا نريد مسكنا. نريد أن نُترك وشأننا.

آدم: بل نريد مسكنا يا حواء، ولكن نعلم أنه لا أحد يوفر لنا مسكنا، كل شيء هنا بشروط قاسية. المسكن يكلفنا ما لا طاقة لنا به، أننا نسكن الأماكن كلها لذا لا ندفع شيئا نظير ذلك، كما أن المسكن يعني العنوان، ونحن لا نرغب في أن يكون لنا عنوان، لأن العنوان يعني الفواتير والفواتير تعني أن يدفع لصوصٌ صغار غير شرعيين إلى لصوص كبار شرعيين وهم الذين سيبنون بها سجونا شاسعة ويصنعون بواسطتها أسلحة فتاكة، ويهدونها أو يبيعونها للإرهابيين الذين يأتون إلى هنا ويقتلوننا بها، نحن لا نريد أن نموت. نحن لصان غير شرعيين يحبان الحياة.

شرطية 1: (تضحك لبعض الوقت) المبيت في العراء يعتبر مخالفة قانونية.

حواء: نحن لا نبيت في العراء، نبيت في كل مكان.

حواء: (مبتسمة) تحت السماء.

شرطية 2: أنتما تتفلسفان.

حواء: هو شاعر، ولكن شاعر مسالم، ليس مثل الشعراء، فالشعراء مجرمون، نحن مجرد لصين تافهين في مدينة بادوبا بايطاليا، هو شاعر وأنا عاشقة.

شرطية 1: (مُشيرة الى آدم) إذن هو الذي شخبط في الحيطان في حجرات القصر المهجور.

آدم: لا أنا لم أشخبط شيئا، ربما شخبط الأشباح، فالقصر مملوء بالأشباح كما تعلمان، الرجال الذين قتلتهم صاحبة المنزل بعد أن اغتصبتهم، فالقصة لا تخفي عليكما، فأنا أكتب أحيانا مجرد كتابة، فأنا لص واللص لا يشخبط أبدا، ليس لدينا وقت للشخبطة.

شرطية 2: سنذهب الآن، وقد نعود إليكما.

آدم وحواء يتحدثان بلغة خاصة.

شرطية 2: ما هي اللغة التي تتحدثان بها؟

حواء: نحن لا لغة لنا. لكن نُجيد كل اللغات التي تساعدنا على تجويد العمل وأداء المهنة: العربية للتعامل مع السواح الأثرياء العرب، اللغات الأوربية، من أجل السائحين الأوربيين المرفهين، والإيطالية بالذات من أجل التفاهم مع الشرطة.

شرطية 1: (إلى شرطية 2) فلنذهب.

حواء : (وهي تدور حول نفسها مثل حاوي شرير) قبل أن تذهبا لا تنسيا أن تأخذا محفظتيكما، حاولا أن تضعانها في المرة القادمة في الجيوب الأمامية، الجيوب الخلفية تغرى اللصوص. (تقدم لهما المحفظتين، تفقدت كلتا الشرطيتين محفظتها سريعا في استغراب وتأكدت من أن كل شيء موجود، ودون أن تقولا كلمة واحدة تمضيان)

آدم وحواء: (يضحكان بأعلى صوتيهما، وهما يتعانقان، ثم يجلسان على المقعد)

حواء: لقد نجونا بأعجوبة.

آدم: مما نجونا.

حواء: من الشرطيتين، أنهما طيبتين.

حواء: لقد حمانا، وتلك هي الأعجوبة.

أدم: ليست هنالك أعجوبة في بادوبا.

وفجأة يعلو صوت عربة النجدة.

حواء: (تصيح) فلنهرب!

أدم: لماذا نهرب، نحن لم نفعل شيئا. لسنا سوى لصين بائسين مشردين تافهين في مدينة بادوبا بايطاليا.

حواء: (وهي تنهض ساحبة آدم خلفها) لقد احتفظتُ أنا بعُقد الشَرطية الذهبي، لم أستطع أن أقاوم إغواءه، أما المسدس قلت لنفسي قد نستطيع بيعه لشخص ما. دعنا نهرب ونترك لهما متعلقاتهما التافهة هنا، اللعنة!!!. دعنا نهرب الى البحر.

آدم وحواء: (يهربان ويتركان العُقد الذهبي ومسدس الشرطية على المقعد)

يُسدل الستار



عبدالعزيز بركة ساكن

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...