لحسن حظ أمي، لم يكن أبي يعارض على ذهابها إلى حمام الحومة كما لم يمنعها قط من زيارة الأضرحة... رافقتها إلى الحمام ذات صباح صقيعي يستحيل معه الاستحمام في البيت.. دخلنا ودفعنا الحساب.. بمجرد ما أماطت أمي اللثام عن وجهها، أماطت الأخريات اللثام عن منغصاتهن... مداخن أمامي يتسابقن لينفثن أدخنتهن... أظلمن الجو حولي وفي أعماقي... أتذكر أني كنت أضغط على أمي ويدي تسحبها من جلبابها لنسرع وندخل لنغتسل من أوساخنا وهن يلححن عليها بأن يظللن معا ليتخففن من أدران ذواتهن...
قالت إحداهن في الأربعينيات، زوجها سائق سيارة أجرة:
ـ من يتزوج سائق "طاكسي" لن ينعم بالهدوء أبدا ولن تطرق الطمأنينة قلبها يوما... رياح الفتنة تهب عليه من أربع جهات فتبلغها رياح جهنم وتنزل عليه نسيما عليلا... كلما حدثت زوجي عن مرافقته التي تلازمه كظله في كل مشاويره ويهلوس بها في النوم واليقظة يجيبني مديرا لي ظهره:" زبونة أسترزق منها" وأنا أعلم أنها تسترزق منه ولا أستطيع فعل شيء...
خطفت الأخرى، زوجة تاجر، طرف الحديث من فمها قائلة:
ـ ثعابين الطاكسي تتلوى وتتلوى ونادرا ما تلدغ.. أما ثعابين المتاجر فبعد الغمز والهمس يسدل الستار ويبدأ الجد... فمن يعد يلتفت إلى "الوحل" وأشكال وألوان الورد تمر على اليد؟!... لقد ضاع اسمي على لسان زوجي... يناديني كل مرة باسم..
هزت زوجة مغترب في الديار الأوروبية رأسها في حركة دائرية مستخفة من نيرانهما وقالت:
ـ أنتما، ما فاتكما في النهار أدركتماه في الليل أما أنا فلا عطر ولا زجاجته...
لتنطق زوجة عاطل عن العمل بعد ضحكة انجذبت إليها كل العيون وانتفضت الأجساد تتزلزل بالضحك لقولها الذي لم أستوعبه حتى ركبتني ذات موجتها:
ـ أما زوجي فوطواط... نائم بالنهار وقائم بالليل.. طول الليل يعمل... أشعر بانفكاك أعضائي عن بعضها...
ومضت تجري حركات رياضية تتفقد بها سلامة أطرافها.. وحينما أدنت عنقوديها المتورمين من أمي، ذهلت مما رأيت وكدت أسأل أمي إن كانت جارتنا ترضع فيلة بالليل لولا تدخلت الخامسة بقهقهة مدوية قائلة وهي تسرع سلخ ثيابها:
ـ أما زوجي فبناء لا يعرف الهدم إلا ليبني.. اللهم لا حسد
ـ نغبطك، والله يا أختي، كما نغبط أنفسنا حينما كان أزواجنا فلاحين
أضافت مشمئزة ويدها تغلق جيبي أنفها:
ـ لكن لا أخفي عليكن أخواتي أحس أن الإسمنت أغلق مسام جلدي... لكن يقينا بالي مرتاح...
أما أنا الصغيرة آنذاك، فقد بَدَوْنَ لي مداخن كدسن أدخنتهن في دواخلهن ليلفظنه دفعة واحدة في وجهي... لوثن نفسيتي ونبتت همومهن كالشوك في ذاتي... فأقسمت ألا أكون يوما مدخنة مثلهن...
شطبت من قائمة العرسان سائق طاكسي والتاجر والمغترب والعاطل عن العمل ولم يكن لدي مانع من الزواج بفلاح أو بناء...
شاءت الأقدار، فهز قلبي عامل في الخارج يحترف البناء فوافقت على الاقتران به بشرط أن أرافقه حيث حل وارتحل... لم يطل بنا المقام طويلا في ديار المهجر حتى أصيب زوجي بحساسية مفرطة من مواد البناء... غبرة الإسمنت تمتص الهواء من خلاياه فيغيب ولا يفيق إلا والحقن والأنابيب مغروسة في كل جسده ... فاستقال من عمله ريثما يزاول نشاطا آخر..
طال الانتظار وأنا أنام وأصحو على وجهه وعلى خدمته ليلا ونهارا...
بلغت أدخنتي حد خياشيمي لكني لم ألفظها ولم أسمم بها الهواء حولي...
ابتلعتها أستشف لي مخرجا...
أغريته بالعودة إلى أرض الوطن.. فاقتنى له سيارة أجرة ليسترزق منها ويطرد عنه الضجر... عاوده الشباب وأضحى يغني ويرقص سعيدا بمشاويره خاصة المسائية منها... رائحة عطره وأناقته وغناؤه كلما هم بالخروج أيقظت ش**** ومع ذلك لم أنبس بكلمة ولم أتأفف... خرجت إلى البلكونة أحكم إغلاق قبضة يدي على الغبرة السحرية...
صفق الباب وراءه ومضى كعصفور حررت جناحاه للتو... بلغني عطره الممزوج برائحة عرقه فدغدغ حواسي وأشعل نيراني في ذات الوقت.. ما كاد يدنو من السيارة وهو يدندن ويترنح حتى تحرك الإسمنت في فضائه يمتص هواءه.. فعاد إلي وارتمى في أحضاني أسقيه من أنفاسي ويسقيني عبير عرقه..
أضحى زوجي يخشى السيارة وزاهدا في حلاوة مشاويرها... فمكنت السيارة لأخي يسترزق منها ونرتزق معه... ونصحت زوجي بأن يفتح له محلا تجاريا من مجمل البيت ففعل... وإذا بلغتني منه رائحة لا أستسيغها أو دغدغت حواسي رائحة عرقه، طعمت هواء متجرنا الصغير بالغبرة الإسمنتية... فيعود إلي يرتمي في أحضاني أسقيه من أنفاسي ويسقيني عبير عرقه...
قالت إحداهن في الأربعينيات، زوجها سائق سيارة أجرة:
ـ من يتزوج سائق "طاكسي" لن ينعم بالهدوء أبدا ولن تطرق الطمأنينة قلبها يوما... رياح الفتنة تهب عليه من أربع جهات فتبلغها رياح جهنم وتنزل عليه نسيما عليلا... كلما حدثت زوجي عن مرافقته التي تلازمه كظله في كل مشاويره ويهلوس بها في النوم واليقظة يجيبني مديرا لي ظهره:" زبونة أسترزق منها" وأنا أعلم أنها تسترزق منه ولا أستطيع فعل شيء...
خطفت الأخرى، زوجة تاجر، طرف الحديث من فمها قائلة:
ـ ثعابين الطاكسي تتلوى وتتلوى ونادرا ما تلدغ.. أما ثعابين المتاجر فبعد الغمز والهمس يسدل الستار ويبدأ الجد... فمن يعد يلتفت إلى "الوحل" وأشكال وألوان الورد تمر على اليد؟!... لقد ضاع اسمي على لسان زوجي... يناديني كل مرة باسم..
هزت زوجة مغترب في الديار الأوروبية رأسها في حركة دائرية مستخفة من نيرانهما وقالت:
ـ أنتما، ما فاتكما في النهار أدركتماه في الليل أما أنا فلا عطر ولا زجاجته...
لتنطق زوجة عاطل عن العمل بعد ضحكة انجذبت إليها كل العيون وانتفضت الأجساد تتزلزل بالضحك لقولها الذي لم أستوعبه حتى ركبتني ذات موجتها:
ـ أما زوجي فوطواط... نائم بالنهار وقائم بالليل.. طول الليل يعمل... أشعر بانفكاك أعضائي عن بعضها...
ومضت تجري حركات رياضية تتفقد بها سلامة أطرافها.. وحينما أدنت عنقوديها المتورمين من أمي، ذهلت مما رأيت وكدت أسأل أمي إن كانت جارتنا ترضع فيلة بالليل لولا تدخلت الخامسة بقهقهة مدوية قائلة وهي تسرع سلخ ثيابها:
ـ أما زوجي فبناء لا يعرف الهدم إلا ليبني.. اللهم لا حسد
ـ نغبطك، والله يا أختي، كما نغبط أنفسنا حينما كان أزواجنا فلاحين
أضافت مشمئزة ويدها تغلق جيبي أنفها:
ـ لكن لا أخفي عليكن أخواتي أحس أن الإسمنت أغلق مسام جلدي... لكن يقينا بالي مرتاح...
أما أنا الصغيرة آنذاك، فقد بَدَوْنَ لي مداخن كدسن أدخنتهن في دواخلهن ليلفظنه دفعة واحدة في وجهي... لوثن نفسيتي ونبتت همومهن كالشوك في ذاتي... فأقسمت ألا أكون يوما مدخنة مثلهن...
شطبت من قائمة العرسان سائق طاكسي والتاجر والمغترب والعاطل عن العمل ولم يكن لدي مانع من الزواج بفلاح أو بناء...
شاءت الأقدار، فهز قلبي عامل في الخارج يحترف البناء فوافقت على الاقتران به بشرط أن أرافقه حيث حل وارتحل... لم يطل بنا المقام طويلا في ديار المهجر حتى أصيب زوجي بحساسية مفرطة من مواد البناء... غبرة الإسمنت تمتص الهواء من خلاياه فيغيب ولا يفيق إلا والحقن والأنابيب مغروسة في كل جسده ... فاستقال من عمله ريثما يزاول نشاطا آخر..
طال الانتظار وأنا أنام وأصحو على وجهه وعلى خدمته ليلا ونهارا...
بلغت أدخنتي حد خياشيمي لكني لم ألفظها ولم أسمم بها الهواء حولي...
ابتلعتها أستشف لي مخرجا...
أغريته بالعودة إلى أرض الوطن.. فاقتنى له سيارة أجرة ليسترزق منها ويطرد عنه الضجر... عاوده الشباب وأضحى يغني ويرقص سعيدا بمشاويره خاصة المسائية منها... رائحة عطره وأناقته وغناؤه كلما هم بالخروج أيقظت ش**** ومع ذلك لم أنبس بكلمة ولم أتأفف... خرجت إلى البلكونة أحكم إغلاق قبضة يدي على الغبرة السحرية...
صفق الباب وراءه ومضى كعصفور حررت جناحاه للتو... بلغني عطره الممزوج برائحة عرقه فدغدغ حواسي وأشعل نيراني في ذات الوقت.. ما كاد يدنو من السيارة وهو يدندن ويترنح حتى تحرك الإسمنت في فضائه يمتص هواءه.. فعاد إلي وارتمى في أحضاني أسقيه من أنفاسي ويسقيني عبير عرقه..
أضحى زوجي يخشى السيارة وزاهدا في حلاوة مشاويرها... فمكنت السيارة لأخي يسترزق منها ونرتزق معه... ونصحت زوجي بأن يفتح له محلا تجاريا من مجمل البيت ففعل... وإذا بلغتني منه رائحة لا أستسيغها أو دغدغت حواسي رائحة عرقه، طعمت هواء متجرنا الصغير بالغبرة الإسمنتية... فيعود إلي يرتمي في أحضاني أسقيه من أنفاسي ويسقيني عبير عرقه...