مشاهدة المرفق 269
الى رفائيل حبيب العمر الباقي
الحق اقول هذا الرجل هبلني، هذا الرجل وحده أسال الدمع من عيني وأسهدني وتبعته وغازلته وطلبته ان يصعد بي الى غرفة نومي محمولة بين ذراعيه كطفلة.
هذا الرجل أسقط كل قلاعي، أنا المتمترسة دائما خلف العقلانية والسياسة والنسوانية المتطرفة جدا دفعا لهشاشتي. كيف يحدث لي ذلك وانا التي ما ارقت يوما وما بكيت وحين تزوجت مرتين كان ذلك ضمن استراتيجية للتوالد محضة حدثني عنها شوبنهاور.
كل هذا بسبب خيط حذاء. والأمر حدث هكذا ببساطة.
كنت أشتغل في ضواحي باريس معيدة بإعدادية وكان ضمن مهامي مراقبة خروج الاطفال من البوابة. كان بالإعدادية طفل مريض عقليا، مصاب بنوع من الذهان ولأسباب خاصة جدا كنت دائما مشدودة الى عالم غير الأسوياء.
ذات يوم وانا احرس البوابة خرج الطفل الذي لم يكن يكلم أحداً غيري في الإعدادية كأنه يعرف ما بي. كان هناك رجل وسيم بانتظاره. من موقعي امام البوابة نظرت اليه وانحنى لربط خيط حذاء طفله. ارتجّ كل كياني وكادت أصابعي تهرب مني لتربّت على كتفيه.
صاحبتني الصورة طيلة اليوم وكان يغمرني حنان بالغ وانا افكر في الامر.
قلبت الامر من كل نواحيه وقلت ربما لأني أربي طفلتيّ بدون أب هزّتني هاته الصورة، لكنني عدت وأنا متيقنة أنني دائما تحمّلت مسؤولية بناتي دون الحاجة إلى رجل.
نمت تلك الليلة وأنا أعرف أنه حبيب العمر الباقي وأنه أسقط قلاعي بسبب خيط حذاء. تذكرت الفيلسوف نيتشه وانهياره الاخير في مدينة ايطالية امام منظر حصان يجلد. هل يعقل ان ينهار فيلسوف ارادة الاقتدار امام هذه الصورة المعهودة؟ هل يعقل ان يعبر الحب إليّ من خيط حذاء؟
بعدها بدأت افكر فيه طيلة اليوم وأمنحه أسماء كثيرة لأني لم أكن أعرف اسمه. وحين بدا السهاد والبكاء وشدّ الشعر بدا محمد الحياني ينتصب امام عيني وأظل انشد:
“غير البارح وانا هــــــــــاني واليوم هانا مشغول البال”
كان الحياني وما يزال أمير الرومانسية بالنسية لي رغم تأثري الشديد بالرومانسية الألمانية وتحديدا بمدرسة ”ايينا”، لهذا في زمن بعيد كنت اشغل كوسيط للحياني وأتخذ وضعيات شرود وحين تسألني أمي عما أفعله أقول لها: “كانترومانسا”
تغلق أمي الجهاز وتأمرني بالذهاب إلى المطبخ لاستكمال تكويني كربة بيت. أصرّت أمي على أن أتقن الطبخ من ألفه ليائه وأذعنت واكتشفت لذات غريبة في الطبخ.
حين التقيت برفائيل لم تعد لي رغبة بالطبخ ولا حتى للأكل، صرت جسدا اثيريا، أتنفس حبّا، آكل حبّا، أستيقظ على صورته أمامي، يراقصني التانغو، رقصي المفضل. يصاحبني في عملي وأنام وأنا أحضن وجهه الجميل بين ذراعي.
استمر الأمر هكذا شهورا ستة قبل أن أسرق رقم هاتفه الجوال من حاسوب رئيستي في العمل وأرسل له أول خطاب.
حدثني فيما بعد أنه حين تلقى الخطاب كان وحيدا وكان ذاهبا الى الطبيب النفساني المعالج لابنه الذي اعلن له ان ابنه يدخل في مرحلة شيزوفرينيا خطيرة.
قال لي انه توقف وبكى، بكى لأنه كان هو الآخر يحبني.. ولأنه خارج من زواج فاشل.. كان يخاف عليّ لأنه رجل مكسور.
الحق أقول رفائيل ليس مكسورا، هو فقط ملاكٌ عابر على الأرض وكان يجب أن نلتقي. وكان أول لقاءاتنا حين دعاني إلى عرض سينمائي واقترح ان نشاهد فيلم “ميونيخ” وقلت له:
- لا أضمن لك مزاجي بعد الفيلم فهو يتناول أهم منعطف في القضية الفلسطينية ولا اعرف وجهة نظر المخرج.. وقد أخرج في انتفاضة فردية.
- لم أكن أعرف انك بهاته الثورة تبدين هادئة.
اتفقنا على أن اختار الفيلم حفظا لسلامة اول لقاء.. واخترت "بروكباك مونتان" وهو قصة حبّ جميلة بين رجلين جمعهما حبّ الصيد.
لم أمنع نفسي عن أن أساله أن كان يحبّ الصيد بعد العرض فأجاب بلا.. فقلت له طمأنتني. بعدها تمشينا على ضفاف السين وكان خيط جدائلي ينسل مني وأعيد ربطه فقال:
- تشبهين طفلي
وقلت له:
- انا هكذا طفلة تتعثر في جسد امراة.
فقال:
- ضيق عليك جسدك فأنت تبدين ملاكا.
- هل يؤمن الملائكة بالعنف الثوري في نظرك.. أنا أكثر شيطانية مما تتصور.
كان المطر قد بدأ في السقوط وصار يقفز على قدم واحدة ويغني
- ايم سينغين أندر رين
وانا اتبعه
- وانا ايضا اغني تحت المطر
أنهينا الجنون عند الايراني بشارع مفتار.. وكان زبونا قديما لديه.. فاعتنى بنا وعرفني على أشياء جميلة من الطبخ وموسيقى ايران الجميلة.
لم نفترق بعدها لحظة واحدة.. وكان الموبايل بيننا رسولا في أوقات العمل إلى ان سألني:
- أية ريح هبت بك تجاهي يا امراة الصحراء
فأجبته:
- نفس الريح التي حين تقود رجالا طيبين الى بنات قبيلتي فلا ينفرط بينهم العقد ابدا.
يومها قال:
- أود أن اخبرك شيئا وقلت
- أنا أيضا
ولكن كلمة واحدة.. وتغلق الموبايل بسرعة.. فالريح قوية ولا أريدها أن تعصف بلحظة بوح جميلة
- أحبُّكِ
- أحبُّكَ
لم يمض وقت طويل.. وأقمنا في بيت مشترك جميل وسط المدينة، كنا بعد أن ينام أطفالنا الخمسة نقضي الليل في الحب والرسم والكتابة، رفائيل فنان تشكيلي قوي، رجل مسرح موهوب ومغني أوبرا.. لكنه مثلي كان هدفه الوحيد بناء أسرة ويحيط به اطفال.. لهدا قتل نفسه في عمل لا يحبّه وهو شركته الإشهارية التي اشتغلت معه فيها على الريداكتينغ وهو على التشخيص البصري.
فتح عيني على لغات أخرى للابداع، على لغة اللون والشكل. فكنا نزور متاحف باريس تكرارا. علّمني كيف أقرأ لوحات لبوتشيلي، ماتيس، دولاكروا، اندي واررول...
كنت أمارس المسرح أيامها وكان يدرّبني وهو الذي تخرج من مدرسة “جاك لوكوك” احدى اهمّ مدارس التكوين المسرحي بفرنسا. معه اكتشفت جاك لوكوك، داريو فو، تينسي ويليامز ومسرح المقهور لاوكوستو بوال الذي غير حساسيتي المسرحية تماما. وكنت بين قبلة وأخرى أقرأ له أشعار ابن عربي والسيّاب ودرويش.. وبعد كل عربدة أدخل به عوالم شكري..
وكان جنوننا متوافقا تماما.
الحق أقول مع هذا الرجل أكون كما أنا جسدا من حبّ وكلمات..
هذا الرجل جنتي وبستاني “ابو حيان التوحيدي”..
الحق أقول هذا الرجل عشيق روحي..
وأقول هذا الرجل أعبده.
.
الى رفائيل حبيب العمر الباقي
الحق اقول هذا الرجل هبلني، هذا الرجل وحده أسال الدمع من عيني وأسهدني وتبعته وغازلته وطلبته ان يصعد بي الى غرفة نومي محمولة بين ذراعيه كطفلة.
هذا الرجل أسقط كل قلاعي، أنا المتمترسة دائما خلف العقلانية والسياسة والنسوانية المتطرفة جدا دفعا لهشاشتي. كيف يحدث لي ذلك وانا التي ما ارقت يوما وما بكيت وحين تزوجت مرتين كان ذلك ضمن استراتيجية للتوالد محضة حدثني عنها شوبنهاور.
كل هذا بسبب خيط حذاء. والأمر حدث هكذا ببساطة.
كنت أشتغل في ضواحي باريس معيدة بإعدادية وكان ضمن مهامي مراقبة خروج الاطفال من البوابة. كان بالإعدادية طفل مريض عقليا، مصاب بنوع من الذهان ولأسباب خاصة جدا كنت دائما مشدودة الى عالم غير الأسوياء.
ذات يوم وانا احرس البوابة خرج الطفل الذي لم يكن يكلم أحداً غيري في الإعدادية كأنه يعرف ما بي. كان هناك رجل وسيم بانتظاره. من موقعي امام البوابة نظرت اليه وانحنى لربط خيط حذاء طفله. ارتجّ كل كياني وكادت أصابعي تهرب مني لتربّت على كتفيه.
صاحبتني الصورة طيلة اليوم وكان يغمرني حنان بالغ وانا افكر في الامر.
قلبت الامر من كل نواحيه وقلت ربما لأني أربي طفلتيّ بدون أب هزّتني هاته الصورة، لكنني عدت وأنا متيقنة أنني دائما تحمّلت مسؤولية بناتي دون الحاجة إلى رجل.
نمت تلك الليلة وأنا أعرف أنه حبيب العمر الباقي وأنه أسقط قلاعي بسبب خيط حذاء. تذكرت الفيلسوف نيتشه وانهياره الاخير في مدينة ايطالية امام منظر حصان يجلد. هل يعقل ان ينهار فيلسوف ارادة الاقتدار امام هذه الصورة المعهودة؟ هل يعقل ان يعبر الحب إليّ من خيط حذاء؟
بعدها بدأت افكر فيه طيلة اليوم وأمنحه أسماء كثيرة لأني لم أكن أعرف اسمه. وحين بدا السهاد والبكاء وشدّ الشعر بدا محمد الحياني ينتصب امام عيني وأظل انشد:
“غير البارح وانا هــــــــــاني واليوم هانا مشغول البال”
كان الحياني وما يزال أمير الرومانسية بالنسية لي رغم تأثري الشديد بالرومانسية الألمانية وتحديدا بمدرسة ”ايينا”، لهذا في زمن بعيد كنت اشغل كوسيط للحياني وأتخذ وضعيات شرود وحين تسألني أمي عما أفعله أقول لها: “كانترومانسا”
تغلق أمي الجهاز وتأمرني بالذهاب إلى المطبخ لاستكمال تكويني كربة بيت. أصرّت أمي على أن أتقن الطبخ من ألفه ليائه وأذعنت واكتشفت لذات غريبة في الطبخ.
حين التقيت برفائيل لم تعد لي رغبة بالطبخ ولا حتى للأكل، صرت جسدا اثيريا، أتنفس حبّا، آكل حبّا، أستيقظ على صورته أمامي، يراقصني التانغو، رقصي المفضل. يصاحبني في عملي وأنام وأنا أحضن وجهه الجميل بين ذراعي.
استمر الأمر هكذا شهورا ستة قبل أن أسرق رقم هاتفه الجوال من حاسوب رئيستي في العمل وأرسل له أول خطاب.
حدثني فيما بعد أنه حين تلقى الخطاب كان وحيدا وكان ذاهبا الى الطبيب النفساني المعالج لابنه الذي اعلن له ان ابنه يدخل في مرحلة شيزوفرينيا خطيرة.
قال لي انه توقف وبكى، بكى لأنه كان هو الآخر يحبني.. ولأنه خارج من زواج فاشل.. كان يخاف عليّ لأنه رجل مكسور.
الحق أقول رفائيل ليس مكسورا، هو فقط ملاكٌ عابر على الأرض وكان يجب أن نلتقي. وكان أول لقاءاتنا حين دعاني إلى عرض سينمائي واقترح ان نشاهد فيلم “ميونيخ” وقلت له:
- لا أضمن لك مزاجي بعد الفيلم فهو يتناول أهم منعطف في القضية الفلسطينية ولا اعرف وجهة نظر المخرج.. وقد أخرج في انتفاضة فردية.
- لم أكن أعرف انك بهاته الثورة تبدين هادئة.
اتفقنا على أن اختار الفيلم حفظا لسلامة اول لقاء.. واخترت "بروكباك مونتان" وهو قصة حبّ جميلة بين رجلين جمعهما حبّ الصيد.
لم أمنع نفسي عن أن أساله أن كان يحبّ الصيد بعد العرض فأجاب بلا.. فقلت له طمأنتني. بعدها تمشينا على ضفاف السين وكان خيط جدائلي ينسل مني وأعيد ربطه فقال:
- تشبهين طفلي
وقلت له:
- انا هكذا طفلة تتعثر في جسد امراة.
فقال:
- ضيق عليك جسدك فأنت تبدين ملاكا.
- هل يؤمن الملائكة بالعنف الثوري في نظرك.. أنا أكثر شيطانية مما تتصور.
كان المطر قد بدأ في السقوط وصار يقفز على قدم واحدة ويغني
- ايم سينغين أندر رين
وانا اتبعه
- وانا ايضا اغني تحت المطر
أنهينا الجنون عند الايراني بشارع مفتار.. وكان زبونا قديما لديه.. فاعتنى بنا وعرفني على أشياء جميلة من الطبخ وموسيقى ايران الجميلة.
لم نفترق بعدها لحظة واحدة.. وكان الموبايل بيننا رسولا في أوقات العمل إلى ان سألني:
- أية ريح هبت بك تجاهي يا امراة الصحراء
فأجبته:
- نفس الريح التي حين تقود رجالا طيبين الى بنات قبيلتي فلا ينفرط بينهم العقد ابدا.
يومها قال:
- أود أن اخبرك شيئا وقلت
- أنا أيضا
ولكن كلمة واحدة.. وتغلق الموبايل بسرعة.. فالريح قوية ولا أريدها أن تعصف بلحظة بوح جميلة
- أحبُّكِ
- أحبُّكَ
لم يمض وقت طويل.. وأقمنا في بيت مشترك جميل وسط المدينة، كنا بعد أن ينام أطفالنا الخمسة نقضي الليل في الحب والرسم والكتابة، رفائيل فنان تشكيلي قوي، رجل مسرح موهوب ومغني أوبرا.. لكنه مثلي كان هدفه الوحيد بناء أسرة ويحيط به اطفال.. لهدا قتل نفسه في عمل لا يحبّه وهو شركته الإشهارية التي اشتغلت معه فيها على الريداكتينغ وهو على التشخيص البصري.
فتح عيني على لغات أخرى للابداع، على لغة اللون والشكل. فكنا نزور متاحف باريس تكرارا. علّمني كيف أقرأ لوحات لبوتشيلي، ماتيس، دولاكروا، اندي واررول...
كنت أمارس المسرح أيامها وكان يدرّبني وهو الذي تخرج من مدرسة “جاك لوكوك” احدى اهمّ مدارس التكوين المسرحي بفرنسا. معه اكتشفت جاك لوكوك، داريو فو، تينسي ويليامز ومسرح المقهور لاوكوستو بوال الذي غير حساسيتي المسرحية تماما. وكنت بين قبلة وأخرى أقرأ له أشعار ابن عربي والسيّاب ودرويش.. وبعد كل عربدة أدخل به عوالم شكري..
وكان جنوننا متوافقا تماما.
الحق أقول مع هذا الرجل أكون كما أنا جسدا من حبّ وكلمات..
هذا الرجل جنتي وبستاني “ابو حيان التوحيدي”..
الحق أقول هذا الرجل عشيق روحي..
وأقول هذا الرجل أعبده.
.