لم أتلق دروسا مباشرة علي يدي فاطمة موسي, رحمها الله, فقد كانت أستاذا مرموقا في قسم اللغة الإنجليزية في الوقت الذي تخرجت في قسم اللغة العربية بآداب القاهرة. ولم أكن تعرفت عليها حين قرأت كتابها بين أدبين الذي صدر في عام تخرجي سنة1965. وقد أتاح لي أستاذاي الراحلان عبد العزيز الأهواني وعبد المحسن طه بدر التعرف عليها, خصوصا في المجالس التي كانت تضم أحباب عبدالعزيز الأهواني وخلصاءه. وسرعان ما عرفت أن فاطمة موسي( المولودة سنة1927) وزوجها مصطفي سويف, أمد الله في عمره, وألهمه الصبر والسلوان, هما من خلصاء الأهواني. ولما كان إعجابي بالأهواني لا حدود له, فقد أحببت مصطفي سويف وفاطمة موسي متابعا أستاذي في هذا الحب. وتكاثرت اللقاءات في الندوة التي كان يقيمها الأهواني في بيته, وكانت تدور حول موضوع من الموضوعات التي تهم دارسي الأدب بوجه خاص, والعلوم الإنسانية بوجه عام. وتعودت علي سماع صوت فاطمة موسي التي تخرجت علي يديها أجيال متتابعة في قسم اللغة الإنجليزية, خصوصا بعد أن عادت من بعثتها إلي إنجلترا التي حصلت فيها علي الدكتوراه من جامعة لندن سنة1957, في موضوع الحكاية الشرقية في الأدب الإنجليزي:1760-1845. وكان استمرارا لموضوع أطروحتها التي حصلت بها علي درجة الماجستير من آداب القاهرة سنة1954, أي بعد عامين من تعيينها معيدة في قسم اللغة الإنجليزية سنة1952 وتخرجها في القسم نفسه بدرجة الشرف الأولي سنة1948. وكان عمرها آنذاك لا يجاوز الحادية والعشرين. وقد عرفت أن فاطمة موسي منذ عودتها من إنجلترا انغمست في الحياة الثقافية, وظلت تثريها بمقالاتها وأبحاثها وكتبها التي أذكر منها بالتقدير كتابها في الرواية العربية المعاصرة الذي صدر عام1972. واستمرت حياة فاطمة موسي موزعة بين أبحاثها ورعاية طلابها الذين سرعان ما أصبحوا أساتذة يعرفون فضلها, ويدينون لها بالعرفان, لأنها ظلت ترعاهم علميا وإنسانيا, حتي من قبل أن تصبح رئيسا لقسم اللغة الإنجليزية. وهو ما ظلت تفعله إلي آخر أيامها.
وقد اقتربت منها في جلسات الأهواني, واستمعت إلي آرائها التي أفدت منها, خصوصا في مجال الرواية العربية والآداب المقارنة. وكانت صادقة, مباشرة وصريحة, في التعبير عما تراه علميا, لا تعرف المجاملات في العلم, أو الانصراف إلي اللغو الكاذب والظهور الاجتماعي, فرأيت فيها ما رأيته في أستاذي عبد العزيز الأهواني, وزوجها مصطفي سويف, من نموذج الأستاذية الجامعية الحقة التي تضع العلم فوق كل اعتبار, ولا تظهر الاحترام أو الحب لأحد إلا حسب إنجازه العلمي, أو حسب طموحه الجامعي, وظهور علامات هذا الطموح. ولذلك اقتربت منها, واتخذتها أستاذة وأما, بعد سهير القلماوي, واتخذتني هي ابنا وتلميذا, وظلت العلاقة موصولة لم تنقطع, بل ازدادت قوة بعد أن أصبحت أمينا للمجلس الأعلي للثقافة في مطلع1993, وشرفتني بقبول اختيارها مقررة للجنة الترجمة في المجلس, خصوصا أنني كنت أعرف جهدها في الترجمة, والنموذج الذي قدمته عندما ترجمت مأساة الملك لير وهنري الرابع لشكسبير وغيرهما من الترجمات التي أذكر منها ترجمتها رواية ميرامار نجيب محفوظ إلي الإنجليزية. وأشهد أن اللجنة شهدت بفضلها صحوة في كل أنشطتها, ابتداء من الندوات النوعية عن مشكلات الترجمة, والمؤتمرات التي أقامتها واهتمت فيها بترجمة الآداب الشرقية التي أصبح لها من يمثلها في اللجنة, ولها حظها من العناية والاهتمام في أنشطة المجلس العامة والخاصة.
ومن المؤكد أنني أدين لها بالكثير في تأسيس المشروع القومي للترجمة وتدعيم مسيرته قبل أن يتحول المشروع إلي المركز القومي للترجمة الذي أصبح واقعا, بعد أن كان حلما وخيالا. وظلت فاطمة موسي ترعي المشروع القومي للترجمة, وتضيف إليه, وتدفع طلابها من الأجيال المختلفة إلي الإسهام فيه, وأشرفت بنفسها علي ترجمة رسالة لويس عوض عن بروميثيوس في الأدب الأوروبي, في مجلدين كاملين, وتولت الإشراف علي ترجمة واحد من أهم مجلدات موسوعة كمبردج الشاملة عن تاريخ النقد الأدبي ومدارسه. وكانت لا تمل من التدقيق وتعليم من حولها الدقة والدأب. ولا أزال أذكر بالفضل دورها الفاعل في المؤتمرات الدولية التي عقدها المجلس الأعلي للثقافة عن الترجمة وعن الرواية علي السواء. ولم يكن ذلك ينفصل عن اهتمامها بالمسرح, فهي التي دفعت ابنها سمير سرحان, رحمه الله, إلي إصدار القاموس الموسوعي للمسرح الذي حررت مجلداته, وراجعتها كلمة كلمة. أضف إلي ذلك ما أسهمت به في موسوعة بلومز بري دليل كتابات المرأة في العالم العربي, وكان ذلك سنة1992.
ولم يتوقف دعم فاطمة موسي لي في المجلس الأعلي للثقافة, فلم تبخل علي بالرأي والتوجيه, بل اللوم والعتاب إن لزم الأمر. وكنت أتقبل منها التوجيه كما أتقبل اللوم, لأنني أعرف حبها لي شخصيا, مثلما كانت تعرف حبي وتقديري لها, علي امتداد السنوات التي جمعتنا في المجلس الأعلي للثقافة, مقررة للجنة الترجمة وعضوة في المجلس نفسه, وفي المجلس القومي للمرأة. ولا أنسي ملامح العطف الممزوج بالحنان والحزن عندما أبت إلا أن تأتي إلي عزاء ابنتي سهير, وكانت تجلس علي كرسيها الطبي المتحرك, وقبلتني والدموع علي خديها, وقسوة المرض بادية علي ملامحها. ولم أكن أعرف أن هذه آخر قبلة أتلقاها من أمي وأستاذتي: فاطمة موسي, رحمها الله رحمة واسعة, والعزاء لأسرتها الصغيرة, ولنا نحن عشرات ومئات من أجيال الطلاب والطالبات الذين يدينون لها بالفضل والعرفان في كل مكان, علي امتداد العالم كله.
وقد اقتربت منها في جلسات الأهواني, واستمعت إلي آرائها التي أفدت منها, خصوصا في مجال الرواية العربية والآداب المقارنة. وكانت صادقة, مباشرة وصريحة, في التعبير عما تراه علميا, لا تعرف المجاملات في العلم, أو الانصراف إلي اللغو الكاذب والظهور الاجتماعي, فرأيت فيها ما رأيته في أستاذي عبد العزيز الأهواني, وزوجها مصطفي سويف, من نموذج الأستاذية الجامعية الحقة التي تضع العلم فوق كل اعتبار, ولا تظهر الاحترام أو الحب لأحد إلا حسب إنجازه العلمي, أو حسب طموحه الجامعي, وظهور علامات هذا الطموح. ولذلك اقتربت منها, واتخذتها أستاذة وأما, بعد سهير القلماوي, واتخذتني هي ابنا وتلميذا, وظلت العلاقة موصولة لم تنقطع, بل ازدادت قوة بعد أن أصبحت أمينا للمجلس الأعلي للثقافة في مطلع1993, وشرفتني بقبول اختيارها مقررة للجنة الترجمة في المجلس, خصوصا أنني كنت أعرف جهدها في الترجمة, والنموذج الذي قدمته عندما ترجمت مأساة الملك لير وهنري الرابع لشكسبير وغيرهما من الترجمات التي أذكر منها ترجمتها رواية ميرامار نجيب محفوظ إلي الإنجليزية. وأشهد أن اللجنة شهدت بفضلها صحوة في كل أنشطتها, ابتداء من الندوات النوعية عن مشكلات الترجمة, والمؤتمرات التي أقامتها واهتمت فيها بترجمة الآداب الشرقية التي أصبح لها من يمثلها في اللجنة, ولها حظها من العناية والاهتمام في أنشطة المجلس العامة والخاصة.
ومن المؤكد أنني أدين لها بالكثير في تأسيس المشروع القومي للترجمة وتدعيم مسيرته قبل أن يتحول المشروع إلي المركز القومي للترجمة الذي أصبح واقعا, بعد أن كان حلما وخيالا. وظلت فاطمة موسي ترعي المشروع القومي للترجمة, وتضيف إليه, وتدفع طلابها من الأجيال المختلفة إلي الإسهام فيه, وأشرفت بنفسها علي ترجمة رسالة لويس عوض عن بروميثيوس في الأدب الأوروبي, في مجلدين كاملين, وتولت الإشراف علي ترجمة واحد من أهم مجلدات موسوعة كمبردج الشاملة عن تاريخ النقد الأدبي ومدارسه. وكانت لا تمل من التدقيق وتعليم من حولها الدقة والدأب. ولا أزال أذكر بالفضل دورها الفاعل في المؤتمرات الدولية التي عقدها المجلس الأعلي للثقافة عن الترجمة وعن الرواية علي السواء. ولم يكن ذلك ينفصل عن اهتمامها بالمسرح, فهي التي دفعت ابنها سمير سرحان, رحمه الله, إلي إصدار القاموس الموسوعي للمسرح الذي حررت مجلداته, وراجعتها كلمة كلمة. أضف إلي ذلك ما أسهمت به في موسوعة بلومز بري دليل كتابات المرأة في العالم العربي, وكان ذلك سنة1992.
ولم يتوقف دعم فاطمة موسي لي في المجلس الأعلي للثقافة, فلم تبخل علي بالرأي والتوجيه, بل اللوم والعتاب إن لزم الأمر. وكنت أتقبل منها التوجيه كما أتقبل اللوم, لأنني أعرف حبها لي شخصيا, مثلما كانت تعرف حبي وتقديري لها, علي امتداد السنوات التي جمعتنا في المجلس الأعلي للثقافة, مقررة للجنة الترجمة وعضوة في المجلس نفسه, وفي المجلس القومي للمرأة. ولا أنسي ملامح العطف الممزوج بالحنان والحزن عندما أبت إلا أن تأتي إلي عزاء ابنتي سهير, وكانت تجلس علي كرسيها الطبي المتحرك, وقبلتني والدموع علي خديها, وقسوة المرض بادية علي ملامحها. ولم أكن أعرف أن هذه آخر قبلة أتلقاها من أمي وأستاذتي: فاطمة موسي, رحمها الله رحمة واسعة, والعزاء لأسرتها الصغيرة, ولنا نحن عشرات ومئات من أجيال الطلاب والطالبات الذين يدينون لها بالفضل والعرفان في كل مكان, علي امتداد العالم كله.