عدى أسماء معدودة ومعروفة على المستويين البحريني والخليجي، لايزال المشهد الثقافي في البحرين يشكو قلة المشتغلين على أدب الأطفال؛ مسرحاً وشعراً وقصة. ورغم تعلل كثير من الأدباء بأسباب وجيهة تصرفهم عن الكتابة للطفل، أبرزها عدم وجود الجهة الرسمية أو الأهلية التي تتبنى كتاباتهم، إلا أن الصورة محبطة بدرجة كبيرة. فرغم أن الكتابة للطفل في البحرين بدأت منذ عقود، لايزال المشهد ساكناً دون حركة. فلم نشهد في السنوات الأخيرة أصواتاً جديدة، بل إن كثيرين من المشتغلين ترجلوا عن أفراسهم، وتركوا الملعب للإصدرات المستوردة.
في تحقيقنا التالي، نطرح أسئلة على مجموعة من الأدباء تناقش من خلالها واقع الكتابة للأطفال في البحرين وأسباب تراجعها، مؤملين الكشف عن جوانب أخرى من الصورة...
أداة صعبة وخطيرة
لا يجد الروائي فريد رمضان في نفسه القدرة على الكتابة للأطفال، فهو لا يمتلك المؤهلات الثقافية التربوية التي تسمح له بكتابة نص للأطفال أو قصص للأطفال، «هو من أصعب أدوات التعبير وأخطرها؛ لأنها توجه لعقول طرية. وربما تسمح بعض الأفكار التي يطرحها الكاتب دون وعي منه لخلق التباس كبير في مخيلة الطفل».
يقول رمضان: إن إشفاقي من هذه الخطورة هو ما يمنعني من الكتابة في هذا المجال. فالكتابة للطفل تتطلب مسؤولية ووعياً كبيراً من جانبين؛ ثقافي وتربوي. وهما أمران من الصعب توافرهما لأي مبدع وبالذات الجانب التربوي.
ويستدرك رمضان: لكن ذلك لا يعني وجود مشكلة لدينا بشأن الكتابة للأطفال في البحرين. بدليل أن هناك كثير من الكتاب المتخصصين في الكتابة للأطفال في البحرين، ليس على مستوى البحرين بل على مستوى المنطقة. وهناك متخصصون في كتابة مسرح الطفل، وشعر الطفل، وفي القصة القصيرة الموجهة للطفل. فهناك تنوع متوافر في الكتابة للطفل في البحرين، ونحن نحترم تجاربهم. طبعاً هناك استسهال لدى البعض الآخر، مع أني شخصياً أعتبر الكتابة للطفل من أصعب الحقول الإبداعية.
مع ذلك لا يبدو رمضان راض كل الرضا عن المنتج الموجه للطفل في البحرين. إذ إن الطموح يسعى دائماً لوجود تجارب أكثر عمقاً، وبالذات مسرح الطفل. «لأنه -وللأسف- هبط خلال العشرين عاماً الماضية، بل كاد أن يكون معدوماً. مع أنه في أيام الثمانينات كان وجهاً وكان يحظى باهتمام كتاب الأطفال أمثال خلف أحمد خلف -الذي يعد من أهم من كتب لمسرح الطفل في البحرين- إضافة إلى اهتمام المؤسسات المسرحية بمسرح الطفل. لكنها اختفت للأسف».
كتّاب يختصون بالطفل
من جانبه لم يقتحم الشاعر إبراهيم بوهندي هذه المغامرة، ولا يظن نفسه قادراً على التعامل معها، وتحمل نتيجة تأثيره على الأطفال. بلى هو راغب في دخولها لكنه يشفق منها لأنها مجازفة يجب أن تكون محسوبة ومدروسة جيداً.
ويعلل ذلك بحاجة الكتابة للطفل إلى قدرات لا يمتلكها. فهي تتطلب الحذر في اختيار المواضيع والكلمات، والجرس الموسيقي سواء في الأغنية أو في أي منتج فني. كما تتطلب المعرفة بطبيعة التعامل مع الطفل، متسائلاً: كيف يمكن قبول مادة لا تخدم هدفاً من كاتب أو شاعر ذي ثقل؟!.
رغم ذلك، يؤكد بوهندي حاجة الطفل في البحرين إلى اهتمام أكبر على جميع المستويات، «فحتى في محيط البيت تحتاج عائلته إلى أن تترقى في طرق تعاملها مع الطفل. والمطلوب من الرقابة على المصنفات الموضوعة للطفل. كما إن على الجهات الرسمية أن تتيح للمتخصصين المساهمة في هذه المصنفات بحيث تلبي التربية. كما يجب حماية الطفل مما يسيء له».
ويرى أن هناك حاجة إلى متخصصين في أدب الطفل، مبدعين وأكاديميين. مبدعون ينصرفون إلى الكتابة للأطفال بأنواعها. «إبراهيم بوسند مثلاً مبدع متخصص في الكتابة للطفل، ذو تجربة مدروسة. وهناك مبدعون ذوو اهتمامات متعددة لكن ليست الكتابة للطفل همهم الشاغل».
أقلام قديمة مجتهدة
أما الشاعر علي الشرقاوي فلا يرى أن الكتابة للطفل أمراً مطلوباً من جميع الكتاب والأدباء، فهي «توجه فردي وهم خاص، تحتاج إلى العودة للطفل الداخلي، تحتاج إلى التعامل مع المفردة بصورة مختلفة عن التعامل مع الكبار، تحتاج إلى موهبة خاصة، قد لا تتوفر عند كل من يمارس الكتابة. لذلك نرى القليل من كبار الكتاب الذين كتبوا للأطفال».
لكن مملكة البحرين -كما يتصور الشرقاوي- ورغم عدم وجود أي اهتمام رسمي أو أهلي أو مؤسساتي بثقافة الطفل فيها، ورغم عدم وجود مجلة طفلية شهرية تستقطب الكتاب، يوجد بها مجموعة من الكتاب يواصلون الحفر وينتجون؛ فهناك عبدالقادر عقيل، خلف أحمد خلف، إبراهيم بشمي، إبراهيم سند، عقيلة سوار، فوزية رشيد، فريدة خنجي، وأسماء أخرى. وهناك العديد من الكتابات الرائعة التي نلتقي بها من إصدارات أدباء بحرينيين.
ما المشكلة إذن؟ يوضح الشرقاوي: «المشكلة تتمثل في عدم وجود ما يجمع هذه الكتابات. وذلك ما يجعل الأديب يصل إلى درجة الإحباط، لذلك يؤجل الكاتب ما لديه من مشاريع إلى أجل غير مسمى. فكل الكتاب الذين ذكرتهم لديهم قصص، لكن السؤال: من سيقوم بطباعة نتاجهم الإبداعي؟ إذا كانت كل من وزارة الثقافة وهيئة الإعلام ووزارة التربية والتعليم ووزارة التنمية وحقوق الإنسان كلها مجتمعة بعيدة عن ثقافة الطفل».
ويضيف الشرقاوي: إذا أردنا القراءة لأسماء جديدة، فلابد من خلق بيئة جديدة، بيئة قادرة على استقطاب كل من يجد لديه القدرة في العمل الثقافي الطفلي. وبالتالي سنجد أسماء أخرى غير الأسماء المعروفة لنا جميعاً. سنجد كاتب القصة، وكاتب الرواية، وكاتب السيناريو، والشاعر والرسام التشكيلي.
مبدعون: نحتاج بيئة مغايرة تنبت مغامرين جدد في أدب الأطفال
في تحقيقنا التالي، نطرح أسئلة على مجموعة من الأدباء تناقش من خلالها واقع الكتابة للأطفال في البحرين وأسباب تراجعها، مؤملين الكشف عن جوانب أخرى من الصورة...
أداة صعبة وخطيرة
لا يجد الروائي فريد رمضان في نفسه القدرة على الكتابة للأطفال، فهو لا يمتلك المؤهلات الثقافية التربوية التي تسمح له بكتابة نص للأطفال أو قصص للأطفال، «هو من أصعب أدوات التعبير وأخطرها؛ لأنها توجه لعقول طرية. وربما تسمح بعض الأفكار التي يطرحها الكاتب دون وعي منه لخلق التباس كبير في مخيلة الطفل».
يقول رمضان: إن إشفاقي من هذه الخطورة هو ما يمنعني من الكتابة في هذا المجال. فالكتابة للطفل تتطلب مسؤولية ووعياً كبيراً من جانبين؛ ثقافي وتربوي. وهما أمران من الصعب توافرهما لأي مبدع وبالذات الجانب التربوي.
ويستدرك رمضان: لكن ذلك لا يعني وجود مشكلة لدينا بشأن الكتابة للأطفال في البحرين. بدليل أن هناك كثير من الكتاب المتخصصين في الكتابة للأطفال في البحرين، ليس على مستوى البحرين بل على مستوى المنطقة. وهناك متخصصون في كتابة مسرح الطفل، وشعر الطفل، وفي القصة القصيرة الموجهة للطفل. فهناك تنوع متوافر في الكتابة للطفل في البحرين، ونحن نحترم تجاربهم. طبعاً هناك استسهال لدى البعض الآخر، مع أني شخصياً أعتبر الكتابة للطفل من أصعب الحقول الإبداعية.
مع ذلك لا يبدو رمضان راض كل الرضا عن المنتج الموجه للطفل في البحرين. إذ إن الطموح يسعى دائماً لوجود تجارب أكثر عمقاً، وبالذات مسرح الطفل. «لأنه -وللأسف- هبط خلال العشرين عاماً الماضية، بل كاد أن يكون معدوماً. مع أنه في أيام الثمانينات كان وجهاً وكان يحظى باهتمام كتاب الأطفال أمثال خلف أحمد خلف -الذي يعد من أهم من كتب لمسرح الطفل في البحرين- إضافة إلى اهتمام المؤسسات المسرحية بمسرح الطفل. لكنها اختفت للأسف».
كتّاب يختصون بالطفل
من جانبه لم يقتحم الشاعر إبراهيم بوهندي هذه المغامرة، ولا يظن نفسه قادراً على التعامل معها، وتحمل نتيجة تأثيره على الأطفال. بلى هو راغب في دخولها لكنه يشفق منها لأنها مجازفة يجب أن تكون محسوبة ومدروسة جيداً.
ويعلل ذلك بحاجة الكتابة للطفل إلى قدرات لا يمتلكها. فهي تتطلب الحذر في اختيار المواضيع والكلمات، والجرس الموسيقي سواء في الأغنية أو في أي منتج فني. كما تتطلب المعرفة بطبيعة التعامل مع الطفل، متسائلاً: كيف يمكن قبول مادة لا تخدم هدفاً من كاتب أو شاعر ذي ثقل؟!.
رغم ذلك، يؤكد بوهندي حاجة الطفل في البحرين إلى اهتمام أكبر على جميع المستويات، «فحتى في محيط البيت تحتاج عائلته إلى أن تترقى في طرق تعاملها مع الطفل. والمطلوب من الرقابة على المصنفات الموضوعة للطفل. كما إن على الجهات الرسمية أن تتيح للمتخصصين المساهمة في هذه المصنفات بحيث تلبي التربية. كما يجب حماية الطفل مما يسيء له».
ويرى أن هناك حاجة إلى متخصصين في أدب الطفل، مبدعين وأكاديميين. مبدعون ينصرفون إلى الكتابة للأطفال بأنواعها. «إبراهيم بوسند مثلاً مبدع متخصص في الكتابة للطفل، ذو تجربة مدروسة. وهناك مبدعون ذوو اهتمامات متعددة لكن ليست الكتابة للطفل همهم الشاغل».
أقلام قديمة مجتهدة
أما الشاعر علي الشرقاوي فلا يرى أن الكتابة للطفل أمراً مطلوباً من جميع الكتاب والأدباء، فهي «توجه فردي وهم خاص، تحتاج إلى العودة للطفل الداخلي، تحتاج إلى التعامل مع المفردة بصورة مختلفة عن التعامل مع الكبار، تحتاج إلى موهبة خاصة، قد لا تتوفر عند كل من يمارس الكتابة. لذلك نرى القليل من كبار الكتاب الذين كتبوا للأطفال».
لكن مملكة البحرين -كما يتصور الشرقاوي- ورغم عدم وجود أي اهتمام رسمي أو أهلي أو مؤسساتي بثقافة الطفل فيها، ورغم عدم وجود مجلة طفلية شهرية تستقطب الكتاب، يوجد بها مجموعة من الكتاب يواصلون الحفر وينتجون؛ فهناك عبدالقادر عقيل، خلف أحمد خلف، إبراهيم بشمي، إبراهيم سند، عقيلة سوار، فوزية رشيد، فريدة خنجي، وأسماء أخرى. وهناك العديد من الكتابات الرائعة التي نلتقي بها من إصدارات أدباء بحرينيين.
ما المشكلة إذن؟ يوضح الشرقاوي: «المشكلة تتمثل في عدم وجود ما يجمع هذه الكتابات. وذلك ما يجعل الأديب يصل إلى درجة الإحباط، لذلك يؤجل الكاتب ما لديه من مشاريع إلى أجل غير مسمى. فكل الكتاب الذين ذكرتهم لديهم قصص، لكن السؤال: من سيقوم بطباعة نتاجهم الإبداعي؟ إذا كانت كل من وزارة الثقافة وهيئة الإعلام ووزارة التربية والتعليم ووزارة التنمية وحقوق الإنسان كلها مجتمعة بعيدة عن ثقافة الطفل».
ويضيف الشرقاوي: إذا أردنا القراءة لأسماء جديدة، فلابد من خلق بيئة جديدة، بيئة قادرة على استقطاب كل من يجد لديه القدرة في العمل الثقافي الطفلي. وبالتالي سنجد أسماء أخرى غير الأسماء المعروفة لنا جميعاً. سنجد كاتب القصة، وكاتب الرواية، وكاتب السيناريو، والشاعر والرسام التشكيلي.
مبدعون: نحتاج بيئة مغايرة تنبت مغامرين جدد في أدب الأطفال