فصل [ 1 ]
أتخدد كالأرض وأصلى صلاة الشياطين ولا حول لى وأقطف زهرة رابية فوق جسد ممتلىء بكنوز الشهوة ورغوة الإثم وولائم المحبة ولا سواى هناك فى الحضرة وأتمشى بين كلماتى فلا أجد أحداﹰ يسمعنى أو يصلى على؟!
فصل [ 2 ]
قلت
أنزع عن جسمى شهوة القراءات وعن عينى رغبة البكاء والفرح وأتلصص مثل ياقوتة صغيرة خضراء فى خليجﹴ أخضرﹴ صغيرﹴ
على الأسماك المتوحشة والميتة وأتوضأ بحموضة الفجر وصلاة الأرقاء وأدخل فى غيابة الليل والنهار وهأنذا أخرج للناس عارياﹰ ووحيداﹰ وليس على جسمى ما يستر عريى أو يسد رمقى.
فصل [ 3 ]
قلت إذن أسير في الأرض
وبقيت مسيرة يومﹴ ويومﹴ ويومﹴ وليلة وليلة وليلة
ولما لم أجد أحداﹰ يكلمنى أو يشير إلى تعثرت بنفسى وخلوت إلى شياطينى وقعدت تحت ظل شمسﹴ حمئة فإذا بى غارق فى بحرﹴ لجى تتقاذفنى الأمواج وحولى الحيتان والطحالب الغارقةﹸ وأسماك القرش تتلاعب بأذيالها وتتقاتل نهمة على!!
فصل [ 4 ]
قلت
لو أننى أعرف عدد الرمل والحصى لو أننى أعرف موج الذاكرة لو أننى أعرف كيف أكور الليل على النهار وأكور النهار على الليل إذن لنجوت واتخذت من هذه الأسماك رفاقاﹰ
لى؟1
فصل [ 5 ]
وبينما أنا غارق هكذا غلبنى النوم فخلوت إلى شياطينى وقلت لنفسى
كيف تنام وأنت فى البحر غريق وغريب ولا منجاة لك سوى الغرق والغياب فكان أن ضحكت واستغرقت فى النوم.
[ 6 ]
وكان أن رأيت امرأة بهيجةﹰ وثملةﹰ وبيضاء كالورد
وتقعد فى حقل من الماس واللازورد عن يمينها خلجان من شموس نائمة
وأقمار تتقافز بحيوية
وكتل من سحاب أبيض متراص يلمع فى توهج وزينة
وعن يسارها طيور بيضاء وخضراء وزرقاء فقالت لى ما هى حاجتك؟ وما وجهتك؟ فتلعثمت
وإذ بسحابة بيضاء تظلل المكان والزمان وتنقلنى فى لمح البصر إلى سماء بعيدة ومليئة بالنجوم والكواكب وليس على ظهرها من أحد سواى.
فصل [ 7 ]
فأخذت أسير ذات اليمين مرة وذات الشمال مرة لعلى أجد
مخرجاﹰ فأنفذ منه إلى الأرض
وكان أن هدنى الحزن واستولى على التعب فاستويت قاعداﹰ تحت شجرة وحيدة طولها سبعون ألف ذراعﹴ وبها ورق كثير
كل ورقة - منها - تغطى نصف قارة - وهى في كل الأحوال مورقة وجميلة - وأخذت أدق على جدران السموات والأرض وأصفر صفيراﹰ خرباﹰ مجنوناﹰ وأخرج من جسدى
وأتشرنق بالودق الأحمر والبرق وبقايا النفايات وأكحل عينى بذؤابات الأسئلة والتأوهات.
فصل [ 8 ]
كيف أعلن عن يأسى للسماء وأسترشد بنجمة ضالة فى سماء ضائعة وأرض مراوغة؟
كيف أهيىء نفسى لاحتمال الفجيعة والموت بالدوران هكذا على الإرصفة إلى الأبد؟ طعم الهواء حامض ولا ماء عندى
لا سماء لى بالأساس لأحتمى بها من الغرق والفزع ولا أرض تحتى فى الحقيقة لأتشبث بها من الجنون والغرق وهأنذا أتشرب نقيع الوجع ومراودة الأشياء وأحتمى من الخوف بالخوف ومن القطيعة بالصلب والقتل فى كل آنﹴ وآن.
[ 9 ]
وجلست هكذا مقرفصاﹰ أرتعد وفجأة..
سمعت قرقعةﹰ عظيمة وجلبة ورأيت غباراﹰ يسد عين الشمس
وكان الهواء يتمايل ويسير أمامى صائحاﹰ فكيف أمسك به وهو يسير خلفى جثثاﹰ
جثثاﹰ
وأرؤسا مقطوعةﹰ تتمايل وتتلوى وتفح فحيح الحيات والعقارب وها هى كتل الهواء البارد تحيط بى فأتجمد كالكرة وأتفحم كالصراصير
وألتف على نفسى وأتدحرج دحرجة خفيفة وأتذبذب كالوتر وأغير وجهتى كالقشة
والشمس تتدحرج من بين رجلى تدحرجات هائلة وتندفع أمامى تارة وتارة تندفع خلفى
وهكذا تحيط بى في توهجﹴ وظلمة وتنفلت إلى السديم ودونما جلبة أو انفجار والأرض تنسحب من على كرسيها وتلتف بعباءة الزمن وتتقدم بردانةﹰ إلى..!!
[ 10 ]
صاحت الأرض: أيها الآبق أيها الخارج من بين ضلوعى ورحمى كيف تتنكر لى ولا تفر إلى أما ترى أننى فى حاجة إليك أتقشر مثل الجلد وأتعرى كالسراطين وتسقط الأوراق عن كاهلى والبحرهكذا هكذا يلم أطفاله ويمضى
فغرقت المراكب وساح على كل من بالساحل طويت الصحف وجفت الأقلام وتهيأت لكي أكون ثمرةﹰ شهيةﹰ ولكن اللصوص اختبأوا تحت جلدى ونهشوا سرتى ولحمى وجففوا رحمى
وفتتوا عظامى والصراصير اختفت فى لحائى وأتت ضفادع كثيرة كثيرة تتفرع وتتناسل بقربى ولم تشأ أن تعرفنى أهكذا تكون المحبة؟ أهكذا تكون المعرفة؟ لك الآخرة ولي الأولى.
[ 11]
هذه هى سرتى أمدها إليك وهذا هو جسدى حصان لك فاركب وتوكأ عليه ولا تقل لى وداعاﹰ وداعاﹰ
...................
...................
ها هو الجسد إذن يتكشف ويفصح عن سوءة بدن معتم ورغبة دفينة لا تقدر شمس دفينة ولا قمر دفين على عبوره أو اجتيازه
فكيف يمكن الدخول إلى مسالكه الوعرة الخشنة الملىئة بالوحوش والنمور والذئاب؟!
كيف أخيط جسمى إلى الأرض
وأربط ما بينى وبين سرتها بكلاﹴم هو كلام الموتى ولغة هى هى لغة الشمس والقمر وكافة ما تحمل الريح من تخيلات وشهوة
أهكذا تكون الحروف دائماﹰ؟ وهكذا تكون العبارة أبداﹰ؟
وماذا يربطنى بالليل وماذا يربطها بالنهار؟
[ 12 ]
هكذا أسعى إلى خرابى وأبنى توافقاتي أتدلى كأسﹰا مكسورة لا يقربها الأطفال ولا تحج إليها الشقائق وثمرةﹰ - معطوبةﹰ - لا تسقط إلا بين الأنقاض وكلمةﹰ ناقصة فى فضاء الحروف واللغة وها هو الظل مساحة فارغة والماء بلا لون والسماء تتهيأ للسقوط والإنهيارﹺ.
كيف أدخل إلى بيتك أيتها السيدة العجوز وأصلى وأسلم عليك وأنت فى مكمنﹴ ضيق حرجﹴ تتغطين بالأوبئة وتتزينين بالجراثيم وتنتفخين كجثة؟!
أهذه غواية جديدة وشرك منصوب؟ صارت السماء أرجوحة والشمس ثوباﹰ ممزقاﹰ!!
[ 13 ]
هكذا يكون خرابى أيتها الأرض وهكذا يكون سقف بيتك أيتها السماء ثانية..
أهبط للأرض وأعرى تفاحة الهواء وأقطف قليلاﹰ من ثمر الضوء الحامض وأتمشى وحيدا على منزلقات الإثم والبراءة
وها هو ذا النهار يخرج وحيداﹰ عن دائرة الرطوبة الأولى إلي متاهات لا أول لها ولا آخر هل هذه بقعة الضوء إذن..
كيف أبنى سفينة واحدة فتحمل كل متناقضات الأرض وأصعد بها نحو قبة السماء. ها هى ذى شجرة صغيرة خضراء تفترش مساحة صغيرة خضراء من الزمن
وتمد ذؤاباتها نحو شمسﹴ غائمة ونهارﹴ مأخوذ بغيبته وها هو الجسد يصعد غريقاﹰ نحو القاع فلا تجد له سميعاﹰ ولا بصيراﹰ والأرض تثغو ثغاء مراﹰ والسماء تنفطر
إلى شرائح من تأوهات وحشرجة غريبة وصراخ وها هو ذا كوكب يأتى أخيراﹰ فيطل علينا بفرحة ودهشة كأنها القيامةﹸ أو كأنه المواقيت
وأنا أسمع ارتطام جسد فرحﹴ بجسد فرحﹴ وأرضﹴ بأرضﹴ وسماء بسماء!!
[ 14 ]
هيئوا - إذن - طقوسكم
فسألتف على شرانقى الكثيرة الكثيرة وأدرع بالأسئلة الخائبة والإجابات الفارغة وأنزل عن جثث آلفها إلى جثث أخرى معادية وأستمرىء اليقظة
وهجوم الموت المفاجىء وضراوة القتل النهارى والليلى
وأخدش حياء الشمس بيدى وأضمد الأرض بجلدى أيتها الأرض
لم يعد من وشيجة بينى وبينك غير ما يألف الميت الحي من شجر الماء ولغات الأرض فى صوت واحد وحركة واحدة وفى لحظة واحدة
وما بين السمك الطائر المحتضر والماء المختبىء بالذيل والزعانف!!
هل إيقاعك كلام العالم
وتراب نعليك عصافير ملونة وكواكب مندثرة وحضارات أخرى زائفة
تتأهب للاندثار الأفول؟!
كنت فى شك من أمرى إلى أن أنفصلت عن جسمى وجحيمى وخرجت أتلصص على الأرض وحيداﹰ في غيبة النهار
وذهول الخليقة بالخليقة والموت بالموت فضاء شاسع
يصنع الأنبياء ويقتلهم
سماء تمتد إلى غير ما وجهة فيؤولها كل أحد لحسابه!!
جدران ضيقة ولا يقال لها سجن!!
أرض قاتلة ولا يقال عنها زنزانة!!
حرية أضيق مدى ما بين فكى نملة مقلوبة أقمار ميتة
تتمشى على أديم سماوات معطرة بالأريج والدعوات صراخ ولا فم وصوت ولا صدى ونهار بلا شموس وأطفال ولا حلم.
فصل [ 18 ]
هأ.. هأ.. هأ.. هأ
... أليست هناك نجمة وحيدة فى مستقر لها إلا ويكون لها شكل القرابين كلمات أخذت صوت التراتيل بلا خشية أو علامة على المحبة فبأى آية ظاهرة وباطنة
تأتى الشمس - مرتجلةﹰ - كل صباح لتوقظنا وتدق على نوافذ بيوتنا وحدقات أطفالنا ومن وقت الفجر إلي شجر النوم يخرج وقت مزحوم بفضاء المحبة وغواية القمر لأسماء سميتوها؟!
هكذا هكذا أبنى توافقاتى
وألاقى محبتى الخاصة فى صحراء عرضها ذراع وطولها ذراع وما بين ذراع وذراع تختبىء مشاتل القتل والقنص
فأدثر بفضاء الموت وأحتمى بى من كلماتى وأهيىء جسمى
لملاقاة ال صلب والشنق والقتل وكافة أشكال الموت المدونة وغير المدونة كذلك وأجهز حروفى لملاقاة الفرح وامتلاء القلب بأجنة المحبة وشواهد الاحتضار وأختفى فى ملكوتى!!
فهل هذا هو الجسد الثمل الذى تتملكه شهوة الموت فى طى المسافات وعبور الأودية ومهاوى الزمن
إلى أن يصل إلى قاراته الطافية الغارقة
ويعرى لغته وكلماته من الاستعارات والرمز وحبائل المجاز؟
فصل [ 20 ]
كيف تكون الفراشات لغات مدونة وغير مدونة على جدران أجسادنا بين قوم مضوا وأقوام لا تنتوى المجيء وما بين كل مجيء ومجىء تضيع المسافات وينعدم الزمن ويصبح الوهم هو الحقيقة وتصبح الحقيقة هى هى عين الوهم وحبات يقينه؟!
[ 21]
كيف أعِّ لم الضوء أن يتجمع فى شبكات هوائية لأزمان غير محسوبة ولا مرئية؟
أنتظر مولد الكلمات على شفا حفرة من النار وأركض فى اتجاه الغيم والبحر وأتدلى مثل كوكب ناتىﹴء ومحتضر
فى سماء ثامنة حيث لا ليل فيها ولا نهار بل ظلام دامس!!
هكذا أتسلق الأودية وأصعد إلى منافى السماء
وأظل أصرخ وأصرخ وأصرخ حيث لا أحد إلا إياى إلى أن أجىء أو أنطفىء.
[ 22 ]
ها هى شمس تترجل بين ليلين فى حدائق النهار وترسم تارة بالأحمر الجبلى وتارة بالأسود النيلى على الوحل شكل سماء مملوءة بخرق الملوك وجثث الضحايا ونفايات حضارات بائدة لمدن بائدة وأرجل خيل تخب خبا خفيفاﹰ على الرمل وعليها رجال أولو بأس شديد يحتطبون الرياح من كل فج رحب ويمضون إلى غير ما وجهة ولا يلوون على شىء ويهمسون بكلام هو إلى النشيد أقرب وإلى الرؤيا أمس وما بين كل غارة وغارة يترجلون قليلاﹰ
ويسندون الموتى إلى حوائط الريح والسماء ويسددون لها النبال والقسى ولكنها تنحرف دائماﹰ هكذا
فتصيب نجمة - وحيدة قصيةﹰ - هناك في سماء ضالة فينطفىء ضوء ظل مشتعلاﹰ لقرون عديدة
وهكذا تغيب نجمة - وحيدة - ظلت مشتعلة ببهجة وفوضى...
فيصرخ أحدهم:
لقد أصبت نجمة قصية...!!
فصل [ 23 ]
آن لى أن أطارد نجمة أخرى لعلى أقدر على إطفاء هذه النجوم جميعاﹰ أليست لعبة طيبة أن نصطاد النجوم واحدة فواحدةﹰ كما نصطاد الفراشات أثناء نهار مشمس
لكى تعود السماء إلى سيرتها الأولى دونما فرح أو محبة؟
ألا نقدر أن نعلق هذه النجوم جميعاﹰ بخيط من نارﹴ ودخانﹴ إلى سقوف بيتنا
بجوار الجثث الماثلة على الجدران؟ وما هى المعجزة إذن؟
[ 24]
كيف لى أن أصف ما أرى نهر من الرماد
شجر من طلح يخرج من أحشاء نجوم الصيف سماء داعرة تطلق نكهتها فى رائحة السوط وشكل الجلادين وها هى
تشرب قهوتها قرب الجثث المغدورة فوق رمال الصحراء قيامات كثيرة وليست قيامة واحدة ونساء يتحلين بترقوة الشهداء
خلاخيل من أرغفة التأوهات وخبز الوجع الأزرق المصحون بزمردات الدمع الغامق وفضاء لا شكل له أو وزن يأخذ تخطيطات مدن عاد وثمود وإرم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد أمراء يشربون حليب الماعز الجبلى ويدخنون بشراهة ودموية كأنهم آلهة ولا ريب
أميرات يتناكحن ويتناسلن دونما رغبة أو مودة ويعطين أجسادهن لأول عابر لقاء نزوة طائشة ويكتبن على أبوابهن ومقاصيرهن
هذه مقاعد للسمع والطرب والغناء والفرح فمن أراد منكم أن يسترق السمع - وهو شهيد - فسوف يتبعه شهاب ثاقب والماء بيننا وبينكم علامة على الموت والحياة لا غير.
[ 25 ]
هل كتابة السنوات على منعرجات الأحجار ومنابع الرؤيا واكتشاف لحظة الخلق والجنون وشقائق النهار المبصرة وغير المبصرة كذلك لغة لا يفضحها سر ولا يزيغ عنها إلا هالك فلا تذاع على الناس
كافة
ولها مملكة بهيجة من التخيلات والرؤى وهى آفة تصيب كل عاشق بقدر ما يقترب منها ويبتعد فبها يحترق
وبها يبعث مرة أخرى عند كل دورة وفى كل قيامة؟
[ 26 ]
وحيداﹰ يتقدم قافلة اليأس ويزرع فوق الماء صدى حنجرة متقيحة بدمﹴ
كذبﹴ يترجل فوق رماد الورد على مدد من قامته ويصلى صلاة الغائب والشاهد ويؤاخى بين الرملة والصحراء فهل أرخى لعناقيد الظل غوايتها؟ أتراه إذن يعرف عدد الرمل ويمضى لفلاة متشعبة ويوازى ما بين القتلة والقتلى
وسماء البلد المعمور بماء القتلِ؟
فصل [ 27 ]
حان إذن وقت الصلوات...
يمسك حجراﹰ ويخط عليه تواريخ كواكب ميتة وبخارا
يصاعد من جسد يعرف حجم فجيعته ويمد لظل الأرض جنازته له الرماد كله والورد شباك على حديقة الدم له الغناء كله والوقت صلاة دائمة لمحبته ينحاز إلى لغة دامية ويؤرخ للكلمات على مزولة الشمس ويمسك بين يديه غبار الروح
فهل هذا جسد مغروس فى جسد موشوم بالرغبة وهواجس البكاء الأولى ونعمة الفرح العقيم؟!
فصل [ 28 ]
أتهيأ لكتابة مراسيمى بيدى وأفك عن جسمى سطوة الجنس وشهوة القراءات وأبحث عن خلية ناتئة لتكون مقامى هكذا أتخلص من بقية الرطوبة الأولى وأغتسل بماء الخلق والجنس ولا أحد يرانى
وأنزل إليكم متسخاﹰ بالبراءة الأولى والطفولة المتسخة وحلم الشموس المراوغة والقمر الرائق الأخاذ وأهبكم لعنة الحلمﹺ وأدور مثل نجمة غريقة على القاع تبحث عن عشبة غريقة فى القاع وتفتش عن بقية العبارة وأحابيل الرمز والمجاز لكى تفاجئكم لكنكم هناك تنظرون:
جثثاﹰ بلا رؤوس فأفر من صومعتى إليكم
وأدخل فى عباءة الطقوس ومراودات الأحلام ومذاود الأئمة الغاوين فكيف أباغتكم؟
فصل [ 29 ]
ها هى ذى دورة الفلك الأولى تمر فوق الأرض مثل شهوة معجونة بالنار فيخرج منها الماء والنازنج والدبق الأسود واليقطين والهواء
فهل أتى على حين من الدهر لم أكن غير توافقات اللغة ودوران الفلك الساكن وكتابة الخليقة بالماء الأجاج على ألواح الحمأ المسنون وانتظار لحظة الندم القادم والفرح المؤجل لإرادة المشيئة والمعرفة معاﹰ؟
فصل [ 30 ]
إذن...
كيف أصحبكم جميعكم إلى
كيف أردكم على أعقابكم مقهورين مغمورين وفرحين بما أنتم
فيه لا ما أنتم عليه
والماء بيننا نرجس يبيض فى الفراغ ويفقس مثل الدرن؟!
- وبينما أنا هالك هكذا -أخذت أحدق فى القاع وأترجل وأفتح أبواب جسمى وأغلقها وأسمع المصاريع وصدى المزاليج رأيت قططاﹰ تتقافز هنا وهناك وأقماراﹰ تصطدم بالنجوم والكواكب وشموساﹰ تنفجر انفجارات هائلة وإذﹾ بيد بيضاء تتقدم منى وتربت على كتفى وتأخذ بيمينى.
قلت: ما هذا...
أما من رحمة واحدة لتشملنا ونصيب بها من نشاء قالت: هو الباب فادخل
(1) محجر ألق يتزيا من السماء بالنجوم المرصعة والأرض بكتابة أبجديات الخلق والنطق وفرحة اكتشاف حروف جديدة مطمورة وغير مطمورة بين الرمل والماء.
( 2) ما بين الألف والسكون فرق شاسع وهول غير مأهول ونوم أشد يقظة من الصحو
وصحو أشد فتكاﹰ من الجبال وهى تندك دكاﹰ وتتكسر على مرأى من الشمس والقمر.
(3) ما بين حضور الألف وغياب السكون تتمخض الأرض عن شجرﹴ هالك وذرﹴ كثير من الناس
والحجارة المعجونة بالعظام النخرة والأرجل المدماة والبثور الناتئة.
(4) ما بين كل غياب وغياب
مرآة لزمان وغد وأرض مراوغة كامرأة غاوية لا ينفض عنها طالبوها
فلا هى تقترب منهم إلا بمقدار ولا هى تستسلم لهم بغواية بل ثمة غارات وحروب كثيرة أيضاﹰ ومواجع أفلا... تعطيهم مواعيد مستحيلة فيخلفونها؟!
فصل [ 32 ]
قلت: كيف تسكن الأرض والسماء تتكسر كل يوم قطعا كثيرة والنباتات تطاوح مثقلة فى الهواء بلا جذور ولا ثمر والشمس تتقيح تقيحات عميقة ولا حد لها
وأنا واقف أرتجف كالشعرة المعلقة فى فراغ ذاتها وأكتب تواريخى وأسمائى وأحصى عدد قياماتى وخياناتى.
م: الميم ماء غارق فى الرمل
يهدأ قلب الذاكرة وتشتعل بقية الحروف والأسماء التى سميتموها أنتم وآباؤكم وجع أبيض يغطى سماء المخيلة بالأعشاب والطحالب الخضراء والنوارس المقتولة والسمك الطائر المتوحش هل يشتعل الشجر الأخضر لكى تأتنس بالنار وتتقرب إليها تحت سمع النهار وبصره..
بقدر ما تتقرب إلى سماوات الوقت وأخوة الأضداد ونجوم القلب التى لا تعد؟
هذه صلوات الموتى انظر:
كيف يقفون صفوفاﹰ صفوفاﹰ ويشتعلون بالبكاء والسهر وبقية التراتيل والحجارة تطقطق طقطقات موارة وتطاير في كافة الأرجاء كأنها الجراد المنتشر ولا أحد يبالى فهل أقسم بمواقع الشمس والقمر وبقية النجوم لو انفلقت الأرض وانفطرت السماوات
وخرج شرر أخضر من الماء يهتز ويتراقص كأنه جان - ولى مدبراﹰ - لأخذ الناس يطاوحون فرادى وجماعات على الجثث المنثورة ويقيمون النذور لآلهتهم الورقية ويقدمون القرابين لأولياء نعمهم ولا يعبأون بوجع الأرض وتخثر الأجنة فى الأرحام
وتراهم كالخﹸشﹸب المسندة فلا يتكئون إلا على الفراغ الباهت ولا يتساندون إلا على الجثث البائدة.
فصل [ 34 ]
ها هى عربة يجرها الموتى وخيول الوقت ويسير خلفها الموتى اسمها الأرض...
جنازة دائمة وجثة متقيحة ولكنها تبيض وتفقس فى الأرحام. أعرف ها أنذا أغشى أعينكم بالغيبة الأولى والفجيعة ولا أجعل بينى وبينكم حجاباﹰ
ثم آخذكم لجحيمى وأنا ولكم أورادى وعرباتى المكسرة وهزائم بدنى المقيم وأصلى عليكم صلاة الشاهد والغائب ولا فرق لدى قد تكون السموات أقرب إليكم من حبل الوريد والأرض سلحفاة متحجرة فوق جبل عال اسمه اللذة والوجيعة أيها الجسد المتسربل بإيقاع الجسد وبقية الحيوات الأخرى
كيف تدخل حظيرة الجسد وأنت مقضى عليك بالموت والقطيعة؟!
أيتها المرأة:
كيف تسكنين إلى وليس لى عليك من سلطان أو محجة بيضاء؟!
ليس بينى وبينك غير ما يربط الليل بالنهار والنهار بالليل والشمس بالكواكب المنتشرة؟
وها هى ذى عربات الزمن الفارهة تنحدر بسرعة نحو الهاوية بينما أحصنة الموت الخشبية تقف شاخصة تتربص بين مصاعد الجسد ومهابطه.
هذه هى هجراته الدائمةﹸ ليس فيها شمس ولا نجوم فكيف يكون مقامى وكيف أحاول كتابة اسمى وتواريخ جسدى وهجرة بلدانى وغرق قاراتى والحروف غالبة على
ثمة بحر شاسع بينى وبينك لا يهدأ وبه سمك ميت وغرقى كثيرون وأمواج متلاطمة متزاحمة ورياح سود.
هلكت المراكب وانجرفت السفن فى السيل وطفا الضوء غريقاﹰ وتحول البحر إلى شياطين ومردة قاتلة قلت: أخطو خطوات لى
فإذا بى أتدلى في الفراغ ولا اسم لى أرسم توافقاتى ودوائر محبتى وكلما أسير فى اتجاه ما
أجده مغلقﹰا وغويطﹰا فأتراجع تراجع الخائف المنجرد وأتداخل فى جسمى كحشرة بغيضة إلى
غير أنى أسقط.. وأسقط.. وأسقط والفراغ خال كهوة
سحيقة وبئر بأدغال.
فصل [ 38 ]
رأيت شجرة عظيمة تنبت فى السماء وحولها خلق كثير عيونهم ملآنة بالتهاليل والهزيمة والنساء عرايا قلت: ما هذا؟ قالت: هؤلاء قوم فقدوا المحبة ثم انتشروا فى الأرض جوابين هيابين قلت: أبنى سفينة لهم وآخذهم جميعهم إلى هؤلاء رفاق لى وأخذت أجمع الأعشاب وألتقط من الأحجار ما يتيسر لى وأصل ما بين كل حجر وحجر بدمى
وأخيط ما بين كل خلية وخلية بمودتى وسنﹶنى وأشبك ما بين الأغصان بالأغصان لتكون سقيفة للسماوات والأرض والمرأة بجانبى وترجلت
فإذا بالماء يتفجر من كل جانب والأرض غارقة فى قشورها ونفاياتها.
فصل [ 39 ]
قال رجل كهل:
لمن تصنع الفلك ونحن غرقى؟ ومن يركب معنا؟
ألا ترى إلى الماء فى كل جانب ونحن من ألف سنة هنا ولا أحد يرانا وتقلبنا الشمس ذات اليمين وذات الشمال ونحن ننظر ببلاهة ورعب
نغطﹼ فى رقود هو إلى الموت أقرب منه إلى الحياة وإلى حياة ليس بينها وبين الموت سوى نفخة واحدة وبرزخﹴ وحيد قلت:
لقد أُلقى بنا فى متاهة غير مأهولة وركن مهمل من كون مهمل وغير مأهول إلى أن تقوم الساعة ألا ترى إلى الشجر وهو يخبىء براعمه فى جذوره والنهار يموت واقفاﹰ
والثمار حامضة تساقط وتهوي إلى الأرض.
فصل [ 40 ]
أخذنى الرجل وصعد بى إلى جبل عال وهو يصاعد أمامى وأنا أسير
خلفه
وكلما دنا خطوة اتسعت المسافة
والرمل يتقبقب قبقبات عميقة تتلوى كأعناق الحيات والأفاعى وفى كل خطوة تخرج علينا الوحوش بغتة ونحن لا نشعر فينهرها الرجل ويتمتم بكلمات
فإذا هى كالفراش المبثوث تتبعنا وتحلق من فوقنا ومن تحت أرجلنا وأنا أغذ الخطى والرجل يغذُّ الخطي.
فصل [ 41 ]
وكان فوق الجبل نهر من ماء غير آسن فقلت:
أشرب؟!
فقال لى: اشرب
فشربت شربة ملهوفةﹰ عجلانةﹰ ولما أرتوى بعد وكان أن أمتلأ جسمي بالدود والقروح وقد صار قلبى قابلاﹰ كل صورة والشمس حديقة مملوءة بالعناكب والمراكب الغارقة ورحت أدثر بالشمس فتدثر بى وترقد ما بين سرتى وعينى
وأجفف خرقى وسراويلى من البلل والبرودة وأمشط لها شعرها وأمسد جسدها بلسانى وعجين سرتها بريقى وهي تنام فى حجري هانئة وغير خائفة وأنا فرح بها ومأخوذ وهى فرحة بى ومأخوذة.
فصل [ 42 ]
أهذه هى - إذن - الشمس تنام بين سرتى وعينى ويلهو بها أطفالى وليس بينى وبينها حجاب أمشط لها شعرها على أريكة القلب وأفك عنها عقدة الليل والنهار
وأخرجها عن دائرة الألفة والعادة إلى حديقة الزمن والدوران هكذا على الأرصفة إلى ما لا نهاية والقمر أفليه بيمينى
وهو أخضر وأبيض وبه نساء من كل لون وجنس يقمن فيه ويتشحن بالخلاخيل والبنفسج ويتزين بالكحلِ والإثمد.
فصل [ 43 ]
ولما خفت على القمر أن يضيع منى وأنا ألهث خلف الرجل وعلى الشمس أن تفر إلى مساكن الغيبة فأعود إلى الظلمة ثانية
قطعت شرايينى وعلقتها أراجيح فى الفضاء وربطت الشمس فى ناحية ولففت بقية الشرايين حول عنقي وقلبى وأنا أصعد خلف الرجل ذى الوطء فتطلع الرجل ذاهلاﹰ إلي وأشار أن اتبعنى وإلا فالغرق آت لا محالة وأخذ العرق يتصبب
وتجمعت القطرات الصغيرة كما اللؤلؤ تدحرج إلى أن امتلأت الأنهار فتشبعت السحب بالبخار والبحر ليس بملآن.
فصل [ 44 ]
وقعدت أدعك جسمى بفصوص الحلم وشجر المحبة وأقول للرجل:
كيف أفرق نفسى وأجمعها إلى؟ كيف أبنى توافقاتى وألاقى محبتى الخاصة ولا حد لى؟ كيف أصعد إليكم وأهبط
وأنا فى مكانى ثابت لا أريم؟!
فصل [ 45 ]
أين هي المرأة...؟ فتقوم مقامى هذا
وكلما أنزلت عليها من مائى اهتزت وربت وأخرجت من كل شمسﹴ وقمرﹴ وهى مليئة بالنجوم والكواكب السيارة المترجرجة فى شعرها وذيل جلابيبها
وخواتهما الفصوص من اليواقيت والمرجان واللؤلؤ المكنون ولها ألف وجه ووجه وجسد وجسد ولها خرائط شتى وبها جنات وأنهار وعيون يتفجر منها الماء
وكلما دخلنا عليها وجدنا عندها من الطيبات والرزق ما يكفل أهل الأرض كلهم جميعاﹰ
ولها أصدقاء حميمون يطوفون عليها بالمودة والكلام الرحيم.
فصل [ 46 ]
أين هى المرأة فأحرثها بجسمى
وأفتش عن كل بذرة نيئة وحامضة فى أرضها فأنضجها بشمسى وأذريها بمذارتى وألف جسمها بجسمى وسرتها بسرتى وقلبى عليها يتفتت كلما غابت وآبت....
أو اختفت للحظة واحدة وبدت وفى آخر الليل ننام منطبقين كما تنطبق الأرض على السماء بها أُحرق وتحترق بى
ولها عرش عظيم من التخيلات والمباهج إذا دخلته حسبته لجة
من قوارير وزمردات تلمع وتتلألأ في غسق الليل والناس نيام.
فصل [ 47 ]
هل يكون لها من شغلٍ شاغل إلاى وهل يكون لى من شغل شاغل إلا هى..
وكلما أتيت إليها وجدت عندها رزقاﹰ كريماﹰ وقوماﹰ يأتنسون ويتسامرون فأقول لها: بخ... بخ...
فيك محياى ومماتى وبك يتم فرحى أقول: يا جنتى فتقول: ويا جحيمى أقول: أنت أرضى فتقول: ويا سمائى ويوم نبعث سنكون فى جنة عرضها السموات والأرض
وأهيىء لها نفسى فتهيىء لى رقدتى ومواقيتى.
فصل [ 48 ]
وتوقف الرجل فى مكانه
وأخذ سبع حصوات عجاف ورمى فى كل اتجاه حصوةﹰ فغامت الدنيا وأظلمت وانطفأت الكواكب وأنا أدعك عينى بالبكاء والسهر وقال لى: انظر:
هذه هى مدينة عاد الأولى ونظرت:
فإذا الموتى كلهم وقوف:
أعواد من الملح الجاف والكبريت الأحمر وكواكب من الحجارة المندثرة
شموس معلقة فى فراغ أزرق ولا نهائى وبلا ضوء رؤوس مدببة كأنها الإبر والحراب المسننة قمر أبيض صغير معلق فوق أرؤس مقطوعة
ومتدلية من البيوت والنوافذ ومشنوق من رقبته
وفى جبينه بقعتان من الدم الحامض المتجلط وكلما يغلسونه يزداد اتساخاﹰ.
فصل [ 49 ]
ها هو ذا القمر يجرجرونه على الرمال والأوتاد والحجارة ومنزلقات الوحل والرطوبة وهو يفتح فمه ويغلقها ويشهق شهقاته الأخيرة والسماء ثوب مهلهل وبه خروم كثيرة وهى تنزف ليل نهار بماء كالمهل يشوى الوجوه.
فصل [ 50 ]
وها هى ذى الأرض امرأة جميلة وعليها من النهار والليل ثوب بهيج وفوق ظهرها حشرات سود
تفح فحاﹰ غريباﹰ كأن بها حشرجة وهى تنهش من ثديها وجسدها وسرتها وفمها الجميل الحلو فلا يتبقى سوى سلسلة الظهر وبقية الأطراف وجداول صغيرة من الدماء تتفرق وتتجمع فى كل اتجاه وفى كل مرة تستغيث استغاثات مرعبة ولا أحد يسمع أو يرى..
والرجل يضحك ويهذى ويلف سراويلﹶه على منحدراته وأوديته ويتقلب فى الهواء كأنه جان
وأنا يقظ أتحسس جسد الأرض وأحفظ دقائق أوجهها وعجين سرتها ولا حول لى...
فقعدت تحت شجرة صغيرة من السنط وكانت الشمس جافة وأخذت أرتل تراتيلى وأصلى صلاةﹶ مودع..!!
أتخدد كالأرض وأصلى صلاة الشياطين ولا حول لى وأقطف زهرة رابية فوق جسد ممتلىء بكنوز الشهوة ورغوة الإثم وولائم المحبة ولا سواى هناك فى الحضرة وأتمشى بين كلماتى فلا أجد أحداﹰ يسمعنى أو يصلى على؟!
فصل [ 2 ]
قلت
أنزع عن جسمى شهوة القراءات وعن عينى رغبة البكاء والفرح وأتلصص مثل ياقوتة صغيرة خضراء فى خليجﹴ أخضرﹴ صغيرﹴ
على الأسماك المتوحشة والميتة وأتوضأ بحموضة الفجر وصلاة الأرقاء وأدخل فى غيابة الليل والنهار وهأنذا أخرج للناس عارياﹰ ووحيداﹰ وليس على جسمى ما يستر عريى أو يسد رمقى.
فصل [ 3 ]
قلت إذن أسير في الأرض
وبقيت مسيرة يومﹴ ويومﹴ ويومﹴ وليلة وليلة وليلة
ولما لم أجد أحداﹰ يكلمنى أو يشير إلى تعثرت بنفسى وخلوت إلى شياطينى وقعدت تحت ظل شمسﹴ حمئة فإذا بى غارق فى بحرﹴ لجى تتقاذفنى الأمواج وحولى الحيتان والطحالب الغارقةﹸ وأسماك القرش تتلاعب بأذيالها وتتقاتل نهمة على!!
فصل [ 4 ]
قلت
لو أننى أعرف عدد الرمل والحصى لو أننى أعرف موج الذاكرة لو أننى أعرف كيف أكور الليل على النهار وأكور النهار على الليل إذن لنجوت واتخذت من هذه الأسماك رفاقاﹰ
لى؟1
فصل [ 5 ]
وبينما أنا غارق هكذا غلبنى النوم فخلوت إلى شياطينى وقلت لنفسى
كيف تنام وأنت فى البحر غريق وغريب ولا منجاة لك سوى الغرق والغياب فكان أن ضحكت واستغرقت فى النوم.
[ 6 ]
وكان أن رأيت امرأة بهيجةﹰ وثملةﹰ وبيضاء كالورد
وتقعد فى حقل من الماس واللازورد عن يمينها خلجان من شموس نائمة
وأقمار تتقافز بحيوية
وكتل من سحاب أبيض متراص يلمع فى توهج وزينة
وعن يسارها طيور بيضاء وخضراء وزرقاء فقالت لى ما هى حاجتك؟ وما وجهتك؟ فتلعثمت
وإذ بسحابة بيضاء تظلل المكان والزمان وتنقلنى فى لمح البصر إلى سماء بعيدة ومليئة بالنجوم والكواكب وليس على ظهرها من أحد سواى.
فصل [ 7 ]
فأخذت أسير ذات اليمين مرة وذات الشمال مرة لعلى أجد
مخرجاﹰ فأنفذ منه إلى الأرض
وكان أن هدنى الحزن واستولى على التعب فاستويت قاعداﹰ تحت شجرة وحيدة طولها سبعون ألف ذراعﹴ وبها ورق كثير
كل ورقة - منها - تغطى نصف قارة - وهى في كل الأحوال مورقة وجميلة - وأخذت أدق على جدران السموات والأرض وأصفر صفيراﹰ خرباﹰ مجنوناﹰ وأخرج من جسدى
وأتشرنق بالودق الأحمر والبرق وبقايا النفايات وأكحل عينى بذؤابات الأسئلة والتأوهات.
فصل [ 8 ]
كيف أعلن عن يأسى للسماء وأسترشد بنجمة ضالة فى سماء ضائعة وأرض مراوغة؟
كيف أهيىء نفسى لاحتمال الفجيعة والموت بالدوران هكذا على الإرصفة إلى الأبد؟ طعم الهواء حامض ولا ماء عندى
لا سماء لى بالأساس لأحتمى بها من الغرق والفزع ولا أرض تحتى فى الحقيقة لأتشبث بها من الجنون والغرق وهأنذا أتشرب نقيع الوجع ومراودة الأشياء وأحتمى من الخوف بالخوف ومن القطيعة بالصلب والقتل فى كل آنﹴ وآن.
[ 9 ]
وجلست هكذا مقرفصاﹰ أرتعد وفجأة..
سمعت قرقعةﹰ عظيمة وجلبة ورأيت غباراﹰ يسد عين الشمس
وكان الهواء يتمايل ويسير أمامى صائحاﹰ فكيف أمسك به وهو يسير خلفى جثثاﹰ
جثثاﹰ
وأرؤسا مقطوعةﹰ تتمايل وتتلوى وتفح فحيح الحيات والعقارب وها هى كتل الهواء البارد تحيط بى فأتجمد كالكرة وأتفحم كالصراصير
وألتف على نفسى وأتدحرج دحرجة خفيفة وأتذبذب كالوتر وأغير وجهتى كالقشة
والشمس تتدحرج من بين رجلى تدحرجات هائلة وتندفع أمامى تارة وتارة تندفع خلفى
وهكذا تحيط بى في توهجﹴ وظلمة وتنفلت إلى السديم ودونما جلبة أو انفجار والأرض تنسحب من على كرسيها وتلتف بعباءة الزمن وتتقدم بردانةﹰ إلى..!!
[ 10 ]
صاحت الأرض: أيها الآبق أيها الخارج من بين ضلوعى ورحمى كيف تتنكر لى ولا تفر إلى أما ترى أننى فى حاجة إليك أتقشر مثل الجلد وأتعرى كالسراطين وتسقط الأوراق عن كاهلى والبحرهكذا هكذا يلم أطفاله ويمضى
فغرقت المراكب وساح على كل من بالساحل طويت الصحف وجفت الأقلام وتهيأت لكي أكون ثمرةﹰ شهيةﹰ ولكن اللصوص اختبأوا تحت جلدى ونهشوا سرتى ولحمى وجففوا رحمى
وفتتوا عظامى والصراصير اختفت فى لحائى وأتت ضفادع كثيرة كثيرة تتفرع وتتناسل بقربى ولم تشأ أن تعرفنى أهكذا تكون المحبة؟ أهكذا تكون المعرفة؟ لك الآخرة ولي الأولى.
[ 11]
هذه هى سرتى أمدها إليك وهذا هو جسدى حصان لك فاركب وتوكأ عليه ولا تقل لى وداعاﹰ وداعاﹰ
...................
...................
ها هو الجسد إذن يتكشف ويفصح عن سوءة بدن معتم ورغبة دفينة لا تقدر شمس دفينة ولا قمر دفين على عبوره أو اجتيازه
فكيف يمكن الدخول إلى مسالكه الوعرة الخشنة الملىئة بالوحوش والنمور والذئاب؟!
كيف أخيط جسمى إلى الأرض
وأربط ما بينى وبين سرتها بكلاﹴم هو كلام الموتى ولغة هى هى لغة الشمس والقمر وكافة ما تحمل الريح من تخيلات وشهوة
أهكذا تكون الحروف دائماﹰ؟ وهكذا تكون العبارة أبداﹰ؟
وماذا يربطنى بالليل وماذا يربطها بالنهار؟
[ 12 ]
هكذا أسعى إلى خرابى وأبنى توافقاتي أتدلى كأسﹰا مكسورة لا يقربها الأطفال ولا تحج إليها الشقائق وثمرةﹰ - معطوبةﹰ - لا تسقط إلا بين الأنقاض وكلمةﹰ ناقصة فى فضاء الحروف واللغة وها هو الظل مساحة فارغة والماء بلا لون والسماء تتهيأ للسقوط والإنهيارﹺ.
كيف أدخل إلى بيتك أيتها السيدة العجوز وأصلى وأسلم عليك وأنت فى مكمنﹴ ضيق حرجﹴ تتغطين بالأوبئة وتتزينين بالجراثيم وتنتفخين كجثة؟!
أهذه غواية جديدة وشرك منصوب؟ صارت السماء أرجوحة والشمس ثوباﹰ ممزقاﹰ!!
[ 13 ]
هكذا يكون خرابى أيتها الأرض وهكذا يكون سقف بيتك أيتها السماء ثانية..
أهبط للأرض وأعرى تفاحة الهواء وأقطف قليلاﹰ من ثمر الضوء الحامض وأتمشى وحيدا على منزلقات الإثم والبراءة
وها هو ذا النهار يخرج وحيداﹰ عن دائرة الرطوبة الأولى إلي متاهات لا أول لها ولا آخر هل هذه بقعة الضوء إذن..
كيف أبنى سفينة واحدة فتحمل كل متناقضات الأرض وأصعد بها نحو قبة السماء. ها هى ذى شجرة صغيرة خضراء تفترش مساحة صغيرة خضراء من الزمن
وتمد ذؤاباتها نحو شمسﹴ غائمة ونهارﹴ مأخوذ بغيبته وها هو الجسد يصعد غريقاﹰ نحو القاع فلا تجد له سميعاﹰ ولا بصيراﹰ والأرض تثغو ثغاء مراﹰ والسماء تنفطر
إلى شرائح من تأوهات وحشرجة غريبة وصراخ وها هو ذا كوكب يأتى أخيراﹰ فيطل علينا بفرحة ودهشة كأنها القيامةﹸ أو كأنه المواقيت
وأنا أسمع ارتطام جسد فرحﹴ بجسد فرحﹴ وأرضﹴ بأرضﹴ وسماء بسماء!!
[ 14 ]
هيئوا - إذن - طقوسكم
فسألتف على شرانقى الكثيرة الكثيرة وأدرع بالأسئلة الخائبة والإجابات الفارغة وأنزل عن جثث آلفها إلى جثث أخرى معادية وأستمرىء اليقظة
وهجوم الموت المفاجىء وضراوة القتل النهارى والليلى
وأخدش حياء الشمس بيدى وأضمد الأرض بجلدى أيتها الأرض
لم يعد من وشيجة بينى وبينك غير ما يألف الميت الحي من شجر الماء ولغات الأرض فى صوت واحد وحركة واحدة وفى لحظة واحدة
وما بين السمك الطائر المحتضر والماء المختبىء بالذيل والزعانف!!
هل إيقاعك كلام العالم
وتراب نعليك عصافير ملونة وكواكب مندثرة وحضارات أخرى زائفة
تتأهب للاندثار الأفول؟!
كنت فى شك من أمرى إلى أن أنفصلت عن جسمى وجحيمى وخرجت أتلصص على الأرض وحيداﹰ في غيبة النهار
وذهول الخليقة بالخليقة والموت بالموت فضاء شاسع
يصنع الأنبياء ويقتلهم
سماء تمتد إلى غير ما وجهة فيؤولها كل أحد لحسابه!!
جدران ضيقة ولا يقال لها سجن!!
أرض قاتلة ولا يقال عنها زنزانة!!
حرية أضيق مدى ما بين فكى نملة مقلوبة أقمار ميتة
تتمشى على أديم سماوات معطرة بالأريج والدعوات صراخ ولا فم وصوت ولا صدى ونهار بلا شموس وأطفال ولا حلم.
فصل [ 18 ]
هأ.. هأ.. هأ.. هأ
... أليست هناك نجمة وحيدة فى مستقر لها إلا ويكون لها شكل القرابين كلمات أخذت صوت التراتيل بلا خشية أو علامة على المحبة فبأى آية ظاهرة وباطنة
تأتى الشمس - مرتجلةﹰ - كل صباح لتوقظنا وتدق على نوافذ بيوتنا وحدقات أطفالنا ومن وقت الفجر إلي شجر النوم يخرج وقت مزحوم بفضاء المحبة وغواية القمر لأسماء سميتوها؟!
هكذا هكذا أبنى توافقاتى
وألاقى محبتى الخاصة فى صحراء عرضها ذراع وطولها ذراع وما بين ذراع وذراع تختبىء مشاتل القتل والقنص
فأدثر بفضاء الموت وأحتمى بى من كلماتى وأهيىء جسمى
لملاقاة ال صلب والشنق والقتل وكافة أشكال الموت المدونة وغير المدونة كذلك وأجهز حروفى لملاقاة الفرح وامتلاء القلب بأجنة المحبة وشواهد الاحتضار وأختفى فى ملكوتى!!
فهل هذا هو الجسد الثمل الذى تتملكه شهوة الموت فى طى المسافات وعبور الأودية ومهاوى الزمن
إلى أن يصل إلى قاراته الطافية الغارقة
ويعرى لغته وكلماته من الاستعارات والرمز وحبائل المجاز؟
فصل [ 20 ]
كيف تكون الفراشات لغات مدونة وغير مدونة على جدران أجسادنا بين قوم مضوا وأقوام لا تنتوى المجيء وما بين كل مجيء ومجىء تضيع المسافات وينعدم الزمن ويصبح الوهم هو الحقيقة وتصبح الحقيقة هى هى عين الوهم وحبات يقينه؟!
[ 21]
كيف أعِّ لم الضوء أن يتجمع فى شبكات هوائية لأزمان غير محسوبة ولا مرئية؟
أنتظر مولد الكلمات على شفا حفرة من النار وأركض فى اتجاه الغيم والبحر وأتدلى مثل كوكب ناتىﹴء ومحتضر
فى سماء ثامنة حيث لا ليل فيها ولا نهار بل ظلام دامس!!
هكذا أتسلق الأودية وأصعد إلى منافى السماء
وأظل أصرخ وأصرخ وأصرخ حيث لا أحد إلا إياى إلى أن أجىء أو أنطفىء.
[ 22 ]
ها هى شمس تترجل بين ليلين فى حدائق النهار وترسم تارة بالأحمر الجبلى وتارة بالأسود النيلى على الوحل شكل سماء مملوءة بخرق الملوك وجثث الضحايا ونفايات حضارات بائدة لمدن بائدة وأرجل خيل تخب خبا خفيفاﹰ على الرمل وعليها رجال أولو بأس شديد يحتطبون الرياح من كل فج رحب ويمضون إلى غير ما وجهة ولا يلوون على شىء ويهمسون بكلام هو إلى النشيد أقرب وإلى الرؤيا أمس وما بين كل غارة وغارة يترجلون قليلاﹰ
ويسندون الموتى إلى حوائط الريح والسماء ويسددون لها النبال والقسى ولكنها تنحرف دائماﹰ هكذا
فتصيب نجمة - وحيدة قصيةﹰ - هناك في سماء ضالة فينطفىء ضوء ظل مشتعلاﹰ لقرون عديدة
وهكذا تغيب نجمة - وحيدة - ظلت مشتعلة ببهجة وفوضى...
فيصرخ أحدهم:
لقد أصبت نجمة قصية...!!
فصل [ 23 ]
آن لى أن أطارد نجمة أخرى لعلى أقدر على إطفاء هذه النجوم جميعاﹰ أليست لعبة طيبة أن نصطاد النجوم واحدة فواحدةﹰ كما نصطاد الفراشات أثناء نهار مشمس
لكى تعود السماء إلى سيرتها الأولى دونما فرح أو محبة؟
ألا نقدر أن نعلق هذه النجوم جميعاﹰ بخيط من نارﹴ ودخانﹴ إلى سقوف بيتنا
بجوار الجثث الماثلة على الجدران؟ وما هى المعجزة إذن؟
[ 24]
كيف لى أن أصف ما أرى نهر من الرماد
شجر من طلح يخرج من أحشاء نجوم الصيف سماء داعرة تطلق نكهتها فى رائحة السوط وشكل الجلادين وها هى
تشرب قهوتها قرب الجثث المغدورة فوق رمال الصحراء قيامات كثيرة وليست قيامة واحدة ونساء يتحلين بترقوة الشهداء
خلاخيل من أرغفة التأوهات وخبز الوجع الأزرق المصحون بزمردات الدمع الغامق وفضاء لا شكل له أو وزن يأخذ تخطيطات مدن عاد وثمود وإرم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد أمراء يشربون حليب الماعز الجبلى ويدخنون بشراهة ودموية كأنهم آلهة ولا ريب
أميرات يتناكحن ويتناسلن دونما رغبة أو مودة ويعطين أجسادهن لأول عابر لقاء نزوة طائشة ويكتبن على أبوابهن ومقاصيرهن
هذه مقاعد للسمع والطرب والغناء والفرح فمن أراد منكم أن يسترق السمع - وهو شهيد - فسوف يتبعه شهاب ثاقب والماء بيننا وبينكم علامة على الموت والحياة لا غير.
[ 25 ]
هل كتابة السنوات على منعرجات الأحجار ومنابع الرؤيا واكتشاف لحظة الخلق والجنون وشقائق النهار المبصرة وغير المبصرة كذلك لغة لا يفضحها سر ولا يزيغ عنها إلا هالك فلا تذاع على الناس
كافة
ولها مملكة بهيجة من التخيلات والرؤى وهى آفة تصيب كل عاشق بقدر ما يقترب منها ويبتعد فبها يحترق
وبها يبعث مرة أخرى عند كل دورة وفى كل قيامة؟
[ 26 ]
وحيداﹰ يتقدم قافلة اليأس ويزرع فوق الماء صدى حنجرة متقيحة بدمﹴ
كذبﹴ يترجل فوق رماد الورد على مدد من قامته ويصلى صلاة الغائب والشاهد ويؤاخى بين الرملة والصحراء فهل أرخى لعناقيد الظل غوايتها؟ أتراه إذن يعرف عدد الرمل ويمضى لفلاة متشعبة ويوازى ما بين القتلة والقتلى
وسماء البلد المعمور بماء القتلِ؟
فصل [ 27 ]
حان إذن وقت الصلوات...
يمسك حجراﹰ ويخط عليه تواريخ كواكب ميتة وبخارا
يصاعد من جسد يعرف حجم فجيعته ويمد لظل الأرض جنازته له الرماد كله والورد شباك على حديقة الدم له الغناء كله والوقت صلاة دائمة لمحبته ينحاز إلى لغة دامية ويؤرخ للكلمات على مزولة الشمس ويمسك بين يديه غبار الروح
فهل هذا جسد مغروس فى جسد موشوم بالرغبة وهواجس البكاء الأولى ونعمة الفرح العقيم؟!
فصل [ 28 ]
أتهيأ لكتابة مراسيمى بيدى وأفك عن جسمى سطوة الجنس وشهوة القراءات وأبحث عن خلية ناتئة لتكون مقامى هكذا أتخلص من بقية الرطوبة الأولى وأغتسل بماء الخلق والجنس ولا أحد يرانى
وأنزل إليكم متسخاﹰ بالبراءة الأولى والطفولة المتسخة وحلم الشموس المراوغة والقمر الرائق الأخاذ وأهبكم لعنة الحلمﹺ وأدور مثل نجمة غريقة على القاع تبحث عن عشبة غريقة فى القاع وتفتش عن بقية العبارة وأحابيل الرمز والمجاز لكى تفاجئكم لكنكم هناك تنظرون:
جثثاﹰ بلا رؤوس فأفر من صومعتى إليكم
وأدخل فى عباءة الطقوس ومراودات الأحلام ومذاود الأئمة الغاوين فكيف أباغتكم؟
فصل [ 29 ]
ها هى ذى دورة الفلك الأولى تمر فوق الأرض مثل شهوة معجونة بالنار فيخرج منها الماء والنازنج والدبق الأسود واليقطين والهواء
فهل أتى على حين من الدهر لم أكن غير توافقات اللغة ودوران الفلك الساكن وكتابة الخليقة بالماء الأجاج على ألواح الحمأ المسنون وانتظار لحظة الندم القادم والفرح المؤجل لإرادة المشيئة والمعرفة معاﹰ؟
فصل [ 30 ]
إذن...
كيف أصحبكم جميعكم إلى
كيف أردكم على أعقابكم مقهورين مغمورين وفرحين بما أنتم
فيه لا ما أنتم عليه
والماء بيننا نرجس يبيض فى الفراغ ويفقس مثل الدرن؟!
- وبينما أنا هالك هكذا -أخذت أحدق فى القاع وأترجل وأفتح أبواب جسمى وأغلقها وأسمع المصاريع وصدى المزاليج رأيت قططاﹰ تتقافز هنا وهناك وأقماراﹰ تصطدم بالنجوم والكواكب وشموساﹰ تنفجر انفجارات هائلة وإذﹾ بيد بيضاء تتقدم منى وتربت على كتفى وتأخذ بيمينى.
قلت: ما هذا...
أما من رحمة واحدة لتشملنا ونصيب بها من نشاء قالت: هو الباب فادخل
(1) محجر ألق يتزيا من السماء بالنجوم المرصعة والأرض بكتابة أبجديات الخلق والنطق وفرحة اكتشاف حروف جديدة مطمورة وغير مطمورة بين الرمل والماء.
( 2) ما بين الألف والسكون فرق شاسع وهول غير مأهول ونوم أشد يقظة من الصحو
وصحو أشد فتكاﹰ من الجبال وهى تندك دكاﹰ وتتكسر على مرأى من الشمس والقمر.
(3) ما بين حضور الألف وغياب السكون تتمخض الأرض عن شجرﹴ هالك وذرﹴ كثير من الناس
والحجارة المعجونة بالعظام النخرة والأرجل المدماة والبثور الناتئة.
(4) ما بين كل غياب وغياب
مرآة لزمان وغد وأرض مراوغة كامرأة غاوية لا ينفض عنها طالبوها
فلا هى تقترب منهم إلا بمقدار ولا هى تستسلم لهم بغواية بل ثمة غارات وحروب كثيرة أيضاﹰ ومواجع أفلا... تعطيهم مواعيد مستحيلة فيخلفونها؟!
فصل [ 32 ]
قلت: كيف تسكن الأرض والسماء تتكسر كل يوم قطعا كثيرة والنباتات تطاوح مثقلة فى الهواء بلا جذور ولا ثمر والشمس تتقيح تقيحات عميقة ولا حد لها
وأنا واقف أرتجف كالشعرة المعلقة فى فراغ ذاتها وأكتب تواريخى وأسمائى وأحصى عدد قياماتى وخياناتى.
م: الميم ماء غارق فى الرمل
يهدأ قلب الذاكرة وتشتعل بقية الحروف والأسماء التى سميتموها أنتم وآباؤكم وجع أبيض يغطى سماء المخيلة بالأعشاب والطحالب الخضراء والنوارس المقتولة والسمك الطائر المتوحش هل يشتعل الشجر الأخضر لكى تأتنس بالنار وتتقرب إليها تحت سمع النهار وبصره..
بقدر ما تتقرب إلى سماوات الوقت وأخوة الأضداد ونجوم القلب التى لا تعد؟
هذه صلوات الموتى انظر:
كيف يقفون صفوفاﹰ صفوفاﹰ ويشتعلون بالبكاء والسهر وبقية التراتيل والحجارة تطقطق طقطقات موارة وتطاير في كافة الأرجاء كأنها الجراد المنتشر ولا أحد يبالى فهل أقسم بمواقع الشمس والقمر وبقية النجوم لو انفلقت الأرض وانفطرت السماوات
وخرج شرر أخضر من الماء يهتز ويتراقص كأنه جان - ولى مدبراﹰ - لأخذ الناس يطاوحون فرادى وجماعات على الجثث المنثورة ويقيمون النذور لآلهتهم الورقية ويقدمون القرابين لأولياء نعمهم ولا يعبأون بوجع الأرض وتخثر الأجنة فى الأرحام
وتراهم كالخﹸشﹸب المسندة فلا يتكئون إلا على الفراغ الباهت ولا يتساندون إلا على الجثث البائدة.
فصل [ 34 ]
ها هى عربة يجرها الموتى وخيول الوقت ويسير خلفها الموتى اسمها الأرض...
جنازة دائمة وجثة متقيحة ولكنها تبيض وتفقس فى الأرحام. أعرف ها أنذا أغشى أعينكم بالغيبة الأولى والفجيعة ولا أجعل بينى وبينكم حجاباﹰ
ثم آخذكم لجحيمى وأنا ولكم أورادى وعرباتى المكسرة وهزائم بدنى المقيم وأصلى عليكم صلاة الشاهد والغائب ولا فرق لدى قد تكون السموات أقرب إليكم من حبل الوريد والأرض سلحفاة متحجرة فوق جبل عال اسمه اللذة والوجيعة أيها الجسد المتسربل بإيقاع الجسد وبقية الحيوات الأخرى
كيف تدخل حظيرة الجسد وأنت مقضى عليك بالموت والقطيعة؟!
أيتها المرأة:
كيف تسكنين إلى وليس لى عليك من سلطان أو محجة بيضاء؟!
ليس بينى وبينك غير ما يربط الليل بالنهار والنهار بالليل والشمس بالكواكب المنتشرة؟
وها هى ذى عربات الزمن الفارهة تنحدر بسرعة نحو الهاوية بينما أحصنة الموت الخشبية تقف شاخصة تتربص بين مصاعد الجسد ومهابطه.
هذه هى هجراته الدائمةﹸ ليس فيها شمس ولا نجوم فكيف يكون مقامى وكيف أحاول كتابة اسمى وتواريخ جسدى وهجرة بلدانى وغرق قاراتى والحروف غالبة على
ثمة بحر شاسع بينى وبينك لا يهدأ وبه سمك ميت وغرقى كثيرون وأمواج متلاطمة متزاحمة ورياح سود.
هلكت المراكب وانجرفت السفن فى السيل وطفا الضوء غريقاﹰ وتحول البحر إلى شياطين ومردة قاتلة قلت: أخطو خطوات لى
فإذا بى أتدلى في الفراغ ولا اسم لى أرسم توافقاتى ودوائر محبتى وكلما أسير فى اتجاه ما
أجده مغلقﹰا وغويطﹰا فأتراجع تراجع الخائف المنجرد وأتداخل فى جسمى كحشرة بغيضة إلى
غير أنى أسقط.. وأسقط.. وأسقط والفراغ خال كهوة
سحيقة وبئر بأدغال.
فصل [ 38 ]
رأيت شجرة عظيمة تنبت فى السماء وحولها خلق كثير عيونهم ملآنة بالتهاليل والهزيمة والنساء عرايا قلت: ما هذا؟ قالت: هؤلاء قوم فقدوا المحبة ثم انتشروا فى الأرض جوابين هيابين قلت: أبنى سفينة لهم وآخذهم جميعهم إلى هؤلاء رفاق لى وأخذت أجمع الأعشاب وألتقط من الأحجار ما يتيسر لى وأصل ما بين كل حجر وحجر بدمى
وأخيط ما بين كل خلية وخلية بمودتى وسنﹶنى وأشبك ما بين الأغصان بالأغصان لتكون سقيفة للسماوات والأرض والمرأة بجانبى وترجلت
فإذا بالماء يتفجر من كل جانب والأرض غارقة فى قشورها ونفاياتها.
فصل [ 39 ]
قال رجل كهل:
لمن تصنع الفلك ونحن غرقى؟ ومن يركب معنا؟
ألا ترى إلى الماء فى كل جانب ونحن من ألف سنة هنا ولا أحد يرانا وتقلبنا الشمس ذات اليمين وذات الشمال ونحن ننظر ببلاهة ورعب
نغطﹼ فى رقود هو إلى الموت أقرب منه إلى الحياة وإلى حياة ليس بينها وبين الموت سوى نفخة واحدة وبرزخﹴ وحيد قلت:
لقد أُلقى بنا فى متاهة غير مأهولة وركن مهمل من كون مهمل وغير مأهول إلى أن تقوم الساعة ألا ترى إلى الشجر وهو يخبىء براعمه فى جذوره والنهار يموت واقفاﹰ
والثمار حامضة تساقط وتهوي إلى الأرض.
فصل [ 40 ]
أخذنى الرجل وصعد بى إلى جبل عال وهو يصاعد أمامى وأنا أسير
خلفه
وكلما دنا خطوة اتسعت المسافة
والرمل يتقبقب قبقبات عميقة تتلوى كأعناق الحيات والأفاعى وفى كل خطوة تخرج علينا الوحوش بغتة ونحن لا نشعر فينهرها الرجل ويتمتم بكلمات
فإذا هى كالفراش المبثوث تتبعنا وتحلق من فوقنا ومن تحت أرجلنا وأنا أغذ الخطى والرجل يغذُّ الخطي.
فصل [ 41 ]
وكان فوق الجبل نهر من ماء غير آسن فقلت:
أشرب؟!
فقال لى: اشرب
فشربت شربة ملهوفةﹰ عجلانةﹰ ولما أرتوى بعد وكان أن أمتلأ جسمي بالدود والقروح وقد صار قلبى قابلاﹰ كل صورة والشمس حديقة مملوءة بالعناكب والمراكب الغارقة ورحت أدثر بالشمس فتدثر بى وترقد ما بين سرتى وعينى
وأجفف خرقى وسراويلى من البلل والبرودة وأمشط لها شعرها وأمسد جسدها بلسانى وعجين سرتها بريقى وهي تنام فى حجري هانئة وغير خائفة وأنا فرح بها ومأخوذ وهى فرحة بى ومأخوذة.
فصل [ 42 ]
أهذه هى - إذن - الشمس تنام بين سرتى وعينى ويلهو بها أطفالى وليس بينى وبينها حجاب أمشط لها شعرها على أريكة القلب وأفك عنها عقدة الليل والنهار
وأخرجها عن دائرة الألفة والعادة إلى حديقة الزمن والدوران هكذا على الأرصفة إلى ما لا نهاية والقمر أفليه بيمينى
وهو أخضر وأبيض وبه نساء من كل لون وجنس يقمن فيه ويتشحن بالخلاخيل والبنفسج ويتزين بالكحلِ والإثمد.
فصل [ 43 ]
ولما خفت على القمر أن يضيع منى وأنا ألهث خلف الرجل وعلى الشمس أن تفر إلى مساكن الغيبة فأعود إلى الظلمة ثانية
قطعت شرايينى وعلقتها أراجيح فى الفضاء وربطت الشمس فى ناحية ولففت بقية الشرايين حول عنقي وقلبى وأنا أصعد خلف الرجل ذى الوطء فتطلع الرجل ذاهلاﹰ إلي وأشار أن اتبعنى وإلا فالغرق آت لا محالة وأخذ العرق يتصبب
وتجمعت القطرات الصغيرة كما اللؤلؤ تدحرج إلى أن امتلأت الأنهار فتشبعت السحب بالبخار والبحر ليس بملآن.
فصل [ 44 ]
وقعدت أدعك جسمى بفصوص الحلم وشجر المحبة وأقول للرجل:
كيف أفرق نفسى وأجمعها إلى؟ كيف أبنى توافقاتى وألاقى محبتى الخاصة ولا حد لى؟ كيف أصعد إليكم وأهبط
وأنا فى مكانى ثابت لا أريم؟!
فصل [ 45 ]
أين هي المرأة...؟ فتقوم مقامى هذا
وكلما أنزلت عليها من مائى اهتزت وربت وأخرجت من كل شمسﹴ وقمرﹴ وهى مليئة بالنجوم والكواكب السيارة المترجرجة فى شعرها وذيل جلابيبها
وخواتهما الفصوص من اليواقيت والمرجان واللؤلؤ المكنون ولها ألف وجه ووجه وجسد وجسد ولها خرائط شتى وبها جنات وأنهار وعيون يتفجر منها الماء
وكلما دخلنا عليها وجدنا عندها من الطيبات والرزق ما يكفل أهل الأرض كلهم جميعاﹰ
ولها أصدقاء حميمون يطوفون عليها بالمودة والكلام الرحيم.
فصل [ 46 ]
أين هى المرأة فأحرثها بجسمى
وأفتش عن كل بذرة نيئة وحامضة فى أرضها فأنضجها بشمسى وأذريها بمذارتى وألف جسمها بجسمى وسرتها بسرتى وقلبى عليها يتفتت كلما غابت وآبت....
أو اختفت للحظة واحدة وبدت وفى آخر الليل ننام منطبقين كما تنطبق الأرض على السماء بها أُحرق وتحترق بى
ولها عرش عظيم من التخيلات والمباهج إذا دخلته حسبته لجة
من قوارير وزمردات تلمع وتتلألأ في غسق الليل والناس نيام.
فصل [ 47 ]
هل يكون لها من شغلٍ شاغل إلاى وهل يكون لى من شغل شاغل إلا هى..
وكلما أتيت إليها وجدت عندها رزقاﹰ كريماﹰ وقوماﹰ يأتنسون ويتسامرون فأقول لها: بخ... بخ...
فيك محياى ومماتى وبك يتم فرحى أقول: يا جنتى فتقول: ويا جحيمى أقول: أنت أرضى فتقول: ويا سمائى ويوم نبعث سنكون فى جنة عرضها السموات والأرض
وأهيىء لها نفسى فتهيىء لى رقدتى ومواقيتى.
فصل [ 48 ]
وتوقف الرجل فى مكانه
وأخذ سبع حصوات عجاف ورمى فى كل اتجاه حصوةﹰ فغامت الدنيا وأظلمت وانطفأت الكواكب وأنا أدعك عينى بالبكاء والسهر وقال لى: انظر:
هذه هى مدينة عاد الأولى ونظرت:
فإذا الموتى كلهم وقوف:
أعواد من الملح الجاف والكبريت الأحمر وكواكب من الحجارة المندثرة
شموس معلقة فى فراغ أزرق ولا نهائى وبلا ضوء رؤوس مدببة كأنها الإبر والحراب المسننة قمر أبيض صغير معلق فوق أرؤس مقطوعة
ومتدلية من البيوت والنوافذ ومشنوق من رقبته
وفى جبينه بقعتان من الدم الحامض المتجلط وكلما يغلسونه يزداد اتساخاﹰ.
فصل [ 49 ]
ها هو ذا القمر يجرجرونه على الرمال والأوتاد والحجارة ومنزلقات الوحل والرطوبة وهو يفتح فمه ويغلقها ويشهق شهقاته الأخيرة والسماء ثوب مهلهل وبه خروم كثيرة وهى تنزف ليل نهار بماء كالمهل يشوى الوجوه.
فصل [ 50 ]
وها هى ذى الأرض امرأة جميلة وعليها من النهار والليل ثوب بهيج وفوق ظهرها حشرات سود
تفح فحاﹰ غريباﹰ كأن بها حشرجة وهى تنهش من ثديها وجسدها وسرتها وفمها الجميل الحلو فلا يتبقى سوى سلسلة الظهر وبقية الأطراف وجداول صغيرة من الدماء تتفرق وتتجمع فى كل اتجاه وفى كل مرة تستغيث استغاثات مرعبة ولا أحد يسمع أو يرى..
والرجل يضحك ويهذى ويلف سراويلﹶه على منحدراته وأوديته ويتقلب فى الهواء كأنه جان
وأنا يقظ أتحسس جسد الأرض وأحفظ دقائق أوجهها وعجين سرتها ولا حول لى...
فقعدت تحت شجرة صغيرة من السنط وكانت الشمس جافة وأخذت أرتل تراتيلى وأصلى صلاةﹶ مودع..!!