* إهداء إلى صديقي الأديب المهدي نقوس
مدخل :
أراك تحمل شارة الحلم بين يديك
وليدا يحبو
يرنو نحو الشمس
يغسلك بماء الروح
تتوضأ على أفراح حبلى
و نصر قريب ...
تجاوزت الأيام حتفها و أسقطت حكما عاشته حوريات القصر، وحدها شهرزاد سقت الروح وأينعت تحت ظلال السيف روح الحكايات والأمنيات، الليل يعدو مسرعا نحو شهريار وهي جاهدة تصنع حدث اليوم، لتلفه مرة أخرى بإغراء قصصها فيطول السهر و يختفي السياف .
شهرزاد يمتد بها حنينها إلى الانعتاق وشهريار يتمنى على الليل أن يُقدم بعباءة مطرزة بفرح جديد وعشق جديد.ما عاد فكره مشغولا بالقَصاص لكل من لم يغرد لها نومه، فلون الحكي عندها كملمس حرير ناعم يذيب كل شيء، ها هي والليل يباغتها لم تصنع عالما لسيدها، تتراءى لها المقصلة قريبة من رقبتها التي كان يتفحصها بين اللحظة و الأخرى. وتأبى الحكاية أن تلف أصابعها حول أعناق أبطال جدد تمردوا أخيرا ورفضوا أن تمارس عليهم شهرزاد غوايتها اليومية.
على فراشه الوثير كان يغازل قصصها ، يبتسم لمحياها و هي غائبة تحلق في سراديب القص والليل يزحف ببطء شديد.
طال انتظاره وعانقه الملل فانشغل بأمور رعيته حتى أزف الليل الذي افتقده طيلة يوم بكامله معلنا بدايته، فليحيا الحكي وليعزف الأبطال سيمفونية جديدة تمنحه الفرجة والمتعة اللذيذة.
هاهي ذي قادمة كحورية مجدلة الضفائر، حفيف ثوبها الحريري يدغدغ مسامعه فيرقص قلبه طربا للآتي. وجه بلوري يسطع بأناقة كلوحة بهية الألوان، في خشوع الرهبان تخطو نحوه، وحده قلبها الذي يقفز من مكانه يكشف سترها واصفرار بشرتها.
بين يديه أقبلت على فَرشتها المعتادة الوتيرة بابتسامة مشجعة دعاها أن تفتح أحلامه على سرداب حكيها.
حينها تسربت الحروف من شفتيها كغدير منساب تلألأ محياها وغاصت تذوب بين شخصيات حكيها الذين استسلموا لها، كانت لمسة مشاغبة منهم أن يمتنعوا عن المثول بين يديها.وبدأت "كان يا ما كان في سالف العصر و الأوان. " تدلت عيناه من محجريهما مشبعة بريح الفضول والمتعة فهل من مزيد؟
الصورة لوحة أسطورية لملك على عرشه ممدد وعبيده يلفونه كقطعة ماس من يطري له الريح ومن يقدم له الشراب ومن تدلك له رجليه وعن يمينه وعن شماله.تلفك الأسطورة وشهرزاد مازالت تنسج حدثا وراء حدث .طيعة صارت حروفها وشخوص أبطالها انغمسوا في لعبة الأدوار. فرح، حزن رهبة انسجام خصام حروب. كانت مجرد كلمات صنعت منها أميرة السرد حكايات الألف ليلة. سرقت لب الملك و تدللت دون أن تدري.. كل تلك اللحظات التي عاشتها تبحث عن حكي يسعد الملك ويعفيها من لحظة موت، قد هدها، هاهي تحاول أن تسرب ليلها كالمعتاد، لكنها اليوم تجد نفسها تغفو بين لحظة وأخرى قاومت جاهدة أن تظل في كامل صحوها، لكن رويدا رويدا أطبق عليها نوم ثقيل، ولم تعي بما حولها سوى هذا السفر المباغت إلى عالم السبات الذي ألجم لسانها و أوقف الحكاية عن منتهاها.
ظل شهريار مشدودا إلى حكيها حتى غفت فجأة\\ نظر إليها مشفقا ، تأملها في صمت، صعب أن تتفرس ملامح وجهه حينها، أو تستشف من تقاسيم وجهه ما سيقدم عليه بمن يفترض أن تسليه حتى يغفو، لكنه فجأة قام من مقعده الملكي وقصد حيث شهرزاد قتلت الحكاية، انحنى نحوها وبحنو شديد حملها بين ذراعيه ووضعها على سريره الملكي ، فقد آن للحكاية أن تحلم بدلا عن شهرزاد وشهريار .
مريم بن بخثة ـ المغرب