في شتاء كانون الثاني وفي شارع من شوارع لندن، شارع لا أريد ذكر إسمه تمتد على ضفتيه أشجارالبلاتانوس العلية وقد خلت من أوراقها، بعضها يبدو وكأنها صف من كائنات بأيدي عارية من الأصابع وأخرى ذات أيد كلها أصابع تمتد بدعاء مبهم نحو السماء ، شكل هذه الأشجار مبهج في الصيف وغريب حد السوريالية في الشتاء . من هذا الشارع المزدحم لكن بهدوء منعطف الى بيته حيث كان يرقب هذه الأشجار، يصغي الى صوت العصافير التي يحب أن يدعو زقزقتها بموسيقى الطبيعة، وينتظر كل يوم زيارة العقعق يأتي كل يوم في الوقت عينه تقريباً ، يلتقط من أمام غرفة جلوسه ذات الشباك الكبير الذي يحتل كل واجهة الشقة الأرضية موفراً منظراً بانورامياً قلَّ ما تجده في مدينة مزدحمة مثل لندن، يلتقط ما يكشف عنه قص الثيل أو النجيلة.
كان يجلس كل يوم متخذاً مكانه أمام هذا الشباك يشكو وحدةً وعزلةً وثقلاً في رأسه ورجليه يتعاظم كل يوم ، يتحرك بهدوء وحذر ليتجنب السقوط أي لحظة بين أكوام من الكتب مكدسة في كل مكان وأوراق وكتابات وأشرطة كاسيت وأقراص ممغنطة تزدحم بها الشقة الصغيرة . كان يخشى السقوط كل مرة يتحرك فيها ويحاول تحاشيه كأنه كان يعرف بأن سقوطه هذا سيكتب النهاية التي كانت تشغله كثيراً آخر الأيام .
يدرك بلوعة تراجع صحته الذي أفقده تواصله مع المعري والخوارزمي وديبوسيه يبحث ويكتب ويتناقش مع مانويل دي فايا في حدائق اسبانيا على أنغام الموسيقى التي يسمعها في رأسه ليل نهار.
كان دوماً الحاضر الغائب الذي ننتظره إلى الأبد، مرة زائراً ومرة موضوع الأحاديث بين الأهل والأصدقاء حيث لا يُشبع منه وصحبته لا تُمل كنت أتحدث معه في كل شيء وعن كل شيء وأسترقه بعضاً من الوقت حتى يعود متلهفاً إلى ماتيلد الأحمر والأسود التي يعشق أو إلى أيزابيل حيث كان يدعوني بعض الأحيان آخر الأيام بدلاً من اسمي ، فأعود وألح عليه أن يذكر اسمي، فيحرك رأسه بهدوئه المعهود ، ويرد بصوت واهن ” :”حسونة!” . وهو الاسم الأثير لديه الذي كان يستعمله كلما نسي إسم شخص عزيز ومقرب له.
أقولها وفي قلبي ألم كتيم وعقلي لا يريد التصديق إن هذا الحديث كان آخر حديث لي معه قبل أن يغادر بهدوء صبيحة اليوم التالي وقد كنت في المستشفى اجاوره وأنا أقرأ آخر كتاب صدر له قبل إسبوع، عن الموسيقى والميتافيزيقيا، عند الصفحات 89 و90 لتوافق بمصادفة غريبة وحارقة عمره وقت الرحيل، وتتركني متسائلة لهذا اليوم ، هل لهذه المصادفة علاقة مع أكثر ما كان يحب الرياضيات و الموسيقى ؟
www.alnaked-aliraqi.net
كان يجلس كل يوم متخذاً مكانه أمام هذا الشباك يشكو وحدةً وعزلةً وثقلاً في رأسه ورجليه يتعاظم كل يوم ، يتحرك بهدوء وحذر ليتجنب السقوط أي لحظة بين أكوام من الكتب مكدسة في كل مكان وأوراق وكتابات وأشرطة كاسيت وأقراص ممغنطة تزدحم بها الشقة الصغيرة . كان يخشى السقوط كل مرة يتحرك فيها ويحاول تحاشيه كأنه كان يعرف بأن سقوطه هذا سيكتب النهاية التي كانت تشغله كثيراً آخر الأيام .
يدرك بلوعة تراجع صحته الذي أفقده تواصله مع المعري والخوارزمي وديبوسيه يبحث ويكتب ويتناقش مع مانويل دي فايا في حدائق اسبانيا على أنغام الموسيقى التي يسمعها في رأسه ليل نهار.
كان دوماً الحاضر الغائب الذي ننتظره إلى الأبد، مرة زائراً ومرة موضوع الأحاديث بين الأهل والأصدقاء حيث لا يُشبع منه وصحبته لا تُمل كنت أتحدث معه في كل شيء وعن كل شيء وأسترقه بعضاً من الوقت حتى يعود متلهفاً إلى ماتيلد الأحمر والأسود التي يعشق أو إلى أيزابيل حيث كان يدعوني بعض الأحيان آخر الأيام بدلاً من اسمي ، فأعود وألح عليه أن يذكر اسمي، فيحرك رأسه بهدوئه المعهود ، ويرد بصوت واهن ” :”حسونة!” . وهو الاسم الأثير لديه الذي كان يستعمله كلما نسي إسم شخص عزيز ومقرب له.
أقولها وفي قلبي ألم كتيم وعقلي لا يريد التصديق إن هذا الحديث كان آخر حديث لي معه قبل أن يغادر بهدوء صبيحة اليوم التالي وقد كنت في المستشفى اجاوره وأنا أقرأ آخر كتاب صدر له قبل إسبوع، عن الموسيقى والميتافيزيقيا، عند الصفحات 89 و90 لتوافق بمصادفة غريبة وحارقة عمره وقت الرحيل، وتتركني متسائلة لهذا اليوم ، هل لهذه المصادفة علاقة مع أكثر ما كان يحب الرياضيات و الموسيقى ؟