الحبيب الدايم ربي - عاشق أخرس.. قصة قصيرة

عـثرة الحظ أوقعته في سؤال ما كان يتوقعه . رجل ثقيل يسأله من غير مناسبة عن معنى كلمة “خرساء” التي ابتدأ بها شاعر مجهول قصيدة . دون جدوى كان يتتبع حركة الشفاه السائلة: خرساء ، خرساء ، خرساء . فما التقط من الإيماءات إشارة . بعد لأي ، وحين كاد صبر السائل ينفد ، جاءه الفرج فردّ في حرج : خرساء من لا ترد ، أو بالأحرى من تتعمد عدم الكلام.
وانتهت الواقعة هنا برجل ثقيل الظل وآخر ثقيل السمع ، يلتقيان على مضض ، ويفرنقعان من دون ندم. الرجل الفضولي سوف يمضي إلى مزيد الرعونة ، بينما سينصرف الذي يخونه السماع إلى البرطمة بسباب لا يوفر قليلي الذوق والشعراء من الحساب . سيستعيد ، من دون ريب ، هذه اللحظة بغير قليل من الامتعاظ ؛ ويبصق في وجه الوقاحة . بيْدَ أن شكوكا ستراوده بشأن مفردة ” خرساء”. ستبدو له غير مناسبة للتعبير عن حبسة الشفاه وحدها. أما كان للقواميس أن تخص بها ، أيضا ، من لا يسمعون مثله ؟ قد يحتج في سكون.وقد لا يكون تبعا لمنطق الحكاية.

****

على صمت كان يتلظى بحبها . يترصدها من بعيد كي يتأمل الجرة تلامس شعرها الجموح كلما قصدت عين الماء للسقيا . العشق مذلة . وهو حين يأتي من أخرس يغدو فعلا أقرب إلى الشناعة. كان قد أوغل في التيه. عيناه بوابتان لقصيدة مخلعة الأوزان صماء ، والجمال المترجل أمامه ، متثنيا ، سبحان الخالق الناطق . كأنما كانت صاحبته على غيمة تخطو ، خفيفة ، رشيقة ، صموتة. تعبر التلة في ذهاب وإياب. لم يعد قلبه يطاوعه ليبقى نائيا ، يتأمل “خرساءه ” من خلل سد القصب . ما صار السر واحدا وإنما غدا اثنين وثالثهما عاذل قد يقتحم المشهد مدعيا الاستفسار عما قاله شاعر مزعوم في الحبيبة. والحبيبة ، مهما صدّت ، هاهي تقترب ، لم تعد بدورها قادرة على الصمود أكثر.
ولأنها كانت مثله خرساء فقد ناولته جعبة قصب كي يسكب فيها هواه . ففعل . انذرفت دموعه فوق القصبة فخرمتها سبع خرمات . وعلى مدى أيام الأسبوع ، ومنذ كان الماء والقصب ، راحت النايات، كلما هبت الريح ، تشدو بأنغام شجية يزعم العواذل أنها لعاشق أخرس يلوذ بحقول القصب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...