محمد حمد محمود - ورقة التوت والطريق الآبق.. قصة قصيرة

1- الطريق الآبق
اعتصرُ ذاكرتي كقميصي المُبتل في محاولةِ التذُكُر سهام’ سناء، ربما سهي .
الذاكره تمور كحفل صاخب الملامح تتحقق بصعوب انت نفسك من وجودك فيه ، امدُ يدي ونصِف ضحكة لتمرير حرف السين مضغوطاً مع حروفٍ مبهمه مُراعياً متوسط المخارج الثلاثة لإيهامها لكِنها ضبطت اوراق الغِش في صوتي’ تهزُ راسها لتطلي وجهي بنظره لومٍ مرح وتنتظر إسمها كأنه وديعه .
مضي نصف زمن صمتي علي اسئلتها الاجباريه ورغم إستدراجها لذاكرتي بزمان واحداث مواربه تتعمد إخفاء عنصر المكان الي ان يئس وقوفي نصبت مفرده كسلا بصوتٍ خفيض كخيام "الرشايده" وباحرفٍ متباعده الاوتاد . مقلتيها تبرق ونيرونات دماغي تضاء خليه إثر أخري... نعم؛؛ هي من قطع إتكاءتي في صخرة رحيمة تعلو جبل التاكا أنظرُ شفقاً ذهبياً متدرج الالوان خلف دوائر بخور "الجاولي" المعد مع طقوسِ القهوه عندما كانت الشمسُ الفاتره تفاحة السماء تغوي بها اديم الارض ، يدي بها سجارة رخيصه يعانق دخانها دخان البخور في رقصةٍ بذيئه ويذهبا جفاءاً وتبقى نكهه البن العتيقه تتسكع بداخلي .
ـ " لو سمحت ممكن تصورنا "
ـ جداً ، نطقتها بتكاسل احتجاجاً علي اقتحامها هدوئي، كانت مع عريس وعروس متواضعه الجمال تراصوا ثلاثتهم بإبتسامات مؤقته تخصُ التصوير بعد ان أخذت لقطتين صورة خلفيتها سلسله الجبال والاخري مقهي أعدت الكاميرا ، ذهب العروسان لامر ما وقفنا نتفتعل الاحاديث كما يتحدث الناس في حلبه الرقص بين أغنيه واخري لوقوفهم بدون مهام اولتبرير عدم إجادهم للرقص.
- إنت من هنا ولا ضيف
- انا ضيف
- وين نازل هنا
- نازل هنا في الجبل ده
- ضَحِكت.... طيب جاي كسلا هنا عشان شنو
ذهبت بالحوار حيث لاأرغب فقلت علي الفور لستُ ادري وأضفتُ انا هكذا كعاده الطريق والنفس الاماره بالسفر امضي مايوقفني هوثمن تذكره لمكان لم أزره مسبقاً، قالت بإندهاش اين تقضي الليل قلت لا ادري ولا افكر في ذلك لأن اي خطط مسبقه في سفر كهذا تفقده روح المغامرة ، دعتني للمبيت في منزلهم علي إستحياء اوكمقترح لايرجي تنفيذه ، إعتذرت بإن لي أصدقاءٌ كثر ولكني لا اقصدهم انا هنا متبتلٌ لوجه السفر واحبُ اكتشاف الأمكنه لوحدي . إتهمتي بالجنون ورددت التهمه بأن عيونها نهر من القهوة تبادلنا التهم وارقام الهواتف وذهبت جهه العروسين وغابوا في هاويه الليل ، رجعت لصخرتي محاولاَ إستعادة هدوئي الداخلي اشعلتُ سِجاره اخري وطلبت قهوه
وبداء الناس ينزلون عبر المدرج الصخري الي كل فج عميق ، مكثتُ حتي توحدتُ مع الليل والصمت والجبال داعبتُ نفسي احياناً أحس بشموخي فوق الجبل واحيانا ضآلتي بين الصخور، نويتُ المبيت في الاعالي لولا فراغ معدتي اجبرني علي النزول درج عن درج .
إنتظرت في المحطه قليلاً وركبت دون سؤال فالحافلات لامصب لها غير السوق وإن كان لها خيار اخر فليس لدي ما اخسره.
جلستُ بقهوه (الرياضين) سمعت بها من قبل عند اصدقائي فغادرتها الي قهوه (باكاش) خوفاً من ملاقاة احدهم ثم الي (ام الحفر) لنفس الاسباب فكرت بالرجوع للجبال عدلتها بالذهاب والنوم في منصف طريق نهر القاش الموسمي اسفل الكوبري إتقاءاً لسياط شمس غدٍ، وضعت حقيبتي الزاهده تحت راسي حقيبه بها قميص وبنطال نصف نظيف ونصف زجاجه وديوان غرفه بملايين الجدران لمحمد الماغوط ثملت حتي غصت داخل الرمل وتلاشيت فتحتُ عيناي بماتبقي فيها من كوابيس مزعجه وشخوص متداخله لم ازل مستلقي والكحول كرواسب كربونيه بجدار معدتي، أعدتُ ترتيب حقيبتي وغادرت ماشياً صادفتي حدائق اكتشفت فيما بعد انها السواقي الجنوبيبه دلفت وقمت بمايشبه الاستحمام في خرطوم بلاستيكي عريض مربوط في مضخه البئر قطفت برتقاله اذابت الجدار الكربوني قليلاً.
تجولت بحثا عن قدِاحه لم اجدها ، في الشارع الموزاي للحدائق وقفت بجانبي عربه بوكس مغتظه تبينت من صمتهم وعدم تجانسهم انها للركاب فركبتها لتوزع ارتجاجها عبر طرق ترابيه الي خارج كسلا قري "تاجوج" و"ادم بشاره" و"اللفه" وعلمت ان مدينه " تسني" الأرتريه اقرب من كسلا تحسست جزلاني وحسرتي ورجعت السوق في الثالثة عصراً وقت وجبه -السلات-لحمه مطهوه بالنار والحجاره, اثناءالاكل اهتز هاتفي لمرتين لم اكترث حتي لرويه رقم المتصل لحرصي علي طقوس الرحله لااريد عناصر خارجيه تفسد عالمي اخرجته لاغلقه فاهتز مره ثالثه انها نحله الجبال كما دونها في سجل هاتفي تسأل لترضي فضولها فارضيت غموضي . لتحديد لقاء مع النساء يمكنك مقايضه شهر كامل بساعه غموض .
صعدت المدرج متجاهلا تأخرها فالإنتظار رهان النساء لتكثيف الترقب بداخلك ، تسكعت بين صخور منقوش عليها تذكارات من فلان وعلان في يوم كذا اخترت صخره بعيده لكتابه تذكار احسست بالسذاجه واكتفيت بالتبول خلفها ..
اشرت بيدي لتنبيهها بمكاني ولتنظيف الفراغ لإبتسامتها ، انتقت جلسه من يريد مشاهده فلم معقد الاخراج طلبت عصير مانجو متبوعاً بقهوه كامله الطقوس ، بادرت بتعريف نفسها بانها ..... -لم اتذكر-،تسكن بحي الختميه القديمه واضافت بقليل من الزهو انها تدرس بكليه الاداب بجامعه الخرطوم ولم اقل انا بالهندسه لتجنب الاسئله .
- انت اصلا من وين
- انا اصلا اجزاء موزعة علي مدن وقري بعيده
- حتكتمل متين
- عندما تذبل شهوه السفر المتقده عندها اكتمل
- انت فيلسوف ولاشنو
- انا لم اكتمل بعد لاكون فيلسوفاً
الحوار يتوغل عميقاً ونبرات الصوت تنخفض مع نزول الشمس لآخر خيط ضوء هامس اختلط بانفاسٍ حاميه .
اصرت علي أن أشرب من عين ماء توتيل لارجع مره اخري كما تقول اسطورتهم ، شربت وفي بالي الحقيقه فاغاني البجا عميقه الشجو تذيب الصخور لتتجمع تحت توتيل لذا سارتوي بالمكان لابالماء .
ارتدت السوق لمقايضه هاتفي بثمن تذكره رجوع للخرطوم ، سهرت حتي هفهفات الصبح اسفل اناره عمودكهرباء بحي المرغنيه لم يبخل اعدائي وحلفائي في لعبه الورق بكاسات حبشية.
دوخه خمر ونعاس كأن في اجفاني تتمرغ افيال كن لاخيار لي سأقاوم للحاق ببص السادسه فمواعيد وصولى ومغادرتى لااتدخل فيها بل يحددها مؤقت خاص كالذى يتحكم في مزاج الطيور .
ترجلت بخطوات مغنطيسيه اجتر ساقاي كخراف عنيده الي السوق الشعبي ,صيحات دلالي البصات تتساوى فى مضمونها رغم إختلاف البصات وفي الشباك المزدحم حصلت بصعوبه بالغه علي تذكره بحثت على رقم البص المدون في التذكره وبتثاقل بالغ بحثت عن المقعد 23 اغمضت عيناي قبل توسده ، احس بتحرك البص اثناء نومي احياناً افتح عيني بتكاسل تحديداً في فترات التعرجات الحاده للطريق.
। ضغط السائق علي الكابح بقوه في تخط فاشل ازحت ستاره النافذه تراءت لي الاتجاهات معكوسه رددت ذلك الي ارهاقي اخرجت التذكره لاعرف زمن الوصول التزكره مدونه كالتالي
)سفريات التيه(
)كسلا _بورسودان(
بورسودان!! هكذاإذن الاتجاه صحيح ولكن عكس توقعاتي
انفلتت مني ضحكه هازئة يبللها فرح دافق ازحت المقعد للخلف ونمت .
ابريل 2008
2- ورقه التوت
قالت بحنق : ارحمني ، أغرب عن وجهي الآن , هيا إذهب لاني خجله وأحبك ،
القت بها بعد ان تجمعت الحروف في فمِها الصغير هكذا....، كقِطره ماء إنزلقت من ميسم زهره فل في يوم اريز ، حينها علقت نظراتنا في مجراتٍ اُرجوانيه بعيده و تلاشي الصخب حولنا عدا هلامُ صداي الرطب يهتف انت الطريق انت الطريق، صِحتُ معه بأعلي نشوة حبلٍ صوتي عندي انا الطريق وماعداي محضُ رصيف ، الصوت يعلو وأعلو ونظراتنا ماتزال عالقه .
ايامي الجامعيه تمرُ كالاغاني الارتِجاليه عميقهُ الايقاع صاخبه راقصه مبهجه ولكن دون معني ، حتي محاضراتي تمرُ امامي كبصات نقل المساجين الكئيبه يحُثني شُرطي ما بداخلي أن اركب اتجاهله بتركيزي في بيادقِ رقعه القمار تحت شجره التمادي الظليه . ويالسوء الطالع نظفوا محفظه نقودي واخذوا حتي " كيس التماك" وورق " البرنسيس" شتمتهم ولعنت حظي ببذاءه معلننا بدايه اخري بكليه العلوم .
حملتُ تفاؤلي وذهبت بينما كانت تحملُ اوراق وبسمه صغيره اكتشفتُ انها " برلومه" من لون الملف الذي تحمله ، استوقفتي بعد تردد بسؤالٍ عن مكتب التسجيل اجبتُ بتهذيبٍ عالي فهو عامل مهم لإتمام مقلب تقليدي اوهو ثأر تاريخي متوارث يتذوقه كل الطلاب الجدد كماتذوقناه ، واضِفت : التسجيل آخر مرحله بعد اجراءات الكشف الطبي وكرت الحمي البرييه ، والحمي وكرتها من اختراعي الخاص. تسألت عن مكان إستخراج الكرت لكن ضحكتي المتعجله افسدت الموقف نظرت إلي بغصب مرتبك وذهبت ومنذها اي تلك النظره تسللتني حمي بريه مشتعله .
هاهم الحجاره شلتي العربيده والفشل العاطفي المطلق لوتأمله إنشتاين نفسه لاعاد النظر في نسبيته عندما اخبرتهم باعجابي بها سخروا منها كثيرا وهم لم يروها بعد، أكدت لهم انها تشبه حكايات البحاره رفع احدهم اصبعه كصاري نكايه في كلِ إناث العالم وضحكوا جمعيا كعاصفه .
كعاده الغروب ينتظرنا الشاي بلهفهٍ ومع آخر خيط ضوءٍ تخيطُ به الشمسَ سُترة الأرض يبداءُ مِشوارنا اليومي من الجامعه الي مشارف منزلهم مشوار نتقاذفه خطوة بخطوة ككرهِ الماء ، اثناء سيرنا تصادِفنا أشياءٌ كثيره اشكال مموجه في هيئه سحب ، منازل ، اناس ، نجو م ، صوي وفنارات تمضي لحالها ولاأكترث لان يدي في رعايه يدها ، يتساقط علي صوتها كمكعباتٍ ضوئية ملونه تتكسر فور ملامستها سمعي كما يتكسر إحتجاجي امامها وعندما تصمت تظلُ المكعبات الضوئيه تذوبُ داخل دورقي ببطءٍ يشبه مشينا ـ دو ـ ري ـ مي ـ فا ـ ونوته خطوِاتنا لاتنتهي الإ لسكتاتٌ تخصُ اللحن . الطريق الذي لاأتمني نهايته مشاياً اتضجرُ من طوله عند عودتي راكباً .
عامان والحبُ يركض بنشوة حصان مختال تجاوز المطبات الصناعيه الصغيره وحان وقت القفزات العاليه الصعبه ، اسئله المسقبل الجاهزيه والخطط مستحيله التمويل ، وبعد جدل طويل اتفقنا علي ان نفترق واختلفنا في مع من سيذهب الحب معي ام معها لكنه وقف بينا وبكي وبكت امامي بيأس عندما فرض اباها زوجا عنوه اوخروفا كما تنعته ، قلت بفم كلب تزوجيه حدجتني بنظره مفادها حتي انت يابروتس ، ابتلعت مراتها كصخرة حنظل كررتها لن اتزوجه وإن كان (....) وقالت بتحدي ساتزوج حبي وبعد غد هذا إن كنت رجلا وتستحق . تركتني كنبات "الِمرخ" بضواحي "بارا" اغالب رمال راسي المشتعله .
فُزت بجولاتٍ كُثر لتركزي العالي كي أتخلص من ضعط التفكير في حل ملائم وتتسلقتني دائما عبارة ساتزوج حبي ولم اعر اسفزازها اهتماما ويالعجب !! تذكرت خصامها لي لشهرين عندما حاولت اقناعها بزواج عرفي ، قارنت الخيارات حبي , تحديها , امتصاص الازمه وكل الاحتمالات ،قال احدهم "حلاوتها في سرعتها" لاتأخر اللعب رميتُ الورق بعنف وإخترتُ شاهدين .
قبلتُ بك زوجاً ، قبلتُ بك زوجه كل اخذ ورقه موقعه طلبنا اربعه سندوشات وكوبي عصير لضُعف الميزانيه ، بعينيها إنتصار مهزوم وكان فرحي محايدا وهكذا سارت الامور وبلامأوي .
هاتفها وتفكيري مغلقين لاسبوع كامل واخيرا بصقت رساله إطلع عليها كل الحجاره لأن الهاتف سقط مني تناوبت السنتهم الحاده جلدي وشتم النساء .
خرجت من حفل زفافها مخموراً اهتفُ باعلي حبل هزيمهٍ معلقٌ في عُنقي انا الرصيف انا الرصيف حتي سقطة ورقه التوت من يدي.


8 يونيو 2008م



قصص قصيرة سودانية: محمد حمد محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...