استمع المواطن إلى نشرة الأخبار الزوالية، على شاشة التلفزة الملونة، التي بها خلل مدة تزيد عن الشهر. لم يستطع لحد الآن إصلاحه، فمرة تظهر الصورة واضحة بدون صوت، ومرة أخرى يجلجل الصوت وحده في فضاء الغرفة دون صورة وثالثة يغيبان معا، فيضطر إلى الربت على هيكل الجهاز، ثم الخبط بانفعال، فيستجيب حينا ويعصى أحيانا. تحدثت المذيعة الجميلة عن كوارث طبيعية, تقع في كل بقاع العالم، ووصفت حالة أناس تجرف أجسامهم وأثاثهم وبهائمهم سيول المياه الرصاصية الهائجة وآخرين يفرون من ألسنة النيران الراقصة في الهواء وثلة أخرى وقد تداعت أجسادها منهكة، تجاهد لفتح أفواهها طلبا لما تسد به الرمق،ثم ظهرت صور لذبابات ورجال مسلحين يطاردون رجالا ونساء وأطفالا، يطير بهم الخوف طيرانا، تلت ذالك أخبار عن رؤساء ووزراء، يحيون بعض الواقفين، وهم يبتسمون ثم ينبرون لإلقاء خطبهم، وسط عواصف التصفيق، ووميض آلات التصوير.
ثم رأى المواطن لقطات للاعبين يسجلون أهدافا في المرمى، ثم يتقافزون كالقردة ملوحين بأيديهم نحو الجماهير الهائجة. ولقطات عن امرأة مسنة ما زالت تحتفظ بجمالها وأناقتها، تمتلك قصورا ومعامل وضيعات وأرصدة في أبناك متعددة، إلا أنها تشعر بالوحدة، لأنها لم تجد رجلا وفيا يحبها لذاتها لا لمالها، لهذا أصبحت تفكر في الانتحار.
ولما بدأت مذيعة أخر مبتسمة كذالك وجميلة،تعلن عن حالة الطقس المنتظرة، ومن ورائها خريطة، كان المواطن قد بدأ يغفو. في بداية إغفاءة المواطن، كان مازال يحتفظ ببعض طزاجة ذهنه والقدرة على تسيير خواطره، فكر في أنه استسلم إلى التداعيات العادية، لا بد أن ينتهي به الأمر ككل مرة إلى الانغماس في أتون كوابيسه المرعبة، لذلك فكر أن يكون هذه المرة أذكى، فشرع في صنع حلمه بنفسه، اتصل بدار الإذاعة والتلفزيون شخصيا، سأل بالباب عن مذيعة نشرة أخبار الزوال ، طلبوا منه بطاقة هويته، واحتفظوا بها إلى حين خروجه، ثم ألصقوا بصدره"بادج" ودلوه على مكتب بالطابق الأول. وجد المذيعة ذاتها، غير أنها لم تكن مبتسمة كانت وكأنها تقوم لتوها من نوم عميق، قال لها:
ــ أريد عنوان السيدة المعذبة التي أذعت عنها خبرا في نشرة الزوال، والتي أضنتها الوحدة، فبدأت تفكر في الانتحار.
نظرت إليه نظرة مريبة، وخال أنها تبتسم في عمقها رغم أن لاشيء ارتسم على صفحة وجهها الذي بدا الآن أكثر يقظة، قالت له:
ــ أنا لا أمتلك عناويين، أقرأ الأخبار فقط.
ودلته على قسم التحرير، ومنه صعد إلى مكتب رئيس التحرير، ثم إلى مكتب المدير.
ولما غادر مبنى الإذاعة و التلفزة، بعد أن رد لهم "البادج" وردوا له بطاقة هويته،كان قد أجاب دون أن ينتبه على مئات الأسئلة، المتعلقة بحياته الخاصة والعامة، منذ ولد إلى أن قوس الزمان ظهره، ووخط الشيب فوديه.
أحس في الطريق وهو يسير أن شخصا يتبعه، غير أنه قال في نفسه، لربما كنت واهما فلم يعد هذا الأسلوب شائعا، ثم إنني لاأمتلك عجينا في بطني. سأل شرطي مرور عن السفارة وهنالك سألوه إن كان يريد تقديم طلب للحصول على التأشيرة، شرح لهم الأمر، فأحالوه على القسم الصحفي، ومنه ومنه إلى الملحق الصحفي .
هذا فأل خير.
كانت امرأة .
وقال في نفسه كذالك، كاذب من قال إن الدنيا تخلو من الحظ، لقد درست حتى طاب قلبي، ونلت شهادات، لكنني لم أحصل على وظيفة، تليق بالمقام، تجلسني على مكتب وثير، وتمنحني سكنى وسيارة مصلحة، واعتبارا بين الناس. كانت المرأة تتحدث بالعربية وتدخن بنشوة، وتستفسر بما يشبه الاستغراب الصادق، ثم أخيرا مكنته من العنوان.
استفاق المواطن من نومه، فوجد أن جهاز التلفزيون ما زال مشتعلا، ومذيع نحيف الجسد يقرأ نشرة الأخبار المسائية بانفعال.
كتب لها رسالة طيلة الليل، استحضر كل ما تعلمه من لغة أجنبية واستعان بالقواميس وكتب الرسائل، وانتهت الرسالة في حلتها الأخيرة مع انفلاق الفجر، ثم كان أول من دخل أول من دخل مكتب البريد صباحا، ليلفظه نحو المقهى، يشرب قهوته السوداء ويمص دخينته التبنية.
سيسدد في لبداية كل ديونه ... من استلفت منه مئة أرجع له ألفا، سينتقم من كل الذين أذوه أو من بعضهم على الأقل، لنقل بأنهم عشرة بينهم ثلاث نساء ، واحدة ... أو فلنترك ذالك الجمل باركا.
لن يجوع أبدا بعد اليوم ولن يعرى، ولن يخاف أبدا من القايد ولا من عميد الشرطة. سيصبح من الأعيان، وسينادونه في رحله وترحاله بالحاج، وسيفطر في الدار البيضاء ويتغذى في باريس، ويتعشى في القاهرة،سيشتري يختا ، وليأت بعد ذالك الموت، كما يقول دائما صديقه مصطفى بولعراس.
عاد إلى البيت، واستمع بإمعان إلى نشرة الأخبار الزوالية، وبانتهائها، بدأ يغفو، فسارع إلى صنع حلمه بنفسه، قبل أن تغدر به التداعيات العادية التي تقوده حتما إلى كوابيسه المرعبة.
بعد شهر أتاه الرد منها، عرف بأن اسمها فرانسواز خطها يشبه خط معلمة الفرنسية التي درسته ثلاث سنوات متتالية، قالت له: أين كنت تختفي كل هذه السنين؟ والتي ظللت أبحث فيها عنك، حتى قادني اليأس إلى التفكير في الانتحار، لكنها إرادة الرب.احضر حالا فأنا لا أستطيع الانتظار بعد. أحبك.
مع الرسالة ورقة توجهه إلى وكالة أسفار لسحب ورقة الطائرة وإلى بنك ليتسلم مقدارا ماليا.
كان مستعجلا، فلم يخط بدلته عند أشهر خياط في المدينة، بل اشتراها من محل يبيع بدلات جاهزة، ومع البدلة جوارب وقمصانا وثيابا داخلية وحذاء وساعة يدوية وبايبة.
نعم بايب، مثل ذالك الذي يستعمله الدكتور النفساني في قصة " ذالك الشيء" للكاتب أحمد بوزفور.
كان الآن هو والدكتور كلاهما يدخنان البايب في العيادة، هو مضطجع و الدكتور بمحاذاته يجلس على كرسي، قال الدكتور:
ــ هكذا إذن بدأت أنت أيضا تدخن البايب ، ثم بدأت تصنع أحلامك بنفسك. أنت ذكي، وهذا يتعبني كثيرا. أجاب بفتور:
ــ لست متأكدا هل كان الدكتور في القصة هو صاحب البايب أم المريض . ضحك الدكتور ثم قال مطمئنا:
ــ لكي تتأكد أرجع إلى القصة مرة ثانية، ما يهمني الآن هو أن أنصت إليك وأنت تتحدث لي كثيرا.
كان قد بدأ يغفو، وقبل أن يستسلم لتداعياته العادية، شرع في صنع حلمه بنفسه
.
ثم رأى المواطن لقطات للاعبين يسجلون أهدافا في المرمى، ثم يتقافزون كالقردة ملوحين بأيديهم نحو الجماهير الهائجة. ولقطات عن امرأة مسنة ما زالت تحتفظ بجمالها وأناقتها، تمتلك قصورا ومعامل وضيعات وأرصدة في أبناك متعددة، إلا أنها تشعر بالوحدة، لأنها لم تجد رجلا وفيا يحبها لذاتها لا لمالها، لهذا أصبحت تفكر في الانتحار.
ولما بدأت مذيعة أخر مبتسمة كذالك وجميلة،تعلن عن حالة الطقس المنتظرة، ومن ورائها خريطة، كان المواطن قد بدأ يغفو. في بداية إغفاءة المواطن، كان مازال يحتفظ ببعض طزاجة ذهنه والقدرة على تسيير خواطره، فكر في أنه استسلم إلى التداعيات العادية، لا بد أن ينتهي به الأمر ككل مرة إلى الانغماس في أتون كوابيسه المرعبة، لذلك فكر أن يكون هذه المرة أذكى، فشرع في صنع حلمه بنفسه، اتصل بدار الإذاعة والتلفزيون شخصيا، سأل بالباب عن مذيعة نشرة أخبار الزوال ، طلبوا منه بطاقة هويته، واحتفظوا بها إلى حين خروجه، ثم ألصقوا بصدره"بادج" ودلوه على مكتب بالطابق الأول. وجد المذيعة ذاتها، غير أنها لم تكن مبتسمة كانت وكأنها تقوم لتوها من نوم عميق، قال لها:
ــ أريد عنوان السيدة المعذبة التي أذعت عنها خبرا في نشرة الزوال، والتي أضنتها الوحدة، فبدأت تفكر في الانتحار.
نظرت إليه نظرة مريبة، وخال أنها تبتسم في عمقها رغم أن لاشيء ارتسم على صفحة وجهها الذي بدا الآن أكثر يقظة، قالت له:
ــ أنا لا أمتلك عناويين، أقرأ الأخبار فقط.
ودلته على قسم التحرير، ومنه صعد إلى مكتب رئيس التحرير، ثم إلى مكتب المدير.
ولما غادر مبنى الإذاعة و التلفزة، بعد أن رد لهم "البادج" وردوا له بطاقة هويته،كان قد أجاب دون أن ينتبه على مئات الأسئلة، المتعلقة بحياته الخاصة والعامة، منذ ولد إلى أن قوس الزمان ظهره، ووخط الشيب فوديه.
أحس في الطريق وهو يسير أن شخصا يتبعه، غير أنه قال في نفسه، لربما كنت واهما فلم يعد هذا الأسلوب شائعا، ثم إنني لاأمتلك عجينا في بطني. سأل شرطي مرور عن السفارة وهنالك سألوه إن كان يريد تقديم طلب للحصول على التأشيرة، شرح لهم الأمر، فأحالوه على القسم الصحفي، ومنه ومنه إلى الملحق الصحفي .
هذا فأل خير.
كانت امرأة .
وقال في نفسه كذالك، كاذب من قال إن الدنيا تخلو من الحظ، لقد درست حتى طاب قلبي، ونلت شهادات، لكنني لم أحصل على وظيفة، تليق بالمقام، تجلسني على مكتب وثير، وتمنحني سكنى وسيارة مصلحة، واعتبارا بين الناس. كانت المرأة تتحدث بالعربية وتدخن بنشوة، وتستفسر بما يشبه الاستغراب الصادق، ثم أخيرا مكنته من العنوان.
استفاق المواطن من نومه، فوجد أن جهاز التلفزيون ما زال مشتعلا، ومذيع نحيف الجسد يقرأ نشرة الأخبار المسائية بانفعال.
كتب لها رسالة طيلة الليل، استحضر كل ما تعلمه من لغة أجنبية واستعان بالقواميس وكتب الرسائل، وانتهت الرسالة في حلتها الأخيرة مع انفلاق الفجر، ثم كان أول من دخل أول من دخل مكتب البريد صباحا، ليلفظه نحو المقهى، يشرب قهوته السوداء ويمص دخينته التبنية.
سيسدد في لبداية كل ديونه ... من استلفت منه مئة أرجع له ألفا، سينتقم من كل الذين أذوه أو من بعضهم على الأقل، لنقل بأنهم عشرة بينهم ثلاث نساء ، واحدة ... أو فلنترك ذالك الجمل باركا.
لن يجوع أبدا بعد اليوم ولن يعرى، ولن يخاف أبدا من القايد ولا من عميد الشرطة. سيصبح من الأعيان، وسينادونه في رحله وترحاله بالحاج، وسيفطر في الدار البيضاء ويتغذى في باريس، ويتعشى في القاهرة،سيشتري يختا ، وليأت بعد ذالك الموت، كما يقول دائما صديقه مصطفى بولعراس.
عاد إلى البيت، واستمع بإمعان إلى نشرة الأخبار الزوالية، وبانتهائها، بدأ يغفو، فسارع إلى صنع حلمه بنفسه، قبل أن تغدر به التداعيات العادية التي تقوده حتما إلى كوابيسه المرعبة.
بعد شهر أتاه الرد منها، عرف بأن اسمها فرانسواز خطها يشبه خط معلمة الفرنسية التي درسته ثلاث سنوات متتالية، قالت له: أين كنت تختفي كل هذه السنين؟ والتي ظللت أبحث فيها عنك، حتى قادني اليأس إلى التفكير في الانتحار، لكنها إرادة الرب.احضر حالا فأنا لا أستطيع الانتظار بعد. أحبك.
مع الرسالة ورقة توجهه إلى وكالة أسفار لسحب ورقة الطائرة وإلى بنك ليتسلم مقدارا ماليا.
كان مستعجلا، فلم يخط بدلته عند أشهر خياط في المدينة، بل اشتراها من محل يبيع بدلات جاهزة، ومع البدلة جوارب وقمصانا وثيابا داخلية وحذاء وساعة يدوية وبايبة.
نعم بايب، مثل ذالك الذي يستعمله الدكتور النفساني في قصة " ذالك الشيء" للكاتب أحمد بوزفور.
كان الآن هو والدكتور كلاهما يدخنان البايب في العيادة، هو مضطجع و الدكتور بمحاذاته يجلس على كرسي، قال الدكتور:
ــ هكذا إذن بدأت أنت أيضا تدخن البايب ، ثم بدأت تصنع أحلامك بنفسك. أنت ذكي، وهذا يتعبني كثيرا. أجاب بفتور:
ــ لست متأكدا هل كان الدكتور في القصة هو صاحب البايب أم المريض . ضحك الدكتور ثم قال مطمئنا:
ــ لكي تتأكد أرجع إلى القصة مرة ثانية، ما يهمني الآن هو أن أنصت إليك وأنت تتحدث لي كثيرا.
كان قد بدأ يغفو، وقبل أن يستسلم لتداعياته العادية، شرع في صنع حلمه بنفسه
.