علي الوكيلي - ضرب الطر



في النهاية، ماذا سأخسر؟ لا شيء تبقى لي أخسره، لذلك قررت أن أنسى كل ما أفشت جارتي من أسرار عن زوجتي، لأني أعلم أن منازل هذا الحي المبنية بالكرتون تجعل الأخبار متداولة بين الناس مباشرة دون الحاجة إلى نمام أو مخبر أو ناشر أسرار. قالت أن زوجتي تخونني في الساعة الواحدة ليلا، تلتقي بشاب من أبناء جيراننا حين أكون أنا في مرحلة الغط وقد أكون أنا الذي أفشى هذا السر، إذ أذكر أني قلت لزوجتي في الأيام الأولى من زواجنا أن نقطة ضعفي هي الفترة الفاصلة بين العاشرة والثالثة ليلا، لا أستطيع أن أخرج من نومي حتى ولو دار الرصاص حول أدني أو انفجرت القنابل بجانب سريري أو حتى ولو هد زلزال بيتي، هكذا أنا، أستلذ النوم بإفراط فلا أقبل دعوة لعرس ولا عقيقة ولا فيلما سينمائيا بعد التاسعة ليلا. لا أسوق سيارة في الليل ولا أسافر إلا إذا ضمنت نوما محترما بطريقة ما في مركب ملائم كالقطار والباخرة والطائرة.
لا أستطيع أن أصدق ما قالته جارتي، الجيران كلهم يعرفون أن زوجتي تنام في سطح العمارة مع ذلك الشاب مفتول العضلات ويمتلكون تفاصيل لقاءاتهما ودقائق أوضاعهما الجنسية وما تقوله من كلام في زوجها العبد الضعيف الذي هو أنا، تعرفت على بعض الكلام الذي لن تقوله امرأة في العالم غير زوجتي، تقول لمفتول العضلات مثلا "أسرع قبل أن يفيق ذلك البغل الأبله" والحقيقة أني حين أقع عليها أقع مثل ما تقع البهيمة، لا أقبلها ولا أتغزل فيها، فتقول لي دائما متأففة "مالك يا أحمد لا تختلف عن بغل أبله؟" لا أصدق لأني أعرف أنها لا يمكن أن تفعل ذلك إلا إذا كنت بغلا حقيقيا، أقصد أني بغل في الفراش فحسب، أما عدا ذلك فأنا معاشر لبيب لطيف النكتة عذب الحديث نادر النوع، هي التي تعترف بذلك وتقول أني أنا الذي أخفف عنها ملل الحياة، فلا تتوقف عن الضحك إلا حين أنام فلا أستطيع رؤية محياها دون ابتسام.
ابتسامة زوجتي لا مثيل لها، تنعش القلب وتحيي الروح، وإذا كنت أبالغ في إضحاكها فلأني أحب تلك الابتسامة الفريدة، قد يكون هناك سر لهذا الأمر في طفولتي، فقد قالت لي أمي أن أختي الكبرى رحمها الله كانت تضيء البيت بابتسامتها، ابتسامة لم يقتلها سوى نهاية حياتها بمرض مفاجئ وأنا ابن السنتين، ولا شك أنها كانت تضاحكني وتبسم لي حين تعوض أمي في العناية بي. وقد يكون هناك ملاك ما كان يلاطفني بابتسامته الإلهية فورثني هذا الشغف بالابتسام. زوجتي تشبه الملاك، لها وجه مدور بعناية، ولها خدان يكتنزان عند الابتسام ويتغير لونها ليصبح ورديا يكاد يقفز منه الدم، وشق صغير في ذقنها لا يظهر إلا حين تسقط من الضحك، وأنا أموت شغفا بذلك الشق الجميل، ولا شك أني أقتلها بالضحك من أجل هذا المشهد البديع.
أنا أيضا أعرف كل حكايات نساء حينا، علاقات بسيطة في النهار ومعقدة ملتوية في الليل، زوجة الجزار عباس نتفت لحية إمام المسجد لأنه ابتسم لها في الزقاق ومزقت عمامته وسبته ولعنت أصله وفصله، وفي الليل، التصقت بجسده والتحمت به مثلما تفعل الكلاب ولم تنفك عنه إلا بغبش الصباح وواجب الآذان. لكن الناس تستلذ بهذه العادات الجديدة التي ولدها الإدمان على أفلام الخلاعة التي تسرق عبر الأطباق المتيقظة على السطوح، مجانا. الآن، لا أحد يشمت في الآخر، كل مخلوق أو مخلوقة له حكايات مندية للجبين فلا قدرة لأحد على ادعاء بياض السريرة. حتى مفتول العضلات هذا الذي يغدر بي في الواحدة ليلا أعرف أنه لواطي من الدرجة الممتازة، وعلمت أن زوجتي تصحب معها عصا غليظة من البلاستيك تضعها في مخرجه حتى تهيجه، لا تهتم بما يقع في الخلف وإنما تهتم بالنشاط الحادث في الأمام، براغماتية جسدية متأقلمة تماما مع العقيدة التي أصبحت دين جميع الأحياء في هذا الحي.
ولأني لا أستطيع أن أصدق ما يقوله الناس عن زوجتي فإني أواضب على الصلاة في المسجد في الأوقات كلها وأتعمد الوقوف قريبا من مفتول العضلات، الذي يقف خلف الإمام الذي يمتلك ردفين كبيرين، نحن الثلاثة نقف قرب بعضنا، كل واحد يحس بسر الآخر ولا أحد يضرب الطر لأحد، نكتفي بالنظر لبعضنا البعض، يذكر كل واحد منا ليل الآخر فلا يسخر ولا يضحك ولا يخاف من سوء العاقبة لا في الدنيا ولا في الآخرة، نتأمل بعضنا ونحاول أن نتخيل تفاصيل ليالينا العجيبة، لا يستطيعان تخيل ليلي، وإن كانا يستطيعان ليّ ذراعي عن طريق ليالي زوجتي. أنا الوحيد في الحي الوحيد الذي لا ليل له، ولكن، لا أحد يعرف أسراري في النهار، أنا الوحيد الذي لا أحد يعرف ماذا يفعل بالنهار، أنا بطل أسرار كل نهاراتهم، ولو لم أكن أحب زوجتي وأعشق ابتسامتها الجميلة وأخاف على سمعتها لكنت ضربت لهم طر النهار.


* تعمد فضح أسرار الآخرين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...