فخري أبو السعود - ثمالة كأس.. شعر

بقية أيام تَقَضَّى كثيرها = بنعماَء أو بأساَء والعيش قُلَّبُ
غدوتُ أقضِّيها بأرضِ عَلقْتهاَ = وطاب بها لي مستراد ومذهب
وطاب اجتلاء الحسن بين شعابها = أشرِّق فيها تارة وأغرِّب
تَبَسَّمُ أحياناً فيعذب بِشْرُها = ولستُ بِخاَشً سُخْطَهَا إذ تُقَطَّب
بها مُسَتجَمُّ للجسوم ومتعة = وَرِىُّ وللنفس الشجية مهرب
إذا ما سقاها الغيث صفىَّ أديمها = ونقَّى ثراها حيثما يتصبب
قرفَّ بها عشب وشفَّ بها صفاً = وماد بها غصن ندىُّ مُرَطَّبُ
وفاح بها عطر ورقَّت نسائم = وتاه على البلور قاعٌ ومَشْعَب
فكم ثَمَّ من حُسن نثير منظَّم = وشِعْرٍ إلِهيّ هنالك يُكتب
على هَامهَا حيناً وفي وهَدَاتِها = أُصَعَّدُ في جنح الدجى وأُصَوِّبُ
وفي نشوة الآصال أو يقظة الضحى = وعند شروق الشمس أو حين تغرب
فكم ليلة قد جَمَّدَ البردُ ماَءها = بأحشائها أقبلت لا أتهيَّب
وقد عَوتِ الأرواحُ فيها وأطفأتْ = مصابيحها لم يَبْد ثمَّتَ كوكب
وكم مَشْرِقٍ بادرته في طلوعه = ومازال ماء المزن في الغصن يضرب
وقد عظَّ أهلوها وَأقبلتُ مِثْلَ مَنْ = له عند قرص الشمس في الأفقْ مأرب
يُنَقِّطُنى غصُن بُمنْهَلَّ قَطْرِهِ = ويعبق من حولي نسيمُ ويلعب
صَحَابي هاتيك الشِّعابُ أَلِفْنَني = ويعرفه خطوى حيثما رُحْتُ أدأَب
لقد آذنتْ بالبين صُحبتنا سوى = ثمالة كأس عن قليل ستنضب
أُبَا كِرُها صَفْواً وأَعْلّمُ موقنا = بأن ثَّماَلَ الكأس أشْهَى وَأطيَبُ
سأذكرها يوماً فَأَحْمَدُ عَهْدَها = وأَهفُو إليها مستهامًاَ وأَطرب

فخري أبو السعود


مجلة الرسالة - العدد 58
بتاريخ: 13 - 08 - 1934

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...