تقليد قديم :
هناك تقليد قديم استنه بعض الشعراء و وهو ان يكلف الشاعر صديقا من اصدقائه بتقديم ديوانه للقراء مشفوعا بترجمة عن حياة الشاعر , ومشفوعا بتقريظ لشاعريته ,,,
وصاحب هذا الديوان له كثير من الأصدقاء ومن بينهم (( أولاد دفعته )) ولكنه عدل عن الجميع , وخالف هذا التقليد القديم لأنه تكلف لا يقدم ولا يؤخر شيئا في تقييم الشعر , وذلك ان رأى الفرد مهما كانت – مكانته الأدبية ومهما كان صائبا ليس مقياسا كليا مقنعا في نقد الشاعر أو إطرائه , وإنما العمل الفكري الأدبي ميراث ميراث مشترك بين الشاعر وجمهرة القراء , ولكل قارئ ناقد لرأيه , ولذا فقد آثرت ان أقدم شعري وترجمة حياتي بنفسي لأعرف الناس بحقيقة نفسي , وما انطوى عليه شعري , ولئن اطرح شعري امام الرأي العام ليقول فيه كلمته , خير لي من اطرحه امام فرد ليكون حكما فيه ,,,
لمحة من حياتي :-
ولدت في مدينة أمدرمان – حي ود نوباوي عام 1915م . وفي السابعة من عمري دفع بي أبي إلى معلم القرآن وهي " خلوة قرآن "المشهورة بخلوة " الفكي محمد احمد " بحي ود نوباوي ,,
وفي الخلوة تعلمت مبادئ القراءة والكتابة , ثم حفظت القرآن الكريم ولا زلت اذكر كيف تعلمت مبادئ فك الخط العربي , فقد اسند أمر تعليمي إلى حوار متمرس بالقراءة والكتابة وتحت ظل شجرة " الهجليج " الظليلة في بيت " شيخ الحيران " جلست كغيري على ارض مفروشة " بالرمل الأحمر " وقد امسك شيخي بأصبعي وحطه على " الرمل ليعلمني كتابة الحروف الهجائية " " أ ,ب ,ت , ث , الخ " ثم با جاب ألف " الخ وبعد ان حفظت الحروف الهجائية كتابة ونظماً وفقهت تركيب الجمل العربية المفيدة , حملت لوحا من الحطب البلدي , وطلب مني شيخي ان امحوه بالماء ثم اجلوه بالحبر الأبيض , ثم امسك شيخي باللوح وأجرى عليه سطوراً على عرض اللوح بنواة التمر , لأكتب على التسطير آيات من القرآن الكريم وهي المرحلة التي تسمى بمرحلة "الرمية " أي إملاء الرمية على التلميذ , وكنا نكتب ما يملي علينا يسمونه " العرضة " نسمعه ما حفظناه , ثم نمحو ما حفظناه من سورة "البقرة " إلى سورة الناس ".
وفي كل ربع من أرباع القرآن , وفي كل ختمه , كانت أمي رحمها الله وأكرمها في آخرتها بكرامة القرآن تصنع لي " الكرامة " ابتهاجا بختمي للقرآن والكرامة هي عبارة عن "عصيدة " من الذرة السوداني أدامها من اللبن " الرائب " والمسلى تقدم كوجبة إلى " حيران " الخلوة ,,,
أما الشيخ " الفكي " فإن هديته كميات من التمر والسكر والشاي , ولما ختمت القرآن ثلاثة ختمات وجدت نفسي من حفظة كتاب الله , ومن ثم تطلعت إلى علم القراءات أي تجويد القرآن فقرأت منظومة الشاطبية ومتن " الخراز " على يد شيخنا عثمان المصري الضرير رحمه الله الذي كان في زيارة للسودان لم تدم طويلا , ثم علم القراءات مع الأستاذ إبراهيم الحاج ,,,,,,,
في المعهد بأمدرمان :
وكان لابد لي من ان أتناول قسطا من العلم الديني وفقه اللغة العربية وقواعدها . فالتحقت طالبا بمعهد أمدرمان العلمي عام 1939م , وكان من أهم شروط الالتحاق بالمعهد العلمي ان يكون الطالب حافظا للقرآن أو شبه حافظ , ذلك ان منهج الدراسات في المعهد القديم كان على منهج الأزهر الشريف .
وكانت أنظمة الدراسة في معهد أمدرمان القديم تبدأ من السنة الأولى إلى الرابعة مما يعادل المدارس الوسطى , ومن الرابعة إلى الثامنة مما يعادل الثانوي , ومن الثامنة إلى الثانية عشر مما يعادل الدراسات العليا وتسمى الشهادة العليا هذه بالشهادة العالمية .
وفي عام 1949م تخرجت في المعهد العلمي كواحد من المعهديين لم اجد وظيفة في سلك الحكومة لأن حكومة الإنجليز في السودان سدت الطريق امام خريجي المعهد , وفتحت الطريق امام خريجي مدارسها وهي خطة انجليزية مرسومة لمحاربة التعليم الديني في السودان .
وظللت بضع سنوات في كشف العطالة وأوحت لي العطالة ان اكتب سلسلة من المقالات على صفحات " جريدة " النيل اليومية " أدافع فيها عن قضايا خريجي المعهد , ويبدو ان مقالاتي سببت بعض الإزعاج للسلطة الإنجليزية وسرعان ما أوقف قلم الرقابة الانجليزية " مكتب السكرتير الإداري " مقالتي . ومن ثم اتجهت إلى الصحف المصرية فنشرت لي جريدة " المصري " سلسلة من المقالات كنت أطالب فيها بضم المعهد إلى الأزهر الشريف , وكان على راس جريدة المصري المرحوم الدكتور محمد منور الذي شدَ على يدي , وفتح لي صفحات المصري ثم نشرت سلسله أخرى عن سياسة الانجليز في السودان عن التعليم الديني على – صفحات جريدة منبر الشرق لصاحبها المرحوم علي الغاياتي .
هذا ولم يفتح طريق الوظائف الحكومية امام المعهديين إلا بعد جلاء الإنجليز من السودان وصوفية نظمتها في مراحل مختلفة مراحل حياتي منها مرحلة الشباب ومنها مرحلة الكهولة .
ولم امدح الملوك والزعماء ولست من المادحين الذين قال الرسول (ص) فيهم " حثوا على المادحين التراب " ولكني مدحت رسول الله (ص) لأنه سيد الملوك. ومدحت الإمام المهدي لأنه خليفته المشار إليه في أحاديثه وصاحب الصحوة الدينية التي لم يسبق لها مثيل في السودان وبكيت أبي وأمي وهما اعز الناس إلى نفسي ثم بكيت بعض شخصيات تستحق البكاء , أما الهجاء فقد نزهت لساني عنه .
في هذا الديوان قصائد انتقدت فيها الصحف أيام حكومات الأحزاب وما دار حولها من اتهامات .
وفي هذا الديوان قصائد رباعية , وخماسية , وتناولت فيها شتى القضايا والموضوعات والخواطر اليومية .
لقد كتبت جل قصائد هذا الديوان بأسلوب الشعر المقفى وهي المدرسة الأولى التي علمتني كتابة الشعر الأصيل .
أما كتابة الشعر بأسلوب المدرسة الحديثة فقد دخلت في هذه التجربة ونجحت تجربتي فقد كتبته بأسلوب يختلف اختلافا كليا عن ما يكتبه الآخرون من رواد المدرسة وأمامكم تجربتي لتحكموا لها أو عليها .
والله الموفق ,,,
تم الفراغ من كتابة الديوان في أمدرمان (المهدية) في يوليو 1984م
هناك تقليد قديم استنه بعض الشعراء و وهو ان يكلف الشاعر صديقا من اصدقائه بتقديم ديوانه للقراء مشفوعا بترجمة عن حياة الشاعر , ومشفوعا بتقريظ لشاعريته ,,,
وصاحب هذا الديوان له كثير من الأصدقاء ومن بينهم (( أولاد دفعته )) ولكنه عدل عن الجميع , وخالف هذا التقليد القديم لأنه تكلف لا يقدم ولا يؤخر شيئا في تقييم الشعر , وذلك ان رأى الفرد مهما كانت – مكانته الأدبية ومهما كان صائبا ليس مقياسا كليا مقنعا في نقد الشاعر أو إطرائه , وإنما العمل الفكري الأدبي ميراث ميراث مشترك بين الشاعر وجمهرة القراء , ولكل قارئ ناقد لرأيه , ولذا فقد آثرت ان أقدم شعري وترجمة حياتي بنفسي لأعرف الناس بحقيقة نفسي , وما انطوى عليه شعري , ولئن اطرح شعري امام الرأي العام ليقول فيه كلمته , خير لي من اطرحه امام فرد ليكون حكما فيه ,,,
لمحة من حياتي :-
ولدت في مدينة أمدرمان – حي ود نوباوي عام 1915م . وفي السابعة من عمري دفع بي أبي إلى معلم القرآن وهي " خلوة قرآن "المشهورة بخلوة " الفكي محمد احمد " بحي ود نوباوي ,,
وفي الخلوة تعلمت مبادئ القراءة والكتابة , ثم حفظت القرآن الكريم ولا زلت اذكر كيف تعلمت مبادئ فك الخط العربي , فقد اسند أمر تعليمي إلى حوار متمرس بالقراءة والكتابة وتحت ظل شجرة " الهجليج " الظليلة في بيت " شيخ الحيران " جلست كغيري على ارض مفروشة " بالرمل الأحمر " وقد امسك شيخي بأصبعي وحطه على " الرمل ليعلمني كتابة الحروف الهجائية " " أ ,ب ,ت , ث , الخ " ثم با جاب ألف " الخ وبعد ان حفظت الحروف الهجائية كتابة ونظماً وفقهت تركيب الجمل العربية المفيدة , حملت لوحا من الحطب البلدي , وطلب مني شيخي ان امحوه بالماء ثم اجلوه بالحبر الأبيض , ثم امسك شيخي باللوح وأجرى عليه سطوراً على عرض اللوح بنواة التمر , لأكتب على التسطير آيات من القرآن الكريم وهي المرحلة التي تسمى بمرحلة "الرمية " أي إملاء الرمية على التلميذ , وكنا نكتب ما يملي علينا يسمونه " العرضة " نسمعه ما حفظناه , ثم نمحو ما حفظناه من سورة "البقرة " إلى سورة الناس ".
وفي كل ربع من أرباع القرآن , وفي كل ختمه , كانت أمي رحمها الله وأكرمها في آخرتها بكرامة القرآن تصنع لي " الكرامة " ابتهاجا بختمي للقرآن والكرامة هي عبارة عن "عصيدة " من الذرة السوداني أدامها من اللبن " الرائب " والمسلى تقدم كوجبة إلى " حيران " الخلوة ,,,
أما الشيخ " الفكي " فإن هديته كميات من التمر والسكر والشاي , ولما ختمت القرآن ثلاثة ختمات وجدت نفسي من حفظة كتاب الله , ومن ثم تطلعت إلى علم القراءات أي تجويد القرآن فقرأت منظومة الشاطبية ومتن " الخراز " على يد شيخنا عثمان المصري الضرير رحمه الله الذي كان في زيارة للسودان لم تدم طويلا , ثم علم القراءات مع الأستاذ إبراهيم الحاج ,,,,,,,
في المعهد بأمدرمان :
وكان لابد لي من ان أتناول قسطا من العلم الديني وفقه اللغة العربية وقواعدها . فالتحقت طالبا بمعهد أمدرمان العلمي عام 1939م , وكان من أهم شروط الالتحاق بالمعهد العلمي ان يكون الطالب حافظا للقرآن أو شبه حافظ , ذلك ان منهج الدراسات في المعهد القديم كان على منهج الأزهر الشريف .
وكانت أنظمة الدراسة في معهد أمدرمان القديم تبدأ من السنة الأولى إلى الرابعة مما يعادل المدارس الوسطى , ومن الرابعة إلى الثامنة مما يعادل الثانوي , ومن الثامنة إلى الثانية عشر مما يعادل الدراسات العليا وتسمى الشهادة العليا هذه بالشهادة العالمية .
وفي عام 1949م تخرجت في المعهد العلمي كواحد من المعهديين لم اجد وظيفة في سلك الحكومة لأن حكومة الإنجليز في السودان سدت الطريق امام خريجي المعهد , وفتحت الطريق امام خريجي مدارسها وهي خطة انجليزية مرسومة لمحاربة التعليم الديني في السودان .
وظللت بضع سنوات في كشف العطالة وأوحت لي العطالة ان اكتب سلسلة من المقالات على صفحات " جريدة " النيل اليومية " أدافع فيها عن قضايا خريجي المعهد , ويبدو ان مقالاتي سببت بعض الإزعاج للسلطة الإنجليزية وسرعان ما أوقف قلم الرقابة الانجليزية " مكتب السكرتير الإداري " مقالتي . ومن ثم اتجهت إلى الصحف المصرية فنشرت لي جريدة " المصري " سلسلة من المقالات كنت أطالب فيها بضم المعهد إلى الأزهر الشريف , وكان على راس جريدة المصري المرحوم الدكتور محمد منور الذي شدَ على يدي , وفتح لي صفحات المصري ثم نشرت سلسله أخرى عن سياسة الانجليز في السودان عن التعليم الديني على – صفحات جريدة منبر الشرق لصاحبها المرحوم علي الغاياتي .
هذا ولم يفتح طريق الوظائف الحكومية امام المعهديين إلا بعد جلاء الإنجليز من السودان وصوفية نظمتها في مراحل مختلفة مراحل حياتي منها مرحلة الشباب ومنها مرحلة الكهولة .
ولم امدح الملوك والزعماء ولست من المادحين الذين قال الرسول (ص) فيهم " حثوا على المادحين التراب " ولكني مدحت رسول الله (ص) لأنه سيد الملوك. ومدحت الإمام المهدي لأنه خليفته المشار إليه في أحاديثه وصاحب الصحوة الدينية التي لم يسبق لها مثيل في السودان وبكيت أبي وأمي وهما اعز الناس إلى نفسي ثم بكيت بعض شخصيات تستحق البكاء , أما الهجاء فقد نزهت لساني عنه .
في هذا الديوان قصائد انتقدت فيها الصحف أيام حكومات الأحزاب وما دار حولها من اتهامات .
وفي هذا الديوان قصائد رباعية , وخماسية , وتناولت فيها شتى القضايا والموضوعات والخواطر اليومية .
لقد كتبت جل قصائد هذا الديوان بأسلوب الشعر المقفى وهي المدرسة الأولى التي علمتني كتابة الشعر الأصيل .
أما كتابة الشعر بأسلوب المدرسة الحديثة فقد دخلت في هذه التجربة ونجحت تجربتي فقد كتبته بأسلوب يختلف اختلافا كليا عن ما يكتبه الآخرون من رواد المدرسة وأمامكم تجربتي لتحكموا لها أو عليها .
والله الموفق ,,,
تم الفراغ من كتابة الديوان في أمدرمان (المهدية) في يوليو 1984م