رشيد بلفقيه - المبصر


حلم الليلة الماضية حلما جميلا ، رأى فيه في ما يرى النائم كل هوامش أفكاره الماضية تتوحد في النص الشارد و تلمع تحت الضوء الساطع و قد تبخر كل ما كان يغمه و يقض مضجعه وصارت كل العوالق المتبقيات على ما يرام. باختصار ، رأى أن حياته قد صارت مكانا مثيرا و جميلا و يصلح فعلا للعيش ، عندما استيقظ قرر أن يحبس نفسه داخل الحلم ، لذلك غادر السرير بعد لأي بعينين مغمضتين .
وقف أمام المرآة ،غسل ذاكرته من كل ما فات و نسق ملامحه كما اشتهى لأول مرة منذ سنوات ، تناول فطوره بتأن و لأول مرة استساغ مذاق الخبز الجاف و الجرعات المتتاليات من كأس الشاي المعتادة .
إلى الخارج مشى يعيد اكتشاف العالم كما يشتهي عبر ظلام جفنيه الاختياري ، رسم الوجوه باسمة بعمق، و الشوارع منسقة و قد شفيت من فوضاها المزمنة و التأمت حفرها ، ورود نبتت هنا و هناك و زّينت الشرفات اللامعة ، جرائد توزع بالمجان و كتب على مد البصر، مقاه ولجت عصر ما بعد عرض المباريات و التهام الأجساد الغادية الرائحة ، الكل منخرط بتلقائية في السير بتلقائية في نظام خفي تحرسه يد لا مرئية . شرطي المرور العابس غالبا بدوره بادره بالسلام مبتسما بود ، بائعة الفواكه كذلك تبسمت له رغم انه لم يشتر منها شيئا . انتشى كثيرا و أحس بجسده بالكاد يلامس الأرض.

بعد خطوات من هذا المشهد دنا منه صوت قوي لفرامل غاضبة ،يرافقه منبه سيارة مزعج ، أحس - في حلمه- بسيارة ترتطم به ثم بجسمه يحلق في الهواء لهنيهات قبل أن يعيد السقوط بعنف على الأسفلت .
فتح عينيه ببطء و أبقاهما مركزتين على زرقة السماء . راعه علوها و بعدها الكبيران ، قبل أن تزاحمها وجوه ووجوه ، ضاق حجم الرؤيا شيئا فشيئا بتزاحم السحنات و الأسئلة .
- مالو .. مالو.. ؟
لم يكترث كثيرا للجلبة حوله ، أعاد إسلام عينيه للظلمة محاولا أن يتغلب على الألم الشديد الذي دب في كل أنحاء جسمه بحلم أبدي، ربما ....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...