* إهداء إلى صديقي الغالي الأديب المهدي نقـــــوس
على وقع خطى العمر
يتوسد القلب النبض
ولا يجيد سوى لغة الأحلام
على شرفة الليل تضع عنها أحزان المساء . تخيط من لحاف الحلم رداء للفرح المأمول ، تطرزه بشغف طفولي ، و أنامل من ضياء ، ترسم أحلاما مرجأة ، تشتهي كل الألوان البراقة . تنظم الخرزات ، تزخرف همسها تلونه بوهج السماوات ، ونزوات الأمنيات الدفينة ، وتبخر أحلامها بجيم الرجاء .. ليس لها سوى تعويذة الصحو ترددها وكلها دعاء .. ترجو أبواب السماء بأن تمن عليها بفرحة .
تبدو له في آخر الطريق عند زاوية الحلم ، آيبة أو ذاهبة بوزرتها المدرسية ، ومحفظتها التي تضمها إلى صدرها ، كأنما تحبس بها نهديها المتبرعمين عن النمو ، وتخفي بلوغها الحذر كى لا تغادر طفولتها الحالمة ، كم حلم بأن يكون مكان تلك المحفظة لينال ودا كان عسيرا لحد تلك الساعة . تمضي أمامه بخيلاء ، يتتبع خطوها كوليد يتلمس طريق أمه ، يتأمل الجسد البتول ، يتلصص على الوجه الصبوح ، يتنسم من بعيد العطر الفواح ، والشعر الذهبي المسبسب المرسل بأريحية على ملكوت الظهر ، والعينين النجلاوين الناعستين وهي تخفضهما في خفر كلما التفتا بنظرته الخاطفة
خطوة خطوة يصنع فرحا جديدا ، ينتظر بشوق كبير أن تمنيه بنظرة محملة بكل شجن الحب البريء . تسير غير مبالية و لا ملتفتة ، بخطى متعالية وواثقة تدوس بطرف كعب حذائها جغرافيا طفولته وما وسعت ، في كل خطوة منها كان قلبه ينساب عشقا ، يضخ أحلاما طفولية طرية مشبعة بالفرح والدهشة ، ويتفتت في صمت جسور . تبدو له بدرا ينير سبيله ، ثم يرنو إلى الأفق الممتد المحمل بذرات الفوسفاط ، ويعود من حيث أتى ، يجر أذيال الخيبة ، وأحلامه المنكسة تقطر عمره المحبط سنة تلو أخرى نحو شريعة المستحيل ، متمنيا أن يكون غده أفضل من سابقه
يغيب في دهاليز الحياة، وكلما تذكرها هفا القلب الكسير شوقا يسائله في أي زقاق من أزقة الحياة كانت تختبئ الخيبات ، وعلى أية صخرة ترتطم انكسارات العمر العاثر ..
هل مازالت تتذكر ذاك الصبي المولع بتتبع خطوها في حلها وترحالها ؟
هل كان يهفو للالتقاء بها ولو في منعرجات الحلم الرحيم ؟
هل كانت تتعمد اقتحام طريقه كل مرة حتى يراها وتراه مخافة افتضاح سرها ؟
وهل كانت تعرف وله صاحبنا الهيمان ، وهو يعانق عريها الماجن يتسلل خفية إلى مضجعه تحت سدول الليالي الموحشة حتى مطلع صحوته؟
كان يحلم فقط ؛ لأن الحلم لا ضريبة عليه . فالحرمان والأمل مجانيان لكل من خاب أمله المراوغ ، وحرم لذة الفوز بأمله المنشود . ظل ذلك سره الذي خبأه في جوف القلب لا يستأمن عليه أحدا.
وعلى حين غرة ، حين يسخر منك القدر فيحقق لك أمنية مقدسة كانت تتربع على قلبك ، فإنها تأتي بعد أربعين او خمسين سنة ، " أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا " ، وجها لوجه يتوقف الزمن ، وتنبثق بكامل فيوض أنوثتها الطافحة وبسمتها المخفورة بوعول المسرات من بين سجوف الغياب ، ويستحضر الشيخ صبيته المليحة ، الفاتنة الممشوقة القوام وهي تتأبط عمرها الآبق . كم كانت فرحته عارمة وعميقة وجياشة وعنيفة وهي تحمله على بساط الحنين والمباغثة إلى أعوام صبا ذلك الشاب الخجول ، الذي عشق محبوبته في صمت وما تجرأ على البوح في حضرتها أو حتى غامر برسالة أو إشارة ، فتدفق الدم في العروق وضخ القلب الذي عاد للنبض من جديد.
لكن الفرحة كانت أكثر من دهشة اللقاء . غابت ملامح تلك الجميلة ليجد نفسه أمام امرأة ناضجة ، أضفى عليها العمر فتنة كاملة ، و دوزنت كل أحلامها على إيقاع خرزاتها القزحية الألوان ، تصنع منها أباجورات وشمعدانات وعلب ومزهريات جميلة ؛ تتحايل بها على الوقت . و تعد أحلامها الماضية ، وترمم بقايا من العمر بقناعة صوفية من أهل الطريقة .
فتحت قلبها له ، و دبج لها حكايات طويلة عن أيام الصبا التي تذكرها بذلك الصبي العاشق ، الذي تجاوز الحلم و سعى لجعله حقيقة مطلقة لولا عنت الأهل الذين أقبروا حلمه في مهده بفوضى أعراف وتقاليد وتهيؤات ، أخبرته أن قلبها لم يرفرف لأحد و مازالت على بوابة العشق تنتظر رغم الخسارات وعسف الزمان .
مريم بن بخثة
25 – 04 - 2017
على وقع خطى العمر
يتوسد القلب النبض
ولا يجيد سوى لغة الأحلام
على شرفة الليل تضع عنها أحزان المساء . تخيط من لحاف الحلم رداء للفرح المأمول ، تطرزه بشغف طفولي ، و أنامل من ضياء ، ترسم أحلاما مرجأة ، تشتهي كل الألوان البراقة . تنظم الخرزات ، تزخرف همسها تلونه بوهج السماوات ، ونزوات الأمنيات الدفينة ، وتبخر أحلامها بجيم الرجاء .. ليس لها سوى تعويذة الصحو ترددها وكلها دعاء .. ترجو أبواب السماء بأن تمن عليها بفرحة .
تبدو له في آخر الطريق عند زاوية الحلم ، آيبة أو ذاهبة بوزرتها المدرسية ، ومحفظتها التي تضمها إلى صدرها ، كأنما تحبس بها نهديها المتبرعمين عن النمو ، وتخفي بلوغها الحذر كى لا تغادر طفولتها الحالمة ، كم حلم بأن يكون مكان تلك المحفظة لينال ودا كان عسيرا لحد تلك الساعة . تمضي أمامه بخيلاء ، يتتبع خطوها كوليد يتلمس طريق أمه ، يتأمل الجسد البتول ، يتلصص على الوجه الصبوح ، يتنسم من بعيد العطر الفواح ، والشعر الذهبي المسبسب المرسل بأريحية على ملكوت الظهر ، والعينين النجلاوين الناعستين وهي تخفضهما في خفر كلما التفتا بنظرته الخاطفة
خطوة خطوة يصنع فرحا جديدا ، ينتظر بشوق كبير أن تمنيه بنظرة محملة بكل شجن الحب البريء . تسير غير مبالية و لا ملتفتة ، بخطى متعالية وواثقة تدوس بطرف كعب حذائها جغرافيا طفولته وما وسعت ، في كل خطوة منها كان قلبه ينساب عشقا ، يضخ أحلاما طفولية طرية مشبعة بالفرح والدهشة ، ويتفتت في صمت جسور . تبدو له بدرا ينير سبيله ، ثم يرنو إلى الأفق الممتد المحمل بذرات الفوسفاط ، ويعود من حيث أتى ، يجر أذيال الخيبة ، وأحلامه المنكسة تقطر عمره المحبط سنة تلو أخرى نحو شريعة المستحيل ، متمنيا أن يكون غده أفضل من سابقه
يغيب في دهاليز الحياة، وكلما تذكرها هفا القلب الكسير شوقا يسائله في أي زقاق من أزقة الحياة كانت تختبئ الخيبات ، وعلى أية صخرة ترتطم انكسارات العمر العاثر ..
هل مازالت تتذكر ذاك الصبي المولع بتتبع خطوها في حلها وترحالها ؟
هل كان يهفو للالتقاء بها ولو في منعرجات الحلم الرحيم ؟
هل كانت تتعمد اقتحام طريقه كل مرة حتى يراها وتراه مخافة افتضاح سرها ؟
وهل كانت تعرف وله صاحبنا الهيمان ، وهو يعانق عريها الماجن يتسلل خفية إلى مضجعه تحت سدول الليالي الموحشة حتى مطلع صحوته؟
كان يحلم فقط ؛ لأن الحلم لا ضريبة عليه . فالحرمان والأمل مجانيان لكل من خاب أمله المراوغ ، وحرم لذة الفوز بأمله المنشود . ظل ذلك سره الذي خبأه في جوف القلب لا يستأمن عليه أحدا.
وعلى حين غرة ، حين يسخر منك القدر فيحقق لك أمنية مقدسة كانت تتربع على قلبك ، فإنها تأتي بعد أربعين او خمسين سنة ، " أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا " ، وجها لوجه يتوقف الزمن ، وتنبثق بكامل فيوض أنوثتها الطافحة وبسمتها المخفورة بوعول المسرات من بين سجوف الغياب ، ويستحضر الشيخ صبيته المليحة ، الفاتنة الممشوقة القوام وهي تتأبط عمرها الآبق . كم كانت فرحته عارمة وعميقة وجياشة وعنيفة وهي تحمله على بساط الحنين والمباغثة إلى أعوام صبا ذلك الشاب الخجول ، الذي عشق محبوبته في صمت وما تجرأ على البوح في حضرتها أو حتى غامر برسالة أو إشارة ، فتدفق الدم في العروق وضخ القلب الذي عاد للنبض من جديد.
لكن الفرحة كانت أكثر من دهشة اللقاء . غابت ملامح تلك الجميلة ليجد نفسه أمام امرأة ناضجة ، أضفى عليها العمر فتنة كاملة ، و دوزنت كل أحلامها على إيقاع خرزاتها القزحية الألوان ، تصنع منها أباجورات وشمعدانات وعلب ومزهريات جميلة ؛ تتحايل بها على الوقت . و تعد أحلامها الماضية ، وترمم بقايا من العمر بقناعة صوفية من أهل الطريقة .
فتحت قلبها له ، و دبج لها حكايات طويلة عن أيام الصبا التي تذكرها بذلك الصبي العاشق ، الذي تجاوز الحلم و سعى لجعله حقيقة مطلقة لولا عنت الأهل الذين أقبروا حلمه في مهده بفوضى أعراف وتقاليد وتهيؤات ، أخبرته أن قلبها لم يرفرف لأحد و مازالت على بوابة العشق تنتظر رغم الخسارات وعسف الزمان .
مريم بن بخثة
25 – 04 - 2017